
الاستدراكات التوضيحية حول تعقُّبات دار الإفتاء المصرية على فتوى الاتحاد العالمي للنفير العام
أبريل 8, 2025
زبدة ثمرات الطوفان
أبريل 9, 2025د. حسين عبد العال – عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
كما أن لكل عبادة ثمرة تعود على العابد، فإن عبادة الصوم لها من عظيم الثمرات على العبد المسلم، لأن الله تعالى ما فرض الفرائض على الناس إلا ليحصل لهم من ثمراتها ما يُقَوِّمُ شخصياتهم وما يهذب نفوسهم وما يسمو بأرواحهم، والجملة أن الفرائض فرضت لجعل الإنسان صالحًا لنيل رضوان الله تعالى وهي درجات مهمة لكل عبد.
وتلك هي ثمرات العبادة التي تعود على الإنسان، تجتمع له ثمرة فثمرة حتى يصير عبدًا خالصًا مخلصًا، ومن تلك الثمرات المهمة ثمرات الصيام لله تعالى، والتي بينها ربنا سبحانه وتعالى في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، فكانت التقوى هي جماع الثمرات المرجوة من الصيام، وكل الثمرات بلا شك الهدف منها أن تصيب الفرد، فإذا صلح الأفراد انعكس ذلك الصلاح على الأمة، ومن هنا كان من ثمرات الصيام وحدة الأمة.
وحدة الأمة فرض لازم
كما أن الصيام في رمضان فرض على العبد المسلم فلا يصح إسلامه إلا بالصوم إن كان قادرًا عليه، فكذلك وحدة الأمة واجتماع كلمتها والتآلف بين أفرادها فرض لازم على كل عبد، وواجب عليه السعي إلى ذلك ما استطاع إليه سبيلًا، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]، وقال أيضًا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، إلى غير ذلك من الآيات التي توجب على العبد أن يعمل على وحدة الأمة، وأن يكون لبنة من لبنات هذا الصرح العظيم، كما يَحْرُمُ عليه أن يكون معول هدم، أو عامل فرقة في صفوف الأمة، ومن هنا كان من ثمرات العبادة كلها ما يساعد على وحدة هذه الأمة، خاصة ولا حياة للأمة إلا بوحدتها، بل وحدتها هي التي تجعلها تؤدي كل الفرائض بأمن وأمان، وغياب الوحدة قد يؤدي لعدم القدرة على أداء الفرائض.
ثمرات رمضان ووحدة الأمة
صوم رمضان عبادة لله تعالى، لكنها تنتهي بزمن معين، ومع هذا تبقى ثمرتها ممتدة امتداد عمر الإنسان، فالعبادات فرضت بحكمة بالغة من الله تعالى، ولعلل واضحة، أو قل لتحقيق ثمرة واضحة لكل عبد، ولصوم رمضان وقيامه ثمرات عديدة نأخذ منها بعض الأعمال التي تكون لها ثمرة مباشرة على وحدة هذه الأمة وما يقوي علاقات الارتباط بينها، ومن ذلك ما يلي:
أولًا: فرض الصيام في شهر مخصوص على جميع الأمة
قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]، فهذا الفرض من ناحية الزمان واحد على الأمة في جميع أمكنتها، ولا يصح أبدًا صيام شهر غيره، بل لو أن الإنسان أراد صوم الأحد عشر شهرًا بدلًا من رمضان ويترك رمضان ما قُبِل ذلك منه.
ثم إن الله تعالى لماذا لم يفرض علينا صوم شهر ويخيرنا بين الشهور؟ أي لماذا حدده على الجميع؟
لا شك أن العلة هاهنا هي اجتماع الأمة على عبادة واحدة، تصوم كلها برؤية واحد منها للهلال، فتجتمع على العبادة، وما الاجتماع على العبادة إلا توجيه للأمة أن تجتمع فيما هو أهم من ذلك، في ولائها وبرائها وجهادها والتكافل فيما بينها ووحدة كلمتها، وتلك هي ثمرة الصيام الموحد على الأمة.
ثانيًا: اجتماع الأمة على صلاة التراويح
وتلك سُنة عظيمة سنها لنا رسول الله ﷺ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ ﷺ: “قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ”. وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ .
فجاء بعد ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأكّد هذه السُّنة، فجمع الناس على أبيّ بن كعب رضي الله عنه، واستمرّت هذه السنة إلى يومنا هذا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: “إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ”. ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: “نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ”. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ» .
فهذه السنة التي فطن لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: “إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ” هي عمل دائم من أعمال شهر رمضان، ورغم كون المرء ربما يصلي وحده فيطوّل صلاته إلا أن السنّة فيها أن يجتمع المسلمون عليها، فيكون من ثمراتها بيان أهمية اجتماع ووحدة المسلمين، فمن اجتمع معهم للصلاة المفروضة والصلاة المسنونة، وجب عليه أن يجتمع معهم في كل الشؤون التي تهم الأمة من تنظيم البلاد والدفاع عنها، وانظر لقول أمير المؤمنين: “عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ” لبيان أهمية اجتماع الأمة على إمام واحد وخليفة واحد، فهذا أمثل لاجتماع الكلمة ووحدة الرأي وقوة الأمة.
ثالثًا: فرض صدقة الفطر على الجميع
وهذا قمة التكافل الاجتماعي بين الأمة الواحدة، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ “فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ” .
فيا ترى ما علاقة الصوم بزكاة الفطر؟ ولماذا فرضت فيه؟
كل ذلك ليبين الله لنا أن من علة فرض الصوم ما يتساوى مع علة فرض صدقة الفطر، ألا وهو شعور الأمة بالوحدة والاجتماع، فالغنيّ لا ينسى الفقير والكل متآلف مترابط في هذه الأيام، ومن ثمرة ذلك غرس حب الوحدة بين الأمة، فالأمة الحريصة على اجتماعها في العبادة، وعلى تكافل أبنائها، ويعطي كل منهم ما عليه من فرض المال عن طيب خاطر، هي أمة يدافع بعضها عن بعض، ويساعد بعضها بعضًا، وتلك هي مقومات الأمة الواحدة.
رابعًا: صلاة عيد الفطر
وهي عبادة عظيمة ترتبط بالصوم ارتباطًا وثيقًا، فما أن ظهر هلال شوال وجب الفطر وحَرُمَ الصوم، ووجب الخروج للمصلى لأداء فريضة وشعيرة صلاة العيد، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: “أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ”. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جلباب. قال: “لتلبسها أختها من جلبابها”.
فانظر كيف أن النبي ﷺ أمر بها النساء حتى الحُيَّض منهن وذوات الخدور، فكيف بالرجال!
ومن هنا ذهب كثير من العلماء على أنها فرض عين. وهي مظهر عظيم من مظاهر وحدة المسلمين، وفيها ترتفع شعارات الوحدة من التكبير لله تعالى، قال تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185]، قال الإمام ابن كثير: “وَلِهَذَا أَخَذَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَشْرُوعِيَّةَ التَّكْبِيرِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى ذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ الظَّاهِرِيُّ إِلَى وُجُوبِهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ﴾ .
فاجتماع المسلمين في الصلوات المكتوبات ثم اجتماع الجمعة ثم اجتماع العيدين وبعد ذلك الاجتماع الأكبر في الحج، وكذلك التكبير في هذه الاجتماعات كل ذلك يعطي ثمرة عظيمة وهي وجوب وحدة هذه الأمة.
ومن هنا فهذه الثمرات العظيمة من فرض الصيام وما لحق به من الشرائع والعبادات، وكلها تقوّي روابط المسلمين، وتعمل على جمع كلمتهم، ووحدة صفهم، وواجب على الأمة أن تتعلم هذا وأن تقوم به خير قيام، وأن تعلمه لكل أبنائها، فوحدة المسلمين هدي رباني وأمر عظيم من أوامر الله تعالى وجب التمسك به والعض عليه بالنواجذ، وهكذا كان هدي النبي ﷺ في حياته، وما أمر به أمته من بعده، وهو صميم ما جاء به القرآن الكريم الذي يجمع شمل الأمة، فكان الكتاب والسنة آمرين بالوحدة والائتلاف ناهيين عن الفرقة والاختلاف.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إِنَّهُ لَا إِسْلَامَ إِلَاّ بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلَاّ بِإِمَارَةٍ، وَلَا إِمَارَةَ إِلَاّ بِطَاعَةٍ”.
وعَنْ ثَابِتِ بْنِ قُطْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهَا حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَمَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ.
وعن الإمام الأوزاعي رحمه الله أنه قال: كان يقال: “خمس كان عليها أصحاب محمد ﷺ والتابعون لهم بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنّة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله عز وجل” . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف؛ فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله.
فهل أثمر الصيام فينا حب الجماعة؟ وهل ساقنا إلى الوحدة التي بها عزّ الأمة؟!
نسأل الله تعالى ذلك، اللهم آمين يا رب العالمين.