
بيان الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ “عدوان على الشام… وهلعٌ من بزوغ فجر جديد”
أبريل 4, 2025
زيارة الرئيس الشرع وتنصيب المفتي
أبريل 4, 2025د. علي بن عمر بادحدح – فك الله أسره*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين. أما بعد..
فأولاً: كل موسم وكل عمل في أمورنا الحياتية نخطط له ونستعد له قبل بدايته، وقريباً بدأ موسم الدراسة، وجميع الحاضرين بلا استثناء كانوا يفكرون فيه ويعدون له، وأبناؤهم يطلبون منهم حتى يتهيئوا لهذا الموسم قدوماً إن كانوا مسافرين، وسكوناً واطمئناناً إن كانوا متحركين، وشراءً للاحتياجات الناقصة، ومتابعة للأمور اللازمة ونحو ذلك، ورمضان أولى بذلك وأجدر، فهو زائر كريم ووافد عظيم، وضيف عزيز، كيف بنا لا نتهيأ ولا نخطط لاستقباله؟
ثانياً: أهمية العزم والمعاهدة.. ما تقوله الآن وتعزم عليه لا يكون له أثر لو أنك لم تفكر فيه ولم يرد ببالك، وإذا حولت هذا العزم إلى معاهدة بينك وبين أهلك أو بينك وبين زملاء العمل أو بينك وبين أهل حيك، فإن هذا يرتقي إلى أن يكون أمراً نتوقع أن يتحقق بنسبة كبيرة، مع الانتباه لقضية مهمة، وهي أن هذه المشروعات وغيرها من أعمال البر والجد إلى حد ما تعتبر سباحة ضد التيار، لأن التيار في الغالب يميل إلى الكسل وينشغل بالتفاهة، لا يأخذ الأمور الإيمانية والعبادية على المحمل المطلوب، ولا يعنى بأمور الأمة وشئونها على الوجه اللائق، فلذلك كانت الظروف لا تساعد، فإن لم يكن عزم منك ومعاهدة مع غيرك ربما تتبدد هذه الأفكار وتتبخر دون أن تترجم إلى واقع عملي.
ثالثاً: أهمية التجديد والابتكار، ونحن نعلم أن عباداتنا وفرائضنا جاء بها الوحي والشرع، وليست من بنات أفكارنا ولا نتاج عقولنا، ولن نجدد الصيام فنبتكر فيه أو نغير، ولكنا نقول: كيف نجدد في طريقة اغتنامنا للأوقات، وتعاملنا مع هذا الموسم؟! كيف نحول بعض عاداتنا السيئة ونجدد فيما يجعلنا أكثر استعداداً وقوة في التفاعل والانتفاع من هذا الموسم العبادي والإيماني؟
وأذكر لكم مثالاً: فوسائل الإعلام كلها تجدد في كل عام، وهي تجدد في ميدانها الذي يغلب عليه في أكثر قنواته الفساد والإفساد، فنحن نعرف أنه هناك باستمرار -كما يقولون- فوازير أو ألغاز أو ألعاب أو برامج أو نحو ذلك، وكل مرة يجددون، لماذا؟ حتى يكسبوا الجميع معهم، ونحن أولى بمثل هذا.
مشروعات شهر رمضان
المشروع الأول: حسن الاستقبال
كل وافد وكل مناسبة نعلم جميعاً أن الجهة أو الأفراد الذين ينتظرون هذا القادم يستعدون ويعملون حفلاً للاستقبال.
المدارس تعمل حفلاً لاستقبال الطلاب في المناسبات المختلفة، فيقسمون الأفراد إلى لجان: لجنة للإعلام، ولجنة للتنظيم، ولجنة لاستقبال الضيوف، فما هي المناسبة التي نريد أن نستعد لها؟
اعقد اجتماعاً على مستوى القمة في بيتك، وتناقش مع أسرتك كيف نستقبل شهر رمضان؟! مجرد هذه الجلسة سوف يكون منها فائدة كبرى في التهيئة للصغار والكبار والأبناء والبنات؛ ليعلموا أن هناك شيئاً ما، وأن هناك حدثاً ما لا بد أن ننتبه له، خذ في هذه الجلسة أفكاراً من الأبناء، قل لهم: ماذا تريدون أن تفعلوا لاستقبال شهر رمضان؟ كلهم سيقول لك شيئاً، بعضهم سيقول لك: سنزين الغرف، لماذا؟ لنفرح بموسم الخير والطاعات.
بعض الصغار قد يقول لك: أنا أريد أن أصوم في كل يوم إلى الظهر؛ لأنه صغير، نقول: أنت إذاً في ميدان مناسب، الآخرون يقولون: نريد أن نزور الأقارب، كل سيفكر بشيء.
ثم أيضاً نقول: في مثل هذا الاجتماع نوزّع الأدوار على الأبناء الكبار والأبناء الصغار، مثلاً: أنت مكلف بإفطار الصائم، إن كنتم كل يوم سوف تخرجون إفطار صائم، وأنتِ مكلفة بأن تعدّي بعض الأوراق وتطبعيها على الكمبيوتر حتى نهديها إلى الناس، أيضاً في هذا الاجتماع نذكر بالفضائل والخصائص لشهر رمضان؛ حتى نساعد الأسرة، أو مجموعة العمل، عندما نسرد هذه الفضائل سوف تفتق أفكاراً لهذا الاستقبال.
ثم هناك نقطة مهمة جداً: وهي الانتباه للأخطاء والتقصير من خلال التجارب الماضية، فكثير من الأسر وكثير من الناس يقول: في الأعوام الماضية كنا نسهر ونتأخر عن صلاة الفجر، أو كنا أحياناً نفعل بعض الأمور وننام في النهار وقتاً أطول، أو كنا أحياناً نتكاسل عن أداء صلاة التراويح كاملة.
إذاً: من ضمن خطط الاستقبال كيف نعالج هذه الأخطاء التي تحصل في كل عام، والتي كنا في كل نهاية رمضان نقول: إن شاء الله في رمضان القادم سوف نتلافى ذلك.
إذاً: المشروع أن تجتمع اجتماعاً ليكون هناك حفل استقبال واستعداد لهذا الشهر الكريم والموسم العظيم.
المشروع الثاني: السباق مع الريح
هذا مشروع مهم ومفيد جداً، وربما عنوانه لا يدل على مضمونه، لكننا إن تذكرنا حديث ابن عباس في الصحيح: “كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل حين يدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة“.
الرسول ﷺ سبق الريح في كرمه وجوده وعطائه، نحن نريد أن نعمل مشروعاً اسمه: سباق مع الريح. قد لا نسبقها لكن نوازيها، قد يكون بعضنا خمسين في المائة وبعضنا ستين في المائة؛ قد يكون هذا المشروع على مستوى الأسرة، وقد يكون على مستوى الجيران، وقد يكون على مستوى أهل الحي، وقد يكون على مستوى زملاء العمل أو الدراسة، ما هو هذا المشروع؟ إنه مشروع التسابق في مجال الإنفاق وبذل الخير.
وهنا وقفة: ليس بالضرورة أن يكون الأمر مالياً بحتاً، سنذكر هنا صوراً من السباق في مجال البذل والتبرع، وسننبه على قضية الرياح حتى لا تشوش على أحد.
اجعل مسابقة بين الأبناء، كل يجمع من مصروفه مالاً يجعله صدقة لوجه الله عز وجل، ولا يعلم بها إلا رب الأسرة، ويمكن أن نخفي ذلك ونجعل لهم أرقاماً لا تعلن إلا في آخر الشهر، ويمكن أن نقول: فاز في هذا الأسبوع واحد منكم وبلغ تبرعه كذا وأنفقناه.
ترى أن من عرف الرقم الذي تبرع به عرف أنه فائز، والآخرون عرفوا أنهم ليسوا فائزين، والمنافسة تشتد في الأيام التي تليها والأسبوع الذي يليه، لو كان في ميدان عمل فيمكن كذلك.
ليس فقط ميدان الإنفاق والتبرع، وإنما المسابقة في ميادين أخرى أيضاً منها: التعريف والدعوة، ما معنى التعريف والدعوة؟
عرف بمجالات الإنفاق وادعُ إليه، قد لا يكون عندي مال، لكني أستطيع أن أقول: إن في المسجد مشروعاً لإفطار الصائم فلو أنكم تبرعتم لوجدتم من الأجر كذا وكذا، فالذي سيتبرع سيكون في رصيد حسناتك نصيب من تبرعه وأجره.
كيف نتسابق إن كنا جميعاً فقراء معدمين، يمكن أن نتسابق سباقاً مع الريح في مجال التعريف والدعوة للإنفاق، وبيان ذلك وفضائله للناس، وبيان ميادينه التي يمكن أن يسير فيها.
ليس بالضرورة فقط الدعوة للإنفاق بالقول، بل تسعى مثلاً في مشروع إفطار الصائم في إيصال الأشياء إلى مستحقيها، قم بشيء من الجهد الذي يريدونه، حتى تكون مشاركاً في هذا، أو دل عليه دلالة عملية، بأن مثلاً في زكاة الفطر تدلهم على الأسر المحتاجة التي تعرفها فيكون لك أجر الدلالة على الخير كما ورد في الحديث: “من دل على هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً“.
ثم أيضاً في مجال المعونة والمواساة ولو أن تتبسم في وجه المكروب، ولو أن تقف معه وتخفف عنه بكلمات ميسورة، كل هذه ميادين، فينبغي أن نعلن مشروع السباق مع الريح، صدقوني لو أننا أعلنا هذا الشعار في هذه الدوائر التي قلتها، سوف يكون له أثر لا نتخيله ولا نتوقعه، بدلاً من أن يكون التسابق الفعلي في عكس ذلك لميدانين مختلفين: إما في التخلف عن الطاعات والتكاسل عن أدائها؛ فهذا يقول: ننام إلى الظهر، الثاني يقول: أنا أنام تقريباً إلى العصر، الثالث يقول: في الحقيقة أنا لا أستيقظ إلا قبيل المغرب، تنافس إلى الخلف.. إلى الوراء.
أو تنافس في ميدان آخر: هذا اشترى من الطعام بألف، هذا يقول: نحن اشترينا بعشرة آلاف، هذا يقول: نحن أعددنا للعيد كذا، وهذا يقول: الإنفاق يخصنا وينحصر في ذاتنا، وربما يكون فيه من السرف والتبذير ما فيه.
المشروع الثالث: الاستضافة الدعوية
وهذا مشروع سهل ميسور.. كثير من الأسر، وكثير من مؤسسات العمل تقوم بمناسبة في هذا الشهر ولو مرة واحدة، إما دعوة للإفطار أو دعوة للسحور، أو دعوة فيما بعد صلاة التراويح كنوع من التواصل أو صلة الرحم أو نحو ذلك، لم لا يكون هناك استضافة لشيخ أو داعية أو عالم أو واعظ لدقائق معدودات؟! يطرق أبواب القلوب، يستنزل بعض الرقة والخشية والخشوع في النفوس، وبذلك يكون له أثر كبير، ويمكن أن يكون ذلك في بيتك أيضاً عندما تجمع أفراد أسرتك، أو تكون هناك مناسبة عائلية موسعة، ولقد جربت هذا وكنت أجد من كثير من الناس يدعونني ويدعون غيري إلى بيوتهم، ويجمعون أفراد أسرتهم من الأبناء والأرحام والأحفاد.
دعوة موجودة سيكون فيها طعام أو سيكون فيها إكرام وضيافة فلم لا نزيد عليها هذا الشيء، بدلاً من أن نقدم الطعام والشراب فقط فلنقدم الذكر والموعظة والتعليم والإرشاد بالأسلوب الحسن وبالطريقة المناسبة، وكثيراً ما يكون لهذا فائدة، حتى وإن كنت أنت تربي أبناءك وتذكرهم وتعلمهم لكن كما يقولون: “زامر الحي لا يطرب”. وكل جديد له لذة، كل ضيف سوف يكون الانتفاع به متحققاً.
لو جاء الضيف أو المتحدث من نفس الأسرة ربما يقولون: سمعناه من قبل، وربما بحكم المعرفة والخلطة لا يعطونه الاهتمام أو الاحترام اللازم لذلك، لكن إذا جاء الضيف كان أمر آخر، ثم هناك فائدة: أن يتعرف الأبناء أو الزملاء على طلبة العلم والدعاة، وأن يستمعوا لهم، فربما كان الحاضرون لم يستمعوا مرة إلى درس أو إلى موعظة غير خطبة الجمعة، وقد يرغب الواحد منهم ويصبح بعد ذلك يتتبع الدروس والمحاضرات والمواعظ هنا وهناك، وربما أيضاً يتعرف على هذا الشيخ فيحتاجه في سؤال أو استفتاء أو يستشيره في أمر ما، فيفتح من أبواب الخير من أثر هذا اللقاء والتعرف ما لا يعلمه إلا الله.
وفي ذلك أيضاً ترغيب وتحبيب فيما سيطرح من هذه اللقاءات والموضوعات.
اللهم إنا نسألك أن تهل علينا هلال رمضان باليُمن والإيمان والسلامة والإسلام، وأن تجعله هلال رشد وخير وبركة علينا وعلى إخواننا المسلمين، ونسألك اللهم أن تجعله لنا شهراً خيراً مما مضى من شهور رمضان التي قمنا فيها بالصيام والقيام.
ـــــــــــــــ
* منتقى من مقال: مشروعات رمضانية ، للشيخ د. علي بن عمر بادحدح، موقع إلكتروني: الشبكة الإسلامية، 1424هـ.