
الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ تهنئ سماحة الشيخ أسامة الرفاعي، بمناسبة توليه منصب المفتي العام للجمهورية العربية السورية
مارس 29, 2025
رمضان مدرسة الأجيال
مارس 29, 2025سعد فياض – فك الله أسره
قلبت ناظري في أجسادٍ تقلبت فيها صور البلاء وتنوعت، من أمٍ مكلومة وطفلة يتيمة وشيخٍ شريد وآخر شهيد، في مأساةٍ لم أخالني أطلع على مثلها.. ومرت أمام ناظري سيل من التصريحات والتحليلات، فأرى الهوة شاسعةً لا تلتقي على مد البصر بين أسرى الواقع ومن استنار بنور الوحي.
فأسرى الواقع يحكمون بقوانينه، وكل ما خالف ذلك فعوالم مثالية خيالية، وكأنهم تناسوا رباً رحيماً في تقديره عزيزاً في قوته قدر الابتلاء على الفئة المؤمنة وقدر معه البقاء، وهو سبحانه قدر عليها الخوف والجوع ونقص الأموال والثمرات وجعل مع هذا كله النصر، وجعل حولهم من يخذلهم ويخالفهم، وقدر أن ذلك لا يضرهم؛ فهؤلاء لن يروا الحقيقة لأنه يتناسون الموعود الرباني الذي لا تزيده الابتلاءات إلا قرباً.. ذلك هو انتصار الحق، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧٣]، ولقد كان أمام هؤلاء أن تتحرر موازينهم إلا أنهم قيدوها بآلة العدو الإعلامية والسياسية، ولو رجعوا للوحي ولكتاب الله لأبصروا الحقائق ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ فَعَلُوا۟ مَا یُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِیتࣰا﴾ [النساء: ٦٦] .
وهل لنا في الفتن من نورٍ يجلي الظلمات، أو وقت نزول الابتلاء من سكينة وهداية للأفئدة مثل كلام الله؟، قال تعالى: ﴿قُلۡ هُوَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ هُدࣰى وَشِفَاۤءࣱۚ وَٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ فِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣱ وَهُوَ عَلَیۡهِمۡ عَمًىۚ﴾ [فصلت: ٤٤]، وقال عزّ من قائل: ﴿قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورࣱ وَكِتَـٰبࣱ مُّبِینࣱ﴾ [المائدة: ١٥].
ومن هذا المنطلق أرصد -مستعيناً بالله- مقاصد الكفر وأربابه التي تؤزه وترسم وجهته، لعلها تعين الموحدين في تصور حقيقة الصراع وأبعاده..
المقصود الأول: مقصود الإذلال
إن مقصد الإذلال كان ولا يزال مقصداً جاهلياً أصيلاً، رسمه فرعون حين وصف نبي الله موسى عليه السلام بقوله: ﴿أَمۡ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِی هُوَ مَهِینࣱ وَلَا یَكَادُ یُبِینُ﴾ [الزخرف: ٥٢]، والمَهين بفتح الميم: الذليل الضعيف.
وكلما زاد الحق من ضغطه على نفوس الجاهلية المهترئة اتجهت لمحاولة الإذلال، تنفيساً عن الضعف ومحاولةً لهز الثقة والثبات التي تميز الحق، ولنتأمل موقف قريش من صلاة النبي ﷺ الخاشعة في صحن الكعبة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: بينما رسول الله ﷺ قائم يصلي عند الكعبة، وجمعُ قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظروا إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم فلما سجد الرسول ﷺ وضعه بين كتفيه، وثبت الرسول ساجداً، فضحكوا، حتى مال بعضهم على بعض من الضحك.
ويُخطيء من يظن الأمر حدثاً عابراً، فهذا أبو جهل ينص على ذلك فيقول: لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن على عنقه. فلا يكتفي عدو الله بمحاولة منعه بل يفكر في مظهر يعلو به على الحق، لذا قال النبي ﷺ: “لو فعل لأخذته الملائكة عياناً”. وفي ذلك نزل كما قال ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: ﴿سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِیَةَ﴾ [العلق: 17].
وكما يرتبط هذا المقصد بصور العبادات التي تظهر علو الحق واتصاله بالحق، فهذا المقصد يرتبط بعلو الحق بالجهاد والتمكين في الأرض، في محاولة لتفريغه من دلالته كما حاول عبد الله ابن أبي بن سلول عندما قال ﴿لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ﴾ [المنافقون ٨]، وغير ذلك كثير ومطرد في العقلية الجاهلية التي استحوذ عليها الشيطان، وهذا المعلم متكررٌ في الحرب العالمية الحالية على الإسلام وأهله، من إهانة مقدساتهم، أو إذلال أسراهم، أو الولوغ في أعراضهم ودمائهم.
– وهذا المقصد مرتبطٌ بصفة الاستكبار في الأرض والتي كانت سبب طرد إبليس من رحمة الله، فهي سارية في حزبه، وهذا الاستكبار في أحد وجوهه رد فعل للذلة المكتوبة عليهم، ولليهود اختصاصٌ زائد بذلك ولا يخفى أنهم أشد الناس عداوةً للحق وأنهم أتباع مسيخ الضلالة في آخر الزمان، فلهم نصيب وافر من هذه الذلة المكتوبة على حزب الشيطان تنعكس على رغبتهم في الاستكبار وإذلال أهل الحق، قال تعالى ﴿لَن یَضُرُّوكُمۡ إِلَّاۤ أَذࣰىۖ وَإِن یُقَـٰتِلُوكُمۡ یُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا یُنصَرُونَ * ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ﴾ [آل عمران: 111-112].
ومهما كانت موازين القوة والضعف، فرد هذا المقصد كان مقصداً شرعياً، بالتأكيد على علو أهل الحق واتصال منهجهم بالمولى سبحانه وعلى الذلة والمهانة المتحققة بنزول العذاب على أهل الباطل، وتأمّل قول موسى عليه الصلاة والسلام رداً على فرعون: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾] الإسراء: ١٠٢]، أي: ممقوتًا، ملقى في العذاب، لك الويل والذم واللعنة… وهذا نذارة وتهديد لفرعون بقرب هلاكه.
وهو ما توعد به الرسول ﷺ الأشقياء الذين طرحوا سلا الجزور على ظهره الشريف، ففي الحديث: فلما قضى رسول الله الصلاة، قال: “اللهم عليك بقريش”، ثلاثاً، ثم سمى: “اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد”. قال عبدالله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر، ثم قال رسول الله ﷺ: “وأتبع أصحاب القليب لعنة”.
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود: دعا عليهم النبي ﷺ فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك هلكوا فادعُ الله! فقرأ ﷺ: “﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾”. ثم يقول صاحب الفتح: “وأفاد الدمياطي أن ابتداء دعاء النبي ﷺ على قريش بذلك كان عقب طرحهم على ظهره سلى الجزور”.
ولما زادت تحرشات هؤلاء الأشقياء ومحاولتهم النيل منه مقامه الشريف ﷺ، لم يسكت بل قابل ذلك بالتهديد الشديد حتى دب الخوف في عروقهم، فقال لهم: “أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح”. فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف أبا القاسم راشداً فوالله ما كنت جهولاً. فانصرف رسول الله ﷺ. وكان هذا في المرحلة المكية.. مرحلة الأمر بكف الأيدي. وفي هذا دلالة على أهمية الرد على هذا المقصد الجاهلي بما يناسبه .
ولنتأمل كيف أن النبي ﷺ يأمر الصحابة في غزوة أحد ألا يجيبوا الكفار عندما سألوا: أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر؟ أفيكم عمر؟ ثم يندب الصحابة أن يردوا على الكفار استعلاءهم بالباطل حيث قاموا يتبخترون ويقول مقدمهم يومها أبو سفيان: اعلُ هبل. فقال النبي ﷺ: “أجيبوه!” قالوا: ما نقول؟ قال: “قولوا الله أعلى وأجل”، قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي ﷺ: “أجيبوه!” قالوا: ما نقول؟ قال: “قولوا الله مولانا ولا مولى لكم”.
وهذا كله يؤكد مكانة هذا المعنى وارتباطه بمقاصد الشريعة، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 40]، ومعرض الآية في الهجرة وحادثة الغار، وفيها دلالة أخرى على ارتباط مقام النبوة ونصرته بكلمة الله، فتأييد الله لنبيه ﷺ ونصرته هي من آثار عزة الله تعالى وحكمته وأن كلمته سبحانه هي العليا.
لذا تكفل الله تعالى بالرد على ابن أبي سلول بآيات تُتلى إلى يوم القيامة فأنزل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨]، بل وقدر سبحانه إذلال ابن أبي سلول على يد ابنه الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الذي قال لأبيه: والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله ﷺ العزيز.
فتقرير مفهوم العزة والرد على مقصد الإذلال والاستكبار أقرب إلى ميدان الحجة والبيان من ميدان السيف والسنان، إذ هو مرتبطٌ بما يحمله أهل الحق من منهج من عند الله عز وجل.
هذا ما تقرره بصيرة الوحي، أما أسر الواقع فيُعلم الخضوع واستمراء الذل استجابة للوهن إذ سيطر على النفس. والحقيقة أن عزة المؤمن يستمدها من إيمانه بالله، وإنما ترضى الأمة بالذلة حين تنسى السبيل لحيازة العزة وتتنكب عن شرع الله، قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلهِ الْعِزّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: ١٠]، يقول سيد قطب رحمه الله:
“وهذه الحقيقة كفيلة حين تستقر في القلوب أن تبدل المعايير كلها، وتبدل الوسائل والخطط أيضاً… إن العزة كلها لله وليس شيء منها عند أحد سواه. فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره. ليطلبها عند الله فهو واجدها هناك وليس بواجدها عند أحد، ولا في أي كنف، ولا بأي سبب ﴿فللهِ العزةُ جميعاً﴾”.
ولقد كان خطاب إخواننا المجاهدين من أهل غزة مليئاً بهذه المعاني الإيمانية: من الاتصال بمولاهم، والاعتزاز بإيمانهم وجهادهم، فما كان لضعيفي النفوس أسرى الواقع أن يلوموا جهادهم أو يستصغروا رميهم، فإن المعايير المختلة لا ينبغي لها أن تنصح أرباب الجهاد والرباط، ولو أنهم كلفوا أنفسهم عناء النظر إلى آثار هذه الصواريخ من بث الرعب ومعادلة الخوف واستعلاء الحق.. لرأوا مصداق قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨].
المقصود الثاني: مقصود تفريق الصف
فانسحاب اليهود من غزة أول مرة -وهذه المرة أيضاً- وإن كان نصراً للمجاهدين فإن مقاصد الشيطان لا بد أن تصاحبه، وهي المقاصد التي تتوارث في كل معركة بين الحق والباطل، ومنها (مقصد تفريق الصف المؤمن) والذي يصاحبه (استضعاف طائفة دون الأخرى) لتزداد الفرقة.
وفرعون كرمز متكرر للجاهلية أطَّر هذا المقصد في خطة عملية نفذها على أرض الواقع، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾ [القصص: ٤]، فلفظ (شيعاً) ليدل على أنه جعل أهل بلاد القبط فرقاً ذات نزعات تتشيع كل فرقة إليه وتعادي الفرقة الأخرى ليتم لهم ضرب بعضهم ببعض، وقد أغرى بينهم العداوة ليأمن تألبهم عليه كما يقال «فرّق تحكم» وهي سياسة لا تليق إلا بالمكر بالضد والعدو ولا تليق بسياسة ولي أمر الأمة الواحدة.
فسبيل المفسدين الذي رسمه فرعون ثلاثة: العلو في الأرض، تفريق الصف إلى أشياع متنافسة، واستضعاف طائفة واستخدام البقية في ذلك، وكلما انتهى من طائفة تبعها بأخرى.
– وهذا المقصد كمقصد الإذلال مرتبطٌ بمقاصد الشيطان؛ فعن جابر قال: سمعت النبي ﷺ يقول: “إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم”. وعن جابر رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله ﷺ: “إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نعم أنت”.
ولست أقصد بالتفريق ما تدندن عليه وسائل الإعلام من انقسامٍ بين حماس وسلطة أوسلو، بل أقصد ما تسعى هذه الدندنة إليه، وهو التفريق بين المجاهدين وبين أهليهم الصابرين، وكمحاولات تأليب الحركات الإسلامية على بعضها البعض كادعائهم التفريق بين التي تتبنى العمل السياسي والتي تحرمه، وهو فرق في قدر العداوة وليس في أصلها..
ومن المضحك المبكي أن يصل التفريق إلى صورة فجة تستخف بعقول الناس؛ كأن يخرج (أولمرت) ليصف (حماس) أنها تعمل بأجندة فارسية أو شيعية، وكأن اليهود هم حماة السُّنة!
وكما تلاحظ فهذه المقاصد ذات البُعد الشيطاني والتطبيق الواقعي من الطغاة، تستهدف مفاصل وأصول كلية سعياً لإسقاط الحق أو استغلال بعض أهله ضد بعضهم، والمتتبع للشرع الحنيف سيجد تضافر أدلة الشرع على مقصد الاجتماع وجمع الكلمة وتوحيد الصف، في الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد، بل وفي أمور دنيوية كالسفر، فعن أبي ثعلبة الخشني قال: كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله ﷺ: “إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان”. فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال لو بُسط عليهم ثوب لعمّهم.
فكأن هذا التفرق البدني قد يكون مدعاة لتفرق القلوب فنُهي عنه.
وجماع ذلك قوله ﷺ: “فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”.
وفي حديث أنس بن مالك عن آخر عهد النبي ﷺ بصحابته، أنه ﷺ رفع الستار ليرى المؤمنين متوحدين في صفوفهم وصلاتهم خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فتبسم ﷺ وتُوفي من يومه، وفي تبسمه ﷺ دلالة عن رضاه عن اجتماع كلمتهم على الطاعة خلف أبي بكر.
وعندما تتأمل اللقاءات التي أجرتها القنوات مع عموم الناس الذين هُدمت بيوتهم وقتلت عوائلهم ومرت بهم الأهوال، تتعجب من ملمح يتكرر فلا أحد منهم يلقي باللوم على إخوانه، يبهرك هذا المنطق الإيماني الذي يشترك فيه الشيخ الكبير والطفلة الصغيرة، توحد على النضال وتحميل اليهود المأساة.
والأعجب أمثال الشيخ نزار ريان الذي أبى الاختباء حرصاً منه على البقاء مع الناس كي لا يترك مجالاً للشيطان أن يُحرش بينهم.. في نموذجٍ فريد في استحضار المقاصد الإيمانية وإفشال المقاصد الجاهلية، نسأل الله أن يتقبله في الشهداء.