في غمرات الطوفان (1) .. متى نصر الله؟
نوفمبر 11, 2024انتفاضة شعبية في طنجة تنديدًا باستقبال السفينة “ميرسك” المرتبطة بالاحتلال
نوفمبر 11, 2024د. حسن سلمان
عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
إن من أعظم نعم الله على العبد المؤمن موافقته لأهل الإيمان ومخالفة أهل الشرك والطغيان وأعداء الله، في كل شيء من الأمور الحياتية، ناهيك عن العقائد وأمور الدين. وعدم موافقتهم في أي أمر من أمورهم؛ فقد ذكر ابن حبان أن اليهود قالوا: “ما نرى هذا الرَّجلَ يدَعُ شيئًا مِن أمرِنا إلَّا يُخالِفُنا”1.
فالتوافق مع أعداء الله ومعاونتهم في أتفه الأمور؛ منقصة ومذمة.
ذكر ابن سعد عن عبد الله بن عكيم قال: “لا أُعينُ على دم خليفة أبداً بعد عثمان”، قيل له: “يا أبا معبد، أَوَأَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ؟” فقال: “إِنِّي أَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ”2.
فالرجل قد اعتبر ذكر ما يراه “مساوئ” في عثمان المظلوم وقت الفتن والاضطرابات نوعاً من إعانة المجرمين على دم عثمان.
أما أدعياء اليوم لا يرون بأساً بأن يُطلِقوا سهام غدرهم وافترءاتهم، بذكر ما يرونها عيوباً في المدافعين عن الأقصى والأمة؛ ونحن في أوج محنتها يدعون كذباً أنهم يبلغون الحق للناس! مع أنهم -من حيث يعلمون أو لا يعلمون- يعينون العدو على دمنا.
فالمقاوم ما هو إلا ابن مسجدي ومسجدك.. أخي وأخوك.. ابني وابنك.. تلاميذتي وتلامذتك، جاري وجارك، قريبي وقريبك، كلهم أبناء هذا الدين وهذا الشعب، أبناء هذا الشارع وهذا الحي، هذه المدينة وجامعاتها ومستشفياتها ومؤسساتها، اجتمعوا على قلب رجل واحد، ليحروروا أرض فلسطين ويذودوا عن الأقصى.
ولأن القصة لم تبدأ يوم السابع من أكتوبر المجيد حتى يتم الطعن فيهم؛ قصتنا تبدأ من قبل أن يحتل العدو أرضنا، أكثر من ٧٦ سنة وتغييب الشخصية الوطنية الفلسطينية والإسلامية عقوداً من الزمن، لم يحرك أحدٌ ساكناً لتحريرها، ولم يجد أهلها مَن يدافع عنهم ويردّ عدوهم.
إن عدونا لم يبدأ بقتل المدنيين وتدمير بيوتهم بعد السابع من أكتوبر المجيد؛ بل التاريخ يحكي قصة حقدهم وحقارتهم ونذالتهم التي حكاها الله في كتابه: ﴿وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ یَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَیۡدِیهِمۡ وَلُعِنُوا۟ بِمَا قَالُوا۟ بَلۡ یَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ یُنفِقُ كَیۡفَ یَشَاۤءُۚ وَلَیَزِیدَنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُم مَّاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡیَـٰنࣰا وَكُفۡرࣰاۚ وَأَلۡقَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ كُلَّمَاۤ أَوۡقَدُوا۟ نَارࣰا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادࣰاۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾ [المائدة: ٦٤]. هذا وصف الله لهم. ووصَفهم أيضاً بأنهم ﴿أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟﴾ [المائدة: ٨٢]؛ فكيف تتهمون إخوانكم وتبرؤون الذين يسعون في الأرض فساداً؟!
إن تاريخهم الأسود يحكي لنا قصة ارتكاب المجازر المتتالية والمتتابعة من قبل الـ٤٨، وما بعدها، وأثناء الـ٥٦، والـ٦٧، وما زال، وما ترك بيتاً أو مكاناً في هذا العالم؛ إلا وارتكب أبشع وأشنع المجازر ضد شعبنا وأقصانا، وما يزال ينجسه ويدنسه كل يوم؛ ناهيك عن الفعل الممنهج في التدمير والقتل والأسر؛ آلاف الأسرى والسجون تحكي قصة تاريخهم الأسود في التعامل مع أسرانا وأسيراتنا؛ وذويهم وأهليهم؛ فلا مجيب، ولا رادع..
إن الذين يتعاملون مع القضية الفلسطينية على أنها بدأت في السابع من أكتوبر يتناسون كل هذا الاحتلال وطبيعته التي وصفها الله تعالى في كتابه؛ كما يتناسون المذابح والتهجير المتواصل والذي لم يتوقف لحظة في معظم مدن وقرى أرضنا المحتلة كلها..
لذلك فإن الكراهية والحنق الذي في صدور المخذلين -الذين كره الله انبعاثهم فثبطهم حتى بالكلمة- لهما المحركان الأساسيان لهذا التخذيل!
- يا مَن لا تدركون معنى كلامكم في قضية القدرة والإمكانات.. هل انتصار الظالم على المظلوم دليل على أحقيته؟!
- وهل صاحب الحق المظلوم المدافع عن حقه يصبح ظالماً؟!
- وهل كثرة الخسائر دليل على الخسارة وبطلان المسار؟! فإذن لماذا قال النبي ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم مَن خذلهم”؟ فرغم الخذلان وما أصابهم من لأواء (يعني: كثرة الخسارة) رغم ذلك كله منصورون.
وقال الله تعالى في المؤمنين رغم كثرة الجراح.. مع الصبر والتقوى يرتقي بالعبد المبتلى إلى مصاف أولي العزم من عباد الله الصالحين: ﴿لَتُبۡلَوُنَّ فِیۤ أَمۡوَ ٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوۤا۟ أَذࣰى كَثِیرࣰاۚ وَإِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦].
كما أنه جلّ في علاه بيّن أن الخسائر على كثرتها هي ابتلاء من الله تعالى، وفي نفس الوقت ﴿لِیَمِیزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِ﴾ [الأنفال: ٣٧].
بل والأذى الشديد منكم أيها المتخاذلون المرجفون، مما تسمعوننا إياه، منكم ومن أسيادكم؛ وما تبثونه من أراجيف وكذب وبهتان وتخذيل: ﴿وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوۤا۟ أَذࣰى كَثِیرࣰاۚ﴾ [آل عمران: ١٨٦]. “وَلَتَسْمَعُنّ” وهذا ما كان منكم؛ لم تكتفوا بصمتكم وسكوتكم؛ بل أخذتم أراجيف العدو وزدتم فيها طعناً بالمجاهدين، لذلك جعلكم الله منهم بقوله: ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾؛ فمن سار على درب أعدائنا ومنهجهم في بث الأراجيف؛ وكراهية المؤمنين، وسعياً لهزيمتهم؛ فوالله إنهم منهم، ومن الذين أشركوا!
- وتقولون: طالما أنكم لستم مؤهلين للنصر فلماذا حاربتم؟
هذا قولكم!
- فماذا تقولون في المعارك التي هُزم فيها المسلمون على مرّ التاريخ؟ كأُحد.. في فصل من فصولها؛ وكذلك “حُنين” في أول المعركة..
هل كانوا على باطل والعدو على حق؟
لقد تجاوز هؤلاء كل حدود الأدب والأخلاق مع الله! لأن النصر من عند الله، وكذلك مع رسول الله ﷺ..
لقد تناسى هؤلاء دور المقاومة وهي تقوم بواجبها الديني والوطني والأخلاقي في الدفاع عن الأمة أولاً، ومن ثم عن الأقصى والنساء والرجال والولدان؛ وعن كل الأرض؛ قدمت فيه طيلة هذه الحقبة الدماء الزكية من قادتها ورجالها العظام.
دفع الصائل لا يُشترط فيه تكافؤ القوة
كما إنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن دفع الصائل لا يُشترط فيه تكافؤ القوة.. ففي صحيح مسلم: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: “فلا تُعْطِهِ مالَكَ”. قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: “قاتِلْهُ”. قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: “فأنْتَ شَهِيدٌ”، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: “هو في النَّارِ”.
هذا في حق المال؛ فكيف بالدفاع عن: “الدين والنفس والعرض والعقل والمال” مجتمعة؟!
والأحاديث في ذلك كثيرة تبيّن أن مَن قُتل دون ماله أو أهله أو دينه أو دمه (أي دفاعاً عن نفسه) فهو شهيد.. لم يشترط النبي ﷺ فيها أن يكون هناك تكافؤ للقوة بين المدافع وبين المعتدي.
لكنها السنن.. وجود المدافعين عن حقوقهم ضد المعتدين، محتلين كانوا أم ظالمين أو قطاع طرق؛ أيا كانوا سمّهم ما شئت.
لكن الذي يطمئننا وجود المقاتل المدافع عن دين الله وعن العرض والنفس والوطن.. وكذلك وجود المثبط الجبان في موقع التخذيل، والذي كره الله انبعاثه فثبطه؛ قال الله تعالى:
﴿۞ وَلَوۡ أَرَادُوا۟ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّوا۟ لَهُۥ عُدَّةࣰ وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِیلَ ٱقۡعُدُوا۟ مَعَ ٱلۡقَـٰعِدِینَ * لَوۡ خَرَجُوا۟ فِیكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالࣰا وَلَأَوۡضَعُوا۟ خِلَـٰلَكُمۡ یَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِیكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ ﴾ [التوبة: 46-47].
فالحمدلله الذي منَّ علينا أن نكون في صف المقاومة، وأسأل الله العلي القدير.. إن في المتخاذلين خيراً أن يردّهم إلى دينه مرداً جميلاً!