
من أجل استراتيجية جديدة للعمل الإسلامي في كردستان العراق (3)
فبراير 17, 2025
13 عملًا مقاومًا في الضفة الغربية ضد الاحتلال الصهيوني خلال 24 ساعة
فبراير 18, 2025الشيخ عثمان الطباع الغزي – رحمه الله
غزة مدينة قديمة، ومن قواعد فلسطين الشهيرة، نزل فيها إبراهيم الخليل عليه السلام، وجاء ذكرها في التوراة مراراً، وهي إحدى الرحلتين لقريش المذكورتين في قوله تعالى: ﴿رحلة الشتاء والصيف﴾، كما قال ابن عبد البر في تفسيره، وإحدى العروسين كما في حديث ضعيف: “طوبى لمن أسكنه الله تعالى إحدى العروسين: عسقلان غزة”. رواه الديلمي في مسند الفردوس.
قال ياقوت الحموي في (المشترك): “غزة بلد مشهور بالشام، بينه وبين عسقلان نحو فرسخين، من أعمال فلسطين”.
وفي (القاموس): غزة عَلَم على مواضع بلد بمشارف الشام، بفلسطين، مشهور، ورملة بالسودة ببلاد بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم، يقال لها غزة، وبلد بأفريقية بينه وبين القيروان نحو ثلاثة أيام، تنزلها القوافل إلى الجزائر، وناحية من يمين عبن التمر بالعراق، يقال لها غزة، وبلد ببقاع الشام وأقدمها وأشهرها غزة هاشم”.
وفي (معجم البلدان): “قال أبو المنذر: غزة كانت امرأة (صور) الذي بنى صور، مدينة الساحل، قريبة من البحر”.
وإياها أراد الشاعر:
ميت بردمان وميت بسلمان ** وميت عند غزات
قال أبو زيد: “العرب تقول قد غز فلان بفلان، واغتز به: إذا اختصه من بين أصحابه”.
لاختصاص صاحبها بها واختيار تلك البقعة لاختطاطها، ويجوز أن تكون سميت باسم امرأة الملك (صور).
قال في (قاموس الأعلام التركي): “إن غزة بلدة قديمة جداً، ويُذكر في التوراة أنها موجودة قبل زمان حضرة إبراهيم عليه السلام، و”لذلك يقال إنها رابع مدينة بنيت على وجه الأرض المقدسة”، حتى إن إسكندر الكبير اشتغل بحصار غزة مدة أربعة أشهر، وبعد أن صار مجروحاً فتحت بكل صعوبة، وفي المحاربات التي وقعت بين البطالسة والسلنيكين، تعدد تخريبها وصار تعميرها، وهي على تل مرتفع يوجد فيه وفي خلافه من التلال المرتفعة -خصوصاً تل العجول- آثار كبيرة حتى أخرج من هيكل المشتري المصطنع”.
وفي (جغرافيا فلسطين): “غزة مدينة قديمة جداً، وفيها آثار قديمة كثيرة بحيث أن المرء يرى في كل ناحية منها آثاراً عديدة ذات قيمة واعتبار، كلها تدل على سالف مجدها وعلو شأنها”.
وفي (تاريخ سوريا): “أما مدينة غزة فهي على بُعد ثلاثة أميال من شاطئ البحر المتوسط، وهي من أقدم مدن العالم”.
وذكر العلامة الشيخ صالح التمرتاشي الغزي في رسالته (الخير التام) أن أول من خطها أفراشيم أو أفرايم أحد أولاد يوسف الصديق عليه السلام.
قلت: هي موجودة قبل أفرايم المذكور، فلعله اختطها في موضعها المرتفع المعروف، كما تقدم، أو اختطها بالحجارة وسورها بالبناء الثابت، وكانت قبلُ أكواخاً تنتقل من موضع لآخر، فلم يختلف موضعها بعدُ، وإن حصل تخريبها مراراً بسبب الحروب التي كانت تتناوبها، والأمم التي كانت تتقلب عليها، بل كانت بسبب كونها همزة الوصل بين مصر والشام مسرحاً كبيراً لحروب متوالية، ووقائع هائلة.
وحدّها بما يتبعها من الأراضي والقرى، طولاً من رفح إلى يافا نحو خمسة وأربعين ميلاً، وعرضاً من ساحل البحر إلى كوفيا والبها نحو خمسة أميال، وكانت قبل فصل السبع عنها، تمتد من البحر إلى العقبة، مسيرة ثمانية أيام.
وقال في (المعجم اليوناني): غزة مدينة قديمة العهد إحدى مدن الفلسطينيين الخمس، مبنية على هضبة تبعد 4 كيلومترات تقريباً عن البحر، وتقع في الجهة الجنوبية الغربية من القدس على بُعد 85 كيلو متراً، وقد أعطى لها في العصور المختلفة عدة أسماء، منها: إيوني ومينيوو وقسطنديا.
وهذه المدينة كانت دائماً ساحة لثوراة الغزاة الفاتحين، من حين لآخر في جميع أدوار التاريخ القديم والمتوسط والحديث، وحوصرت عدة مرات، واحتلها ودمرها اليهود والآشوريون والمصريون، والكلدانيون والفرس، والرومان والعرب والصليبيون، والأتراك والفرنسيون والإنكليز، أما اليهود فإنهم لم يستطيعوا أبداً المحافظة على سلامتها، وقد قاموا بحروب كثيرة ضد الفلسطينيين، منذ سني شمشون الجبار (أي منذ القرن الحادي عشر ق.م حتى عهد المكابيين القرن الثاني ق.م) فيها جاهد ومات شمشون الجبار، وقد سباها أولاً الفراعنة، وأخضعها من بعدهم الآشوريون، ومثلهم الكلدانيون.
وفي عام 606 ق.م استُرجعت من نخو الثاني، الذي حكم من سنة 617-601 ق.م، ومن ثم وقعت في يد الملك كورش من سنة 601-590 ق.م، ومنها كامفنيس ابن الملك كورش جمع قواته وافتتحها عندما هاجم مصر 522 ق.م، أما الإسكندر الكبير فإنه بعد فتحه لصيدا هاجم غزة واستولى عليها، بعد محاصرته إياها مدة شهرين كاملين، سنة 322 ق.م، وكانت حينئذ مدينة عظيمة ذات مركز حصين، محاطة بسور قوي.
وكان لها حارس يدعى فاتيس، وكان شجاعاً، ويقال إنه سلح الغزيين، واستأجر عدداً كبيراً من العرب، قاوم بهم هجمات الجيش اليوناني -الذي كان بقيادة الإسكندر- المتكررة الشديدة لاحتلالها. وقد كان من الصعب إدخال الماكينات الحديدية إلى داخل المدينة بسبب ارتفاعها، وقد أبدى الإسكندر مهارة فائقة وذكاء كبيراً عندما أمر جنوده بالهجوم عليها في المرة الرابعة لاحتلالها من الجهة الجنوبية، حتى تمكنوا من اختراق السور وإدخال الماكينات والعِدد الأخرى.
أما قُطر السور فكان على طول 27 متراً وارتفاع 76 متراً، وبعد أهوال شديدة لاقاها الإسكندر من الغزيين حتى اخترقت حِرابهم درعه، وجرحته في كتفه، حتى فتحها بنفس العدة التي فتح بها صيدا، وبعد فتحه غزة أحضر الإسكندر سكاناً لها من اليونان، على حسب عادته، ومن القرى المجاورة لها، ومزج بعضهم ببعض.
ثم بعد وفاة الإسكندر سبيت غزة من القائد أنتيفوس وكذلك من القائد بطليموس عام 96 قبل المسيح، من قِبل ملك اليهود المدعو إلكسندروس إياتوس 106-79، وأعيد بناؤها في سنة 7، ومن الرومانيين الذين فتحوها ومنحوها إدارة مستقلة على عهد الملك أغسطوس، من 20-14 وقد أعطيت إلى الملك هيرودس وفي أيامه تعلم سكانها الحرف والعلوم اليونانية.
في عام 44 بعد وفاة هيرودس أصبحت مقاطعة رومانية وازدهرت بالعلوم والتجارة والعمران. وقد زارها مراراً كثيرة الإمبراطور أورليانوس (۱۱۷ – ۱۲۸) بعد المسيح الذي عمل عملة فضية رسم عليها غزة من جهة، ومن الجهة الأخرى وضع التاريخ الروماني تخليداً لزياراته هذه، وفى ذلك العهد كانت غزة تعد من أعظم المراكز التجارية التي توحد سوريا مع آسيا الغربية، والعرب كانوا يرسلون إليها مراكبهم التجارية لنقل التجارة، وكما يروى التاريخ أن هاشماً والد جد النبي محمد ﷺ توفي بها ودفن فيها، فإن العرب كافة يحترمون ويقدسون هذه المدينة. ا.هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* عثمان الطباع (1882-1950)، فقيه غزي على مذهب الأحناف، ومؤرخ، ولد في غزة وتخرج في الأزهر الشريف، وكان مدرس المذهب الحنفي في الجامع العمري في غزة، ومؤسس مكتبته، وتوفي في غزة عام 1950. من أشهر كتبه: إتحاف الأعزة بتاريخ غزة.
المصدر: عثمان الطباع، إتحاف الأعزة بتاريخ غزة، تحرير: عبد اللطيف زكي أبو هاشم، ط1 (غزة: مكتبة اليازجي، 1999م)، 1/ 69 وما بعدها.