
﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
مارس 26, 2025
الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ تهنئ سماحة الشيخ أسامة الرفاعي، بمناسبة توليه منصب المفتي العام للجمهورية العربية السورية
مارس 29, 2025الشيخ إبراهيم السكران – فك الله أسره
ومن عجائب القلوب أنها إذا تعلقت بالمقاييس المادية ضمرت حدود الرؤية فيها وضاق أفقها، برغم ظنها أنها أكثر حداثة ورُقيّاً، وإذا تعلقت بالله انفسحت لها أمداء الرؤية. وخذ مثالًا من أسباب النصر، فإن المقاتل المادي لا يفكر إلا في وسائل المواجهة التقليدية المعروفة، أما المؤمن فهو يعلم أن “جنود الله” لا يقدر عددها ونوعها وقوتها إلا هو، وما أكثر ما تكون مفاجئة للعدو، كما قال الله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: 31]، وقال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الفتح: 4].
ومن أجلّ جنود الله الملائكة العظام كما قال الله: ﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة:26]، وقال سبحانه: ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: 40].
بل ومن جنود الله العجيبة في نصر المؤمنين ما يسمونه اليوم: الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والرياح والعواصف والزلازل والفيضانات، كما قال الله عن نبيه محمد ﷺ يوم الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا﴾ [الأحزاب: 9]، وقال عن الفيضانات والمياه في قصة قوم نوح: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾ [الفرقان: 37]، وقال عن فرعون في قصة موسى: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ [الأعراف:136]، وقال سبحانه عن جنس ذلك: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: 40]، وقال سبحانه: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء: 68-69].
وهذا باب معروف إن شاء الله، ولكن المقصود التذكير بسعة وتنوع وقوى جنود الله، وسعة أفق المجاهد المتوكل وضيق أفق المقاتل المادي.
الاستعانة بالحقائق
كم في كتاب الله من الحقائق التي إذا تدبرها المؤمن في هذا الزمن وأمام مثل هذه الملمّات أصبحت ركنًا شديدًا يأوي إليه؛ فحقائق القرآن من أجلّ المثبتات، ومن أعظم هذه المثبتات القرآنية أن لا ينحبس التفكير على جراحات المسلمين، فإن هذا قد يورث الفتور والتقاعس، بل نبّه القرآن على أمر هو في غاية العجب من الإرشادات النفسية، وهو أن يستحضر المؤمن أيضًا المآزق التي يعيشها الأعداء أيضًا، فإن هذا مما يقوي القلوب.
وقد جاء هذا الإرشاد النفسي في مواضع من كتاب الله، كقوله سبحانه: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: 140]، وقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾ [النساء: 104].
والذي يظهر –والله تعالى أعلم- أن هذا المعنى المذكور في هذه الآيات هو المغزى من ذكر التضعيف في قول الله: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ [آل عمران: 165]، فإنه وإن كان السياق سياق عتب، إلا أن ذكر تضعيف ما غرمه الكفار من قبل يراد به التعزية والتسلية والتصبير لرسول الله ﷺ وصحبه على ما أصابهم من المصيبة الحالية بأنكم قد أصبتم من الكفار ضعف ما أصابوا منكم، وهذا من جنس ما سبق في آيتي ذكر الاشتراك في القرح والألم.
وكل هذا يؤكد عناية القرآن بهذا الإرشاد النفسي في استحضار الاشتراك في التحديات وعدم الاستسلام لدعاية العدو في تهويل قوته والمبالغة في تقزيم قدرة المسلمين على التصدي لهم. ولذلك فإنك ترى في كتاب الله أنه برغم ذكره لشدة كيد الكفار ومكرهم كقوله سبحانه: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: 46]، وقوله سبحانه: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ: 33]، وقوله سبحانه: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [نوح: 22]، إلا أن الله سبحانه يقوي قلوب المؤمنين ببيان هشاشة كل هذه الأحابيل والمكر والكيد الذي فتلوه، كما قال الله: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76].
وبيّن أن هذا المكر مآله الإخفاق: ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: 10] وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر: 25]، بل وذكّرهم بمكر سلفهم ونتائجه الخائبة فقال سبحانه: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: 26]، ويجعلها سبحانه سنة من سننه: ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر:43 ]، وقال سبحانه: ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال:18 ].
والعاقل الذي يسبر التاريخ ويعرف أخبار الناس وأيامهم يعلم حتى ولو لم يبلغه الوحي أن كيد الخونة لا يثمر، ولذلك حكى الله سبحانه: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ [يوسف: 52]، بل إن الذي يعلمه أهل الخبرة بأيام الناس ليس أن كيد الخونة لا يفلح فقط، بل كثيرًا ما ينقلب عليهم، كما قال الله: ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ [الطور: 42]، وقال سبحانه: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: 51].
وهذه التنبيهات المتكررة عن سقوط كيد الكفار مقصود بها تصفية شعور المؤمن قطعًا كما قال الله: ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل: 127]، وقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النمل: 70]، لأنه كلما صفى باطن السلاح كان أنفذ لطلقاته. والأهم في هذا كله أن يعرف المؤمن طريق بطلان الكيد والمكر الكفري الكبّار، وهو مرةً أخرى: التعلق بالله وتقواه، كما قال سبحانه: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120].
ومن حقائق القرآن: التي تشد أفئدة المؤمنين المستضعفين أن فتح أبواب الإمكانيات على عتاة الكفار هي اللحظات التي تسبق الأخذ الإلهي المباغت؛ كما قال الله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44]، وقال سبحانه: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: 95].
ومن أعظم المثبتات القرآنية: أن يستحضر المؤمن أن الله جل وعلا ينصر أولياءه بحسب ولايتهم بنوع رعب يلقيه فيه قلوب أعدائهم، كما قال الله: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [الأنفال: 12]، ولكن ما سبب هذا الرعب؟
الحقيقة أنه كما أن إفراد الله بالتعلق والتوكل عليه وتفويض الأمور إليه سبب لقوة القلب، فإن الشرك الذي مادته وينبوعه التعلق بغير الله هو سبب الرعب الذي يقع في قلوب الكفار، كما قال الله: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 151]، ولذلك قال أبو العباس ابن تيمية عن مركزية قوة القلب: “الشجاعة ليست هي قوة البدن، وقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب، وإنما هي قوة القلب وثباته”.
ولذلك كثيرًا ما يتساؤل المتابعون: ما سبب شيوع الضعف المعنوي في مقاتلي الكفار؟
والحقيقة أن من أعظم ذلك هو هذا الكفر الذي في قلوبهم، فصار تعلقهم بغير الله سبحانه، وكل من تعلّق بغير الله لحقه من الخور والوهن بقدر ذلك، وقد نبّه القرآن على كثرة فرار الكفار في قتالهم في مواضع متعددة، منها قول الله: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [آل عمران: 111]، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الفتح:22]، وقال سبحانه: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [الحشر: 12].
ومن أسباب هذا أن القلب إذا خلا من التعلق بالله تعلّق بالدنيا، كما قال الله: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ [البقرة: 96]. فكلما شمخ المؤمن في أفلاك التعلق بالله زادت طمأنينته وسكينته وقوة قلبه، وكلما شَرَكَ الكفار وشاطرهم شيئًا من التعلق بغير الله اعتراه من الرعب على قدر ما شاركهم، وهذا فرع عن قاعدة: “تبعيض الجزاء بقدر العمل”، وهي قاعدة نافعة عظيمة في تدبر الأعمال والجزاءات في القرآن، في باب الثواب وباب العقاب كليهما، وجوهر هذا الأصل هو “التحذير من مشابهة الفعل بالفعل، لا إلحاق الفاعل بالفاعل”، وسبق نشر شيء عنها، وسأنشر لاحقًا المزيد بإذن الله من تطبيقات النبي ﷺ وأصحابه فيها.
ومن أعظم المثبّتات: أن يوقن المؤمن أن هذه التحالفات الفاسدة، وهذه الخيانات التي يتذلل فيها الضعفاء للمستمكنين، سيأتي يوم قريب يتنصل فيها بعضهم من بعض، كما قال الله: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة: 166-167].
ومن معاني القرآن في مثل هذه الساعات أن يستحضر المؤمن أن الله جل وعلا حين ذكر في كتابه آية (حياة الشهداء): ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ﴾ [البقرة: 154]، أعقبها فورًا بذكر صنوف الابتلاء: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: 155]، فيرتفع ثواب الشهادة بقدر مصابرة المجاهد على لأواء طريقها، إنه أوان البأس الذي رفع الله شأن الصبر فيه حين قال: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، وحين البأس: هو أوان شدة القتال في سبيل الله كما قال أهل التفسير، وقارن مدح الله المؤمنين بالصبر أوان البأس بذمه فرار المنافقين منه في قوله: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: 18].
ومن أعظم المثبتات القرآنية حال ملاحم أهل الإسلام: أن يستحضر المؤمن أن إخوانه الذين سبقوه على طريق سنام الإسلام ورأوا بإذن الله من كرامة الله لهم ما صاروا به.. يستبشرون بمن ما زال على الطريق، كما قال الله: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: 170]، ومن أعظم المثبّتات القرآنية أن يوقن المؤمن أن ما يعتري قلبه بين فينة وأخرى من التخويف والترهيب من تحزب أمم الكفر إنما هو من الشيطان الذي يخوّف المسلمين بأوليائه الكفار كما قال الله: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175]، أي: “يخوفكم أولياءَه الكفار” كما قال أهل التفسير.
ومن أعظم المثبّتات القرآنية أن يتدبر المؤمن في كتاب الله أغراض الإملاء للكفار؛ كقول الله سبحانه: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران: 178]، وقوله سبحانه: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: 183]، وقوله سبحانه: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: 55-56].
وهذه مجرد أمثال ونماذج، وليس المقصود طبعًا الاستقصاء والتتبع، وهي حقائق قرآنية إذا تدبرها المؤمن وعَقَلها وعاش معناها كانت له من أعظم العون في مواجهة مثل هذه الدواهي العظام التي تطوّق أهل الإسلام، فكم في تدبر القرآن من ظهير وسند!
ـــــــــــــــــــــ
* من مقال: إن الناس قد جمعوا لكم، موقع إلكتروني: طريق الإسلام، 2016م.