
الجيش السوداني يحاصر مليشيات الدعم السريع قرب القصر الجمهوري
فبراير 16, 2025
الاحتلال يهجر أكثر من 20 ألفًا ويُدمر مئات البيوت في جنين
فبراير 17, 2025أ.د خير الدين خوجة – سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في البلقان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله أصحابه أجمعين وبعد:
فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ كِتَـٰبࣰا فِیهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠]. لقد أجمع المفسرون كافة في قديم الزمان وحديثه أن معنى قوله تعالى: “فيه ذِكْرُكُمْ” أي: قوتكم وشرفكم وعزكم ومجدكم في الدنيا والآخرة.
ولقد ضرب لنا الرسول ﷺ أروع المثل في كيفية استرجاع تلك القوة المفقودة وذلك الشرف والعز المسلوب، بكلامه وأحواله وأفعاله وتصرفاته وعلاقاته مع القريب والبعيد، وأزواجه الطاهرات وأصحابه الكرام وجيرانه المسلمين وغير المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين في أوقات السلم والحرب، ودُونت ونُقلت تلك التصرفات والأخلاقيات والعلاقات على مدار التاريخ إلى يومنا، حتى تبقى نبراساً للأجيال المسلمة.
كل ذلك حتى يكون لنا الرسول ﷺ وأصحابه الكرام أسوة حسنة لاتباعها، وقد أكد الله عز وجل هذا المعنى قائلاً: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا﴾ [الأحزاب: ٢١].
وانطلاقاً من هذه الحقيقة العلمية التاريخية ننطلق إلى مسألة في غاية الأهمية لها علاقة وطيدة بموضوعنا فنقول: إنه قد تعددت مناهج المفسرين المعاصرين والمتقدمين في طريقة تناولهم لآيات الله تبارك وتعالى تدبراً وتفسيراً وعملاً بما جاء به هذا القرآن العظيم. لقد ظهر في تاريخ التفسير ومناهج المفسرين منذ القرن الثاني الهجري إلى يومنا مناهج عديدة: عقدية، أثرية، لغوية، بيانية، فقهية، طائفية، فلسفية، دعوية، موضوعية.. إلخ. ومع شكرنا وتقديرنا الخالص لتلك الجهود المباركة لهؤلاء المفسرين الأجلاء رحمهم الله، إلا أننا عند التدقيق والتحقيق لتلك المصنفات التفسيرية نجدها قد لا تلبي حاجاتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية في عصرنا الراهن وقرننا الذي نعيش فيه، القرن الحادي والعشرين.
ومن رحمة الله تبارك أن هيأ الله للأمة الإسلامية في هذا العصر عبداً من عباده الصالحين المباركين والعلماء العاملين بشرعه وكتابه، هيأ رائداً وعَلَماً ومفسراً ومحباً لله ولكتابه ولرسوله والمسلمين، داعياً وعالماً وشيخاً ومربياً يحي الرسالة القرآنية وأرواح الصحوة الإسلامية بتفسير منهجي حركي عملي دعوي لغوي بياني علمي أثري عقدي، جمع الله فيه محاسن الأولين والآخرين، وكل ما سبق من المناهج التفسيرية السابقة في تاريخنا الإسلامي إلى يومنا هذا. هذا العبد الصالح، وهذا المجدد المخلص في عالم التفسير، وهذا العالم المفسر هو الأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة وتفسيره في ظلال القرآن.
وبناء عليه، فما أحوجنا في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية أن نعود إلى السيرة النبوية بهذه المنهجية الحركية الجديدة في فهمها وعرض أحداثها وتطبيقها بتلك الروح التجديدية التفسيرية. إننا بحاجة ماسة إلى تجديد منهجنا في تعاملنا معها حتى نعيد إليها روحها وحيويتها وفاعليتها الإسلامية في حياتنا الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية. بهذه المنهجية التجديدية نستقي منها طاقتنا الإيمانية والروحية لخلافة الأرض وتعميرها، إذ من خلالها نستبين واجباتنا العملية المرحلية الحركية لمعرفة كيفية التعامل مع النوازل وأحداث الواقع المتجدد المتقلب الذي يمر بها المسلمون في هذا العصر والعصور التي ستلي بعدنا. إن سر وضرورة هذا المنهج يكمن في إعدادنا النفسي والفكري والعسكري للثبات أمام هذه الرياح العاتية القادمة من الفكر والغزو الثقافي العالمي الصهيوني الغربي.
وإذا أردنا معرفة مصداق كلامنا ودعوتنا إلى هذه المنهجية الجديدة يمكننا ذلك من خلال اطلاعنا على كثرة الكتابات والمؤلفات عن السيرة النبوية العطرة قديماً وحديثاً، غير أن نظرة فاحصة ودقيقة لكثير من تلك المصنفات في طريقة ومنهجية عرض موضوعاتها وأحداثها لتؤكد لنا جلياً أنها تحتاج إلى إعادة صياغتها وعرض موضوعاتها من جديد وبأسلوب ميسر منهجي دقيق قابل للتنفيذ في كافة مراحل حياتنا، حتى تكون لنا سيرة حبيبنا محمد ﷺ سنداً ومرجعاً قوياً بعد القرآن الكريم، نتعلم منها الخطوات الواجبة اتباعها في كيفية مواجهة كيد ومكر أعداء الإسلام والمسلمين وكيفية تطوير وتحسين أفكارنا وسلوكنا ومنهجنا.
إذ ليس الغرض من دراسة السيرة النبوية مجرد الوقوف على الوقائع التاريخية والاستكثار من المعلومات العلمية والثقافية الناشفة، بغرض المتاع والثقافة وتخزينها في ثلاجات العقول والأذهان الباردة وعدم العمل بها -كما عبر بذلك أستاذنا المفسر سيد قطب- شأنها كشأن الاطلاع على سيرة خليفة من الخلفاء أو عهد من العهود التاريخية الغابرة، وإنما الغرض منها: الفهم والعبرة والعمل والحركة والتطبيق والنشر والدعوة إليها.. الغرض من قراءة وتعلم السيرة النبوية أن يتصور المسلم الحقيقة الإسلامية في مجموعها متجسدة في حياته ﷺ. فسيرته ﷺ ليست سوى عمل حركي تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة الإسلامية كاملة في مثلها الأعلى كما جسدها محمد ﷺ.
ولو أردنا معرفة أسباب ضرورة اعتماد المنهج الحركي في تعاملنا مع السيرة النبوية يمكن إجمالها في الآتي:
- بنظرة فاحصة للخطط الدراسية لمادة السيرة النبوية في كثير من المؤسسات الأكاديمية والإسلامية في الغرب وجنوب شرق آسيا والخليج العربي.. نرى أنها تُعرض للطلاب والطالبات بطريقة عادية تقليدية، فيها سرد للأحداث التاريخية للسيرة النبوية بعيداً عن الجانب العملي، تحس من خلال قراءة فصولها ومباحثها جفافاً وبعداً عن المغزى الأساسي من وراء أهداف دراستها، سواء كان ذلك كمقرر ومتطلب دراسي جامعي إجباري أو اختياري.
نرى الطلاب والطالبات بل وربما الأساتذة والأستاذات بعيدين كل البعد عن عبق السيرة النبوية المحمدية بكلامهم وتصرفاتهم. ومن هنا كان لزاماً علينا نحن معاشر المربين والأساتذة وأحباب وسفراء رسول الله ﷺ أن نعيد النظر في طريقة قراءتها وفهمها وعرضها وتحليلها ومن ثم العمل بها.
- إننا نرجو من خلال فهم شخصية محمد ﷺ (النبوية) وحياته وظروفه التي عاش فيها التأكد من أن محمداً ﷺ لم يكن مجرد عبقري سمت به عبقريته بين قومه، ولكنه قبل ذلك رسول أيّده الله بوحي من عنده وتوفيق من لدنه، فكل أقواله وأحواله وأفعاله وحي من لدن رب العالمين، اللهم إلا الأمور الشخصية الخاصة المتعلقة بشخص الرسول ﷺ التي ليست من قبيل التشريع.
- أن يجد الإنسان بين يديه صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، كي يجعل منها دستوراً يتمسك به ويسير عليه، ولا ريب أن الإنسان مهما بحث عن مثل أعلى في ناحية من نواحي الحياة فإنه يجد كل ذلك في حياة رسول الله ﷺ على أعظم ما يكون من الوضوح والكمال.
- أن يجد الإنسان في دراسة سيرته ﷺ ما يعينه على فهم كتاب الله تعالى وتذوق روحه ومقاصده، إذ إن كثيراً من آيات القرآن إنما تفسرها وتجلّيها الأحداث التي مرت برسول الله ﷺ ومواقفه منها.
- أن يتجمع لدى المسلم من خلال دراسة سيرته ﷺ، أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية الصحيحة، سواء ما كان منها متعلقاً بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق، إذ لا ريب أن حياته ﷺ إنما هي صورة حركية عملية مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه.
- أن يكون لدى المعلم والداعية الإسلامي نموذج حيّ عن طرائق التربية والتعليم، فلقد كان محمد ﷺ معلماً ناصحاً ومربياً فاضلاً لم يألُ جهداً في تلمس أجدى الطرق الصالحة إلى كل من التربية والتعليم خلال مختلف مراحل دعوته.
- فحياته ﷺ تقدم إلينا نماذج سامية للشاب المستقيم في سلوكه، الأمين مع قومه وأصحابه، كما تقدم النموذج الرائع للإنسان الداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الباذل منتهى الطاقة في سبيل إبلاغ رسالته، ولرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحذق وحكمة بالغة، وللزوج المثالي في حسن معاملته، وللأب في حنو عاطفته، مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والأولاد، وللقائد الحربي الماهر والسياسي الصادق المحنك، وللمسلم الجامع- في دقة وعدل- بين واجب التعبد والتبتل لربه، والمعاشرة الفكهة اللطيفة مع أهله وأصحابه.
لا جرم إذن، أن دراسة سيرة النبي ﷺ ليست إلا إبرازاً لهذه الجوانب الإنسانية كلها مجسدة في أرفع نموذج وأتم صورة، وفقنا الله، ووفق الله المسؤولين للقيام بما أشرنا إليه في هذه المقالة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.