الاحتلال يواصل حصار غزة وإغلاق المعابر
ديسمبر 9, 2024﴿وبَلغتِ القلوبُ الحناجرَ﴾
ديسمبر 9, 2024بقلم: د. حسين عبد العال – عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
نستحضر دائمًا كلمة الملا عمر -رحمه الله تعالى- عندما أعلنت أمريكا الحرب على أفغانستان فقال: “لقد وعدنا الله بالنصر ووعدنا بوش بالهزيمة وسنرى أي الوعدين أصدق”! فجاهَد -رحمه الله- هو ومن معه جهاد الأبطال، ولقد انكسر بوش وانكسرت حملته الصليبية، وانتصر الأفغان وحرروا دولتهم وأقاموا الحكم فيها بعد جهاد مضنٍ دام عشرين عامًا مع الصليبين، وذلك مصداقًا لوعد الله لهم بالنصر.
كثير من المسلمين -يا للأسف- إذا حدثته عن تحرير القدس، وتحرير فلسطين، وزوال الكيان الصهيوني، يسارع بالقول: ماذا تقولون؟! فالكيان يفعل ما يريد ويضرب هنا وهناك، ويهلك الحرث والنسل، وقد علو علوًا كبيرًا!
وينسى هؤلاء وعد الله سبحانه وتعالى إذ قال: ﴿فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ لِیَسُـࣳـُٔوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَلِیَدۡخُلُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةࣲ وَلِیُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوۡا۟ تَتۡبِیرًا﴾ [الإسراء: ٧] بل وتوعد بني صهيون في الآية التي بعدها بقوله تعالى: ﴿وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَـٰفِرِینَ حَصِیرًا﴾ [الإسراء: ٨].
الكثيرون يتغنّون بوعود (النتن) وأمثاله، ويرون أن دولة بني صهيـون من الفرات إلى النيل قائمة لا محالة! لأن الغرب يتبناها وهم يعملون لها ليل نهار، وما أدري من أين جاء هذا؟ سوى أكاذيب كذبوها علينا حتى صدقناها نحن وصارت كأنها واقع محتوم، رغم أنه لا القرآن ولا سُنة العدنان جاءا بشيء من هذا، بل وجاء القرآن بما ينسف هذا، ولكنه الشعور بالذلة وبالضعف وبالهوان.
لقد وعد الله تعالى بتحرير المسجد الأقصى، وبزوال دولة بني صهيون، ووعد النتن كاذبًا بقيام دولته من الفرات إلى النيل، فيا ترى أي الوعدين أصدق؟! هل نصدق (النتن) في وعده وقد رأينا جنوده الأشاوس يبولون على أنفسهم ويستخدمون الحفاظات أكثر من استخدامهم للمناديل، من جبنهم وخوفهم!
هل نصدق النتن في وعده؟! ونحن ما رأينا اليهود إلا كما وصفهم الله تعالى، ﴿لَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ جَمِیعًا إِلَّا فِی قُرࣰى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَاۤءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَیۡنَهُمۡ شَدِیدࣱۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِیعࣰا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَعۡقِلُونَ﴾ [الحشر: ١٤]. ولولا حبل من الناس بل من كل الناس اليوم لهم لرأينا كيف هي ذلتهم التي كتبها الله عليهم.
وهل تحقق لليهود شيء مما قالوه من قبل؟ فمنذ قيام حماس وهم في كل مرة يقولون: “سنقضي على حماس”. فلا تزداد حماس إلا قوة، وذلك مصداقًا لوعد الله على لسان رسوله ﷺ: “إذا فسدَ أَهْلُ الشَّامِ فلا خيرَ فيكم، لا تَزالُ طائفةٌ من أمَّتي منصورينَ لا يضرُّهم من خذلَهُم حتَّى تقومَ السَّاعةُ”1.
واليوم نفس الأمر ونفس الوعد، فالله وعد المؤمنين بالنصر، إذا جاهدوا الكافرين وجالدوهم، ووعدنا بهلاك الكافرين إذا سرنا وفق سنن الله الكونية. و(النتن) يتوعدنا بالهلاك التام للفئة المؤمنة -وهذا من المحال على الله تعالى لوعده بنصر المؤمنين- وبقيام دولة الظلم والفجور من الفرات للنيل حسب زعمهم. فيا ترى نصدق من؟! فإن كنا نصدق الله تعالى، فأين يقيننا بذلك؟ وأين جهادنا في سبيله؟! وإلى مَن يخشون (النتن) وأمثاله، ويصدقون وعودهم الباطلة، أين أنتم من الإيمان؟!
منعطف تاريخي عظيم
نعم، يوم السابع من أكتوبر يمثل أكبر منعطف تاريخي في العالم بأسره، فبينما البوصلة تتجه لإتمام التطبيع مع بقية الدول الإسلامية، وطبع أقفية هذه الدول بطابع الخزي والعار والذلة والمهانة، وبينما تتجه الصهيونية للهيمنة والسيادة على الشرق الأوسط، يخرج لها من القمقم من يقول لها: كفى! بل ويصفعها أكبر صفعة على القفى، فيذل كبرياءها، ويحطم أحلامها، ويجعلها تفكر في نهايتها، ويرحل الكثير من أبنائها، وينسى الكثيرون منهم أرض الميعاد، فحقًا إنه لمنعطف خطير.
منعطف في السياسات العالمية، وفي موازين القوى، وفي الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد، فأصبحت القضية الفلسطينية هي محور الحديث العالمي بعد أن كادت تُنسَى، وأصبحت حرب الطوفان أشهر حرب في التاريخ الحديث كما كانت في القديم، فغطت على الحرب العالمية المصغرة التي دارت عجلتها في أوكرانيا.
فضلًا عن كونه منعطف في فكر الناس مسلمهم وكافرهم، وتحولِ الكثيرين عالميًا لنصرة القضية الفلسطينية، وانهيار مظلومية الصهاينة التي كانت تسيطر على العقول، وظهورها بصورة الجاني بل والجاني المجرم بعد أن كانت تسوّق أنها المجني عليها، بل وتحول فكر الكثيرين في العالم الإسلامي، وتركوا نظرية اللاممكن إلى الممكن، ومن اللامعقول إلى المعقول، وأصبح فكر الجهاد حاضرًا في الأذهان بعد غيابه، وقضية الأقصى صارت القضية الأولى لدى المسلمين.
وهناك منعطف آخر قد لا يفطن له الكثيرون، وهو منعطف حركات التحرر الوطني في كل دول العالم وخاصة دول إفريقيا التي ظلت مستعمرة لقرون عدة، فهي اليوم تفكر جادة أنه لا حل حقًا إلا في المقاومة، والمقاومة أثبتت فعاليتها، وإن صحبها كثير من التضحيات لكن هذه سنة الله في خلقة، وهي سنة التدافع بين الناس، والتدافع لابد له من ضريبة، لكنه حتمًا يكون في صالح صاحب الحق ما دام مدافعًا عن حقه.
شهر أكتوبر وما أجمله!
هذا الشهر صار يحمل لنا الذكريات الجميلة، فمن يوم السادس من أكتوبر وتحطيم خط (بارليف)، وإزالة الساتر الترابي، ووقوف (جولدا مائير) تبكي بحرقة وتستغيث بأمريكا، والعبور العظيم لجيش مصر بقيادة سعد الدين الشاذلي -رحمه الله- وصيحة “الله أكبر” المدوية في سماء سيناء ومصر كلها، والفرحة الغامرة ساعتها لكل عربي ولكل مسلم بالإنجاز العظيم، رغم ما تلاه من عمالة وخيانة وتطبيع مذل، ليأتي شهر أكتوبر أيضًا بالقضاء على من طبع وخان القضية.
فمن نصر السادس إلى نصر السابع من أكتوبر -ولا مقارنة عندي بينهما- لأن نصر السابع كان في دائرة المستحيل فتحول للمكن ثم للمحقق، ونتائجه أجمل وأحلى وأعظم من الأول، واستمرارية المقاومة بعده والانتصارات الجميلة التي تلته.. جعلته أحلى طعمًا، فصمود المقاومة عامًا كاملًا أمام العالم بأسره لهو والله أعظم إنجاز، ونصر ما بعده نصر، فضلًا عن أن المقاومة لا نية عندها للخذلان ولا التطبيع ولا للاستسلام -حفظهم الله تعالى- كل هذا يجعلنا حقًا نفتخر بيوم السابع من أكتوبر.
وضوح الرؤية بالنسبة للحكام
إن الطوفان الذي غمر أرض فلسطين خاصة، ووصل مداه لكل بقعة في الأرض عامة، قد كان طوفانًا كاشفًا، وطوفانًا لا يحابي أحدًا ولو كان يدّعي مَن يدعي تلبيسًا على الناس، فابن نوح الذي رفض الحق أغرقه الطوفان ولم يقل الطوفان: إن أبا كنعان -إن صح هذا الاسم له- هو نبي الزمان، وهو أول أولي العزم من الرسل -من حيث التاريخ- ورغم أن كنعان ظن أن الجبل الذي سيأوي إليه سيعصمه من الماء، ولكن الطوفان كشف زيفه وخداعه وأظهر كفره وعناده، وحال الطوفان بينه وبين أبيه وبين السفينة والنجاة فكان من الهالكين.
واليوم يكشف الطوفان زيف مَن تستروا خلف عباءة فلسطين، وأوهمونا دهرًا أنهم حماة القدس، وقد كانوا يبيعونها سرًا ويتظاهرون بحمايتها جهرًا، عام من الطوفان أظهر من يدعي كاذبًا ممن يقف مع فلسطين حقًا، وإن كان هناك من يحاول عابثًا أن يوهمنا أنه ما زال مع القضية أو ما زال يعمل لصالحها، ولكن الجميع كشف كذبه وخداعه.
وأول من أزال الطوفان الغطاء عن خيانتهم وأظهر سوأتهم هم الحكام، الذين كانوا يصدعوننا بحفاظهم على قضية فلسطين، ويقولون: القدس خط أحمر! لما جاء الطوفان جرفهم فما وجدناهم إلا في صندوق القمامة مع كنعان، وهلكوا معه وإن كانوا على قمة الجبل، وجدنا منهم من يبكي بحرقة على حليفه الصهيوني بدموعه ويترحم عليه وينفق على ذويه ورحمه، ومنهم من أرسل طائراته تساند العدو، بل وظهرت كتائب من بعض الدول تقاتل على أرض فلسطين لكنها -يا للأسف- تقاتل الفلسطينيين، ومنهم من سيّر أسطول المساعدات وما زال يسيره والعالم كله يرى ذلك.
فالحكام هم أول من كشف الطوفان زيفهم، وأظهر الطوفان أنهم لا يمثلوننا ولن يمثلونا، وآن الأوان لاستبدالهم بمن هو أصلح لنا ولأمتنا، وبقاؤهم أكثر يزيد من شقائنا ويصبّ في مصلحة أعدائنا، ووجوب استبدالهم بات واضحًا للعوام قبل الخواص من الناس، فمن يفرط في القدس وفي فلسطين سيفرط في مصر غدًا وفي سوريا بعد غد وفي الأردن بالليل بين اليومين، حتى تتشكل ما يزعمونه بدولتهم العظمى -وهذا خيال لا مكان له- وإن قلنا بإذن الله نقولها تحقيقًا لا تعليقًا، فحكام وجيوش تشارك في إبادة المسلمين وتحاصرهم وتمد عدوهم، فهذه فئة لا خير فيها من البشر، بل هي نبتة خبيثة لا بد من اجتثاثها من فوق الأرض، وهم كزبد سيذهب جفاءً، لكنه ينتظر نفخة صادقة من عباد لا يحبون إلا الدار الآخرة، وكما قال الشاعر عن هؤلاء:
ولسوف تعلم حين ينقشع الغبار *** أفرسٌ كان تحتك أم حمار
فلقد كشف الطوفان عنهم وأظهر أنهم لا يعرفون للفروسية طريقًا، وهم شر من الحمر.
ولا أقصد بوضوح الرؤية هنا أنها لم تكن واضحة، لا والله كانت واضحة منذ زمن بعيد، منذ زمن التطبيع، والخيانات، واستقبال السفراء، والتبادل التجاري، والحميمية التي كانت لا تخفى، وأصحاب البصيرة كانوا يرون هذا، لكن بعض الناس كانت على عينه غشاوة، فكان ما زال يؤمل فيهم خيرًا، أما بعد الطوفان فقد بانت سوأتهم للقاصي والداني، وهذا معنى وضوح الرؤية.
وأخيرًا إنه عام أهل غزة الأبطال
أهل غزة مع ما نالهم من الدمار وما راح منهم من الشهداء ومع ما جُرح منهم، فقد ضاع منهم كل شيء، حقًا كل شيء من متاع الدنيا، لكن بقي لهم الإيمان والأجر والثواب، فهذا اليوم يومهم، والفرحة فرحتهم، وسبحان الله على صبرهم وثباتهم، جزاهم الله عن المقاومة وعن الأقصى وعن فلسطين وعن الإسلام والمسلمين خيرًا، وإنهم ليستحقون أعظم وسام أعطي لشعب في التاريخ، والله أعلم بجزائهم في الآخرة.
إنه يوم من أيام الله أعزّ الله فيه الإسلام، وسيعزّ الله بعده المسلمين، وأذلّ الله فيه أهل الكفر والطغيان، ألا فسيروا على درب الطوفان، فوالله إنها لفرصة عظيمة، نسأل الله تعالى أن يتمها بالنصر العظيم لجميع المسلمين!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صحيح الترمذي عن قرة بن إياس المزني.