
﴿إن الناسَ قدْ جمعوا لكمْ﴾(3/3)
أبريل 29, 2025
معركة النهضة: بين حماسة العاطفة وحكمة الاستراتيجية
أبريل 30, 2025د. سعد فياض
فك الله أسره*
المقصود الثالث: مقصود إفقاد المصداقية (المداهنة)
ومن مقاصد الجاهلية إفساد الفئة المؤمنة، حين تعجز عن استئصالها ومحو وجودها، وهو مقصد شيطاني أصيل، تطبيقه الواقعي بالإغراء ومحاولة الجر إلى المداهنات يقول تعالى: ﴿وَدُّوا۟ لَوۡ تُدۡهِنُ فَیُدۡهِنُونَ﴾ [القلم: ٩]. ويقول تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾[الإسراء: 73-75].
يقول ابن عاشور: “وفعل (تدهن) مشتق من الإدهان وهو الملاينة والمصانعة، وحقيقة هذا الفعل أن يجعل لشيء دهناً إما لتليينه وإما لتلوينه، ومن هذين المعنيين تفرعت معاني الإِدهان كما أشار إليه الراغب، أي: ودّوا منك أن تدهن لهم فيدهنوا لك، أي: لو تُواجههم بحسن المعاملة فيواجهونك بمثلها”.
فتأمّل ذِكر التليين والتلوين في حقيقة الإدهان؛ فمن التليين إضعاف الثوابت، ومن التلوين تمييع المواقف. ويدخل في ذلك السكوت عما يتعين من الحق، فهو داخل فيما يرجوه؛ حيث إن إظهار الحق مرتبطٌ بنقض الباطل، وهذا ظاهر في شهادة التوحيد القائمة على نقض الكفر (لا إله) وإثبات الحق (إلا الله). يقول السعدي: “أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، فَيُدْهِنُونَ. ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره بنقض ما يضاده وعيب ما يناقضه”.
يقول صاحب الظلال:
“فهي المساومة إذن، والالتقاء في منتصف الطريق كما يفعلون في التجارة. وفرق بين الاعتقاد والتجارة كبير! فصاحب العقيدة لا يتخلى عن شيء منها؛ لأن الصغير منها كالكبير. بل ليس في العقيدة صغير وكبير. إنها حقيقة واحدة متكاملة الأجزاء. لا يطيع فيها صاحبها أحداً، ولا يتخلى عن شيء منها أبداً. وما كان يمكن أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق، ولا أن يلتقيا في أي طريق. وذلك حال الإسلام مع الجاهلية في كل زمان ومكان. جاهلية الأمس وجاهلية اليوم، وجاهلية الغد كلها سواء. إن الهوة بينها وبين الإسلام لا تعبر، ولا تقام عليها قنطرة، ولا تقبل قسمة ولا صلة. وإنما هو النضال الكامل الذي يستحيل فيه التوفيق! ولقد وردت روايات شتى فيما كان يدهن به المشركون للنبي ﷺ ليدهن لهم ويلين؛ ويترك سب آلهتهم وتسفيه عبادتهم، أو يتابعهم في شيء مما هم عليه ليتابعوه في دينه، وهم حافظون ماء وجوههم أمام جماهير العرب! على عادة المساومين الباحثين عن أنصاف الحلول!
ولكن الرسول ﷺ كان حاسماً في موقفه من دينه، لا يدهن فيه ولا يلين. وهو فيما عدا الدين ألين الخلق جانباً وأحسنهم معاملة وأبرّهم بعشيرة وأحرصهم على اليسر والتيسير. فأما الدين فهو الدين! وهو فيه عند توجيه ربه:﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [القلم: 8]. ولم يساوم ﷺ في دينه وهو في أحرج المواقف العصبيّة في مكة. وهو محاصر بدعوته. وأصحابه القلائل يتخطفون ويعذبون ويؤذون في الله أشد الإيذاء وهم صابرون. ولم يسكت عن كلمة واحدة ينبغي أن تقال في وجوه الأقوياء المتجبرين، تأليفاً لقلوبهم، أو دفعاً لأذاهم. ولم يسكت كذلك عن إيضاح حقيقة تمس العقيدة من قريب أو من بعيد”.
ومكاسب الجاهلية بالمداهنة أكبر من مكاسبها بالقتل والإيذاء، فقتل الأنفس يروي الحقائق فترسخ جذورها فيستحيل قلعها ويحول البذرة إلى شجرة تلقي الثمار في كل وقتٍ وحين. أما المداهنة فتغيب الحق الذي ينبغي أن يعلو، وتفقد المصداقية التي هي رصيد الداعية، وتفرق الصف الذي يستحيل أن يبقى متماسكاً، ثم ينقل الصراع إلى داخل الصف بين من قبلوا المداهنة ومن رفضوها. وهذا ما يغيب للأسف عن بعض الدعاة فيظن أن التنازل والمداهنة لفتح قنواتٍ للدعوة من مصلحة الدعوة، وهو في الحقيقة هزيمتها وموتها. فهل يعقل أصحاب الدعوات أن رضا الأعداء لا يُنال؟! وأن عدوهم بتلطفه معهم هو أكثر عداوة منه إذ أعلن العداء؟ وأن مَن سار نحو عدوه فإنما يسير في الظلمات نحو الهاوية..
هل يعقل دعاة التعايش في سعيهم لتخفيف العداء أن ذلك لا يحدث إلا من جانبٍ واحد؟!
وهل نعقل أننا بقدر قربنا من أعدائنا نزداد بعداً عن إخواننا وخذلاناً لثوابتنا؟!
المقصود الرابع: مقصود الصد عن سبيل الله
وجماع هذه المقاصد إطفاء نور الله والصد عن سبيله، قال تعالى: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ﴾] الأعراف: ٤٤ – ٤٥]. ولو تأملنا الحرب الدائرة ستجد أن قصف المدافع وكسر الإرادة إنما يستخدم لقصف الأفكار ووأد المبادئ وتبديل العقائد، وتُبث الشبهات فيه محمولةً على ظهر الشهوات.. شهوة السلامة، وشهوة الأمان، وشهوة الركون عن أداء الواجب.
وهذا الميدان العظيم إليه ترجع المعركة، ويخطئ من يظن غير ذلك، فتغييب الحق وتبديل العقائد والصد عن سبيل الله هو الغاية التي من أجلها تُجيش الجيوش وتُعقد الصفقات، ولقد قال ابن القيم رحمه الله عن معركة الحجة والبيان:
“وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢]، فهذه سورة مكية أُمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة، وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير﴾ [التوبة: ٧٣]، فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عدداً فهم الأعظمون عند الله قدراً. ولما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه.. كان للرسل صلوات الله عليهم وسلامه من ذلك الحظ الأوفر، وكان لنبينا صلوات الله وسلامه عليه من ذلك أكمل الجهاد وأتمه”.
كيف نتجاهل هذه الحرب المستعرة على الخيار الإسلامي في النفوس؟! وهي حربٌ يقودها المنافقون والمرجفون لبث مفاهيم نفاقية، مستغلين الوهن الذي دب في قلوب الأكثرية، وخلاصة ما يرومون تقريره (أن حكومات خائنة وعميلة خيرٌ لكم من إسلاميين يجلبون لكم الخراب)! على اعتبار أن هذه الحرب تخص الإسلاميين وحدهم. إنها معركة يجب أن نخوضها على مستويين: المستوى الفكري، والمستوى الإيماني، وسنخطئ إذا سعينا إلى الحل على أحدهما دون الآخر.
فعلى مستوى الأفكار نجد مجموعة من الشبهات تُبَث، أهمها:
الشبهة الأولى: الحل الإسلامي ليس واقعياً
وهذا باعتبار أن المطالبة بتحرير كامل الأرض وطرد المحتل اليهودي ضرباً من الخيال، اعتماداً على فارق القوة والدعم الأمريكي والغربي، وباعتبار أن السلام مع العدو الذي تلهث حوله الحكومات العربية هو من باب الحكمة والوقاية من المهلكات –زعموا- وللأسف فهناك بعض فتاوى لبعض أهل العلم تساعد العلمانيين فى إرساء هذه الشبهة، وتُفرَض هذه الشبهة واقعياً عن طريق التشغيب بأن المجتمع الدولي ومنظماته لا تقبل بالتعامل مع الإسلاميين.
الشبهة الثانية: تفريغ القضية الإسلامية من جوهر حاكمية الشريعة
بوضع مقابلة بين الحكم بالشريعة وتكفير الحاكم، فإما أن تقبل بتغييب الشريعة وإما أن تُتهم بالتكفير، ويساعد في ذلك خلع الألقاب الشرعية عليه من قِبل بعض مرتزقة الفقهاء الذين هم لمن غلب، ولا يثنيهم عن هذا اعترافات مثبتة بتعاون محمود عباس مع اليهود واصراره على اجتياح غزة؛ بل يكفي أن يُسارع لأداء فريضة الحج لعله يخدع البسطاء بهذا، في خلط واضح بين الحكم على إسلام مُعيّن أو كُفره، وبين انعقاد ولايته التي لا تتم في الشرع إلا بالالتزام بمرجعية الشريعة.
الشبهة الثالثة: إسقاط التجربة بمحاولة إسقاط رموزها والتشكيك في مصداقيتها
باتهامهم بأنهم يستغلون الدين لخداع الناس والوصول للسلطة.
يقول سيد قطب رحمه الله: “هذا المنهج الإلهي، الذي يمثله الإسلام في صورته النهائية، كما جاء بها محمد ﷺ لا يتحقق في الأرض وفي دنيا الناس بمجرد تنزله من عند الله. لا يتحقق بكلمة: “كن” الإلهية مباشرة لحظة تنزله. ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه. ولا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب. إنما يتحقق بأن تحمله جماعة من البشر تؤمن به إيماناً كاملاً، وتستقيم عليه بقدر طاقتها وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك.. تجاهد الضعف البشري والهوى البشري في داخل النفوس. وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى للوقوف في وجه الهدى.. وتبلغ بعد ذلك كله من تحقيق هذا المنهج، إلى الحد الذي تطيقه فطرة البشر، والذي يهيئه لهم واقعهم المادي.
على أن تبدأ بالبشر من النقطة التي هم فيها فعلاً، ولا تغفل واقعهم، ومقتضياته في سير وتتابع مراحل هذا المنهج الإلهي.. ثم تنتصر هذه الجماعة على نفسها وعلى نفوس الناس معها تارة. وتنهزم في المعركة مع نفسها أو مع نفوس الناس تارة.. بقدر ما تبذل من الجهد. وبقدر ما تتخذ من الوسائل المناسبة للزمان ولمقتضيات الأحوال. وقبل كل شيء.. بمقدار ما تمثل هي ذاتها من حقيقة هذا المنهج، ومن ترجمته ترجمة عملية في واقعها وسلوكها الذاتي. هذه هي طبيعة هذا الدين وطريقته.. وهذه هي خطته الحركية ووسيلته.. وهذه هي الحقيقة التي شاء الله أن يعلّمها للجماعة المسلمة وهو يقول لها: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ﴾ [الرعد: ١١]. ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ﴾ [البقرة: ٢٥١] ﴿وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [العنكبوت: ٦٩].
وهم بهذا المسلك يستفيدون فائدتين: الأولى: إسقاط المنهج بإسقاط من يحمله. والثاني: إقرار مبدأ الفصل بين الدين والسياسة وتبرير منابذتهم للشريعة.
الشبهة الرابعة: تفريغ الإنجازات: بالتقليل والتشكيك في تضحيات وإنجازات الإسلاميين
وتضخيم ما يقدمه أي فصيل آخر، وتركيز الضوء عليه، ويصل الفجور والوقاحة بتصوير إنجازاتهم بالضعف والعبثية بالنسبة للجهود العلمانية.
إذا فنحن في ميدان معركة يُراد منها أن يظهر الحل الإسلامي غير واقعي وعبثي، وأن حملته متمسحون فيه لأغراضهم وأن العلمانيين هم حملة الإسلام وخدام الدعوة، وهذه المعركة يقل المتصدرون فيها من أهل العلم والرأي خوفاً من البطش والمنع والتزاماً من البعض بمنهج (ترك المناطحة).
والعجيب هذا التوافق مع شبهات أعداء الدعوة في كل عصر وحين بصورة متوارثة، فالمشركون كانوا يتهمون النبي ﷺ بعدم واقعيته فيقولون: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ﴾ [ص: ٥]. والمنافقون شككوا في وعد النبي ﷺ للمؤمنين بالنصر والتمكين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾] الأحزاب: ١٢]، وفرعون يتهم موسى عليه السلام بالإفساد في الأرض: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: ٢٦]، وكفار قريش يتهمون النبي ﷺ بأنه جاء ففرّق بين الوالد وولده والمرأة وزوجها، فهو من فرق وحدة قريش، وصدقوا فقد فرق اجتماعهم على الباطل وعبادتهم للأصنام وشرب الخمر ووأد البنات.
والعجيب تواصي الأضداد مع بعضهم على هذا المسلك، فتجد أهل الكتاب يؤيدون عباد الأوثان ويصفونهم بالهدى، يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: ٥١].
وعلى المستوى الإيماني تجد الشبهات تتماشى مع تمرير المفاهيم النفاقية، وتأمل موقف كفار قريش مع الصحابي الجليل خبيب بن عدي وهم يقولون له: “أترضى أن محمداً مكانك؟” وهي محاولة لزعزعة الإيمان وبث الشك في الحق الذي يدين به.
لقد ذكر النبي ﷺ أن هذا مسلك شيطاني مع المؤمن، فعن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك ودين آباء أبيك؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول؟ فعصاه فهاجر ثم قعد له في طريق الجهاد وهو جهاد النفس والمال فقال: تُقاتل فتُقتَل فتُنكَح المرأة ويُقسَم المال؟ فعصاه فجاهد. قال رسول الله ﷺ: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن قُتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة”.
ولذلك فنحن في حاجة إلى خوض هذه المعركة على المستوى الإيماني والفكري معاً، ونحتاج في التعامل مع الشبهات إلى رد المتشابهات إلى المحكمات، وإقرار أصول الإيمان وثوابته، وعدم التواني في فضح الباطل وتناقضه ومخالفته للواقع والعقل والفطرة، وعدم التساهل فيما يعود على مصداقية الصحوة بالضرر، وبذل الجهد في تحقيق إنجازات حقيقية والتماس مع احتياجات الناس، ليترسخ في أجيال الأمة أنه لا حل لقضايا الأمة بأي مذهبٍ ضال، وأن ليس لها إلا الرجوع إلى مولاها، وأن عدتها الحقيقية هم أبناؤها البررة الذين تربوا في المسجد على كتاب الله وبذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله.
ومن المهم ألا نستطيل الطريق أو تكبر في حسنا التضحيات أو نركن إلى الراحة والدعة، ويعزينا في هذا أننا في هذه المعركة جندٌ لدين الله، وأننا في ركب الأنبياء وأولياء الله وأن قتلانا شهداءٌ في جنة الله، و﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٠٤].
والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.