مشاهد مكبس الإعدام في سجن صيدنايا: جريمة النظام السوري
ديسمبر 10, 2024“أونروا”: الاحتلال يجرد غزة من حقوقها الأساسية
ديسمبر 11, 2024بقلم: الشيخ حسن الخطيب – عضو رابطة علماء فلسطين
يقول الله تعالى: ﴿وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ﴾ [البقرة: ١٢٠].
في خضم معركة الأقصى وبعد أكثر من ٤٠٠ يوم من عدوان وكراهية أعداء الله تعالى، ونذالة وخذلان أهل الملة والعربان.. بعد أكثر من ٤٠٠ يوم من الثبات والصبر والصمود والتحدي، وكثرة الإثخان في العدو الجبان.. وبعد أن ثبت قطعاً قعود وتخلف أهل الخذلان ممن يفترض أنهم في صف المقاومة..
لكن ﴿وَیَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّاۤ أَن یُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ [التوبة: ٣٢]. يأبى الله إلا أن يظل أهل الصلاح والإيمان وحدهم في الطريق، ولا يكون معهم أحد من أهل النفاق والوجوه المتلونة؛ الذين ﴿لَاۤ إِلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَلَاۤ إِلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ﴾ [النساء: ١٤٣]؛ بل هم إلى العدو أقرب. يتخلف أهل الخسة والخذلان؛ والذين: ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِیلَ ٱقۡعُدُوا۟ مَعَ ٱلۡقَـٰعِدِینَ﴾ [التوبة: ٤٦]
يأبى الله أن يشارك القاعدون أهل الثبات والصبر على اللأواء شرف مقاتلة ﴿أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟﴾ [المائدة: ٨٢]. لذلك ﴿وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ﴾.
كما أخبر النبي ﷺ عن هؤلاء فقال: “ما من امرئٍ يخذلُ امرأ مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيهِ مِنْ عرضِهِ، ويُنتهكُ فيهِ مِنْ حُرمَتِهِ، إلَّا خَذَلَهُ اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيهِ نُصرتَهُ، ومَا منْ أحدٍ ينصرُ مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيهِ منْ عرضِهِ، ويُنتَهكُ فيهِ منْ حُرمَتِهِ، إِلاَّ نَصَرَهُ الله فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نصرته”.
فخطورة هؤلاء ليس فقط خذلانهم لأهل ملتهم ودينهم؛ بل ويشاركون العدو كراهية إخوانهم وعشيرتهم، وما تخفي صدورهم أكبر من الحقد.. حقدهم للأسف الشديد النابع من سوء تربيتهم، وتوجه نياتهم المتخاذلة؛ وميولهم الخبيثة، وكراهيتهم لأهل الحق والإيمان.
حقدهم على الرجال الأطهار بعبادتهم وترفعهم عن الموبقات من لعن وشتم وطعن في أعراض المسلمين؛ وما أكلوا مال أحد كما فعلوا غيرهم، عندما تولوا قطعوا أرحامهم؛ فاستبدلهم الله تعالى. حقدهم على الطائفة القائمة بأمر الله الظاهرة بدينها، القاهرة لعدوها، والتي لا يضرها من خالفها ولا من خذلها.
حقدهم على من تقاتل بفضل الله تعالى على جميع الجبهات الأخلاقية والتربوية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية؛ وما لانت ولا استكانت.. حقدهم على طائفة آخر الزمان المنصورة بإذن الله.. حقدهم على من فقدوا أهم القيادات السياسية والعسكرية والميدانية؛ وكأنها لم تفقد أحداً: ومع ذلك تخوض معاركها على جميع الجبهات الداخلية والخارجية وما لانت لها قناة.
لذلك فإن أهل النفاق الذين يدّعون أنهم من أهل الإسلام، يخذلون أبناء جلدتهم، ويسعون بكل السبل والوسائل إلى طلب مرضاة اليهود والنصارى؛ ويعلمون علم اليقين؛ أن أي دولة مهما بلغت من القوة ما بلغت لو ألقي عليها ما ألقي من القنابل التي ألقيت على غزة، لرفعت الراية وسلمت واستسلمت، فمن أين لـ(حـماس) هذه القوة التي مكنتها من هذا الصمود الأسطوري؟ وكيف لمقاومة بأسلحة خفيفة تصبر وتتحمل؛ بل تقبل ما يناسب شعبها، وترفض ما يضر شعبها، وكأن لها اليد الطولى في أرض المعركة؟!
والجميع يعلم؛ المنافقون قبل غيرهم أن هذه القوة الصابرة لو انتصرت، يمكن لها تغيير موازين القوى في المنطقة، والمحركات الأساسية في الاستراتيجيات والسياسات التي ستغير المنظومة الغربية والعربية لعقود قادمة، وهم (الغرب).. من سعوا عبر سنوات خلت ومن خلال صفقة القرن وغيرها، إلى إحداث تغييرات جذرية في منظومة القوانين وحتى المناهج التربوية والأخلاقية العربية والإسلامية؛ يأتي طوفان الأقصى ليفسد عليهم معيشتهم وكل مخططاتهم.
﴿وَلِيَعْلَمَ الّذينَ نَافَقُوا﴾ أن الأمر كله لله، والقوة لله، وأن الفضل كله لله؛ وليعلم هؤلاء الذين يسعون لمرضاة أهل الكتاب، وينسون مرضاة الله تعالى؛ كيف لفئة قليلة غلبت فئة كثيرة؟ يتناسى هؤلاء قوة الله وبطشه وإرادته؛ ويذكرون أنفسهم قبل غيرهم بقوة الغرب التي تدمر وتسحق وتقتل دون أي اعتبار لكل القيم والأخلاق الإنسانية؛ وكيف يبثون الأراجيف بالسموم، والافتراء على الله الكذب. ويتجاهلون خسائر العدو، ويتناسون بطولة وبسالة المقاومة؛ هذه المقاومة النابعة من قوة وإرادة المقاتل، وثباته على دينه وثقته بربه في مواجهة أعداء الله.
يتناسون كل ذلك؛ ويبثون مفردات التثبيط والتحبيط، (بأن المقاومة السبب في هذا الكم الهائل من الخسائر)!
هؤلاء الذين يسعون لطلب لمرضاة أعداء الله ويتناسون إخوانهم في الدين والعروبة؛ يطعنون في الذين يقاتلون وحدهم على جميع الجبهات.. يطعنون في الذين ثبتوا وما فرطوا بحبة تراب واحدة، يطعنون في الذين يسعون بكل الوسائل والطرق لاستعادة الحقوق، مهما كلفهم.
حماس التي فقدت أهم قادتها وأبنائها؛ لا تنتظر مكسباً دنيوياً، كما يظن الرويبضات؛ حماس الفكرة والأيدلوجية والاستراتيجية كل همها نصرة دين الله وتحرير فلسطين واستعادة الأقصى من دنس المحتلين، وهي التي فقدت أبرز قادتها ومؤسسيها، وهي ما تزال على الطريق؛ بل إن جل من يقودون حماس اليوم هم أبناء وأحفاد هؤلاء القادة، والذين ما غيروا وما بدلوا تبديلاً قيد أنملة عما أسس القادة الكبار؛ فما يهم حماس وما تسعى إليه هو تطهير الأرض من أوباشها ورجس المحتلين.
إن الذين قاموا بأحداث السابع من أكتوبر، يعلمون علم اليقين أن اليهود والنصارى لا يمكن أن يرضوا عن أحد من المؤمنين، إلا بالتخلي عن حقه واتباعهم، وحتى لا نستغرب موقف المنافقين وسبب خذلانهم فقد قال الله فيهم: ﴿وَدُّوا۟ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَاۤءࣰۖ﴾ [النساء: ٨٩].
ولأنها لا تنتظر دعم الغرب ولا تعاطفهم، ولا من اليهود عطاء أو حلاً، وهم يقرأون قوله تعالى: ﴿أَمۡ لَهُمۡ نَصِیبࣱ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذࣰا لَّا یُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِیرًا﴾ [النساء: ٥٣]. وتعلم أن العالم كله لا يمكن أن يقبل بإحداث أي تغيير على حدود الدولة العبرية؛ ناهيك عن زوالها. لكنها أيضاً تعلم علم اليقين أنه قد آن أوان زوالها، بعز عزيز أو بذل ذليل؛ لذلك قاموا بالطوفان؛ لتحرير أرضهم، فتحرير الأرض من براثن المحتل من أقدس المقدسات ومن أهم الواجبات؛ فزوال هذه الدولة حتمية قرآنية، بأمر الله وقوته وإرادته، على يد ثلة مؤمنة.
لذلك هم يرجون الله تعالى أن يكونوا هم أولئك النفر، وأن يكون لهم شرف التكليف بالتحرير؛ ﴿رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ﴾ [الأحزاب: ٢٣].. رجال يمتثلون بأمر الله ﴿وَلَا یَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَاۤىِٕمࣲۚ﴾ [المائدة: ٥٤] ، ويعلمون أن الله هو الذي سيحقق النصر؛ ويحدث التغيير؛ بوجود أولي العزم من المجاهدين؛ وهم يعلمون أن اليهود والنصارى والمنافقين، لا ولن يقبلوا بأي تغيير للواقع الاستعماري في المنطقة؛ ولكن لأمر قد قضاه الله سبحانه وتعالى بهذا الحدث العظيم؛ ليرغم هذا العدو المتغطرس والدنيء ويطوي صفحتهم السيئة والقذرة من تاريخ الأمم، ويتحقق وعد الله ونصره.
والذي يساعدنا على هذا الفهم؛ أن الطوفان دخل عامه الثاني؛ ويتوافق مع كل النصوص القرآنية والنبوية، وكذلك ما زالت ضربات المقاتلين في أوج قوتها وعنفوانها؛ وما السنوار عنكم برفح ببعيد؛ وجباليا التي تقص تاريخ جهاد طويل، ومستمر حتى الآن وكأنه في اليوم الأول من القتال، بضرباتهم المؤلمة والمؤثرة..
ولأولئك الذين لا يحسنون قراءة التاريخ وأخذ العبر؛ للذين يسعون في طلب مرضاة غير الله: لا ولن يرضى عنكم اليهود والنصارى حتى تتبعوا ملتهم؛ وكيف يرضون عنكم وأنتم الذين خنتم أمتكم، وخذلتم فئتكم المؤمنة؟! الفئة المقاومة الثابتة الطالبة لمرضاة الله تعالى؛ والتي بدينها ظاهرة، لعدوها قاهرة، لا يضرها من خذلها.