
حجاج بيت الله يفدون إلى عرفة لأداء ركن الحج الأعظم
يونيو 5, 2025
أمة تحج وتجاهد.. وكاتبون وكتائب.. ومداد ودماء!
يونيو 9, 2025د. محمد الصغير – رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
في هذه الأيام المباركة من عشر ذي الحجة من عام 1446ه، نفتتح العام الرابع لمجلة أنصار النبي ﷺ من خلال عددها السابع والثلاثين، والتي لم تفارق خندق الرباط حول قضايا الأمة، والتعبير عن آمالها وآلامها، ومن ذلك أنها كانت خلال العشرين شهراً الماضية في مقدمة صفوف معركة طوفان الأقصى، وكانت من ألسنة الصدق المعبرة عن حقيقة المعركة، وطبيعة الصراع المتجذر الذي بدأ باصطفاء رسول الله ﷺ لختم النبوات، ويستمر إلى المعركة الأخيرة التي يدل عليهم فيها الحجر والشجر، فهي معركة الوجود بين القرآن والتلمود.
انبرت المجلة لجهاد الكلمة واللسان، والذي لا غنى عنه إلى جوار معركة السيوف والسنان، وقد جمع الله لأهل غزة في هذا أعظم الأجر وأفضل العمل: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ”، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: “وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء”.
حيث أخبر رسول الله ﷺ أن أي عمل صالح في عشر ذي الحجة، أفضل من أي عمل فيما سواها من الأيام، ولعلم الصحابة بأن الجهاد أفضل الأعمال وذروة سنام الإسلام سألوا رسول الله ﷺ: ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال لهم: “ولا الجهاد في سبيل الله”، واستثنَى صورة واحدة من صور الجهاد، وهي صورة الرجل الذي خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء، وجمع الله لأهل غزة في هذه الأيام أفضل الأعمال في أفضل الأيام، فقد خرجوا وهُجروا وتركوا أموالهم وديارهم، وفقدوا أحبتهم في سبيل الله، وتدخل عليهم عشر ذي الحجة للعام الثاني على التوالي وهم في رباط وجهاد واستشهاد، فاجتمع لهم من أبواب الخير ما لم يجتمع لغيرهم.
وكل من تعرض لحديث ابن عباس من العلماء استنبط منه جملة من الفوائد نذكر منها:
أولاً: تفضيل بعض الأزمنة والأمكنة على بعض، بل وفي الأنبياء والرسل أيضاً: ﴿تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۘ﴾ [البقرة: ٢٥٣].
ثانياً: تتفاضل الأعمال الصالحة تبعاً للزمان والمكان الذي تؤدَّى فيه.
ثالثا: من رحمة الله بعباده تعدد مواسم الطاعات، “وإن لربكم في أيام دهركم لنفحات”، وعلى المسلم أن يغتنمها ويتعرض لها.
رابعاً: اختلف أهل العلم في تفضيل العشر الأوائل من ذي الحجة على العشر الأواخر من رمضان، فمنهم من قال إن الأيام العشر أفضل لاحتوائها على يوم عرفة، وليالي العشر من رمضان أفضل لاحتوائها على ليلة القدر؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وخالفهم مَن تمسك بعموم التفضيل الوارد في حديث ابن عباس في فضل العشر.
خامساً: مَن اجتمع له شرف الزمان والمكان فقد حاز الخير من أطرافه؛ كمن جاءت عليه العشر في الحرمين الشريفين أو رحاب المسجد الأقصى المبارك.
سادساً: العمرة في العشر أفضل من العمرة في غيرها.
سابعاً: أن أفضل الأعمال الجهاد في سبيل الله، وكان ذلك متقررًا عند الصحابة، لذلك سألوا رسول الله: “ولا الجهاد؟” فأقرهم.
ثامناً: أن العمل الصالح في العشر يفوق الجهاد في غيرها، والجهاد في العشر أفضل من الجهاد في غيرها.
تاسعاً: أن من خرج بنفسه وماله واستشهد في سبيل الله فهو بأعلى المنازل، وعمَلُه هذا أفضل عند الله من أي عمل صالح ولو كان في العشر، وأن الخروج بالنفس والمال أعظم صور الجهاد في سبيل الله.
عاشراً: مَن كان عليه قضاء من رمضان، وقضاه في هذه العشر فهو أحب، ويجوز الجمع فيه بين نية الفرض والنفل، وبه كان يفتي عمر رضي الله عنه.
الحادي عشر: الحديث ذكر مطلق العمل الصالح، ولا مخصِّص له؛ فكل الأعمال الصالحة مفضَّلة في العشر، ومنها الصوم، وأقله الاثنين والخميس، أو صيام يوم عرفة، وله فضيلتان:
أ- أنه عمل صالح في العشر.
ب- أنه يكفر ذنوب سنتين؛ كما جاء في الحديث الصحيح “صوم يوم عرفة يكفر سنةً قبلَه وسنةً بعدَه”.
الثاني عشر: يندب الإكثار والتنويع من العمل الصالح في هذه العشر فرضًا ونفلًا حتى تكثر الفضائل.
الثالث عشر: من أيسر العبادات وأعظمها أجراً عبادة الذكر، وهناك خصوصية عظيمة للإكثار من ذكر الله في هذه العشر للنص عليه في الحديث الصحيح: “فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ”، ومشروعية الجهر والسر بالتكبير والتهليل فرادى وجماعات فإنه من العمل الصالح، وثبت أن ابن عمر وأبا هريرة كانا يكبران في العشر.
قال البخاري: “وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وكبر محمد بن علي خلف النافلة”.
الرابع عشر: يوم العيد هو ختام العشر وتمام الفضل، وفيه شعيرة الأضحية، وذبحها يوم العيد أفضل من ثانيه، لأن الأضحية من العمل الصالح في العشر، ويجوز الذبح في كل أيام التشريق.
الخامس عشر: من الأعمال الصالحة في العشر صلاة العيد والتكبير فيه، وصلة الأرحام، وتفقد المساكين والجيران.
السادس عشر: تبدأ أعمال الحج في اليوم الثامن من العشْر، وهو يوم التروية، ثم الوقوف بعرفة في اليوم التاسع، وبعده يوم النحر وإتمام المناسك فيه، وأداء طواف الإفاضة يوم العيد أفضل لأنه من العشر وهو فِعل رسول الله ﷺ.
السابع عشر: ما يجتمع من أركان الإسلام وشعائر الإيمان في العشر لا يجتمع في غيرها، من صلاة وصيام وصدقة، وحج وعمرة وأضحية.
الثامن عشر: من تحرى إخراج زكاة ماله في العشر، أو جعل حَوْله فيها، كان خيراً له من غيرها من الأيام وهي توافق نهاية العام الهجري.
التاسع عشر: فضل أيام العشر يشمل لياليها أيضاً، وبها أقسم الله تعالى: ﴿وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَیَالٍ عَشۡرࣲ﴾ [الفجر: 1-2].
كما في قوله تعالى: ﴿وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ فِیۤ أَیَّامࣲ مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ﴾ [البقرة: ٢٠٣] أي: أيام مِنى، وهي تشمل الليل والنهار بلا شك.
العشرون: اختار الله شهر رمضان لفريضة الصوم، وعشر ذي الحجة لفريضة الحج.
فأسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم ويخلف نفقتهم، ومن عامة المسلمين صالح أعمالهم، وأن يحفظ أهل غزة وينصرهم على عدوهم، ويجعل على أيديهم تحرير المسرى والأسرى.