
قوات الاحتلال تقصف مدرسة مصطفى حافظ بغزة
يوليو 3, 2025
قوات الاحتلال تقتحم الضفة وسط نزوح عشرات العائلات
يوليو 4, 2025د. حسين عبد العال – عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
إننا على يقين بالله وفي الله تعالى من أن كل شيء بيده، وأنه فعال لما يريد، فإذا أراد أن ينفذ أمرًا سلب من ذوي العقول عقولهم، ومن ذوي العيون بصائرهم، كل ذلك لِيُنْفِذَ أمره كما أراد، قال تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 16].
قال الإمام الطبري في تفسيرها: “لا يمنعه مانع مِنْ فِعْل أراد أن يفعله، ولا يحول بينه وبين ذلك حائل”. وقال الإمام ابن كثير: “﴿فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ أَيْ: مَهْمَا أَرَادَ فِعْلَهُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لِعَظَمَتِهِ وَقَهْرِهِ وَحِكْمَتِهِ”.
ولذلك لا ينبغي لنا تفسير كل حدث يجري حولنا صغيرًا كان أو كبيرًا إلا وفق هذا المعنى، فالله يقدر المقادير ويجري الأفعال بإرادته سبحانه، نحن نفسرها سياسيًا أو اجتماعيًا، تهورًا أو تساهلًا، ذكاءً أو غباءً، المهم كله بقدر الله تعالى.
ومن هنا فإن طوفان الأقصى قدره الله تعالى في هذا الزمان وهذا المكان ليغير به أحداث الكون، ولعلها بشرى خير، وتغيير لصالح الإسلام والمسلمين، فالبقعة التي وقع بها الطوفان بقعة مباركة بنص كتاب الله تعالى، والقوم الذين قاموا بالطوفان مباركون أيضًا وبنص كتاب الله تعالى القائل: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه﴾ [الإسراء: 1]، فقد بارك الله في كل شيء حوله من مال ومتاع وبشر، ويؤكد ذلك جملة أحاديث النبي ﷺ في فضل الشام وأهله، ومن ذلك ما رواه زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “طُوبَى لِلشَّامِ” فَقُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا”.
حتمية التغيير
التغيير سُنة كونية وسنة شرعية، فسُنة كونية تمضي على الناس بأمر الله تعالى، وكم حدث في الكون من تغيير من لدن آدم -عليه السلام- إلى يومنا هذا! وسنة شرعية بأن الله يأمرنا أن نغير ما بأنفسنا ليغير الله أحوالنا لأحسن الأحوال قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]، والآية تدل على أن كل تغيير للنفس يعقبه تغيير من الله للعبد إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وهذا حث للإنسان أن يغير نفسه للخير دائمًا، قال الشيخ الشعراوي -رحمه الله-: “وحين يُغيِّر الناس ما بأنفسهم، ويُصحِّحون إطلاق الإرادة على الجوارح؛ فتنصلح أعمالهم”.
فالتغيير واقع من الله تعالى بقدره الكوني، ومأمور به من قِبل الله تعالى للعبد بأن يغير نفسه للأحسن دائمًا، وأن يحذر من التغيير للأسوأ لسوء عاقبة ذلك، ونحن على أبواب تغيير شامل للأمة بإذن الله تعالى، ويكون تغييرًا للأحسن والأفضل، وفي ذلك دعوة لها كي تغير ما بنفسها لطاعة الله تعالى، ولذا ورد حديث النبي ﷺ مبينًا التغيير الكوني ومبينًا أهمية التغيير للأفضل (التغيير الشرعي) حتى يغير الله حال الأمة كذلك، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ:
كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا يَكُفُّ حَدِيثَهُ، فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ، فَقَالَ: يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ، أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْأُمَرَاءِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ، فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ” ثُمَّ سَكَتَ.
وتلك التي ننتظرها بإذن الله تعالى، ونسأل الله أن نكون من جندها!
طوفان الأقصى والتغيير الحتمي
لقد أحدث طوفان الأقصى تغييرًا جذريًا في هذه البقعة من الأرض، بل في العالم أجمع، وكنا نظن أنه أريد به بداية تحرير القدس وفلسطين من ظلم وجبروت الاحتلال الصهيوني البغيض، ولكننا ما كنا نظن أنه بداية تحرر العالم أجمع من قبضة الصهيونية اللعينة، والبعض يظن أنه سيحدث تغييراً في جغرافية الأرض أو حتى في تاريخها، إلا أن التغيير كان أوسع وأعمق من ذلك بكثير، فقد غيّر الطوفان كل شيء من الممكن تصوره، ومن ذلك:
تغيير عقدي
فكم كانت هناك اعتقادات خاطئة قد تسربت لعقول وقلوب كثير من الناس بحكم الواقع الذي سيطر على العالم عقودًا طويلة، فجاء الطوفان ليرسم لها عقيدة جديدة، من ذلك اعتقاد البعض أن العلمانية هي التي تصلح لزماننا ولا شيء غيرها، فجاء الطوفان ليثبت من جديد أن العلمانية لا تصلح لشيء، وأنه لا راية تعلو فوق راية الإسلام، واعتقاد البعض أن جيش الكيان لا يُقهَر! وأن تسليح الكيان وتدريباته فوق كل العالم، وأن القبة الحديدية تحمي الكيان من كل شيء، هكذا روّجوا بضاعتهم المزجاة فجعلوا منها سلعة غالية عند ضعاف العقول وضعاف الإيمان، فجاء الطوفان لينسف هذه العقيدة، وليعيد للناس عقيدة الحق، والصدق والإيمان بالله تعالى، فوضع جيش الكيان في حجمه، ومرغ بوجه الكيان تراب الأرض، وأذل الكيان في عقر داره، فقهره سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا، وجعل منه مادة للضحك والتفكه عند الناس.
وكان الناس يعتقدون أن (دولة إسرائيل) -إن صح التعبير- صارت واقعًا لا يمكن تغييره، فجعل الطوفان زوالها قاب قوسين أو أدنى. وكان البعض يعتقد موت القضية الفلسطينية، فجعلها الطوفان قضية العالم الأولى على كل المسارات.
والأهم من ذلك، أن الغالبية كانت تؤمن وتعتقد في الديموقراطية وأنها الحل الأوحد، وفي المفاوضات أنها سبيل الحل، فجاء الطوفان ليقول كلمته بأنه لا حل إلا بالجهاد في سبيل الله تعالى، وأن القتال هو الذي يرد الحقوق ويردع المجرم الظالم، وأن الجهاد سيظل ذروة سنام الإسلام إلى يوم الدين. وحرك الطوفان عقيدة حب الجهاد والاستشهاد عند كثير من أبناء الأمة.
تغيير فقهي
فلقد غيّر طوفان الأقصى فقه الأولويات، وفقه الموازنات، وفقه المواءمات، وفقه المآلات، بل وغير ذلك عند العلماء والفقهاء قبل عامة الناس، فأصبحنا نميز بين الفقيه المجاهد والفقيه القاعد، والفقيه المنادي بالجهاد والفقيه المُخَذِّلِ عنه، وظهر فقه من يحمل على الصف وحده رجاء إحداث نكاية في العدو، وفقه الاضطرار وأكل الميتة، وفضل المجاهد الذي تأكله السباع فيحشر من بطونها يوم القيامة، وفقه الدول وعلاقاتها بالكيان، وفقه التطبيع مع العدو، وفقه خيانة المسلمين، وفقه حصار المسلم للمسلم لحساب العدو، وكثير من مسائل الفقه التي كانت تخفى على كثير من الناس، بل كثير من الفقهاء.
تغيير فكري
ينتج فكر المرء دائمًا من المؤثرات التي تواجهه في حياته، ولذا قد يتغير هذا الفكر من حين لآخر حسب هذه المؤثرات، ولقد أحدث الطوفان تغيير في فكر الأمة الإسلامية أو قل قطاعًا عريضًا من أبنائها، بل وأحدث زلزالًا فكريًا عند الغرب نفسه، وأصبح التفكير في حق المستضعف في الرد، وفي كون المقاومة مشروعة، وفي مواجهة المعتدي مهما علا، وفي الوقوف مع المظلوم بشتى الوسائل، وفي اغتصاب الكيان لأرض ليست له، وفي الوقوف الجائر لقوى الغرب مع الكيان المجرم، وفي حق الرد وكيفيته وآلياته، وسبحان الله قد تغير فكر البعض من النقيض للنقيض.
تغيير إعلامي
فقد أثبت الطوفان أن الإعلام هو نصف المعركة، وأن الإعلامي من قلب المعركة هو المستهدف الأول فيها، وأن جهاد الإعلام لا يقل عن جهاد السلاح، وأن الكاميرا تساوي البندقية، وأظهر لنا الطوفان ما يُسمى بالإعلام العسكري والذي يشتاق الناس لسماع أخباره وتوثيقاته، كما جعل لنا من المتحدث العسكري بطلًا ميدانيًا ينتظر الناس كلماته بشغف، ويصدق الناس ما ينقله لدرجة أن العدو ينتظر ما يقول أبو عبيدة، كما أظهر لنا القدرة الإعلامية الاحترافية الفائقة والتي تدربوا عليها كتدريبهم على حمل البندقية، كما أن العلام هو سبب تعاطف العالم مع القضية الفلسطينية وسبب تضامنه معها.
تغيير إنساني حقوقي
لقد غيّر الطوفان إنسانية الإنسان، فأصبح التعاطف مع القضية إنسانيًا شيئًا لافتًا للأنظار، فكم من أهل الكفر اهتموا بالقضية وتعاطفوا معها، وانتقلوا من التعاطف للتظاهر لأجلها، بل وصل الأمر من بعضهم للانتحار من أجل إحياء القضية، وتغيرت إنسانية بعض الساسة فهبوا يعارضون حكوماتهم الكافرة المؤيدة للصهيونية، ويصفونها بالتواطؤ وبالمشاركة في الجريمة، وتحرك الكثيرون حقوقيًا مدافعين عن القضية، ورأينا ما فعلته جنوب إفريقيا من رفع قضية أمام الجنائية الدولية، بل وإصدار حكم من المحكمة غير مسبوق في التاريخ ضد قادة الكيان الصهيوني.
تغيير سياسي
وأما عن الزلزال السياسي والتغييرات السياسية التي أحدثها الطوفان فحدّث ولا حرج، فكم من السياسات تغيرت من النقيض للنقيض، وكم من سياسات جاءت على غير المتوقع سلبًا كان أو إيجابًا، حتى قواعد السياسة طالها التغيير، فكيانات تزول وكيانات تصبح دولًا، ودول تغير سياستها وتعترف بما كانت تجرمه بالأمس، وكيف وضحت سياسة التطفيف والكيل بمكيالين، في حين كم من دولة غيرت سياساتها تجاه الكيان الغاصب وحتى أصبح الكيان منبوذًا عند كثير ممن كانوا يدللونه من قبل، إنها آثار زلزال الطوفان المدمر.
هذا فضلًا عما أحدثه من تغيير واقعي ملموس في فلسطين وما حولها، زالت مستوطنات، وأصبحت الملاجئ مأوى الصهاينة، والملاجئ بيوتهم المفضلة عند الأزمات، فضلًا عن التغييرات خارج فلسطين:
لبنان: انتهت أسطورة حزب الله بعد تصفية قياداته، وربما أصبح أثرًا بعد عين.
سوريا: زال حكم الطاغية الذي أذاق المسلمين كأسًا حنظلًا لسنوات طوال، وانتصرت عليه المقاومة المسلحة، وزال معه حكم المليشيات الرافضية، والقواعد الروسية، وتغييرات كبيرة في المعادلات.
إيران: ومن هذه التغييرات المهمة ما يحدث الآن من حرب بين إيران والكيان الصهيوني، والتي يصعب التكهن بنهايتها ولا بنتيجتها، وهذه الحرب قطعًا من تغييرات الطوفان على المنطقة، كما نؤمن حتمًا أن نتيجتها ستكون على المسلمين خيرًا كثيرًا بإذن الله تعالى، وصمود إيران فيها لأطول فترة هي الخسارة بعينها للكيان الذي بدأ في الانهيار الداخلي والهروب الكبير من أرض الميعاد، إلى أرض لا عودة منها، ونسأل الله لهم تمام الانهيار، حتى تتطهر فلسطين من المحتلين.
هذا فضلًا عما نتوقعه من تغييرات مستقبلية
ونقصد بهذه التغييرات الحتمية تغييرات في الأنظمة العربية، وخاصة المجاور منها لأرض المعركة، فلو قُدر زوال المحتل بإذن الله تعالى، فهذا يعني زوال الكفيل للأنظمة العميلة للصهيونية، ويعني كشف الغطاء عنها بكل أريحية، وساعتها ستكون عرضة للزوال خاصة بعد انكشاف عمالتها أمام شعوبها، وظهور سوأتها بانحيازها المخزي إلى صف المحتل، وتخليها عن أصحاب الحق، بل حصارها لأهل غزة نيابة عن المحتل الغاصب.
وإن غدًا لناظره قريب.