افتتاحية العدد الثاني
فبراير 5, 2024ماذا يحدث في الهند؟
فبراير 6, 2024إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ﷺ.
يروي لنا الإمامان البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «عُذِّبت امرأة في هِرَّة سَجَنَتْها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سَقتها، إذ حبستها، ولا هي تَركتْها تأكل مِن خَشَاشِ الأرض».
سبحان الله، ديننا والله دين الرحمة، دين الرفق، دينٌ يحق لنا أن نفخر به، إن الله جل وعلا أمرنا أن تراحم وأخبر نبيه فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وقال {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
فإنما يتراحم العباد برحمة الله عزوجل، هذه الرحمة التي أمرنا الله جل وعلا بها لنعرف عظمة الإسلام ليست فقط مختصةً بالمسلم مع المسلم، بل أمرنا الله جل وعلا أن نرحم حتى الكافر، بل وليس الكافر فقط بأن نرحم حتى الحيوانات والدواب، بل وحتى الجمادات والنباتات.
تأمل قول الله جل وعلا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
بر وقسط؛ رحمة يأمرنا الله جل وعلا بها مع الكفار، الله جل وعلا يمتدح عباده المؤمنين ويذكر من صفاتهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.
لا إله إلا الله، الإيثار على حبه مع الأسير، والأسير كافر، يؤسر لأنه كافر محارب، لكن الآن أصبح تحت أيدينا، يمدح الله جل وعلا مَن يؤثرونه ويطعمونه رحمة، رحمة والله ما بعدها رحمة، كان لقائل أن يقول وأنّى لهذا أن نطعمه دعوه حتى يموت جوعاً!
لا، لما كان في ساحة القتال أُذن لنا أن نقاتله وأن نرد عدوانه، أما وقد أصبح الآن تحت أيدينا، أما وقد أصبح أسيراً عندنا، فإن الله جل وعلا يمدح رحمتنا له ويمدح إيثارنا له.
ليس الكافر فحسب، بل كذلك الحيوانات والدواب يأمرنا الله جل وعلا أن نرفق بهم، ومن ذلك هذا الحديث، الذي هو والله تقشعر له الأبدان، وينبغي أن يخاف منه المسلم العاقل، تُعذب امرأة من أجل هرة؛ هرة!
ماذا فعلت؟ سجنت الهرة، حبستها، لا أطعمتها ولا سقتها بل تركتها على هذه الحالة حتى ماتت الهرة، فدخلت فيها النار. لا إله إلا الله! تدخل النار في هرة؟ نعم لأن المسألة ليست في “هرة ماتت”؛ بل “في قلب مات”! في قلب قسى حتى يُعذب مخلوقاً من مخلوقات الله جل وعلا بهذه الطريقة، بأي حق تسلطت هذه المرأة على هذه الهرة؟ من الذي أذن لها؟ من الذي رخص لها أن تفعل هذا الفعل؟
ربنا جل وعلا يأبى أن يكون عباده على هذه الحال، يكره الله تبارك وتعالى لعباده أن تتصف قلوبهم بالقسوة، ولما عاتب الله جل وعلا المؤمنين عاتبهم فقال لهم: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}؛ يذكرهم: احذروا أن تكونوا مثل أهل الكتاب الذين طال عليهم الأمد على معصية الله، ماذا كانت النتيجة؟ وصلوا إلى الثمرة السيئة وصلوا إلى النتيجة السيئة فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.
وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي، فالله تبارك وتعالى لا يحب لعبده أن يكون قلبه على هذا النحو؛ بل لو رق قلب العبد ولو لحيوان؛ الله جل وعلا يغفر للعبد الذنوب ولو كانت عظيمة، تأمل في حديث المرأة البَغِيّ؛ امرأةٌ بغيٌ زانيةٌ، حِرفتُها البغاء والزنا. تمر في الصحراء على بئر فتجد كلباً يطوف حوله قد أنهكه التعب وبلغ به العطش مبلغه، ماذا فعلت هذه المرأة البغي؟
حلّت الرحمة في قلبها فرقّ لهذا الحيوان الضعيف، واستحضر قلبها من عظمة الله جل وعلا ومن رحمة الله تبارك وتعالى الكثير، فغامرت ونزلت إلى البئر إلى أسفله مع ما يكتنف ذلك الفعل من الخطورة ومن احتمال هلكتها، فخلعت حذائها وملأته ماء وصعدت وسقت الكلب، فشكر الله جل وعلا لها فغفر لها لرحمتها!
انظر على النقيض الأولى دخلت النار في الهرة عندما قسى قلبها وعذبت هذا الحيوان البريء.
الذين يتعاملون مع هذه الدواب بالقسوة والغلظة إذا ما كلمته قال هذا حيوان! هل لأنه حيوان تعذبه؟ تسيء إليه؟ لا والله ستُحاسب على ذلك يوم القيامة.
النبي ﷺ يقول معلماً لنا كيف تكون الرحمة وكيف يكون الإحسان حتى في أشد الأوقات ظهوراً للقسوة، قال لك كن رحيماً محسناً، قال ﷺ: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة؛ وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليُرِح ذبيحته”.
سبحان الله! ما أجمله من خُلق وما أحياه من دين، ما أطيبها من رحمة، البعض قد يقول هذا سيُقتل ما بال الإحسان بالقتل؟ وهذه ستُذبح فما فائدة الإحسان عند الذبح؟ لا والله، فإن كان الله جل وعلا قد أذِن في القتل بحق قصاصاً أو غير ذلك، فما أذن في التمثيل وما أذن في التعذيب؛ وإن كان الله جل وعلا قد أذن لنا أن نذبح من هذه الأنعام والدواب وشرع لنا ربنا جل وعلا أن نأكلها فما أذن لنا أن نعذبها، فانظر إلى قول النبي ﷺ “وليحدّ أحدكم شفرته وليُرح ذبيحته”، نُهينا أن تكون شفرة السكين الذي نذبح به الحيوان ليست حادة فنعذب الحيوان.
بل أدبنا النبي ﷺ ألا نذبح حيواناً أمام الآخر، وقال لمن فعل ذلك: “أتريد أن تُميتها مَوْتاتٍ؟ هل حَددت شفرتك قبل أن تُضجعها”.
فهي تنظر إلى أختها وهي تُذبح هكذا أمامها. لا! أخفِ عنها ما تذبح، وإذا شحذتَ سكيناً أخفِ عنها ما تفعل حتى لا تميتها موتات.
ولما رأى ﷺ جزاراً يسوق شاة بعنف قال: “سُقها إلى الموت سوقاً رفيقاً”.
أرأيتم الرحمة؟ رحمة حتى مع الحيوان؛ يقولون أين أنتم أيها الناس من حقوق الإنسان؟ إن حقوق الإنسان والرحمة يعرفها دين الله جل وعلا، حقوق الإنسان والرحمة بالخلق جميعاً إنما هي في شريعتنا؛ في شريعة ربنا تبارك وتعالي الذي يحاسب العبد على إساءته ولو للحيوانات، فتدخل النارَ امرأةٌ في هرة حبستها.
نسأل الله جل وعلا أن يرزقني وإياكم قلوباً رحيمة رقيقة تلتزم بأمر الله عز وجل، وتخضع لعظمة الله تبارك وتعالى، والحمد لله رب العالمين.