بين الدم الفلسطيني والدم الأوكراني
مايو 20, 2024يا غزة النصر إن النصـــــــــــرَ مُرتَقَبُ
مايو 20, 2024طوفان الأقصى معركة القرن، التي غيرت موازين القوى في العالم، وغيرت مفاهيم فئات من البشر ما كنا نظن أنها تتغير يومًا ما، وبلغ تأثيرها أبعادًا عظيمة في الكرة الأرضية، واهتم بها الغرب الملحد، كما اهتم بها الشرق الشيوعي، واهتم بها المسلمون وغير المسلمين على حد سواء، حتى وصل بها أن غيرت بعض مفاهيم اليهود أنفسهم، فمن أين جاء هذا الحدث في هذه البقعة اليسيرة من الأرض بكل هذا الأثر؟
لذلك لابد من قراءة وقراءات لهذا الحدث العظيم الذي هز أركان العالم، وكشف ما لم يمكن كشفه من غير حدوث هذه المعركة، وبدأ معركة ستودي حتمًا بحضارات كبيرة في العالم كان يصعب مجرد التنبؤ بزوالها.
توقيت المعركة
لا يخفى على مسلم أن توقيت أي حدث في الكون إنما هو بقدر من الله تعالى، قال ربنا سبحانه: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49]، فمعركة بدر الكبرى التي أعز الله بها الإسلام وأذل بها المشركين، كانت بقدر من الله تعالى وحده، بل كان المؤمنون لا يريدونها، قال تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال: 5]، وقال أيضًا: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 7]، ولبيان أنه قدر جميل منه سبحانه وتعالى مع بيان علة هذا القدر قال ربنا: ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 42]، ولهذا فكل الأحداث في الكون قدَّرها ربنا سبحانه لعلة يعلمها هو سبحانه، سواء عرف الناس علتها أم لا.
ومن ذلك معركة طوفان الأقصى، فتوقيتها من الله عز وجل، بعناية وحكمة منه سبحانه، وفي ظرف عصيب كانت الأمة بأسرها أحوج ما تكون إليه، بالتمام والكمال مثل القرن الخامس الهجري، كادت الأمة أن تهلك، فقد سيطر الباطنيون على أجزاء كبيرة منها، وجاء الصليبيون ليلتهموا ما تبقى، فقدر الله سبحانه معركة (ملاذكرد) لترد اعتبار المسلمين، وهو عين ما حدث في القرن السادس الهجري، بعد تحكم الصليبيين على الأقصى وما حوله، ويأس الناس من تحرر المسجد الأقصى، قدر الله معركة حطين وما بعدها ليرد للمسلمين اعتبارهم، ونفس المشهد يتكرر وبصورة أشد في القرن السابع الهجري، فقد ضاعت الخلافة وتمزقت الأمة، ونشبت الخلافات، والأدهى من ذلك اكتساح المغول لأرض المسلمين، فهيأ الله بإرادته عين جالوت التي أعادت اعتبار وهيبة المسلمين، ثم أكرم الله المسلمين بخلافة بني عثمان المباركة.
وهذا عين ما حدث للأمة الإسلامية في هذا الزمان، فقد ساء حالها عن الأزمان السالفة الذكر، إذ كانت في القديم مصيبتها على يد أعدائها المعروفين، أما اليوم فجل مصيبتها بيد حكامها ونخبها ومن يَدَّعُون العلم فيها، فهيأ الله لها معركة طوفان الأقصى المباركة لتضبط الموازين، وتعيد البوصلة المنحرفة، وتجعل المياه تجري في مجاريها الصحيحة.
تخطيط وتدبير البشر
طوفان الأقصى تفكيرًا وتخطيطًا وتنظيمًا وتنفيذًا، هي عمل جبار من أعظم الأعمال البشرية التي تمت على سطح الكرة الأرضية.
وإن من سنة الله تعالى الكونية أنَّ الأعمال العظيمة لابد لها من رجال عظماء، وأن الله تعالى أمر عباده أن يأخذوا بالأسباب، فإذا استفرغوا أسبابهم وتوكلوا على ربهم نصرهم الله تعالى، لذا كان الرسل -عليهم السلام- وهم أعظم الخلق توكلًا على الله -عز وجل- يستفرغون وسعهم في الأخذ بالأسباب كما أمرهم الله تعالى، والأسباب هي التفكير والتخطيط والتنظيم والتنفيذ، وكل هذا لابد أن يُستَفرغُ فيه الوسع.
ومن هنا فطوفان الأقصى استفرغ المجاهدون فيها وسعهم، وأخذوا بكل الأسباب الممكنة لديهم، فحفروا الأنفاق وفق رؤية أذهلت أصحاب الحضارات العظمى، وحيرتهم في كيفية تنفيذها، وحالت بينهم وبين مجرد التفكير في اقتحامها أو السيطرة عليها، ناهيك عن المدة الزمنية في تنفيذ حفرها، وعن مدى الصبر والجلد في تنفيذ المهام الشاقة في حفرها، ناهيك عن كيفية إعداد المجاهدين وتأهيلهم بمعنى الكلمة من كل نواحي الإعداد، دينيًا وبدنيًا ونفسيًا ومهاريًا وأمنيًا، ناهيك عن التخطيط والتنفيذ في جلب السلاح وتصنيع السلاح واستخدام كل الحيل في سبيل إعداد ترسانة عسكرية جبارة تقف في وجه العالم بأسره، وكذلك كيف استطاعوا خلال هذه السنوات الطويلة التي جهزوا فيها للمعركة، كيف حافظوا على السرية وعدم الاختراق، وهم يواجهون أفضل وأعتى أجهزة التجسس والمراقبة من قبل عدوهم المدعوم بأفضل الأجهزة العالمية.
وفي هذا الصدد كيف نَقَّوا صفهم من الخيانة والخائنين؟! بل كيف حافظوا هم على سِرِّ المعركة أعوامًا دون أن يكشف حتى فاجأ به المجاهدون العالم أجمع صبيحة يوم النصر العظيم، وأمر آخر أشد عجبًا وهو كيف استطاعوا تأليف جميع فصائل المقاومة، وجمعهم على هذا الأمر الشاق طويل الأمد، وكيف اتفقت الفصائل كلها على توحيد الرأي والكلمة والتنفيذ، دون خلافات بينهم، ولا نزاعات تؤدي إلا فشلهم؟
أما الأمر الأشد عجبًا، والذي لم نر له في تاريخنا المعاصر مثيلًا، فهو تهيئة الشعب بأكمله على تحمل الصعاب والمشاق والبلايا، فأنَّى لشعب كامل أن يقتل ويشرد ويجوع ويعرى ويفقد كل شيء وهو صامد صابر بكل فئاته رجالًا ونساء وأطفالًا، بل وكله في نَفَسٍ واحد نحن مع المقاومة، نحن راضون وباقون في أرضنا مهما جرى، فأي شعب هذا؟ وأي تربية هذه؟ وأي إعداد هذا؟! إنه لشيء مذهل حقًا.
أهم تأثيرات المعركة
لقد أثرت المعركة على الساحة الداخلية في فلسطين بأكملها فقلبت فيها كل شيء رأسًا على عقب، كما أثرت على الساحة المحلية والساحة الدولية، والخلاصة أنها أثرت على العالم بأسره، فغيرت ما لم يكن في الحسبان أن يتغير، وأزالت مفاهيم وأثبتت أخرى.
فلقد جعلت الجيش الذي لا يقهر ألعوبة وأضحوكة للأطفال بعد فشله في تحقيق ولو تقدم واحد طيلة ستة أشهر كاملة.
ولم تستطع الصهيونية بما لديها من إمكانات وتقنية ناهيك عن مشاركة الأمريكان والبريطانيين والألمان والفرنسيين والطليان مع الصهاينة، لم يستطيعواً جميعاً تحرير أسير واحد من أسراهم، إلا ما تم بشروط المقاومة الباسلة.
وحولت تل أبيب إلى ساحة حرب داخلية، سياسيًا وإعلاميًا واجتماعيًا وربما عسكريًا، وخير مثال معركة الحريديم التي أعلنوها برفضهم للتجنيد، زعمًا منهم بأنها تعاليم التوراة، والحقيقة هي جبنهم وخوفهم من الموت، وصدق الله إذ يقول: ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ﴾ [البقرة: 94-96]، وهذا سبب هروبهم من المعركة.
ويكفي ما كشفته من أقنعة زائفة كانت تتستر خلف القضية الفلسطينية، فلما جاءت المعركة ظهروا على حقيقتهم، حكام خونة عملاء جبناء خاضعون للصهيونية، غارقون إلى آذانهم في مستنقع الذلة والعمالة، ومُدَّعُون للعلم منافقون يتبعون كل ناعق، يمجدون الباطل ويكرهون الحق، سلطوا ألسنتهم على المجاهدين، صدق فيهم قول ربنا: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: 18-19].
كما قضت -بفضل الله تعالى- على قضية التطبيع الزائفة، وعلى مزاعم الديانة الإبراهيمية الموهومة.
ويكفي تأثيرها على الشعوب الإسلامية، من زيادة الوعي بالقضية، وإحياء روح الجهاد من جديد، وحلم الوحدة والعزة والكرامة، وتلك أمور لها ما بعدها.
مع تأثيرات عظيمة أخرى لا يكفي المجال لذكرها.
هل من الممكن القضاء على المقاومة؟
عبثًا تحاول حكومة التطرف الصهيونية بإطالتها لأمد الحرب وضربها عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة، وتحديها لمجلس الأمن والمحكمة الدولية، ظنًا منها أنها تستطيع يومًا القضاء على المقاومة، وهي لا تعلم أنه لا يقضى على مقاومة يوماً طالما أنها تدافع عن حقها، فضلًا عن مقاومة إسلامية أبناؤها يعشقون الشهادة في سبيل الله تعالى، فالصهيونية دمرت البيوت وخربت الحياة وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ، وشردت مئات الآلاف وهدمت المدارس والمستشفيات، لكنها ما استطاعت أن تنال من عزيمة المجاهدين الشرفاء، ولا أن تصل لمكانهم، وما زال المقاومون يُحْدِثُون النكاية تلو الأخرى بالصهيونية وأذنابها، فأنى للصهيونية أن تقضي على المقاومة.
لو كانت تستطيع القضاء عليها لقضت عليها منذ سنوات يوم أن كانت تحتل غزة، وعندها بدأت المقاومة في طرد المحتل فهل استطاعوا القضاء عليها ويومها لم تكن تمتلك إلا الحجارة؟! ثم هل استطاعوا القضاء عليها وهي لا تملك إلا أسلحة السكاكين البدائية، وبعدها صواريخ لا تكاد تتعدى الأمتار القليلة؟! وكانوا دوماً يتوعدون بالقضاء على المقاومة والمقاومة تقوى يوماً بعد يوم -بفضل الله تعالى-، فكيف والمقاومة اليوم تنتج سلاحها وتنتصر في معاركها وتبدأ هي المعارك وتصبح فاعلًا بعد أن كانت ردة فعل وفقط؟!
إن المقاومة ذات إصرار وعزيمة وهي صاحبة الأرض، وصاحبة الحق، ومعرفتها بقضيتها أكثر من معرفة الصهاينة بآبائهم وأبنائهم.
والأهم من ذلك أن المقاومة تنتهج أمر ربها في قتال الصهاينة المجرمين، متمثلة قول الله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: 14-15]، وهذا ما حققه الله لعباده المجاهدين على أرض فلسطين، فمن زعم القضاء على المقاومة فهو واهم مغرور، فلا فناء لمقاوم يطلب حقه، كما لا فناء لثائر يثور على الباطل.
أتظن أنك عندمـــا أحـــرقتنــي *** ورقصت كالشيطان فوق رفاتي
وتركتنـــي للذاريــات تـذرنــي *** كحلاً لعيــن الشمس في الفلـوات
أتظـن أنك قـد طــمست هويتي *** ومحــــوت تاريخي ومعتقـــداتي
عبثاً تحاول.. لا فنـــاء لثائر *** أنــــا كالقيامـــة ذات يـــــوم آت
ماذا بعد طوفان الأقصى؟
عقارب الساعة لا تدور للوراء، وما بعد طوفان الأقصى لن يكون كما كان قبلها، نعم إن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، لكن سنن الله تعالى واضحة، والتاريخ لا يكذب، والله عز وجل عَلَّمَنَا أن الأيام دول، وأنه إذا تشابهت المدخلات تشابهت المخرجات، وهناك أمور يمكن توقعها من البشر ليس ادعاء بعلم الغيب، بل ثقة فيما عند الله تعالى، وبناءً على نتائج المعركة.
فبعد هذا النصر العظيم فإن أبناء فلسطين سيتطلعون لانتصارات أخرى أعظم وأشمل، وهكذا حتى يتم الله النصر والتحرير الكامل لأرض فلسطين.
وفي المقابل بعد الهزيمة المدوية للكيان الصهيوني سوف تخور عزائمهم وسيظلون يتذكرون خزيهم وعارهم، ومن فر منهم لن يعود، وسيفكر آخرون في الفرار لمكان آمن لهم، ولن يتبقى إلا شرار الصهاينة الذين يعيشون على وهم استعادة المجد، حتى تفاجئهم الحرب الضروس التي لا تبقي ولا تذر بإذن الله تعالى.
وبعد حالة الوعي التي سادت الأمة بأكملها، يكون من الطبيعي أن تفكر الأمة في تغيير قادة السوء وعملاء الصهيونية وأحذية الأمريكان، لتستبدل بهم رجالًا من جنس أمتنا يخافون على الأمة ويعملون لمصلحتها، ويجمعون شملها ويحرصون على عزتها، ولذا لا ينبغي التفكير في ربيع آخر يأتي عليه خريف ينسفه، بل لابد من طوفان آخر أشد ضراوة وأكثر تأثيرًا على مستقبل الأمة، طوفان يزيل آثار التبعية والذلة، لينبت من بعده نبات العزة والمجد بإذن الله تعالى.
وبعد ظهور وجه الصهيونية القبيح جليًا في العالم كله، سيضمحل تأثيرهم، وتتراجع مكانتهم عند الغرب والشرق، وقد تزول ممالك كانوا يتحكمون بها، وتنتهي حضارات كانت تقوم على رعايتهم وتدليلهم، وسيعودون للشتات كما هو طبيعتهم وحالهم.
وعندها فلا يعصم الجبل من يأوي إليه، ولن تنجح الصهيونية في حماية من تدثر بها، ﴿قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: 43].