
جيش أراكان يفرض حظر تجول على قرى الأقلية المسلمة
يناير 20, 2025
أرجوكم صدقوني
يناير 21, 2025د. عبد العزيز الطريفي – فك الله أسره
** تعيش الشام مخاضًا لنفي الفساد من جسدها، وبدأت علامات صلاحها، وإذا صلح أمر الشام تبعتها الأمة، ففي الحديث: “إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم”، فهل يعني ذلك أن الشام تقود الأمة نحو الصلاح؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:
أما بعد:
فالإشارة إلى أن هذا المعنى ظاهر فيما جاء في المسند من حديث زيد أن النبي ﷺ قال: “إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم”، والنبي ﷺ عندما ذكر فساد أهل الشام، و”لا خير فيكم” مع دوام الخيرية بالنسبة للأمة، لأن الله عز وجل إنما أوجد الأمة، وجعل فيها الخيرية دائمًا، ولهذا يقول الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠]، فالخيرية في هذه الأمة دائمة وثابتة وباقية، لا تتزحزح ولا تزول عنها، هذا هو الأصل.
ولكن ذكر النبي ﷺ: “إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم”، فيه إشارة إلى أن انتفاء الخيرية الغالبة في الأمة أمر عارض وليس بدائم. كذلك فيه الإشارة إلى أن موضع الفتن في الشام عارض وليس بدائم…
الشام هي البوابة الحامية
ثم أيضاً من وجوه الخيرية أن الشام هي البوابة الحامية لمواضع الإسلام، وطبعًا حدود الشام من فلسطين إلى العراق، فكل هذا داخل في هذا الجانب، فهي البوابة الحامية لمعاقل الإسلام، وكذلك أيضًا هي المنطلق لفتوحات الإسلام، والتاريخ في ذلك ظاهر… وإذا اختل جانب الجهاد، اختل جانب الخلافة الإسلامية، واختل جانب وحدة الأمة في ذاتها لأنها كالجسد الواحد.
ولا شك أن المقصود بقوله: “إذا فسد أهل الشام”، هو فساد الحال، وليس المراد بذلك هو فساد الأرض من جهة الجوع والعطش، وإنما المراد بذلك الناس بذاتهم، لأن الناس إذا فسدوا بالبُعد عن دينهم، وكذا إذا ضُيّق عليهم في شريعتهم، سيلحق به من الأذى والضر ما يشاؤه الله عز وجل ويقدره.
لهذا نقول: إن الله عز وجل قد جعل أمر الشام من جهة صلاحه واستقراره معياراً ومقياساً يُقاس به نبض الأمة، وليس المراد بذلك أن كلها جسد الأمة، ولكنها إشارة، وذلك كحالة الإنسان من جهة مرضه وصحته يقاس به بعض الأشياء التي توجد فيه؛ كضغطه ونبض قلبه وجسده أو نحو ذلك، يُعرف بذلك صحة الإنسان وسلامته، ولذلك في قول النبي ﷺ: “إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم” يعني في جسد الأمة.
وفيه إشارة إلى أمور متعددة منها:
- البركة الموجودة في الشام: التي ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز في مواضع عديدة.
- كذلك أيضاً ما في الشام من خيرية دائمة: ففيها من أهل العلم والصلاح والديانة، وكذلك أيضاً المجددين في الدين، لهم أثر في الشام، الفاتحين أيضاً لهم أثر في الشام، ولهم أثر في البلدان الأخرى.
- هذه البوابة حِمى بلاد الحرمين: من جهة الدخول إليها من الفتن وغير ذلك، أن هذا البوابة إذا اختلت دخلت الرياح، رياح البدع والضلال إلى هذه البلدان.
أما المقصود بالفساد والصلاح فهو فساد الناس، ولذلك نلمس أن الفساد إذا ذُكر في كلام الله عز وجل وكلام الرسول ﷺ المقصود بذلك هو الفساد الديني، الفساد الذي يتسبب به الانحراف الديني، يعني: لازمه، وكما في قوله جل وعلا: ﴿ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِی ٱلنَّاسِ﴾ [الروم: 41]، يعني هذا الذي جنتْه من جهة الذنوب والمعاصي والبُعد عن الله ظهر فساد في أحوالهم، لذلك نقول إن المحك وكذلك قطب الرحى والمدار الذي عليه يدور الخيرية هو المراد بذلك: وهو البُعد من الدين أو القرب منه وتقوى الأمة.
بداية صلاح الشام
ولذلك الأحداث التي يمرّ بها الشام تعني بداية صلاح حاله، وهذا هو المشاهَد: أن دولة الإسلام الواحدة لما تفككت إلى دويلات، وأصبحت ثمة أثرة في بلدان المسلمين كلٌ قد استولى على قطر من الأقطار وأصبح لديه أثرة يسن ويشرع ويفرق، ووُجدت بعد ذلك النعرات الجاهلية من جهة التنابز بالألقاب، والاستنقاص من أجل اللون والعرق، وكذلك اللغة، وكذلك الأنساب وغير ذلك، هذه الأمور لم تكن بهذه الصورة، وإن وُجدت في دولة الإسلام…
والشام من نحو قرن أو أقل من ذلك بدأ فيها البُعد عن الله عز وجل، ثم تمكن فيها العلويون، وظهر فيهم ذلك ظهورًا جليًا، وذلك بنشر البدع، والتقليل من حمية الدين، ونشر البدع والخرافات الظاهرة الكفرية علانية، وظهر في الشام ظهورًا جليًا سب الله عز وجل! والتعدي على جنابه سبحانه وتعالى حتى استساغ ذلك الناس في شوارعهم وأسواقهم وميادينهم.
فأصبح الأمر وكأنك لست في الشام! التي كانت معقلًا لكثير من العلماء المجددين أئمة السنة.
لكن بقيت الفطرة السليمة، ولا بد أن تبقى، لأن الله عز وجل أوجد الناس عليها في قوله تعالى: ﴿فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ﴾ [الروم: ٣٠]. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عن النبي ﷺ قال: “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة…”.
فإذا أُزيل هذا الانحراف عاد الإنسان إلى فطرته، ولهذا حتى لو كان هذا الإنسان ملحدًا، فنزلت به مصيبة لجأ إلى الله ﷻ فتذكر ورجع إلى فطرته، إذَن ثمة حجاب بينه وبين قلبه عن معرفة العقائد، وهذا الحجاب إما أن يكون ماديًا، أو أمن أو رغد عيش، أو طمأنينة أو شيء من التخدير، إذا أُزيل ذلك رجع الإنسان إلى فطرته الصحيحة، لهذا الذين لا يؤمنون بوجود الله، يرجعون إليه بشيء من الضر مسهم، إما بكارثة أو ألم أو وفاة قريب أو فقر أو نحو ذلك، حتى الإنسان إذا كان غارقًا في الفسق والفجور إذا مسّه الله عز وجل بنصب وعذاب في الدنيا فإنه يبدأ في الرجوع إليه.
طوبى للشام
أما حديث: “يا طوبى للشام”، فالمقصود بذلك الأرض، لأن الله عز وجل فضلها وبيّن فضلها في كتابه العظيم، وبيّن أنه بارك فيها وحولها أيضاً، فالله عز وجل ما ذكر مباركته في بلد من البلدان بعد مكة وفرة كما جاء في مسألة المسجد الأقصى وما حوله، بل إنه ذُكر وأُشير إليه في كلام الله عز وجل أكثر من المدينة، مع أن المدينة أفضل ولا خلاف في ذلك، ولكن إشارة إلى أنها معقل من المعاقل، والإشارة إلى أنه لا ينبغي أن تنسى هذا الموضع العظيم، وذلك أنه مسرى رسول الله ﷺ، وكذلك فيه أيضاً ذلك المسجد العتيق، الذي كان سابقًا لمسجد النبي ﷺ، ولكن الفضائل يجعلها الله حيث يشاء من الأرض.
وإذا كانت الشام بهذه الفضيلة، وهذه المزية، والملائكة باسطة أجنحتها عليها، وهناك أحاديث في مدينة دمشق بالاسم، والبعض يقول: كيف يجتمع ذلك وما يحدث فيها من دمار وقتل وتهجير واعتقال؟
فهذه الأمور نسبية، فمن نظر إلى تاريخ الشام من ابتداء فتوحاته إلى زمن متأخر، يجد أن الفتن فيها عارضة، وليس لأحد قد عاش في شيء من الاستثناء في زمن من الأزمنة أن يحمل هذا الاستثناء على الأمر الغالب. فالشام هي موضع استقرار أمة الإسلام، كذلك موضع الاستقرار في ذاتها من جهة دينها، وكذلك أيضًا كونها حامية لبلدان المسلمين، وكذلك عين تنظر بها لمواضع الخلل، وكذلك لتربص أهل الضلال ببلدان المسلمين.
ولهذا نقول إن هذا الأمر الذي يحدث في الشام، وما يحدث من بلاء وفتنة، هو من الأمور العارضة، وإلا فالشام دائمًا مستقر، ومن نظر في التاريخ يجد ذلك ظاهرًا، وقد يحدث في كثير من الناس من الأذية مثلًا من الضر أو المقتلة أو نحو ذلك، فقد جاء في الأحاديث بجعل مكة أماناً، وكذلك أيضاً المدينة، ومع ذلك تعرضت لمثل هذه الأمور، وقد بيّن النبي ﷺ فضل المدينة، وجزاء من أرادها بكيد، كما ورد في الصحيح: “من أراد المدينة بسوء أذابه الله كما يذيب الحديد”. ومع ذلك يحدث فيها فتن، كما حدثت فتنة الحرة وغير ذلك.
هذه الفتن تكون عارضة وهي استثناء من الأصل. ويريد الله عز وجل بذلك شيئًا من الحكمة، وهذا أيضًا في قول الله عز وجل للنبي ﷺ: ﴿وَٱللَّهُ یَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ﴾ [المائدة: ٦٧] ، مع أن النبي ﷺ لحقه شيء من الأذى لكن لا ينفي ذلك وجود تلك العصمة، وذلك بجذب ردائه وكذلك تسميم اليهودية له بتقديم شاة مسمومة، الذي قيل إن النبي ﷺ مات به في قوله: “هذا أوان انقطاع أبهري”.
فنقول إن هذا أشياء استثناء تخدم الأصل، ولكن الله عز وجل يجعلها لحكمة ظاهرة، فلا تعارض بينها، وهذه أمور عارضة يجعلها الله عز وجل لحكمة.
ـــــــــــــــــــــــ
* مقتطف من حوار للشيخ عبد العزيز الطريفي حول الثورة السورية، 2011م، موقع إلكتروني: (يوتيوب).