
الخديعة العظمى.. الدعاة على أبواب جهنم!
مايو 3, 2025
القرآن معجزة زمانية-مكانية
مايو 4, 2025العصر الجاهلي
الوضع الديني في القرن السادس المسيحي
أ.د خير الدين خوجة – سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في البلقان
لا يخفى على طالب العلم وأولي الألباب أن الديانات السابقة وصحفها العتيقة وشرائعها القديمة وقعت فريسة للعابثين والمتلاعبين والمحرفين.
“ولو تقصينا تاريخ البشر على ضوء الإيمان بالله تعالى والاستعداد للقائه، لوجدنا العالم أشبه بمخمور تزيد فترات سكره على فترات صحوه، أو بمحموم غاب عنه في سَورة الألم رشده، فهو يهذي ولا يدري… وكم سلخت الدنيا من عمرها قبل أن يظهر محمد ﷺ… فماذا كان مصير الحضارات في مصر واليونان وفي الهند والصين، وفي فارس وروما… من ناحية العاطفة والعقل. إن الوثنية الوضعية اغتالتها.. وأمسى –الإنسان– عبداً مسخراً لأدنى الأشياء… وماذا بعد أن تقدس العجول والأبقار، وتعبد الأخشاب والأحجار، وتطبق شعوب بأسرها على هذه الخرافة.
إن الوثنية هوان يأتي من داخل النفس لا من خارج الحياة، فكما يفرض المحزون كآبته على ما حوله، وكما يتخيل المرعوب الأجسام القائمة أشباحاً جاثمة، كذلك يفرض المرء الممسوخ صَغار نفسه وغباء عقله على البيئة التي يحيى فيها فيؤلّه من جمادها وحيوانها ما يشاء…
فلما جاء القرن السادس لميلاد عيسى عليه السلام، كانت منارات الهدى قد انطفأت في مشارق الأرض ومغاربها… فالمجوسية في فارس طليعة عنيدة للشرك الفاشي في الهند والصين وبلاد العرب وسائر المجاهل…
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم ** إلا على صنم قد هام في صنم”.
أولاً: اليهودية
أصبحت اليهودية عبارة عن مجموعة من الطقوس وتقاليد لا روح لها، لا تحمل للعالم رسالة ولا للأمة دعوة، تسربت إلى اليهودية كثير من عقائد الأمم التي جاوروها أو وقعوا تحت سيطرتها. يشهد بذلك القاصي والداني، وتشهد بذلك مؤلفاتهم.. “وقد قبلوا معتقدات خرافية ومشركة، إن التلمود أيضاً يشهد بأن الوثنية كانت فيها جاذبية خاصة لليهود”.
وحتى تلمود وهو كتاب مقدس لدى اليهود وكان متداولاً في القرن السادس المسيحي، قد كان زاخراً بالنماذج الغريبة من خفة العقل وسخف القول، والاجتراء على الله، والعبث بالحقائق، والتلاعب بالدين والعقل.. مما يدل على الانحطاط العقلي وفساد الذوق الديني .
ثانياً: المسيحية
وأما الديانة المسيحية فقد أصيبت هي الأخرى بمصيبة تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، ووثنية الرومان المتنصرين منذ عصرها الأول. وأما كيفية تغلغل عقيدة التثليث إلى المجتمع المسيحي منذ القرن الرابع الميلادي، فإنها جاءت من فكرة وعقيدة.. “بأن الإله الواحد مركب من ثلاثة أقانيم في أحشاء حياة العالم المسيحي وفكره منذ الربع الأخير من القرن الرابع، ودامت كعقيدة رسمية مسلمة عليها الاعتماد في جميع أنحاء العالم المسيحي”.
إن الوثنية تغلغلت إلى الديانة المسيحية باسم المسيحية وفي ستارها، حتى أخذوا شهيداً من شهدائهم ولقبوه بأوصاف الآلهة، ثم صنعوا له تمثالاً، وبهذه الطريقة انتقل الشرك وعبادة الأوثان.. ولم ينتهِ هذا القرن حتى عمت فيهم عبادة الأولياء والشهداء. ثم تكونت عقيدة جديدة وهي أن الأولياء يحملون صفات الألوهية، وأن هؤلاء الأولياء والقديسين صاروا وسيطاً بين الله والإنسان يحمل صفة الألوهية على أساس عقائد الأريسيين.
وجاء القرن السادس المسيحي والحرب قائمة بين نصارى الشام والعراق ومصر حول حقيقة المسيح وطبيعته.. يكفّر بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً.
ثالثاً: المجوس
أما المجوس فإنهم عُرفوا من قديم الزمان بعبادة العناصر الطبيعية، أعظمها النار. فقد عكفوا على عبادتها وبنوا لها هياكل ومعابد، ومع تعظيمهم وعبادتهم للنار فإنهم قدسوا الشمس، وأصبحت الديانة عندهم عبارة عن طقوس وتقاليد يؤدونها في أمكنتهم الخاصة. وكان واجباً عليهم أن يعبدوا الشمس أربع مرات في اليوم، ويضاف إلى ذلك عبادة القمر والنار والماء.
وكان أهل إيران يستقبلون في صلاتهم النار، وقد حلف الملك يزدجرد -آخر الملوك الساسانيين- بالشمس مرة وقال: “أحلف بالشمس التي هي الإله الأكبر”. ثم إنهم دانوا بالثنوية في كل عصر وأصبح ذلك شعاراً لهم، وآمنوا بإلهين اثنين، أحدهما: النور أو إله الخير، ويسمونه (آهور مزدا)، (يزدان)، والثاني، الظلام أو إله الشر.
رابعاً: البوذية والبرهمية
كانت البوذية الديانة المنتشرة في آسيا الوسطى والهند، تحمل معها الأصنام حيث سارت، وتبني الهياكل والمعابد وتنصب تماثيل (بوذا)، ولم يزل العلماء يشكون في إيمان هذه الديانة بالإله الخالق للسموات والأرض والإنسان ولا يجدون ما يثبت ذلك.
أما البرهمية –ديانة الهند الأصلية– فقد امتازت بكثرة المعبودات والآلهة والإلهات، حيث بلغ عدد الآلهة في القرن السادس 330 مليون، وعندهم كل شيء جميل وكل شيء نافع فهو إله يُعبد. وفي هذا العهد ازدهرت صناعة نحت التماثيل..
ولا شك أن الوثنية كانت منتشرة في العالم المعاصر كله، من البحر الأطلسي إلى المحيط الهادي، وكأنما كانت المسيحية والديانات السامية والديانة البوذية تتسابق في تقديس الأوثان.
خامسًا: العرب
أما العرب الذين آمنوا بدين إبراهيم وقام في أرضهم بيت الله الحرام، ولبُعد عهدهم من النبوة والأنبياء والانحصار في شبه جزيرتهم، ابتلوا في العصر الأخير بوثنية تشبه الوثنية البرهمية الهندية. حيث كانوا مشركين بالله واتخذوا مع الله آلهة أخرى اعتقدوا أن لهم مشاركة في تدبير الكون والنفع والضر والإيجاد والإفناء، حتى أصبح لكل قبيلة ولكل بيت ولكل ناحية ولكل مدينة صنم. وكان في جوف الكعبة الذي بناه إبراهيم عليه السلام 360 صنماً، فكانوا يعبدون الحجر وكانت لهم آلهة من الملائكة والجن والكواكب، وكانوا يعتقدون بأن الملائكة هم بنات الله وأن الجن شركاء لله تعالى.
العرب حين البعثة
أما العرب فساءت أخلاقهم فأولعوا بشرب الخمر ولعب القمار وبلغت بهم القساوة المزعومة إلى وأد البنات، وكانوا يغيرون ويقطعون الطرق على القوافل، وسقطت منزلة المرأة، فكانوا يورثونها كما تورث المتاع أو الدابة. أما المأكولات فكان منها ما هو خاص بالذكور ومحرم على الأزواج، وكان سائغاً للرجل أن يتزوج من يشاء من النساء دون تحديد، ومنهم من كان يقتل أولاده خشية الفقر وخشية الإنفاق.
العصبية القبلية كانت شديدة ودموية وأشربوا في قلوبهم حب الحرب، وكانت تدوم هذه الحروب أربعين سنة ويُقتل فيها ألوف من الناس.
كان أهل مكة ضعاف التفكير أقوياء الشهوات، ولا صلة بين نضج الفكر ونضج الغريزة، وإن الإنسان ليرى في القرية التافهة وفي القبيلة الساذجة من التنافس على المال والظهور ما يراه في أرقى البيئات.. وقد تجد الشخص لا يحسن فهم مسألة ومع ذلك فإنك تجده يفهم أن لا يكون فلان أفضل منه، ومنذ عهد نوح والحياة تجمع أمثلة شتى لهذا الغباء وهذا العناد. تجد عند أهل مكة كفراً بالله تعالى واليوم الآخر وإقبالاً على نعيم الدنيا.. رغبة عميقة في السيادة والعلو ونفاذ الكلمة.. عصبيات طائشة تحارب وتسالم من أجل ذلك..
ووُجد في هذه القرية من يسابق فرعون في عتوه وطغيانه.. قال عمرو بن هشام –معللاً كفره برسالة محمد ﷺ-: “زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف، قالوا منا نبي يوحى إليه، والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبداً إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه”.
وزعموا أن الوليد بن المغيرة قال لرسول الله ﷺ: “لو كانت النبوة حقاً لكنت أولى بها منك، لأني أكبر منك سناً وأكثر منك مالاً”.
ووسط هذه الجهالات المركبة والعداوات المقصودة والمضللة، ووسط هذه النماذج التي لا حصر لها من الضلال والغفلة، أخذ الإسلام رويداً رويدًا ينشر أشعته، فأخرج أمة من الظلام إلى النور، بل جعلها مصباحاً وهاجاً يضيء ويهدي، كما أن الإسلام رفع شعوباً وقبائل من السفوح إلى القمم.
والحديث عن السيرة النبوية لم يكتمل، وإن كانت لنا في الحياة بقية فلعلنا نستأنف الكتابة في الحلقة القادمة إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.