
الوعد والأجل.. لماذا يتأخر تحقيق الوعد الرباني؟
فبراير 24, 2025
وفاة شيخ الخطاطين حسن جلبي
فبراير 25, 2025الشيخ خالد الراشد – فك الله أسره*
بعد إجلاء يهود بني قينقاع.. حاول يهود بني النضير اغتيال النبي ﷺ، وكان قد انطلق إليهم في أمر بينه وبينهم، فلما جاءهم خلا بعضهم إلى بعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحال أبداً، فهل من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟!
فانتدبوا رجلاً منهم فقال: أنا لذلك! فنهاهم عنه أحد أحبارهم وهو: سلام بن مشكم، وقال لهم: هو يعلم. أي: أن الوحي سيخبره وسيفضحكم، فلم يقبلوا منه، فلما صعد أشقاهم ليلقي الصخرة على النبي ﷺ نزل الوحي بالخبر، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]، وفضَح المؤامرة، فانسحب النبي ﷺ من المكان، وشاع خبر مكيدتهم وضج المسلمون من ذلك، فتهيأ النبي ﷺ وأصحابه لقتالهم، فحاصرهم وأخرجهم من المدينة أذلة صاغرين.
دس اليهود السم في الشاة لقتل النبي ﷺ
ولم تنته مؤامراتهم ووسائل المكر والكيد ضد الإسلام ونبي الإسلام، فلما فشلت خططهم الماكرة لجأوا إلى أسلوب الضعفاء والجبناء فحاولوا دس السم للنبي ﷺ، فقامت بذلك زينب بنت الحارث اليهودية، حيث قدّمت للنبي ﷺ شاة مشوية قد دست فيها سماً، وكانت قد سألت: أي عضوٍ من الشاة أحب إلى محمد؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السم، فلما وضعتها بين يدي النبي ﷺ تناول الذراع، فأكل منه قضمة فلم يسغها، وكان معه بشر بن البراء، فأخذ منها كما أخذ النبي ﷺ، فأما بشر فمضغها وأما النبي ﷺ فلفظها ثم قال: “إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم”. ثم دعا بالمرأة اليهودية فاعترفت فقال: “ما حملك على ذلك”؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخفَ عليك، فقلت: إن كان ملكاً استرحنا منه، وإن كان نبياً فسيخبره الوحي بذلك. فتجاوز النبي ﷺ عنها، ومات بشر من أكلته التي أكل.
وقد رُوي أن النبي ﷺ قال في مرضه الذي تُوفي فيه لأخت بشر بن البراء وكانت تكنى بـأم بشر: “يا أم بشر! إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر”. ولذلك رأى كثير من الصحابة أن النبي ﷺ قد مات شهيداً مع ما أكرمه الله من النبوة.
سحر اليهود للنبي ﷺ
ولم يكتفوا بالسم ومحاولات الاغتيال فقط، بل سحَر ساحر من سحرتهم -واسمه لبيد بن الأعصم- للنبي ﷺ، فقد جاء من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ سُحر حتى إنه كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات ليلة عند عائشة دعا ودعا، ثم قال: “يا عائشة! أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه: أتاني رجلان [أي: ملكان على صفة رجلين وهما جبريل وميكائيل] فقام أحدهما عند رأسي، وقام الآخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب [أي: مسحور] قلت: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم”.
ثم إن الله أذهب هذا السحر عن جسده ﷺ بسر الدعاء والالتجاء إلى الله، ودله على مكان السحر.
فإذا كانت تلك أفعالهم بالأنبياء والمرسلين فلا عجب مما يفعلونه بالشعوب والأمم بسبب حقدهم على البشرية أجمعين!
عبر من حياة الشهيد أحمد ياسين
هذه الأحداث التي تتوالى هنا وهناك هي فرصة للمسلمين لتصحيح مسار الصراع، وتحويل مجراه إلى وجهته الحقيقية، فهو صراع دينيٌ منذ أن بدأ، ولكن من طرف واحد، وهو طرف الأعداء، فهم يقاتلوننا بتوراتهم وإنجيلهم، أما المتصدرون للصراع من بني جلدتنا فلقد أرادوها علمانية حتى النخاع، واستسلامية إلى ما تحت القاع!
لكم الله يا رجال فلسطين! ولكُنّ الله يا نساء فلسطين! ولكم الله يا أطفال فلسطين!
عباد الله! إن لم تحفزنا المصائب، وترفع هممنا الآلام والأحزان فما الذي يحركنا ويعلينا؟! يا له من دين لو أن له رجالاً! والله لولا أن الإسلام حق بذاته مؤيدٌ بتأييد الله، محفوظ بحفظه، لم تلق منه بقية تصارع قوى الشر في الأرض، التي ما تركت سبيلاً من المكر به إلا سلكته، ولا سبباً لإطفاء نوره إلا أخذت به، قال الله تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30]، ويقول: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].
والله ما تعرض دين على مر السنين والعقود لمؤامرات ومخططات كما تعرض الإسلام، ولكن الله يقيض لهذا الدين رجالاً يحافظون عليه، ويدافعون عنه، ولا يضرهم من خالفهم أو خذلهم.
إنها الهمم التي تصنع الرجال! أحمد ياسين شيخ مشلول على كرسي متنقل، مهدد بالقتل، ثم تأبى نفسه إلا أن يصلي الفجر في جماعة، فتباً للأصحاء والأقوياء الذين آثروا النوم على نداء رب العالمين، فلقد اتصفوا بصفات المنافقين وما أكثرهم! أحمد ياسين شيخ قعيد أيقظ الأمة، ونال الشهادة.. فمتى يتحرك صحيح البدن قعيد الهمة؟!
أحمد ياسين يا أول الأطهار في زمن الرذيلة والبغاء، يا راحلاً للخلد لا أرثيك أنت؛ بل لنا الرثاء، لن نقبل التعازي فيك، فلقد رفعت رءوسنا وعلمتنا دروساً في التضحية والفداء، أحمد ياسين قالوا إنك مقعد، فكيف قعدت على قلب كأنك مشهد، وكيف كسرت الحواجز بين البلاد والعباد؟ ألست بمقعد؟ ركبت إلينا سفينة نوح فأجريتها وعيون البرية تشهد، أحمد ياسين بتضحية العظماء أمثالك يأتي النصر، وبموت أمثالك تحيا الأمة، عشت مقعداً قائداً، ومت شهيداً رائداً، أياسين! ماذا تبقى من العمر حتى تموت؟ أسبعون عاماً آخر؟ تجاوزت في أمنيات الدعاء حدود البشر، وسافرت عبر براق الشهادة عبر القمر، وخلفت أبناء العروبة يستنكرون ويستصرخون؛ كعادتنا نحن في الشجب لا نتأخر؛ فسافر بعيداً بعيداً فنعم المراكب ما قد ركبت ونعم السفر.
إن التخطيط لاغتيال الصادقين من العاملين والمجاهدين في سبيل الله مستمر ولن يتوقف، لقد قتلوا عمر رضي الله عنه في محرابه، وقتلوا عثمان رضي الله عنه وقرآنه بين يديه، وقتلوا علياً رضي الله عنه وهو منطلق إلى مسجده، وهاهم يقتلون أحمد ياسين بعد أن صلى الفجر في جماعة، وفاز بذمة الله، فهنيئاً لك اللحاق بركب الصادقين!
هم الرجال بأفياء الجهاد نموا ** وتحت سقف المعالي والمدى وُلدوا
جباههم ما انحنت إلا لخالقها ** وغير مَن أبدع الأكوان ما عبدوا
الخاطبون من الغايات أكرمها ** والسابقون وغير الله ما قصدوا
عباد الله! أمتنا ولودة، أمتنا معطاءة، أمتنا متجددة، فإن كانوا قد قتلوا أحمد ياسين فسيكون هناك ألف أحمد ياسين بإذن الله، فسر قوتنا في معتقدنا.. في قرآننا.. في تاريخنا، حتى في حجارتنا التي تنطلق من يد صغارنا.
نبينا ﷺ يقول: “مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره”. هاهم أبناء المسلمين في كل مكان يرددون: خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود!
فسرّ قوتنا في شبابنا.. في شيبنا.. في نسائنا وأطفالنا.
سنعيد حياة العز ثانية ** وسوف نغلب مَن حادوا ومن كفروا
وسوف نبني قصور المجد عالية ** قوامها السُّنة الغراء والصورُ
وسوف نفخر بالقرآن في زمن ** شعوبه بالفسق والخنا افتخروا
وسوف نرسم للإسلام خارطة ** حدودها العز والتمكين والظفرُ
بصحوة ألبس القرآن فتيتها ** ثوب الشجاعة لا جبن ولا خورُ
بتضحيات العظماء يأت النصر بإذن الله، وبموت الأبطال تحيا الأمة، فلا نامت أعين الجبناء.
اللهم تقبّل أحمد ياسين، اللهم تقبّله في أعلى عليين، وأسكِنه في جناتك جناتٍ النعيم، اللهم بلغه أعلى درجات الشهداء والصديقين، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه يا رب العالمين! اللهم تقبّل شهداءنا في كل مكان يا رب العالمين! اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، اللهم فك أسرانا وأسراهم في كل مكان يا حي يا قيوم!
اللهم عليك باليهود الغاصبين، والنصارى المعتدين، وأعداء الملة والدين، ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم لا ترفع لهم في بلاد المسلمين راية، ولا تحقق لهم في بلاد المسلمين غاية، وأخرجهم منها أذلة صاغرين!
ــــــــــــــــــــ
* خالد الراشد، من محاضرة: قعيد أحيا أمة، موقع إلكتروني: الشبكة الإسلامية، 2004م.