![أسمى مراتب الإيمان: الشهادة في سبيل الله](https://supportprophetm.com/wp-content/uploads/2025/01/أسمى-مراتب-الإيمان-الشهادة-في-سبيل-الله-150x150.jpg)
أسمى مراتب الإيمان: الشهادة في سبيل الله
يناير 11, 2025![الإبادة الجماعية القادمة بالضفة الغربية](https://supportprophetm.com/wp-content/uploads/2025/01/الإبادة-الجماعية-القادمة-بالضفة-الغربية-150x150.jpg)
الإبادة الجماعية القادمة بالضفة الغربية
يناير 11, 2025بادية شكاط – كاتبة جزائرية
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الخلق سيدنا محمد وبعد:
بعد طول غيبة الحق في سوريا وامتداد أمد الباطل، سقط الطاغية وفرّ من الوطن بعد أن دفع الشعب باهظ الثمن، غير أن هذا النصر العظيم لا ينبغي أن ينسيهم أن إسقاط الطاغية ليس مبلغ الغاية، بل مبلغها هو إسقاط منظومة حكم جبرية استبدادية تطمح للبقاء جاثمة ولو بتنصيب سلطة عليلة كسلطة بديلة، وبيع العزة، والسيادة والوطن.
ما يتطلب الجدية في التفكير بوضع نظام يخرجهم من قبضة الهيمنة كيفما كانت، وتمكين حكم راشد، السلطة فيه للشعب، مبادؤه في جميع علاقاته الدولية هي السلمية، مع فتح أبواب شراكات دولية تحقق المصالح المتبادلة، وتحفظ السيادة الوطنية، من دون بسط لأكف العطاء، البسط الذي يكلف معه الحاجة والعناء.
فأمتنا ما زالت تعيش مرحلة من التدافع، وخلالها ينبغي أن تتجهّز بكل أدوات المرحلة، لتتمكن من الانفلات من ثغور الهيمنة، والوصول إلى ثغور السيادة فالتمكين.
فسوريا -كجميع الدول العربية- تعيش مرحلة من الهيمنة المخزية من قِبل دول تدّعي الديمقراطية بينما هي أبعد ما تكون عنها، وتعيش أبأس مراحل الاستضعاف، كأنظمة حكم مادّية غير أخلاقية، قائمة على ما يُدعى بالاقتصاد القاتل، أنظمة تأسست على مبدأ القُطرية وتمزيق الرقعة الجغرافية الإسلامية لنهب ثرواتها، وإن كان هذا المسعى عملية انتحارية تستنزف فيها طاقاتها العسكرية والمالية، ما جعل دولة الكيان الإسرائيلي المحتل ترسم خططاً للصراع تلعب فيه دور الشريك في اللعبة، بينما هي أحد المتفرجين الذين يربحون من الهوامش في كل صراع.
وأمام هذا الوضع فنحن لسنا بحاجة لرسم خط على الطريق بل إلى رسم خريطة للطريق، تماماً كما رسموها من قبل لنا، مدركين أن للفلسفة الغربية مفاهيمها للحقيقة، التي تراها من خلالها فكرة ذات قابلية للنجاح وليست فكرة ذات قيمة أخلاقية، فالتخطيط لسرقة أموال الأغبياء والمستضعفين تبقى بالنسبة إليهم فكرة ناجحة بغض النظر عن قيمة الظلم الذي ينتج عنها، والعالم بالنسبة إليهم أشبه بسوق أو مصنع، والإنسان خُلق فقط لينتِج ويستهلك.
فنراهم كما كتب (ول ديورانت) في كتابه (مناهج الفلسفة) يضيفون أكثر من 60 ألف مادة قانونية سنوياً إلى قانون دولتهم، في حين كما عقّب الكاتب نفسه: “هم أمة تحتاج إلى تربية لا إلى قانون”.
فبعد انهيار المؤسسة الدينية في منعطف الحداثة بين القرنين 17 و18 كانت فكرة الفيلسوف والمفكر (شيلر) أنه لا يمكن التعويل على المؤسسة السياسية ولا على المؤسسة الدينية، لأنهما من بين المؤسسات البشرية في تاريخ الإنسانية الأكثر هدمًا للنمو الطبيعي والسليم للبشر، فقد لاحظ هذا الفيلسوف السقوط المدوي للوعي البشري على أعتاب حروب عالمية وحشية ودموية، فقال بأن تكوين الدولة لا يأتي من السياسي ولا من رجل الدين، ولكن من القدرة على الارتفاع نحو الروح والجمال، ذلك أنه لا يعرف أن ما يملكه الإسلام من حقائق لا يغطيها دخان الحرائق، والجمال فيه أصيل سواء من حيث هو قيمة عقدية وتشريعية أو من حيث هو تجربة وجدانية إنسانية، تتجاوز عوالم الأشباح إلى عوالم الأرواح، تَمثلّتها بشرًا سويًا سيد الخلق نبينا وقرة أعيننا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
فكان النبي القائد الذي لم يقُد بأدوات الإكراه، الابتزاز، أو القمع والترهيب، ولكن بهداية البشر برفق إلى برّ نجاتهم.
ففتحُ سوريا يجعلنا نستحضر من مآثره ﷺ ما وقع في القلوب من فيض رحمته بعد فتح مكة، فحين بلغه أن الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه -سيد الأنصار وقائد كتيبة الأنصار- قد قال في حماسة عند دخوله مكة: “اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة”. معبراً عن رغبته في الثأر، قال ﷺ رداً عليه: “اليوم يوم المرحمة، هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة ويوم تُكسَى فيه الكعبة”.
ولم يكتفِ بذلك، لخشيته ﷺ أن يأخذ سعد بن عبادة فرقته من الأنصار بهذه الروح الثأرية فيتساهل في أمر القتال، بل نزع الراية منه وأعطاها لغيره، فهو سيد البشرية الذي تتقلب برحمته الملاحم إلى مراحم، ورايات الحرب إلى رايات الحب باسم الله وإلى الله وفي الله.
فصدق تبارك وتعالى حين قال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
فالذي يسير في مسارات التحرير يحتاج إلى قائد بصير كمحمد عليه الصلاة والسلام، يعرف موضع القدم ساعة الإقدام، ويدرك أن الذي يكون عبدًا لذاته لا يصلح أن يكون سيّدًا على غيره، وأن الذي لايوطّن نفسه ويكون إمّعة لغيره غير مستقل برأيه، لا يمكنه أن يدعو إلى استقلال وطنه، وأنّ الذي قد غشيت نفسه أطماع المناصب والألقاب لن يقود شعبه إلى جادة الصواب.
لذلك فسوريا في هذه المرحلة ليست بحاجة إلى قائد كلما تعطش إلى تطاول الأعناق إليه ألقى هنا وهناك خطاباً، كما كان يصنع سيء الذكر (بشار)، بل هو بحاجة إلى أُذن خير، يلقي السمع أكثر من الكلام، ولا يحيد عن الحق وإن حاد الحق عنه، فيرتضي أن يكون لأجل الحق مغلوباً على أن يكون حق غيره مسلوباً، فيغرس في نفوس أتباعه ما يؤتي أكله كل حين، وهو الذي قد عرف أن ثمار النفس إذا استقامت لكل خير أقامت، بغرس أولى البذور في أرض زكية قد سقيت بدماء الشهداء.
فيدعو الشعب السوري المسلم إلى أن يتخذ لقلبه قبلة الإيمان، بحيث مهما اختلفت أمامه السبل، أقبل بكل يقين على خير سبيل، وإن قيل إن حركتهم في ظاهرها حركة إسلامية، قالوا بل هم مسلمون يتحركون، وإن قيل لهم إنهم حركة (الإخوان المسلمين)، قالوا بل نحن لكل المسلمين إخواناً، فليثبتوا على الحق، وإن مسّهم طائف من الهوى آثروا الوطن وتحرروا من هوى ذواتهم بوحدة صفهم، وإخلاصهم لوطنهم.
فمتى جعل الإنسان ذاته مركزاً حولها يدور تاه عن قيمه باحثاً عن قيمته.
فالرؤية بعد هذا التحرير ينبغي أن تكون نحو ما يرضاه تبارك وتعالى من سبيل، ووفق منظومة حكم ربانية، منطلقاتها نفس زكية، يقول عز وجل: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ [الشمس: 9].
ويقول تبارك وتعالى: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 40].
فلا تمكين من غير دين، أما تمكين الأشخاص لتولي المناصب وزخرف الألقاب فهو إخفاق بعد مرحلة تمحيص وابتلاء، قال عز وجل: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: 5].
فالتمكين كل التمكين إنما هو لهذا الدين، بتحقيق غاياته وإعلاء رايته، يقول عز وجل:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. [النور: 55].
أما التحرير من غير تمكين، فهو كمن يملك من حدود نظره ما يملكه من حدود أجله.