من أجل استراتيجية جديدة للعمل الإسلامي في كردستان العراق (1)
ديسمبر 9, 2024في غمرات الطوفان (2)
ديسمبر 9, 2024بقلم: الشيخ مختار بين العربي مؤمن – عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن الجهاد: مصدر جاهد، وهو من الجَهد -بفتح الجيم وضمها- أي: الطاقة والمشقة، وقيل: الجَهد -بفتح الجيم- هو المشقة، وبالضم الطاقة. يُقال: جاهد العدو مجاهدةً وجهاداً: إذا قاتَله.
وحقيقة الجهاد كما قال (الراغب): “المبالغة واستفراغ الوسع في مدافعة العدو باليد أو اللسان. أو ما أطاق من شيء”. والجهاد: القتال مع العدوّ كالمجاهدة، قال تعالى: ﴿وَجَـٰهِدُوا۟ فِی ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ﴾ [الحج: ٧٨]، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: “لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية”.
قوله ﷺ: “ولكن جهاد ونية”، أي: ولكن لكم جهاد في الكفار، ونيّة صالحة في الخير تحصلون بهما الفضائل التي في معنى الهجرة التي كانت مفروضة لمفارقة الفريق الباطل؛ فلا يكثر سوادهم، ولإعلاء كلمة الله وإظهار دينه. وهذه الجملة تضمن بشارة من النبي ﷺ بأنّ مكّة ستستمر دار إسلام أبداً؛ لأنّه نفى أن يكون هناك هجرة بعد فتحها، وهذا يدلّ على أنّها لن تعود دار كفر مرة أخرى؛ إذ الهجرة تكون من دار الكفر إلى دار الإسلام.
ثم قال ﷺ: “وإذا استنفرتم فانفروا”، أي: إذا دعاكم الإمام إلى غزو لقتال الكفار، فأجيبوه واخرجوا معه.
وهو ثلاثة أضرُب:
مجاهدة العدو الظاهر، والشيطان، والنفس. وتدخل الثلاثة في قوله تعالى: ﴿وَجَـٰهِدُوا۟ فِی ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ﴾ [الحج: ٧٨].
وقال ابن تيمية: “الجهاد إما أن يكون بالقلب كالعزم عليه، أو بالدعوة إلى الإسلام وشرائعه، أو بإقامة الحجة على المبطل، أو ببيان الحق وإزالة الشبهة، أو بالرأي والتدبير فيما فيه نفع المسلمين، أو بالقتال بنفسه. فيجب الجهاد بغاية ما يمكنه. قال البهوتي: ومنه هجو الكفار. كما كان حسان رضي الله عنه يهجو أعداء النبي ﷺ.
والجهاد اصطلاحاً: قتال مسلم كافراً غير ذي عهد بعد دعوته للإسلام وإبائه، إعلاءً لكلمة الله.
والجهاد ثابت بالكتاب، قال تعالى: ﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَد﴾ [التوبة: 5]. وقوله تعالى: ﴿وَقَـٰتِلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ كَاۤفَّةࣰ كَمَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ كَاۤفَّةࣰۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ﴾ [التوبة: 36]. وقوله: ﴿ٱنفِرُوا۟ خِفَافࣰا وَثِقَالࣰا وَجَـٰهِدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ﴾ [التوبة: ٤١]، وقوله: ﴿وَقَـٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ وَیَكُونَ ٱلدِّینُ لِلَّهِۖ﴾ [البقرة: ١٩٣]. وغير ذلك من الآيات الدالة على وجوب جهاد الطلب.
والدليل على كونه ليس على الأعيان وإنما هو على الكفاية قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِیَنفِرُوا۟ كَاۤفَّةࣰۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةࣲ مِّنۡهُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ لِّیَتَفَقَّهُوا۟ فِی ٱلدِّینِ وَلِیُنذِرُوا۟ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَحۡذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]؛ فقوله: ﴿وما كانَ المؤمنونَ لينفروا كافةً﴾ دال على أن النفرة لا تكون على جميع المؤمنين؛ لما في ذلك من ضياع العيال والأموال وترك النفقة في الدين ونحوه. ومما يدل لذلك أيضاً سيرة رسول الله ﷺ؛ فقد كان يخرج للغزو تارة ويبقى تارة، ولم يكن جميع أصحابه يخرجون في كل غزوة بل تخرج ثلة وتبقى بقية.
حُكم جهاد الدفع في غزة
وهو فرض عين على كل مسلم بالإجماع، فإذا هجم الكفّار على بلد من بلدان المسلمين وجب على كلّ قادر مدافعتهم وصدّ عدوانهم، قال تعالى: ﴿وَقَـٰتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ﴾ [البقرة: 190]. وقال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا﴾ [سورة النساء: 75]. وقال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُوا۟ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِیرٌ * ٱلَّذِینَ أُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِم بِغَیۡرِ حَقٍّ إِلَّاۤ أَن یَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّهُدِّمَتۡ صَوَ ٰمِعُ وَبِیَعࣱ وَصَلَوَ ٰتࣱ وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیرࣰاۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾ [الحج: 39-40].
لقد عرفنا أن جهاد الطَّلَب حكمه أنه على الكفاية، وإذا قامت به فئة من الأمة سقط الإثم عن باقيها. ويجب على حكام المسلمين أن ينشروا الإسلام بالدعوة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، وأن مَن يقف أمام الإسلام فعليه إحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال.
غزة بين المرجفين والموَفقين
وفي ظلّ الحرب الإسرائيليّة على غزة وأهلها، والتي خلّفت أكثر من 50 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين، وتدمير 85 بالمائة من البنية التحية والبيوت، ولا زال هناك من يقول إن أهل غزة لا يجب عليهم أن يدفعوا عن أنفسهم! وعجيب أمر هؤلاء! ولو أن دجاجة اعتدى عليها أقوى خلق الله لدافعته عن فراخها، وتلك فطرة مترسخة في فؤاد كل مخلوق..
بل إن المتقاعسين الذين يفتون بأنه لا يجب النّفير على الشعوب التي حول فلسطين لو هجم عليهم عدو من ذويهم وبلدهم.. لكافحوه ودافعوه بكلّ ما يستطيعون، ولو سطا على أموالهم سارق لقتلوه، ولكن حبّ الدنيا وبيع الفتاوى الضالة هي التي تركت هؤلاء المرجفين ينعقون بما لا يعرفون من فقه الجهاد وأحكامه، ويرون أن فقه الطهارة أولى من فقه الجهاد، وكيف تحفظ ميضأتك إن سلبكها عدوك ولم تدافع عليها.
فأما الموفقون من علماء الأمة فقد أصدروا البيانات المؤيدة للجهاد في فلسطين ووجوب الوقوف معهم مادياً ومعنوياً، وهؤلاء قد أبرؤوا بعض ما عليهم، مع الاعتراف أننا جميعاً لم نعطِ الحقيقة المطلوبة منا شيئاً يُغني، وقد قرّروا في جملة بياناتهم أن جهاد دفع العدوان في فلسطين متعيّن “على كل من كان قادرًا من المسلمين، إلى حين إنهاء هذا العدوان إلى غير رجعة”.
وهذا الواجب يبدأ بـ “مَن هم بالداخل الفلسطيني”، فإن عجزوا عن ردّه وصده “فإنّه يتعيّن الجهاد –بحسب المستطاع– على دول الطوق التي تلي فلسطين”. و”من تولى عن القتال في داخل فلسطين وعن الجهاد في دول الطوق وتركه فارّاً من واجبه المتعلق به، فهو في حكم الفارّ من الزحف عند تعينه شرعًا”، و”يتحمل وزره بقدر ما يقع من أضرار وأخطار؛ بسبب توليه وتخليه وفراره”.
وأمّا زمرة أخرى قد ألفت الشطح خارج دائرة الفقه الشرعي للنصوص ودارت مع رحى الحكام المستبدين المطبّعين المنبطحين لعدوّ الأمّة بالإجماع، ومن يحاربها في دينها وأرضها وعرضها دون إقناع، فهؤلاء زعموا أنّ من كان داخل دولتهم فلا يجب عليهم ولا يلزمهم الخروج إلى بلد مسلم آخر ليدفعوا عنه. وسبحان مغير الأحوال، وخالق الدّجال في عقول بعض أشباه الرّجال؛ فقد كانوا بالأمس القريب يصرخون في منابرهم وتدفع لهم حكوماتهم المال ليحثوا شباب بلدهم إلى الخروج إلى أفغانستان! فكيف دارت رحى الفتوى 180 درجة وأصبحت بعد التطبيع المنتن مع دولة الصهاينة أمراً محرماً؟
فيا موت زُر إن الحياة ذميمة!
وبالتالي قرر هؤلاء الفويقهة أن جهاد الدفع محكوم بأمرين:
- الأول: أن ما قرره الفقهاء من أن الجهاد هو فرض على من يلي المعتدى عليهم من إخوانهم؛ مقيَّدٌ بما إذا “كانت الأمة الإسلامية دولة واحدة، تحت راية واحدة، تحت ولي أمر واحد”.
- الثاني: أن “الذي يخرج من بلده إلى بلد آخر” للقتال مع إخوانه يكون –في هذه الحالة– “طالبًا للعدوّ وليس دافعًا” له، ومن ثم يُطلق على هذا “جهاد الطلب”، وتسري عليه أحكامه؛ من كونه فرض كفاية ولا يكون إلا بإذن ولي الأمر وإذن الوالدين إلى غير ذلك.
وقد أوضح أحدهم أن الواجب على المسلمين “ألا يهيّجوا الناس بالعواطف العواصف” من خلال “النداءات التي تُوجّه إلى شباب المسلمين ليتركوا بلدانهم ولا يقفوا عند مواقف حكامهم (المطبعين)”، وأنّ النّصر الواجب لإخوتنا في فلسطين يتقيّد بما هو مشروع لنا، وهو الدعاء العام والدعاء الخاص.
والحقيقة الغائبة هي ضعف الانتماء للأمة المحمدية والرابطة الجامعة التي تدل كثير من النصوص على أنّنا جسد واحد، وأمّة واحدة، قد اجتمعنا على مسلّمات من الثوابت العقدية التي تفرض علينا إن تحرك طرف من جانب الأمة تحرك الطرف الثاني، والله غالب على أمره، قال ابن تيمية: “بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة”.
مراتب الجهاد
منها ما هو واجب على كل مكلف، ومنها هو واجب على الكفاية، إذا قام به بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين، ومنها ما هو مستحب.
فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كلِّ مكلف، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية، وقد يتعيّن جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة ذكرها الفقهاء.
قال ابن القيم رحمه الله: “إذا عُرف هذا فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين”.
“فجهاد النفس أربع مراتب” ثم فصّل فيها. وأما جهاد الشيطان فمرتبتان: إحداهما: جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان. الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات.
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب: بالقلب واللسان والمال والنفس. وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب: الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه.
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، و”من مات ولم يغزُ ولم يحّدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق””. انتهى من (زاد المعاد).
ثانياً: جهاد الكفار باليد، مرَّ في مراحل متنوعة بحسب الحال الذي كانت عليه أمة الإسلام: قال ابن القيم رحمه الله: “أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وذلك أول نبوته، فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ * قُمۡ فَأَنذِرۡ﴾ [المدثر: 1-2]. فنبأه بقوله “اقرأ”، وأرسله بـ “يا أيها المدثر”.
ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح.
ثم أُذن له في الهجرة، وأذن له في القتال. ثم أمره أن يقاتل مَن قاتله ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله. ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له. ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة”.
وثالثاً: فإن جهاد الكفار باليد فرض على الكفاية: قال ابن قدامة رحمه الله:” والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به قوم سقط عن الباقين، ومعنى فرض الكفاية الذي إن لم يقم به من يكفي، أثم الناس كلهم، وإن قام به من يكفي، سقط عن سائر الناس. فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع، كفرض الأعيان، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات، في قول عامة أهل العلم”.
رابعاً: ويكون جهاد الكفار باليد واجباً متعيناً في أربع حالات هي:
1- إذا حضر المسلم الجهاد.
2- إذا حضر العدو وحاصر البلد.
3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر.
4- إذا احتيج إلى ذلك الشخص ولا يسد أحد مسدَّه إلا هو.