
السقيفة والخلافة
فبراير 12, 2025
ملايين الدولارت من أمريكا لدعم الشواذ والمتحولين
فبراير 13, 2025الشيخ جلال الدين بن عمر الحمصي – سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في لبنان
الحمدُ لله العزيزِ الوهَّاب، القويِّ الغلَّاب، ناصرِ أهلِ الإيمانِ وهازمِ الأحزاب، ذي القُدرةِ القاهرةِ، والآياتِ الباهرةِ، والآلاءِ الظاهرةِ، والنِّعمِ المتظاهرةِ. الحمدُ للهِ الذي أحاطَ سلطانُه بكلِّ شيءٍ، ووسعَ علمه ورحمته كلَّ شيءٍ، سبحانَ من سبَّحتْ له السمواتُ وأفلاكُها! والبحارُ وأمواجُها! وسبَّحتْ له الجبالُ وسهولُها! وسبَّحتْ له الحِيتانُ في مُحيطاتِها! سبحانَ من سبَّحتْ له النجومُ في أبراجِها! وسبَّحتْ له الأشجارُ وثمارُها! سبحانَ من سبَّحتْ له الملائكةُ في سماواتِها!
مَليكٌ عَلى عَرشِ السَماءِ مُهيمِنٌ * لِعِزَّتِهِ تَعنو الوجوهُ وَتَسجُدُ
وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الحكم وإليه ترجعون، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أنزل عليه الكتاب بالحق والميزان، والحجة والبيان، والسيف والسِنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
(1) رجال صدقوا
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾
معاشر المسلمين! من جند الله تعالى في الأرض رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وسخروا أموالهم ودماءهم فداء لله ونصرة لدينه ودفاعًا عن الأرض والعرض، فوفقهم الله وآزرهم بنصر من عنده سطر أمجادًا ستحكى في التاريخ لمئات قادمة من السنين..
فتوحات تلو الفتوحات وبشائر من الله بدءًا من الشام وانتهاء بغزة الصامدة العزيزة التي أرغمت أنوف أقوى القوى في العالم.. ولكن قوة الله فوق كل شيء.. إنما النصر صبر ساعة وما ذلك على الله بعزيز.. قال تعالى: ﴿وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ﴾ [الأعراف: 137].
استفاضت الأخبار عن السلف أن الأرض التي بارك الله فيها هي الشام؛ لأنها مأوى الجهاد والرباط، وقبلة المجاهدين، وجندها خير الجند؛ كما ورد في حديث ابن حوالة رضي الله عنه. وقال الثعالبي رحمه الله في تفسيره: “والْمَسْجِد الْأَقْصَى: بيت المقدس، «والأقصى» البعيدُ، والبركة حولَهُ منْ وجهين: أحدهما: النبوَّة والشرائعُ والرسُل الذين كانوا في ذَلِكَ القُطْر، وفي نواحيه، والآخر: النِّعَم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة”.
وجاء في الحديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّىِ يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”.
بأس المجاهدين في الشام وفلسطين
لقد تعانق السابع من ديسمبر مع السابع من أكتوبر ليجعلا العالم بأسره يقف مذهولًا أمام بأس المجاهدين في الشام وفلسطين.
ففتح بيت المقدس يمر من الشام حقًا.. طريق القدس يمر من سوريا كل سوريا.. من إدلب الخضراء وحلب الشهباء وحمص الوليد وحماة الإباء ودمشق خير مدائن الشام وفسطاطها الغوطة.. وسوريا كل سوريا.. فتح بيت المقدس يمر من غزة العزة ومخيم جنين وطولكرم ونابلس والضفة.. وفلسطين كل فلسطين.
بعد مضي ما يقارب الخمسمائة يوم، ها هي الحرب على غزة، قد وضعت أوزارها وانجلى غبارها، في أرض غزة الصابرة الصامدة، بعدما اصطفى الله جل جلاله من شاء من عباده شهيدًا، وأظهر رجال الإسلام بطولة وصمودًا؛ وعزة وشموخًا، واستنصروا الله فنصرهم، واستغاثوه فأغاثهم، واستعانوا به فأعانهم، وصدقوه فصدقهم؛ قال تعالى: ﴿وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا﴾ [الأحزاب: 25]، واضطر أعداء الله الصهاينة أن يوقفوا إطلاق النار أذلة صاغرين بعدما أعيتهم الحيلة أمام صمود الأبطال، وعزة الإسلام.
معاشر المسلمين! إن خلف هذا الانتصار العظيم رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفقدوا، مجهولون في الأرض، معروفون في السماء لا يعلمهم إلا الله!
يحتفل الناس الآن بينما هم قد بدأوا في عمل جديد، يستعدون لجولة قادمة، حتى إذا ما جد الجد، ودقت طبول الحرب، كانوا طليعة أمتهم.
نفسي الفداء لأولئك الذين لبسوا أكفانهم، وهم يعلمون أن الحرب لن تضع أوزارها حتى يحرروا مسجدهم، ويطهروا بلادهم، ويظهروا على عدوهم! قد ادخروا أمنهم ليوم الفزع الأكبر، وراحتهم وفرحتهم ليوم لقاء ربهم في جنة عرضها السماوات والأرض!
أراد المجاهدون في فلــسطين الشـهادة فوهبها الله لمن اختارها منهم، ووهب لهم الحياة بعزة وشموخ، وإباء ورفعة.
معاشر المسلمين! هذا النصر الباهر ليس فقط على دولة الكيان الصهيوني، ولكنه نصر على تيار التطبيع والاستسلام والخنوع، وسياسة التسليم بالأمر الواقع. هذا الانتصار هو تأسيس لمرحلة جديدة تتغير فيها معادلات الصراع وتوازن القوة بين المقاومة والكيان الصهيوني. لا أحد بعد اليوم يستطيع أن يتجاوز المقاومة الفلسطينية ذات المرجعية الإسلامية مهما أوتي من قوة وجبروت. هذا النصر المؤزر دفن إلى الأبد شعار الجيش الذي لا يُقهر الذي كان يتبجح به العدو الصهيوني، وكشف للعالم كم هو ضعيف ذلك الجيش الذي عجز عن تأمين المطارات والمرافق العامة.
لقد انتصرت المقاومة لأنها آوت إلى ركن شديد بتوكلها واعتمادها على الله وحده، وجعلت ثقتها في وعد الله الحق الذي قال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ﴾ [محمد: 7-8].
عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال لابنه لما أراد الغزو: “صريخ الشام إذا جاء بلغه كل مسلم”.
فصريخ الشام يوجع كل مسلم، ونصر الشام يفرح به كل مؤمن.. فكيف بفتح الشام وانتصار رجال غزة الأعزاء؟!
فكما أكرمنا الله بفتح الشام والصلاة في المسجد الأموي وانتصار مجاهدي غزة البواسل.. بإذن الله سيفتح بيت المقدس وسنصلي في الأقصى قريبًا.. هذا وعد الله والله لا يخلف وعده.
(2) الملائكة
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾
- من جنوده الملائكة: خلقهم أصنافًا، وجعل لهم مهامًا وأعمالًا. قال تعالى فيهم: ﴿لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
منهم ملائكة مجندون يرسلهم الله ليقاتلوا مع أوليائه المؤمنين، ليحقق بهم النصر المبين، قال اللهُ تعالى في أهلِ بَدرٍ: ﴿إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَان﴾ [الأنفال: 12]، قال الإمام القرطبي في تفسيره: “فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، أي: بَشِّروهم بالنَّصرِ أو القتالِ معهم، أو الحُضورِ معهم من غيرِ قِتالٍ”.
وأخرج البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: “هَذَا جِبْرِيلُ، آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ”.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ [يعني في غزوة بدر] يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: “صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ”.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح مسلم: قَولُه أَقْدِمْ حَيزوم وهو اسمُ فَرَسِ الملَكِ، وهو منادًى بحَذفِ حَرفِ النِّداءِ، أي: يا حَيزومُ.
وقال أبو العَّباسِ القُرطبيُّ في كتابه المفهم: قوله “ذلك من مَدَدِ السَّماءِ الثَّالثةِ” أي: من مَلائِكةِ السَّماءِ الثَّالثة التي أمِدُّوا بهم. وهذا يدُلُّ على أنَّهم كانوا أُمِدُّوا بمَلائِكةٍ مِن كُلِّ سماءٍ، ويدُلُّ هذا الخبرُ على أنَّ المَلائِكةَ قاتلت يومَئذٍ، وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ.
وقال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: في غَزَواتِ النَّبيِّ ﷺَم قاتلت معه المَلائِكةُ، منها في بَدرٍ وحُنَينٍ، ونزلت المَلائِكةُ يومَ الخَندَقِ، فزلزلت المُشرِكين وهزمَتْهم.
وعَنْ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَحْزَاب، دَخَلَ الْمُغْتَسَلَ لِيَغْتَسِلَ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: أَوَقَدْ وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ؟ مَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ، انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ.
قال ابنُ الملَقِّن في حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: فيه قِتالُ المَلائِكةِ بسِلاحٍ، وفيه: دَلالةٌ على أنَّ المَلائِكةَ تَصحَبُ المجاهِدينَ في سَبيلِ اللهِ، وأنَّها في عَونِهم ما استقاموا، فإن خانوا وغَلُّوا فارقَتْهم.
معاشر المسلمين! سبحانه قادر في لمحة بصر، وخطفة برق؛ أن يساوي عالي هذه الأرض ببطحائها، ويوازي جبالها الشامخة برمضائها ﴿إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢﴾ [يس: 82].
(3) الريح
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾
ومن جنود الله عز وجل الريح، وقد أهلك الله عز وجل بها أقواماً اغتروا بقوتهم، كما أخبر الله عن قوم عاد فقال: ﴿فَأَمَّا عَادࣱ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ * فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا صَرۡصَرࣰا فِیۤ أَیَّامࣲ نَّحِسَاتࣲ لِّنُذِیقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡیِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا یُنصَرُونَ﴾ [فصلت: 15-16].
وسخرها الجبار عليهم فقال تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادࣱ فَأُهۡلِكُوا۟ بِرِیحࣲ صَرۡصَرٍ عَاتِیَةࣲ * سَخَّرَهَا عَلَیۡهِمۡ سَبۡعَ لَیَالࣲ وَثَمَـٰنِیَةَ أَیَّامٍ حُسُومࣰاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِیهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِیَةࣲ * فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِیَةࣲ﴾ [الحاقة: 6-8].
فالرياح والأعاصير من جنود الله، مسيّرة بأمر الله جل جلاله بحركة مقدرة لا تزيد ولا تنقص؛ وقد تكون هذه الرياح والأعاصير وما يرسله المولى سبحانه وتعالى رحمة على المؤمنين أو ابتلاءً وقد تكون عذابًا على الكافرين؛ وخاصة المحاربين المعتدين الذين يهددون بإحراق ديار الإسلام؛ فالله سبحانه وتعالى أرسل الرياح والأعاصير عليهم عذابًا ونكالًا.
وإن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ويتفكرون..
قال تعالى ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]، ليتفكر بها أولو العقول والألباب فيعتبرون ويتعظون.
والناس إذا رأوا الظلم فلم ينكروه، عمهم العقاب ونزل بهم العذاب؛ ففي الحديث: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ”. وفي رواية: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ”.
إخوتي في الله..
إن ما يحدث في كاليفورنيا ولوس أنجلوس من أعاصير فيها نار ورياح عاتية، وما حدث في غيرها من تلك الدول التي يكثر فيها نزول عذاب الله عليهم؛ إنما ذلك بسبب طغيانهم وظلمهم وقتلهم للمسلمين والتآمر على ديار الإسلام، فضلًا عن ولوغهم في المعاصي والآثام وتصديرهم للمنكرات وغير ذلك من الفسوق والفجور.. بل وتحديهم للواحد القهار!
ولقد أبهج الله قلوب المؤمنين يوم أن سلط جندًا من جنوده على الولايات المتحدة الأمريكية.. تلك الديار التي عاثت في الأرض فسادًا، فأرسل عليها نارًا وإعصارًا، خلف وراءه هلاكًا ودمارًا، دمارًا أبهج الله به قلوب المؤمنين، وانتقم فيه للمستضعفين.. المستضعفين في غزة..
أمريكا؛ تلك الدولة الظالمة الجائرة، التي ما فتئت ترسل صواريخها وأسلحتها لليهود ليبيدوا بها غزة وأهلها؛ فأدب الله تلك الدولة التي كانت تزعم أنها دولة عظمى، بأن دمر أعظم ولاياتها وأرقاها في يوم وليلة، فبين عشية وضحاها أصبحت خاوية على عروشها، بعد أن كانت عامرة بأهلها وسكانها.
فأين هي أمريكا العظمى؟! التي كانت تتفاخر بما وصلت إليه جيوشها من خبرات عالية، وتدريبات قتالية داهية، وأسلحة مشروعة وغير مشروعة، تلك التي تعالت على أمم الأرض جميعها؟
فأين هي قوة أمريكا العظمى؟! وماذا عساها أن تفعل أمام قوة الله جل جلاله الذي قال: ﴿وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ﴾ [البقرة: 165]؟
معاشر المسلمين!
إن ربنا جل جلاله عزيز ذو انتقام، وهو سريع الحساب، وشديد العقاب، يأخذ القرى وهي ظالمة، وأخذه أليم شديد.. يجيب دعوة المضطرين، وينصر المظلومين، ويبيد الطغاة ويهلك الظالمين.
فمن ذا الذي يقف أمام قوته وبطشه؟! ومن ذا الذي يأمن من مكره؟!
سبحانه.. العزة له، والجبروت له، والكبرياء له، والسلطان له، والملك له، والحكم له، والقوة له.
له جنود السماوات والأرض؛ يرحم بها من يشاء، ويعذب بها من يشاء.
الماء من جنده، والنار من جنده، والجراد والقمل والضفادع، والدم والنمل، والخسف والرجف، والصواعق والزلازل، والبراكين والفيضانات، والفقر والجوع، المرض بأنواعه وأصنافه ودرجاته كلها من جند الله!
في قمة الجاهزية تحت مشيئة الله الواحد الأحد يقهر بها من يشاء، ويبتلي بها من يشاء، لا يبيدها أحد من الخلق، ولا يفنيها أحد من الناس مهما كانت مبيداته وتحصيناته، يهلك بها الجاحدون المعرضون، وربما سلطها على المؤمنين ابتلاءً واختبارًا.
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.