النصرة الحقيقية لخاتم الرسل
فبراير 6, 2024من أنصاري إلى الله
فبراير 6, 2024
لك الله يا رسول الله، في أمةٍ تدين بلا إله إلا الله، محمد رسول الله، وتخاذلت عن نصرة رسول الله، لك الله يا رسول الله في أمةٍ تتحرَّكُ وتَغضبُ للبشر، ولا تغضب لسيد البشر ﷺ.
لك الله يا رسول الله، في أمةٍ تَتَّبِعُك، وتدَّعي حبَّك، وتتمنى أن تلقاك على الحوض، وأن تسعدَ بشفاعتك صلوات الله وسلامه عليك، وهي الأمةُ المنصرفة عن سُنته، التاركة لنصرته، وهي الأمة مع كل ذلك، التي تدّعي حَّبك صلوات الله ربي وسلامه عليك.
سُبَّ رسول الله وأُوذيَ، وما تحرَّك الرجال من خلق الله إلا فيما ندر، تحركاً لا يوافي حق رسول الله ﷺ. لك الله يا رسول الله، سُبِبتَ من أعداء الله، في أرض تحركت لفنانات وفنانين، ولم يتحركوا لمّا أوذي سيد المرسلين.
تحركت الدنيا بأسرها دفاعاً عن أهل الفن والفُجر فيما قدموا من عريٍ، ولكنهم هم هم لم يتحركوا لرسول الله ﷺ؛ فخرجوا يُدلِّسُون في دين الله، ويَكيلون الاتهامات للدعاة إلى الله، بل يُدلِّسُون في كتاب الله، فكان مما قالوا إن الله عز وجل يقول: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125] وأنتم أيها الدعاة: ما دعوتم لا بالحكمة، ولا بالموعظة الحسنة!
قلنا لهم: لقد دلَّستُم في كتاب الله، فنحن لم نكن في موطن دعوة إلى الله، بل كنا في موطن دفعٍ عنا، وعن دين الله، والله عز وجل الله يقول: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125]
بدأ الآية بالدعوة، إشارة إلى أن هذا طريق الدعاة، أما نحن، فالذي يحق فينا هو قول الله سبحانه: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: 148] لأننا كنَّا في موطن دفعٍ.
يا من غضبتم للفنانين، لماذا لم تغضبوا لسيد المرسلين، ﷺ؟ ألا يوازي في الحق والمكانة مَن غضبتم لهم؟!
لماذا لم تغضب الأمة لرسول الله؟
لأنها انحرفت عن منهج الله، وتركت الاقتداء برسوله، وما امتلأت قلوبها بحب رسول الله، وإنما كان حبها قولاً، أصبح حُبُنا لرسول الله كلاماً نَدَّعيه صباح مساء، ولا دليل عليه من فعلٍ أو قولٍ، فإيمانُنا كلامٌ، وإسلامُنا كلامٌ، وحبُّنا كلامٌ، لم نُقرن ذلك بالحب الفعلي الذي يُدلَّل عليه بالقول الذي يتبعه عمل.
كيف نعرف حق رسول الله ﷺ علينا؟
إن أردنا أن نعرف حق رسول الله علينا بضوابطه الشرعية، فأعِرني قلبك وسمعك، لتحرز نفسك من نار أعدها الله للمتخاذلين عن نصرة رب العالمين وسيد المرسلين ﷺ.
يقول الله عز وجل في كتابه: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الأنعام: 10] تلك سنة كونية، يذكرها ربنا في قرآنه في سورتين بنفس اللفظ:
في سورة الأنعام: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الأنعام: 10]. وفي سورة الأنبياء: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الأنبياء: 41]
وبعد الأولى يقول: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام: 11]، وبعد الثانية يقول: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: 42].
الآية تخبرك أن الله ينتقم ممن استهزأ بنبيه، أو بأنبيائه، ثم تخاطب أهل الأرض قائلة لهم في الأولى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا﴾ اعتبروا بعاقبة من كذّب اللهَ ورسولَه، اعتبروا بعاقبة من أساء إلى الله ورسوله.
وفي الثانية بعدها يقول: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾، مَن يحفظكم من الرحمن بعد أن أسأتم للنبي العدنان؟ كيف تتخيلون أنكم مِن عقاب الله محفوظون؟ إن الذي سيعاقب هو الله، فإن أفلتّم من عقاب المؤمنين الضعفاء في الدنيا، فإن الذي سيعاقبكم، هو خالق الأرض والسماء، في الدنيا والآخرة.
إن الله تكفل بحفظ نبيّه، فقال: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر: 95]
أي لا يستطيعون أن ينالوا منك حال حياتك، ولا أن يصلوا إلى قتلك، فالله يعصمك من الناس، لكن بعد وفاتك، أتباعُك وأحبابُك المؤمنون بك نبياً، عليهم حقٌ في رقبتهم تجاهك يا رسول الله.
حُكم من سبّ الرسول
فما هو حق النبي علينا يوم يُسَب من أعدائنا؟ يقول ابن تيمية في (الصارم المسلول على شاتم الرسول ﷺ): “أجمع أهل العلم من سلف هذه الأمة – أي الصحابة والصدر الأول – أن شاتم النبي المنتقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومَن شكّ في كفره وعذابه كَفَر، مسلماً كان أو كافراً.
قال لأنه لو كان مسلماً: فإن سبَّه للنبي ردة، يستتاب ثلاثاً، فإن رجع، وإلا قُتِل كفراً ولا يقتل حداً. وإن كان نصرانياً: وإن كان ذمياً أو معاهداً فإنَّ سبَّه للنبي نَقْضٌ للعهد معه، ومع أمته يبيح قتله. قال وإن كان كافراً: فإنَّ سبَّه للنبي ﷺ أصبح به محارباً حلال الدم، وردت النصوص الشرعية، والسنة الفعلية على ذلك. ويستدل ابن تيمية بآياتٍ وأحاديث كثيرةٍ.
الدليل من القرآن على كفر مَن سب الرسولويستدل ابن تيمية من القرآن بقول الله عز وجل: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 11].
يتحدث القرآن عن قوم خرجوا من الإسلام، ويشترط عليهم للعودة للإسلام أن يتوبوا ويُقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاةَ: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 12-14].
الأعمى يقتل أم ولده انتصاراً للرسول
اسمع لتعلم حق رسول الله عليك، لكيلا يُدَلَّس ولا يُكذَب عليك باسم الدين والحكمة:
عن عِكْرِمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ ﷺ وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ ﷺ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ، فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ، فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ” (1)
والشاهد قول النبي ﷺ: “أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ” فقد أهدر النبي دمها، لأنها سبته ﷺ.
اغتيال كعب ابن الأشرف بسبب سبه للرسول ﷺ
وحديث جابر بن عبد الله: “قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟
فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا، قَالَ: قُلْ.
فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ – وحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ أَوْ: فَقُلْتُ لَهُ: فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ؟ فَقَالَ: أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ – فَقَالَ: نَعَمِ، ارْهَنُونِي، قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ العَرَبِ، قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا، فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ، فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ، هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ – قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي السِّلاَحَ – فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ.
فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ، وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الحِصْنِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو، قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ، قَالَ: وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ – قِيلَ لِسُفْيَانَ: سَمَّاهُمْ عَمْرٌو؟ قَالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ – قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، وَقَالَ: غَيْرُ عَمْرٍو: أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، وَالحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ، فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ، وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ.
فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ رِيحًا، أَيْ أَطْيَبَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَ: عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ العَرَبِ وَأَكْمَلُ العَرَبِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نعَمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ، قَالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرُوه”(2).
جَبُنت يهود لما رأتْ أن مَن سب رسول الله ﷺ قُتل، جَبُنت لما رأت العزة والكرامة، ورأت الصحابة تنتصر لرسول الله ﷺ.
واليوم نقولها صريحة: من سب رسول الله ﷺ قُتِل، فإنا نتمنى أن يُقتل من فعل ذلك، فهذا حُكم الله فيه، لكنّا أيضاً لا نرضى ولا نقبل قتل الآمنين ولا اقتحام السفارات، لأن هؤلاء دخلوا بلادنا بتأشيرة أمان، والنبي ﷺ يقول: “مَن أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”(3). وفي رواية “من أمَّن رَجُلًا على دَمِه فقَتَله فأنا بريءٌ مِن القاتِلِ وإن كان المقتولُ كافِرًا”(4).
فهذا دين ربنا، ولن نُدَلِّس في الدين على خلق الله. الصحابة وعلى رأسهم محمد بن مسلمة، قتلوا كعب بن الأشرف، لأنه سب رسول الله ﷺ، وقَتَلَ الأعمى جاريتَه، وأمَ ولدِه، لأنها سبّت رسول الله ﷺ.
وذكر ابن تيمية في الصارم المسلول: أن عمر أُتيَ في خلافته برجلٍ سب الرسول فأمر بقتله.
الحيوان الأعجم ينتصر للرسول
وإن تعجب فأعجب لما هو أكثر من ذلك: اعجب لحيوانٍ أعجم يثأر لرسول الله ﷺ، ولسنا أقل من الأعمى، ولسنا أقل من الأطفال، ولسنا أقل من كلبٍ أعجم، ثأر لرسول الله ﷺ.
يقول ابن حجر: “كان النصارى ينشرون دعاتهم بين قبائل المغول، طمعاً في تنصيرهم، وقد مهّد لهم الطاغية هولاكو سبيل الدعوة بسبب زوجته الصليبية ظفر خاتون، وذات مرة توجه جماعةٌ من كبار النصارى لحضور حفلٍ مغوليٍ كبيرٍ، عُقِد بسبب تنصّر أحد أمراء المغول، فأخذ واحد من دعاة النصارى في شتم النبي ﷺ، وكان هناك كلبُ صيدٍ مربوط، فلما بدأ هذا الصليبي الحاقد في سب النبي ﷺ، زمجر الكلبُ وهاج، ثم وثب على الصليبي وخمشه بشدة، فخلصُّوه منه بعد جهد، فقال بعض الحاضرين: هذا بكلامك في حق محمد عليه الصلاة والسلام، فقال الصليبي: كلا بل هذا الكلب عزيز النفس، رآني أشير بيدي فظن أني أريد ضربه، ثم عاد لسب النبي وأقذع في السب، عندها قطع الكلب رباطه ووثب على عنق الصليبي، وقلع زوره في الحال، فمات الصليبي من فوره، فعندها أسلم نحو أربعين ألفاً من المغول”
وإن تعجب فاعجب من خبر تتناقله وكالات الأنباء ومواقع النت: تقول ما أشبه الليلة بالبارحة لما سبّوا رسول الله، أسلم أربعون ألفاً من التتر لما رأوا سيد البشر يُحافَظُ عليه، ويُنْتَقم له من كلبٍ أعجم، حيث ذكرت إحدى وكالات الأخبار الأمريكية أن المجمعات الإسلامية بعد سب النبي ﷺ، استقبلت الآلاف من غير المسلمين يسألون عن سيد المرسلين ﷺ، ويسألون عن القرآن، فأُعطوا القرآن، وأُعطوا محاضرات مكثفة عن الإسلام، فأسلم الآلاف لما رأوا سيد البشر ﷺ يُؤذَى، ورأوا غضبة العالم، أرادوا أن يعرفوا من هو رسول الله ﷺ، فلما علموا أسلموا، فأتت هجمتهم بنتيجة عكسية.. لماذا؟
لأن الله قال: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: 32]
ولو كره المشركون، ولو كره المنافقون، ولو كره العلمانيون، فدين الله باقٍ، ومحمد بن عبد الله باقٍ، رسول الله ﷺ باقٍ في سنته، باقٍ في شرعته.
المطلوب من المسلمين تجاه سب رسول الله
المطلوب منك أن تنصر حبيبك ﷺ:
– وذلك باتباع سنته.
– وتربية أبنائك عليها.
– ونشر سنته وشِرعته بين الخلق أجمعين.
– المطلوب منك الدعاء.
– المطلوب منك الاعتراض بضوابط الشرع.
– وأما دور العلماء: فأقول لهم: جَهِّزوا جواباً يوم يسألكم ربكم!
إن أردتم الورود على حوضه، والدخول في شفاعته، يا شيخ الأزهر، ويا مفتي مصر، يا من تدعي حب النبي، وأنك من آل البيت، ومن الغارقين في حبه، دلّل على حبك لرسول الله بالغضب له، وببيان حقه علينا، استمسك بسنته وسِر على منهجه، وانتقم واغضب لرسول الله ﷺ.
المقاطعة حق رسول الله عليك
ثم عليك أن تقاطع كل منتجات السابّين، ولن نموت لو أننا لم نركب سياراتهم الفارهة، إلا أننا نريد أن نرسل رسالةً أننا لن نتعامل مع مَن سب نبيّنا. ولما سبت الدنمارك رسول الله ﷺ وفُعّلت المقاطعة، رُفِعت القضايا على مَن فعل ذلك، وقُدّموا للمحاكمة، فدينهم اليورو الدولار!
وأطالب حكام المسلمين بالتحرك، ومطالبة من فعل ذلك بالاعتذار لكل العالم الإسلامي، وأن يقدم من فعل ذلك للمحاكمة العادلة.
وعلى حكام وقادة المسلمين أيضاً: أن يطالبوا هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، باستصدار قانونٍ عالميٍ، يُحَرِّمُ ويُجَرِّمُ الإساءةَ لرسول الله ﷺ، ولكل أنبياء الله، ويضعوا العقاب الرادع.
وأطالب كافة المسلمين الذين يدّعون الإسلام صباح مساء، ويدّعون حبّ النبي ﷺ أن يدلّلوا ولو مرة عن حبهم لرسول الله ﷺ، بتفعيل المقاطعة الاقتصادية والمواظبة عليها غضباً لرسول الله ﷺ.
(1) رواه أحمد وغيره.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه أحمد وغيره.
(4) أخرجه البزار والطبراني وابن عدي في الكامل.
(5) الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ج 3 صـ 202 .