
الشيخ الحويني والكلام في السياسة
مايو 3, 2025
الخديعة العظمى.. الدعاة على أبواب جهنم!
مايو 3, 2025الشيخ جلال الدين حمصي
سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ – لبنان
الحمدُ لله العزيزِ الوهَّاب، القويِّ الغلَّاب، ناصرِ أهلِ الإيمانِ وهازمِ الأحزاب، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أُنزل عليه الكتابُ بالحقِّ والميزان، والحجةِ والبيان، والسيفِ والسِّنان، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلِم.
إخوتي في الله..
الصبر هو سكون النفس عند المكروه ورضاها بما قسم الله عز وجل، وثباتها على الطاعة وكفها عن المعصية، هو شعور داخلي عميق بالاطمئنان واليقين يتغلغل في القلب فيجعل الإنسان يتقبل ما لا يُحتمل برضى وهدوء.
أما المصابرة فهي مواجهة فيها قوة وثبات، فيها تحدٍ ومغالبة للنفس والغير، هي وقوف في وجه الشدائد بثبات لا يتزعزع، ومنافسة في ميدان الصبر لا يكتفي صاحبها بأن يصبر بل يسابق غيره في الصبر ويتحمل أكثر ويثبت أطول. فالصبر سكون والمصابرة نزال، الصبر قرار والمصابرة صراع. كلاهما جمال في النفس، ولكن المصابرة أعمق أثراً وأشد قوة..كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. [آل عمران: ٢٠٠].
إخوة الإسلام..
لا شك أنها أيامٌ حاسمة في دوراتِ الزمن، وصفَحَاتٌ مشرقةٌ في جَبينِ التاريخ.. لكن علينا أن لا نغفلَ عن قضايانا الحاضرةِ وأن لا نغرقَ في دنيانا.. وإخوانٌ لنا يصارعونَ الموتَ والجوع وتصهَرُهم آلةُ الحربِ وهم صامدون ونحسَبُهم عند الله صادقين، فإننا إن نَسينا أو جهِلنا حالَ غزةَ الآن فكأننا قد بِعنا الآخرةَ لأجلِ الدنيا التي ركنّا إليها والعياذُ بالله.
واعلموا “أنها فرصٌ يسوقُها اللهُ عز وجل للبشرِ لاغتنامها وقد لا تتكرر، وهي أسواقٌ تُعقَد ثم تُفَضُّ يفوزُ فيها من يفوز، ويخسرُ فيها من يخسر، والمسلم سباقٌ للخير.. ثم اعلموا أن هنالكَ أسباباً يخبئُها الله لعباده الصادقين ويُنزِلُها أثناء الشدة وإبّانَ الأزمات.
لقد غدا العملُ لنصرةِ الإسلامِ اليومَ فرضَ عينٍ على كل فردٍ من أفرادٍ الأمة رجلًا كان أو امرأة، شابًّا كان أو شيخًا، روى ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناده عن الحسن البصري وعكرمة وغيرهما رحمهم الله تعالى في تفسير قول الله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ [التوبة: ٤١]. قالوا: شيوخاً وشباباً. وقال مجاهدُ رحمه الله: هي في الثقيلِ وذي الحاجة والضعيفِ والمشتغل. وعن الحَكَم قال: مشاغيلَ وغيرَ مشاغيل.
إخوةَ الإسلام..
الأملُ لا بدّ أن يكونَ معهُ عمل، ولا يحدث النصرُ إلا بالصبرِ، ولا يكونُ التمكينُ إلا باتخاذِ أسبابِه؛ وأولُها وأهمّها:
الإيمانُ بالله تعالى:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “واللهُ سبحانه إنما ضَمِنَ نصرَ دينِه وحزبِه وأوليائِه بدينِه علماً وعملاً، لم يَضمَن نصرَ الباطلِ، ولو اعتقدَ صاحبُه أنه محق، وكذلك العزةُ والعلوُ إنما هما لأهل الإيمانِ الذي بعثَ اللهُ به رُسلَه، وأنزلَ به كُتبَه، وهو علمٌ وعملٌ وحال، قال تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩].
فللعبد من العلوِ بحسْبِ ما معه من الإيمان، قال تعالى: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُوِلهِ وَلِلْمُؤْمِنِين﴾ [المنافقون: ٨]. فله من العزةِ بحسْبِ ما معه من الإيمان وحقائقِه، فإذا فاته حظٌّ من العلوّ والعزة… ففي مقابلةِ ما فاته من حقائقِ الإيمان، عِلماً وعملاً ظاهراً وباطناً. وكذلك الدفعُ عن العبد يكونُ بحسْبِ إيمانِه، قال تعالى: ﴿إِنّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: ٣٨]. فإذا ضَعُفَ الدفعُ عنه فهو من نقصِ إيمانِه.
وكذلك الكفايةُ والحَسْب بقدْر الإيمان، قال تعالى: ﴿يأَيُّهَا النّبي حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ٦٤]. أي اللهُ حسبك وحسبُ أتباعِك، أي كافيكَ وكافيهم، فكفايتُه لهم بحسبِ اتباعِهم لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وانقيادِهم له، وطاعتِهم له، فما نَقُصَ من الإيمان عاد بنُقصانِ ذلك كله.
ومذهبُ أهلِ السنةِ والجماعة: أن الإيمانَ يزيدُ وينقص. وكذلك ولايةُ اللهِ تعالى لعبدِه تكون بحسب إيمانه قال تعالى: ﴿وَاللهُ وَلِىُ المُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ٦٨] وقال الله تعالى: ﴿اللهُ وَلِىُ الّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥٧].
وكذلك معيَّتُهُ الخاصةُ هي لأهلِ الإيمان، كما قال تعالى: ﴿وَأَنّ اللهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩]. فإذا نَقُصَ الإيمانُ وضُعف كان حظُ العبدِ من ولايةِ اللهِ له ومعيته الخاصة بقدر حظه من الإيمان. وكذلك النصر والتأييد الكامل. إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى: ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١]. وقال جل في علاه: ﴿فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: ١٤]. فمن نقُصَ إيمانه نقُصَ نصيبُه من النصرِ والتأييد، ولهذا إذا أصيبَ العبدُ بمصيبةٍ فى نفسِهِ أو مالِه، أو بإدالةِ عدوِه عليه، فإنما هي بذنوبِه، إما بتركِ واجبٍ، أو فعلِ محرم، وهو من نَقصِ إيمانه”.
وثاني أسبابِ التمكين: حُسنُ التوكلِ على الله سبحانه وتعالى
قال جل في علاه : ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍۢ قَدْرًۭا﴾ [الطلاق: ٣].
قال الإمام القرطبي رحمه الله في قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾: “أَيْ مَنْ فَوّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ كَفَاهُ مَا أَهَمّهُ. وَقِيلَ: أَيْ مَنِ اتّقَى اللهَ وَجَانَبَ الْمَعَاصِي وَتَوَكّلَ عَلَيْهِ، فَلَهُ فِيمَا يُعْطِيهِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ ثَوَابِهِ كِفَايَةٌ. وَلَمْ يُرِدِ الدنْيَا، لِأَن الْمُتَوَكِّلَ قَدْ يُصَابُ فِي الدّنْيَا وَقَدْ يُقْتَلُ…
وَقَالَ الربِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ: إِن الله تَعَالَى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَ مَنْ تَوَكّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ وَمَنْ آمَنَ بِهِ هَدَاهُ، وَمَنْ أَقْرَضَهُ جَازَاهُ، وَمَنْ وَثِقَ بِهِ نَجّاهُ، وَمَنْ دَعَاهُ أَجَابَ لَهُ. وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ﴾، ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾..
وبهذا جاء حديث رسول الله ﷺ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ: “يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ”.
علمها رسول الله ﷺ لابن عباسٍ وهو غلام.. فعلموا أبناءكم حقيقةَ التوحيد.. علموهم حسنَ التوكلِ على الله وأن لا يسألوا إلا الله عز وجل..
ومن أسبابِ التمكين: التضرُّعُ إلى الله والإلحاحُ في الدعاء والاستغاثة به سبحانه.
ومنها: الاجتماع وعدمِ التفرُّقِ والتنازع: قال سبحانه: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
“أهل الحقِّ منصُورونَ وغَالِبُون، ينصرُهم اللَّهُ ولو بعدَ حِينٍ، سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي لَا تَتَبَدَّل، وَلَـكِـن قبل النصر لا بُـدَّ مِن الصَّبر، صَبْرٌ على الأَذَى، وَصَبْرٌ على الشِّدَّةِ والابتِلَاءِ «فإنَّمَا النَّصْرُ صَبْرُ سَاعَةٍ»، وَهَـذَا دَيدَنُ الأَنبِياءِ عَلَيهُم السَّلَامِ وأتبَاعِهِم”.
ومن أعظمِ ما يصبِرُ عليه المسلمُ الصبرُ على البلاء..
ومن كمال الصبرِ اللجوءُ للهِ سبحانه وتعالى والرضى بقضائه..
وهذا ما نراه حقيقةً في غزةَ العزة..
لقَد وُجد دومًا إيمانٌ وكفر، وحقٌّ وباطل، وظلمٌ وعدل، وخيرٌ وشرّ، ولكلّ طرفٍ أنصارٌ يقومون به، فأهلُ الحقِّ يقومون به وبه يعدِلُون، وأهلُ الباطل يقومُون له وبه يَجورُون، وقد قضى سبحانه أن تكونَ العاقبةُ للمتقين، وأن يكون الهلاكُ للكافرينَ المكذِّبينَ الضَّالين، قال سبحانه: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾. [آل عمران: ١٣٧].
إنّ سُنَّةَ الله تعالى في إهلاكِ الكفّارِ المجرمينَ لا تتغيَّر، إلا أن هذه السُّنَّة تَسبِقُها سننٌ، يُجريها اللهُ تعالى بين يدَيها، توطئةً وتمهيدًا لها وإتمامًا لحكمتهِ منها، كسُنَّةِ إمهالِ الكافِرِين، وسُنَّةِ ابتلاءِ المؤمنينَ وتمحيصِهم، وسُنَّةِ المداولة بين الناس، وسُنَّةِ التدافع، ثم سُنَّةِ النصر والتمكين.
هذا يقيننا بالله عزوجل أن العاقبة للمتقين والنصرَ للمؤمنين بإذن الله تعالى.. هذا وعد الله والله لا يخلف وعده..
إخوة الإسلام..
قد تكونُ دَوْلةُ أهلِ الباطلِ غالبةً يومًا، إلّا أن أهلَ الحقِّ لا يستسلِمون، بل يَدفعُون ذلك القدَر بالقدَرِ الأحبِّ إلى اللهِ تبارك وتعالى، وهو الجِهادُ في سبيله بكلِّ ممكِن، كلٌّ في موضعه، بالمال و بالسِّنان أو باللِّسان، والله يُؤيُّدُهم ويُسدِّدُهم..
لا تجزعي من منظر السُّحْبِ التي * * * تُخفي كواكبَنا عن الأنظارِ
ستَرَين تلك السُّحْبَ تنْفضُ ثوبَها * * * يومًا بما نرجو من الأمطارِ
يا غزةَ الجرحِ المعطَّر بالتُّقى * * * لا تَيْأَسي من صَحْوةِ المليارِ
لا تَيْأَسي من أُمَّةٍ في رُوحِها * * * ما زالَ يَجْري منهجُ المُختار