﴿وبَلغتِ القلوبُ الحناجرَ﴾
ديسمبر 9, 2024غزة بين المرجِفين والموَفقين
ديسمبر 9, 2024بقلم: د. عبدالرحمن محمد عارف – سفير هيئة الأنصار في كردستان العراق
العمل الإسلامي في كردستان العراق سواء في دائرة حزب سياسي معيّن، أو خارج الأحزاب مثل المنظمات المدنية، أو الشخصيات المستقلة العاملة عن الحزب والمنظمة، أو ضمن اتجاه طُرُقي من المتصوفة، فلكل هؤلاء قسط مقطوع (قلةً أو كثرةً) في تقديم الإسلام إلى المجتمع (تعريفاً وتطبيقاً) حسب الأولويات الفكرية والدعوية التي يحملها كلّ دائرة من دوائر العمل للإسلام. أقررت بهذا الفضل لهؤلاء لأقول بأنّ تلك المجاميع تتحمّل بالتأكيد جزءاً (كبيراً أو صغيراً) في خلق بعض المخانق المعنوية والميدانية، وإحداث بعض الثغرات التي أصابت ولا تزال تصيب العمل الإسلامي في قلبه وقالبه.
ولقد مرّت على تأريخ الصحوة الإسلامية الكردستانية المعاصرة (بأجنحته المتعددة) سنين طويلة تصل إلى أربعة عقود ونصف، إذا أخرجنا سنوات العمل للإسلام في الستينات والسبعينات من القرن الماضي من المعادلة، ووصلنا إلى يومنا هذا بعد أنْ ربحنا في بعض الميادين والخطوات والسياسات، وخسرنا في بعض المجالات الحساسة وجمعنا منها المرّ والحنظل!
هنا وبعد هذين النتيجتين وهذا العُمُر الطويل في العمل الإسلامي، أسأل سؤالاً أولياً: فهل نحن فعلاً بحاجة إلى تبني استراتيجية جديدة للعمل الإسلامي في إقليم كردستان العراق؟
الجواب المبدئي (نعم) من دون شك. وأما تفصيلاته وكيفياته فستأتينا لاحقاً. ولأُمكّن نفسي من الأجوبة، سأذكر ثلاث مقدمات، ستكون لها دور في الجواب على أسئلة أخرى تالية (مكمِّلة ومفصِّلة) ستأخذ بعنقي وعنق العاملين للإسلام في كردستان العراق.
المقدمة الأولى: تجديد الفقه بالمصطلحات
الواقع الإسلامي عندنا مُصاب بإصابات مَرَضية بعضها بالغة وبعضها طفيفة، وكلّها نابعة من الفهم المائل والعمل المعوج بالمصطلحات والمفردات الإسلامية الأصيلة، وهذه الأمراض يجب أنْ تدفع (فقهاء الفكر) و(خبراء العمل) والقيادات الميدانية إلى إعادة النظر وتجديد الفقه لكثير من المصطلحات العقدية والسياسية والاجتماعية وحتى الفقهية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر أذكر بعض المصطلحات منها: اليهود واليهودية والصهيونية، العَلمانية، التغريب والأمركة، الكفر والإيمان، المصلحة والمفسدة، الوحدة والاختلاف والتحالف، الحزب والحزبية، الأخوّة، الولاء والبراء.
المقدمة الثانية: معرفة مصدر الأزمات وإعلانها
يُمكن أنْ نُقسّم مصدر الأزمات ومنبع المعضلات المسكونة في محاضن العمل الإسلامي إلى أزمات داخلية وخارجية، ويُمكن كذلك أنْ نوزّعها على دوائر حسب حجم الأزمات وتأثيراتها السلبية من كبيرة إلى صغيرة إلى متوسطة، أو حسب النوعية مثل العقدية والسياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه التقسيمات تُبعد العمل الإسلامي من الخلط واللغط عند اتخاذ المواقف عنها وبذل الجهود الكافية لإقفالها. وسنشير لاحقاً إلى المصادر الدافعة للأزمات سواء الآتية منها من حضارة أو دولة أو فكرة أو مجموعة.
ومن الغريب أنَّ المثبّطات الفكرية والمحطِّمات الروحية والأخطار الأمنية والاقتصادية وغيرها من المخاطر معروفة في أنها تأتينا من الدول المجاورة خاصة، ومن أمريكا والدول الغربية عموماً، مع ذلك لا تسمع ذكر أسماء بعض من هذه الدول على لسان غالبية العلماء و(النخبة المتكلمة) فهل هو جهل أو خوف أو تغافل أو طمع؟ ربما كلّ ذلك مجتمعةً. لذلك قلت في العنوان معرفة المصدر والإعلان عنها.
المقدمة الثالثة: معرفة قنوات الإفساد لتحطيم مقاصد المصطلحات
لا مناص من ذكر بعض الوسائل أو القنوات التي كانت وما زالت لها دور خطير في التشويش على الوعي الإسلامي في كردستان العراق، مما أدّت وتؤدي إلى قراءة المصطلحات والمفردات الشرعية قراءة مقلوبة أو محرَّفة أو مغلفّة لمصلحة طرف معين، ومن جرّائها أُصيبت الفكر والوعي العام بالإفراط مرّة والتفريط مرة أخرى.
ومن تلك الوسائل والقنوات الهادمة لمقاصد المصطلحات: القنوات الإعلامية، منصّات التواصل الاجتماعي، منظمات المجتمع المدني، النخبة المتكلمة، الأحزاب العلمانية، وزارة الأوقاف، وزارة التربية والتعليم العالي، علماء السلطة، أصحاب رأس المال الحرام، الأفلام والمسلسلات المدبلجة، أهل السلاح والرماح، العشيرة.
السؤال الثاني: لماذا نحن بحاجة ماسة إلى استراتيجية جديدة للعمل الإسلامي في كردستان العراق؟ إذا أردنا أن نحكم على تطور أو جمود فكرة ما أو دعوة أو تيار لا نجد نتيجة سديدة إلاّ اذا بحثنا تطوره في اتجاهين: اتجاه عمودي، واتجاه أفقي.
فأما الاتجاه العمودي فأقصد به صعود العاملين للإسلام نحو الاقتراب من السلطة، ثمّ استلام الشؤون العامة للمجتمع؛ فإدارة الدولة وقيادة المؤسسات السيادية والخدمية وغيرها.
وأما غرضي من الاتجاه الأفقي هو بث الدعوة الإسلامية ونزولها إلى المحاضن الفردية والأسَرية والخلايا التي تُؤسَّس بها الجماعة، وأهدف منه كذلك نشر التدّين الصحيح داخل فئات المعلمين والطلاب والأطباء والتجار وغيرهم من الفئات الاجتماعية الكثيرة.
فإذا وجدنا توازناً بين (الصعود والانتشار) للاتجاهين العمودي والأفقي، دون حدوث الاختلال بينهما، وبعيداً عنْ غلبة اتجاه على الاتجاه الآخر، فهذا يعني أنّ العمل الإسلامي أخذ موقعه في الحركة نحو المستقبل الموعود في الدعوة والتبليغ وتجميع الناس حول الإسلام، ونحو إعادة المجد للمسلمين في إرجاع إدارة (السياسة والسيادة) في البلاد إلى المستحقين من أبناء الإسلام. لا يجوز شرعاً ولا منطقاً أنْ نُهمِل الجانب العمودي في التربية والتوجيه والبناء، بذريعة أنّ الدولة وسيلة من الوسائل يُمكن الاستغناء عنها، وكم سمعت من هذا الخطاب من بعض العلماء، وهم يؤصلون دائماً للقول بأنّ علينا العمل فقط وليس علينا الوصول الى الهدف، سواء في إرجاع الدولة المغتَصَبة أو النصر في أي مجال، وأيم الله هذا الخطاب نوع من التثبيط، وترك الساحة للاستبداد العلماني، وتقطيع الخطاب الإسلامي إلى أشلاء لا حياة فيها.
فالدولة وسيلة من جانب بل هي (أمُّ الوسائل)! وغاية من جانب آخر لأهميتها وخطورتها ودورها الكبير في تغيير الزمان والبيئة ومصير الإنسان.
وقد قيل بأنّ تطبيق الشريعة أربعة أرباع، الربع الأول منها من مسؤولية الأفراد، والربع الثاني من مسؤولية الأسرة، والربع الثالث منوط بعاتق المجتمع لتطبيقه، وأما الربع الأخير فهو من واجب الدولة الإسلامية لتقوم بها، لكنّ الثلاثة من الأرباع الخاصة بالأفراد والأُسَر والمجتمع تغذيتها وبقائها وحمايتها ونشرها متوقفة على الربع الأخير الذي من عمل الدولة، فإذا لم نُقِم الدولة ولم تكن من أولويات العمل الإسلامي (الذي يتمنّاه الأعداء) سيُخرب كلّ ما بناه المؤمنون بأيد المؤمنين وأيدي الكافرين والمنافقين.
من المشكلات المتفشية في المنظومات التربوية والمناهج التعليمية والدعوية لأجنحة التيار الإسلامي غياب قضايا الدولة وإدارتها، وكيفية إعادة الشؤون العامة والدولية إلى أبناء الإسلام، فانّ هذا التغييب إن دلّ على شيء فإنه يدل على عدم الاستيعاب الكامل لصورة أوامر الإسلام ونواهيه، وانعدام الإحاطة بأهمية الدولة والنظام في تثبيت الإسلام واستئصال أعدائه، ويدل أيضاً على وجود فراغ كبير في فقه مقاصد الإسلام، وفقه وسائله، وفقه التغيير، فالدولة أمّ الوسائل، ولا مفرّ من إضافتها إلى عمق المناهج التربوية والتعبوية في جميع المراحل وعلى كافة المستويات.
فلو كان عندنا (دولة واحدة فقط) تتبنى الإسلام دستوراً، وتقبله منهجاً ومرجعاً وموجهاً للمجتمع والدولة وفي العلاقات الدولية فهل تبقى غزة تعاني 13 شهراً من القتل والدمار والتنكيل؟!
تكملةً لما سبق أقول بأنّ على المستوى الشعبي ومكوناته الفردية والأُسَرية هناك تقدّم لا بأس به في تجذير الإسلام والعمل به، وفي تقييمنا لأجنحة العمل الإسلامي الكردستاني نجد وجوداً وانتشاراً على المستويات الشعبية العامة، وجموداً وانحساراً على مستوى المؤسسات الرسمية.
الاستعمار والاستبداد تحالفا على الحصار الشامل على العمل الإسلامي، فلو أردنا أنْ نفهم الخلل الذي أدخله الأعداء كـ(معرقل) دائم لنهضة المسلمين، ومانع أبدي (إن استطاعوا) من التحرّر من التبعية والعبودية لأعداء الله وأعداء عباد الله، أمثّل لذلك الفهم برجل أُدخل إلى غرفة أسمنتية وقيل له: لك الحرّية في أنْ تتحرّك يميناً ويساراً، جنوباَ وشمالاً داخل الغرفة وأنْ تقول وتفعل ما تشاء، أما الذهاب إلى الطابق الأول ثمّ الثاني وهكذا دواليك حرام عليك، وممنوع لك، وليس لك أنْ تطلب أو تقترح أو تصرخ أكثر مما هو محدّد لك، فإذا بدأ هذا المسكين بصرخة فستؤدي ذلك لا محالة إلى التضييق عليه، وتقليل وجباته، وإهانته، وقتله، ثمّ اتهامه في النهاية في الإعلام المضلّ بأنّه قد خنق نفسه وكان هو يعاني من الأمراض النفسية أو الجنون الحاد، إن لم يُعلِنوا قائمة اتهامية طويلة بجرائم (لم يرتكبه أصلاً) ويقرروا عقوبته على ذلك (الصرخة) إعدامه رمياً بالرصاص!
بالنسبة لإقليم كردستان العراق هناك علامات ودلائل تُثبت تلك النظرية التي أسمّيها بـ(نظرية الإبقاء النسبي والإبعاد الكلّي) أي إبقاء الحركة بالإسلام أو بأجزاء من الإسلام ضمن المكونات الشعبية الهامشية، وإبعاد الدين بالكلية عن التأثير والتصحيح والتغيير داخل مؤسسات الدولة، ومقررات الحكومة، ومناهج التربية والتعليم في الجامعات والجيش والأمن والإعلام وغيرها.
سأذكر أربع علامات ودلائل كبيرة رئيسية
أولاً: سباق أُحادي بين الحصان ونفسه
مضت على العمليات الانتخابية المتكررة أو ما تُسمى بـ(الديمقراطية) لتشكيلة برلمان الإقليم أكثر من ثلاثين سنة، ولم تمض 4 سنوات أو 6 أو أكثر بقليل إلاّ وأقيمت وأُدخل الناس في زحمة التصويت، ووِعد ألف مرّة ومرّة بأنّ الانتخابات ستكون نظيفة وشفافة وعادلة، وستكون بعيدة عن التدخلات، وشراء الضمائر، وبيع الأصوات، والتدليس، والتزوير والتلاعب بالنتائج، وحلفوا ألاَّ يُسمح (بأقلمة العملية) أو (تدويل العملية)، فظهرت كلّها عكس المدّعى وضدّ ما وعدوا بها!
وأخطر النتائج أنّها مُنِعت (بكلّ الوسائل) و(كلّ السُبُل) أجنحة الصحوة الإسلامية من تجاوز 15% من الأصوات، بل واظبوا التآمر لتكون الأصوات أقلّ من هذا، وكانت في المرّة الأخيرة في 20 من شهر أكتوبر 2024 أنزلوها إلى أقلّ من 10%!
فهذا دليل وعلامة تعني أنّ الإسلام غير مسموح له بالوصول إلى سدة الحكم الفعلي، وإدارة المؤسسات السيادية للحكومة أو الدولة، أو قيادة البرلمان. ومعروف بأنّ إحدى السلالم السلمية (في النظام العالمي الجديد المنافق) للصعود إلى تشكيل الحكومة، وإدارة الدولة وتنفيذ المشاريع الموعودة هي إعطاء الحق للناس في إختيار ممثليه، وفتح الطريق أمام الممثلين لاستلام الحكومة والدولة، لكنّ هذا الحق قد حُرِم منه الأحزاب الإسلامية (عن قصد وترصد ومؤامرة) منذ ثلاثة عقود، وأنا أتذكر جيداً بُعيد الانتخابات الأولى لسنة 1992 الميلادية صرّح وصرخ رئيسا أكبر الحزبين العلمانيين أنّ التزوير قد وقع بشكل واسع وكبير، ولم يصلا لحل تلك المعضلة إلاّ بالتقسيم الثنائي للبرلمان والحكومة فيما بينهما على أساس خمسين بخمسين، وأبعدوا الحركة الإسلامية (من الشراكة) التي كانت تمثّل الإسلاميين جميعاً في تلك المرحلة من تاريخ كردستان العراق.
وفي آخر الانتخابات الجارية في شهر أكتوبر الماضي لسنة 2024 الميلادية حصل ما حصل قبل ثلاثين عاماً من التزوير الممنهج، وإبقاء أجنحة العمل الإسلامي في أضعف صورة، وأقل نصيب، وأردأ خاتمة! وكم نحتاج (ثلاثينات وأربعينات) من السنوات لنرى الشفافية والعدل والنظافة وعدم الاستعانة بالقوى الإقليمية والدولية المحتلة حتى نرى رجالات الإسلام على سدة الحكومة ويقودون مرافق الدولة؟! لذلك حقاً الانتخابات في الإقليم هي السباق بين الحصان ونفسه!
ثانياً: أحزاب على حاملة الطائرات
كلّ الأحزاب العلمانية في الإقليم لهم جيش، ومؤسسات أمنية، ومخابرات، وكليات ومعاهد للتسليح والتدريب وتخريج الكوادر، ولهم علاقات مع الدول القريبة والبعيدة، أما العاملون في الحقول الإسلامية من الأحزاب والمنظمات والشخصيات لا يحق لهم امتلاك السلاح، ولا تأسيس قوة عسكرية مطلقاً، ليس هذا فحسب بل لا يُسمح لهم بالدخول إلى تلك المؤسسات الحزبية المسلحة سواء على شكل أفراد أو مجموعات، فامتلاك القوة في الإقليم سُلّم من سُلالم القفزة إلى السلطة والبقاء فيها، وعدم التنازل عنها، والسيطرة على الموارد والشركات ومصادر الاقتصاد وأقوات الناس، حتى لو أجريت في (الفرض المحال) انتخابات نزيهة فإنهم باقون على رأس الإقليم ولا يتركونه لغيرهم، فقالوا ذلك بلسان فَمِهم قبل لسان حالهم! ولو استطاعوا لامتلكوا حاملات الطائرات دون الحساب للحكومة والدولة التي من المفترض أنْ تدير أمور الجيش والأمن والمخابرات، أحزاب مسلحة جمعت الحكومة والدولة في جيبها.
وأسوأ من هذا أنّ الأقليات الدينية والقومية من دون استثناء لهم ميليشيات مسلحة ويُقدَّم لهم الرواتب والخدمات من قبل حكومة الإقليم أو حكومة بغداد. أما أصحاب الحق لا يحق لهم بالميزان العلماني الغربي المتغطرس أنْ يكون لهم قوة للحراسة الشخصية فكيف بحراسة الحزب والشعب.
ثالثاً: مشاركات هامشية في السلطة
من منتصف سنة 1997 إلى سنة 2024 ميلادية تشارك جماعات التيار الإسلامي في الحكومات المتعاقبة في إقليم كردستان العراق، وتبيّنَت مرحلة بعد مرحلة أنّ المشاركات كلّها كانت رمزية وهامشية، ولم تؤدِ إلى أي تغيير في البنية المعنوية والمادية والقانونية والسياسية للسلطة الحاكمة، لا في حقوق المواطنين ولا في حقوق الله سبحانه! فكيف تستطيع أنْ تغيّر جوهر وهيكل الحكومة بالمعايير الإسلامية، وتبني عليها مشروعاً مستقبلياً بمشاركة وزير أو وزيرين أو عدة مسؤولين صغار في وزارات هامشية غير فعّالة؟ فبعد إغلاق أي فرصة أمام تغييرات محتملة عبر الانتخابات وإسكات أي مبرر لامتلاك السلاح فرّغوا المشاركة في السلطة من محتواها وأماتوها في مهدها.
رابعاً: سلّم من السُلالم التي تساعد الناس على استلام السلطة وإدارة المجتمع والدولة هو ذلك (الدستور) الذي يحتكم إليه الجميع لحل النزاعات، شريطة أنْ يعتمد الدستور على الإسلام في مواده وقوانينه ثمّ يُراعي العرف المجتمعي الصحيح للصالح العام، وعندنا حدث العكس، فعندما نوقش مسوّدة دستور الإقليم في مرحلتين داخل البرلمان في العقد الأول من هذا القرن كان أكبر الجدال وأوسعه وقع على مادة مصادر التشريع وكتابة القوانين، والعلمانيين كانوا بالمرصاد ولم يقبلوا الشريعة تكون (المصدر الأول) للقوانين ولا (المصدر الرئيسي)، بل صاغوا عبارة مطاطية وغير قابلة للتطبيق وهو ألاّ يكون القانون مخالفاً لثوابت الإسلام ولا مخالفاً للديمقراطية! وفي النهاية لم تأتِ مسودة الدستور إلى الدنيا، وأميتت في حينها، ولم يُصوّت عليها في الاستفتاء، وبقي رهينة الرفوف والإهمال ربما إلى الأبد!
مختصر القول: إنّ فُرَص إعادة العدالة الاجتماعية والحرية والإعمار والاستقلال والمساواة وبناء مجتمع قوي وآمن عبر الدستور والانتخابات والمشاركة واكتساب القوة.. قد كُفنت ودُفنَت بعد قتلها، ولا أمل في أوبة هؤلاء القاتلين، ما قلته هو الجواب الأول عن السؤال الثاني الذي نصه: لماذا نحن في كردستان العراق بحاجة إلى تبني استراتيجية جديدة للعمل الإسلامي؟
إلى اللقاء في الحلقة القادمة.