الاحتلال يكثف العدوان على رفح
ديسمبر 9, 2024حركة مقاطعة إسرائيل تدعو لحظرها دوليًا وفرض العقوبات عليها
ديسمبر 10, 2024بقلم: الشيخ د. رامي بن محمد الدالي – غزة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه، أما بعد:
فإن الهجمة الأخيرة الإجرامية على جباليا وشمال القطاع، وما وقع ويقع فيها من مجازر يندى لها جبين الإنسانية.. لَيُدمي القلب ويملأ النفس لوعة وحزناً وأسى! ولكن القلوب المؤمنة لا يجد لها اليأسُ سبيلاً؛ لأنها تتوكل على القوي العزيز الذي بيده ملكوت كل شيء، وترضى بقضاء الحكيم العليم الخبير الذي لا يعزب عن علمه وقدرته مثقال ذرة في السماوات والأرض، والخير كله بيديه والشر ليس إليه، فلا يكون منه إلا الحكمة المطلقة، ولا يؤول أمره إلا إلى الخير المطلق وإن كان في صورةٍ يظنها ضعفاء العقول والإيمان شراً.
فإنَّ الفرق بين المؤمن القوي في إيمانه وبين غيره أنه يرى بنور الله تعالى بواطنَ الأمور، ويَنفذُ بصرُه القوي المستضيء بنور الإيمان من الظواهر التي يُبتلى الناس ويُفتنون بها إلى الحقائق الراسخة الثابتة. وحتى ينفذ البصر ويقوى لا بد من أمرين:
الأول: أن يستمسك العبد بمصباح الهدى والنور، وهو الوحي المتمثل بالكتاب والسنة.
والثاني: اليقين والثقة بكمالِ هذا المصباح والنور الذي لا يأتيه الباطل وأفضليتِه على كل ما سواه من بريق وأضواء زائفة خادعة، من الأفكار والآراء من الظنون المظلمة الصادرة من الظلام والعدم، لأن الله هو الحق وهو نور السماوات والأرض، وكل ما سواه هو عدم في الأصل وباطل وظلام، وأصدق شِعر قاله شاعر كما أخبر النبي ﷺ: “ألا كل شيء ما خلا الله باطل”.
فكل ما كان من الكتاب والسنة فهو حق ونور، وكل ما خالفهما فهو باطل وظلام يحسبه الظمآن ماء ثم لم يجده شيئاً.
ومِن أكثر هذا الباطل ما يُنفذه الشيطانُ في روع الناس وبعض المؤمنين، من تخويفهم من أعداء الله تعالى بما لديهم من مظاهر القوة وبريقها الزائف، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَ ٰلِكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ یُخَوِّفُ أَوۡلِیَاۤءَهُۥ﴾ [آل عمران: ١٧٥]. أي يخوفكم أيها المؤمنون من أوليائه أعداء الله تعالى، ثم قال عز وجل: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾.
إن هذه الحرب والهجمة الجديدة على (جباليا) وشمال غزة لها ما بعدها، وهي مِن أشد مراحل هذه الحرب خطورةً؛ لأنها تسعى لأخبث خطة وهي تهجير أهل الشمال إلى الجنوب، ولو نجحت لا قدَّر الله فستتوالى المآسي، ولو فشلت بعون الله فستنطوي هذه الصفحة تماماً بإذن الله تعالى. ولذلك فإن الشيطان في ظل هذه الهجمة الشرسة وهذا المنعطف الخطير يحاول بكل قوة أن يزلزل القلوب وما يستقر فيها من إيمان بحبائل خداعه وتخويفه وتهويله، ونحن نحاول أن نبطل سحره بنور الحق وأن نستشرف المستقبل والمآل من خلال الكتاب والسنة، فإنهما الأمان من الزيغ والضلال وفيهما الطمأنينة والأمان.
والذي أراه والله أعلم من خلال نور الوحي: أن هذه الهجمة ستندحر خائبة ولن تكسرَنا وتحققَ مرادها بإذن الله تعالى، وذلك لما يلي:
- قال تعالى في اليهود: ﴿كُلَّمَاۤ أَوۡقَدُوا۟ نَارࣰا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادࣰاۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾ [المائدة: ٦٤].
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: “شبَّه حال انحلال عزمهم أو انهزامهم وسرعة ارتدادهم عنها وإحجامهم عن مصابحة أعدائهم بحالِ مَن انطفأت ناره التي أوقدها، والمعنى أنهم لا يلتئم لهم أمرُ حرب ولا يستطيعون نكاية عدو، ولو حاربوا أو حوربوا انهزموا”.
وقال صاحب الأساس في التفسير: “كلما أرادوا حرب الإسلام وأهله غُلبوا وقُهروا، أو كلما أرادوا إشعال نار حرب على الإسلام وأهله أطفأ الله كيدهم وشرهم. وما غَلَبوا في عصرنا في بعض المعارك إلا لأنهم يحاربون رايات لم تَقم على تقوى ولم تنتصب لإسلام”.
فالآية تشتمل على الأمرين:
الأول: أنهم لا يكيدون كيداً ولا يخططون مخططاً -كمخطط التهجير مثلاً- إلا أوهن الله كيدهم وأبطله.
والثاني: أنهم لو حاربوا فسرعان ما ينهزمون؛ لأن قرْن الإطفاء بمجرد الإيقاد يُشعر بسرعة الإطفاء، فلم يقل ربنا مثلاً: كلما أوقدوا ناراً للحرب وأَحرقت أطفأها الله.
ولكن هذا الوعد إنما هو ممنوح للمؤمنين المتبعين لما أنزل الله تعالى من الكتاب والنور؛ لأن السياق كله جاء في خطاب المؤمنين، وخاطبهم بأهم خصائص الإيمان وهو الولاء والبراء مع أهل الكتاب بالذات، فالخطاب للمؤمنين الخُلص.
فالسياق يبدأ بقوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ﴾ [المائدة: ٥١]. ثم إنه في الآية نفسها قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ یَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ…﴾ ﴿… وَلَیَزِیدَنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم مَّاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡیَـٰنࣰا وَكُفۡرࣰاۚ وَأَلۡقَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ كُلَّمَاۤ أَوۡقَدُوا۟ نَارࣰا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ﴾ [المائدة: ٦٤].
فبيَّن تعالى أن إطفاء حربهم يكون من أهم أسبابه: إلقاء العداوة والبغضاء بينهم. وإلقاءُ العداوة والبغضاء سببه طغيانهم وكفرهم، كما قال تعالى: ﴿فَنَسُوا۟ حَظࣰّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَأَغۡرَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ﴾ [المائدة: ١٤]. وكفرُهم وطغيانهم يزداد بمعاندِتهم للحق الذي أنزل على النبي ﷺ ومحاربتِهم لرايته: ﴿وَلَیَزِیدَنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم مَّاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡیَـٰنࣰا وَكُفۡرࣰا﴾ [المائدة: ٦٤]. فكلما كانت الراية التي تحاربهم إسلامية خالصة وتمثل الإسلام التمثيل الأكمل كلما ازدادوا طغياناً وكفراً بمعاداتها ومحاربتها، فتزداد العداوة والبغضاء بينهم وسرعان ما تُطفأ حربهم. والتناسب بين هذه الأمور طردي.
وهذه الحرب رايتها بفضل الله تعالى إسلامية واضحة، ووجهتها الأقصى المبارك، وهذا في المجمل الغالب؛ وإن كان هناك بعض الغبش كبعض التساهلات العقدية في الولاء والبراء الناشئة من جهل أو تأويل خاطئ؛ كبعض التساهلات في التطبيق وتمثيل الإسلام كالتقصير في النهي عن المنكر ومحاربة الفساد وتطبيق الشريعة؛ فلا تُخرج أصحابها من دائرة الدِّين، وكبعض الغموض في الأهداف التي ينبغي أن يكون على رأسها أن تكون كلمة الله هي العليا في الأرض كما بين النبي ﷺ عندما قال: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله”. ولكن الغالب سلامة الراية والعقيدة وسلامة النية التي تظهرها التضحيات الجسام في سبيل الله تعالى، ولذلك فإن نار اليهود في هذه الحرب ستُطفأ ويخيب كيدهم ولن يحققوا أهدافهم ولن يكسروا راية الجهاد في سبيل الله بإذن الله تعالى.
وإنما طالت هذه الحرب بتداخل السنن وتعانقها: فإن سُنة إطفاء حرب اليهود تُعانقها في هذه الحرب سنن أخرى -ليس هذا هو مجال الحديث عنها وسنفصلها في موطن آخر إن شاء الله- ولكن من أهمها سُنة وعد الآخرة القاضية بإساءة وجه اليهود بدخول المسجد الأقصى، وقد حان أوانها في هذا الزمان بإذن الله تعالى، وسنةُ العِقاب -التي سنتحدث عنها بعد قليل- كما أن سنة إطفاء نارهم مرتبط طردياً بخلوص راية الحق والدين التي تحاربهم كما سبق، فقد تطول الحرب بعض الشيء لوجود بعض الشوائب كما سبق ولكنها لن تطول كثيراً بإذن الله تعالى لغلبة الخير. ورحمةُ الله واسعة.
هذا بالنسبة للنظرة العامة للحرب.
ولكن الحرب مشتملة في طياتها على حروب ومخططات جزئية على بعض المناطق، منها هذه الحرب الخبيثة على الشمال، وهذه الحروب الجزئية أشد وضوحاً في أهدافِها ورايتِها، وراية الإسلام فيها خالصة من تلك الشوائب، ولا تعارضها السنن الأخرى غالباً، ولذا رأينا سرعة انطفائها وانسحاب اليهود منها خائبين إلا من الأذى الذي يُلحقونه بالمؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿لَن یَضُرُّوكُمۡ إِلَّاۤ أَذࣰىۖ وَإِن یُقَـٰتِلُوكُمۡ یُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا یُنصَرُونَ* ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ﴾ [آل عمران: ١١١].
ولكن كمال ذلتهم وسرعة نصرنا عليهم وقوّته يكون بكمال تحقق الشروط التي ذكرَتها الآية السابقة، وهي قوله تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ﴾ [آل عمران: ١١٠]. فشرط النصر التام: اكتمال شروط الخيرية التي تقتضي السيادة والزعامة على الأمم، وشروطها هي: التمثيل التام للإسلام. ورفع كلمته في الأرض باطناً بالإيمان الصحيح السليم، وظاهراً بالأمر بالمعروف والنهي المنكر. وهو يؤيد ما ذكرناه سابقاً.
ولكن هناك فرق بين إطفاء نار الحرب وبين النصر التام: فإن النصر والتمكين التام يتطلب اكتمال الشروط. أما إطفاء النار فقد يكفي فيه فيمن يرفع راية الجهاد وجودُ أصل الاتباع بما أنزل الله تعالى والانقياد له مع تحقق أغلبه ولو على ضعفٍ ودون الكمال، وهذا متحقق وهو ما رأيناه في الحروب السابقة ونرجوه في هذه الحرب أيضاً ونتوقعه ثقة بالله تعالى وبرحمته.
- قال تعالى: ﴿ذَ ٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیۡهِ لَیَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ﴾ [الحج: ٦٠].
وهذا وعدٌ لن يخلَف بإذن الله تعالى، وقد حصل مثل ذلك مع التتار في عهد ابن تيمية رحمه الله تعالى، فكان في معركة شقحب مع جيش الإسلام وكان يحلف للقادة والجند أنهم منصورون في هذه المعركة. فكانوا يقولون له: قل إن شاء الله. فيقول: “أقولها تحقيقاً لا تعليقا”ً. قال ذلك ثقةً بوعد الله تعالى بهذه الآية، وقد استَشهد بها رحمه الله.
ونحن كذلك تتحقق فينا هذه الآية: سواء بالحرب العامة، حيث كان دخول 7 أكتوبر عقاباً لهم بمثل ما فعلوه بنا طوال السنين الفائتة من مجازر وتنكيل في الأقصى والضفة وغزة وغيرها، ثم بغوا علينا بالحرب، فلنُنْصَرَنَّ عليهم، ونقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. أو في الحروب الجزئية التي تكرر فيها بغيهم أكثر من مرة كما يحصل الآن في الشمال، فهذه تأكُّدُ النصر وعدم الانكسار فيها أعظم وأوثق بإذن الله تعالى.
- قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن یُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِی خَرَابِهَاۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن یَدۡخُلُوهَاۤ إِلَّا خَاۤىِٕفِینَۚ لَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [البقرة: ١١٤].
واليهود في هذه الحرب قد فعلوا ذلك على أبشع وجه وتعمدوا تدمير المساجد وتدنيسها. وهؤلاء الظلمة لا يحق لهم أن يدخلوا هذه البقاع الطاهرة إلا في حال الخوف من المؤمنين والخزي والذل، فإن الظالم لا يكون له أن يدخل بيت المَلك العادل القهار إلا خائفاً ذليلاً. وهذا يشتمل على معنيين أساسيين ذكرهما العلماء:
الأول: أن هذا خبر بمعنى الطلب. أي هو أمر للمسلمين بحراسة هذه المساجد وحمايتها ومنعها من الظلمة فلا يدخلوها إلا وهم خائفون، فإن دخلوها آمنين كان ذلك تقصيراً من المؤمنين ووجب عليهم دفعهم حتى يستخلصوها من أيديهم.
والثاني: أنها بشارة للمؤمنين بأن أولئك الظلمة إن سيطروا على مساجد الله تعالى فإن الله سيخلصها من أيديهم؛ لأنها بيوته وقد قدَّر الملك سبحانه ألا يدخلوها إلا خائفين أذلة وأن لهم الخزي في الدنيا.
ويمكن الجمع بين القولين بأنه على المسلمين قتال الظلمة لمنعهم من مساجد الله تعالى ولتحريرها إذا احتلوها، مع البشارة لهم بأنهم إن فعلوا ما بوسعهم وقاتلوا لأجل دين الله ومقدساته فإن الله تعالى سينصرهم ويعيد إليهم بيوته لأنهم أحق بها وأهلها، وهو ما سيحصل معنا في هذه الحرب بإذن الله تعالى وفضله وكرمه.
- عندما أخبر النبي ﷺ عن مرحلة الحكم الجبري “أي الدكتاتوري” في آخر الزمان والتي تسبق مرحلة الخلافة الراشدة مباشرة (والحكم الجبري هو هذه المرحلة التي نعيشها في زماننا هذا) سئل ﷺ عن المخرج في هذه المرحلة الحرجة فقال: “الجهاد”. ثم قال: “وخير جهادكم الرباط وخير رباطكم عسقلان”. أي على حدودها والله أعلم.
وغزة على حدودها وتعد من قضائها، وخير الرباط والجهاد لا يمكن أن ينكسر وسيبقى بإذن الله تعالى حتى تأتي الخلافة الراشدة لأنه المخرج إليها ولأن الجهاد باق لا ينقطع، وإذا رضي الله عنه وأيده فلن ينكسر، فكيف بخير الجهاد!
ومما يبث في النفس الطمأنينة أكثر أن الحرب في الشمال، أي أقرب إلى عسقلان، وتَحَقق الخيرية أكثر.
- في غزوة أُحدٍ عوقب المسلمون بمخالفة الرماة لأمر النبي ﷺ؛ كما قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمَّاۤ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَیۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَـٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ﴾ [آل عمران: ١٦٥]، وشمل شؤم المعصية وعقوبتها الجميع، حتى النبي ﷺ شُج وجهه الشريف وكُسرت رَبَاعيته، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَٱتَّقُوا۟ فِتۡنَةࣰ لَّا تُصِیبَنَّ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمۡ خَاۤصَّةࣰۖ﴾ [الأنفال: ٢٥].
فلما ثبت النبي ﷺ ومعه ثلة قليلة لم تتجاوز الأحد عشر رجلاً في البداية، كان ثباتهم حول راية الحق سبباً في عدم سقوطها وانكسارها، فلم ينكسروا برغم ما أصابهم من القتل والجراح، وثبَّتهم الله وأيدهم، وردّ الله الكفار فلم يستطيعوا استئصالهم.
وفي ذلك درسٌ وعبرةٌ لنا إلى يوم القيامة: أنه إذا ثبت حول راية الحق ثُلَّةٌ ولو قليلةٌ من الصادقين فإن ذلك كفيلٌ بألا تنكسر رايتهم، لا سيما إن كان لرايتهم تَميزٌ وتَقدُّمٌ في الإسلام، كأن تمثل بيضة الإسلام وشوكته في وجه الكفر وأهله أو تمثل خير الرباط. وذلك كله متحقق عندنا بفضل الله تعالى.
وقد رأينا بأعيننا من آيات ومظاهر التأييد الرباني في هذه المعركة ما يثلج الصدور فوق ما ذكرنا من مبشرات، حتى أدى ذلك إلى إسلام كثير من الناس في الغرب وغيره. ونحن مع كل ذلك نتدثر بدعاء المؤمنين الصادقين في كل مكان بقلوبهم الخاشعة الملذوعة القريبة من المولى جل جلاله فلن ننكسر إن شاء الله.. تحقيقاً لا تعليقاً!