
نحن عشاق الشهادة في سبيل الله
مايو 6, 2024
وحشية النظام الدولي وضرورة فِكاك الأمة
مايو 6, 2024بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه:
قبل السابع من أكتوبر كانت خارطة الساحة السياسية (على مستوى فلسطين، والوطن العربي) واضحة محسومة، مع أقوامٍ نحَّوْا من مفاهيمهم وجود الله تعالى، وإرادته، وبطشَه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين:
- فقد أعلن العالم كله إعلاناً متسارعاً بالخروج على الدين كله، بالاجتهاد في إعلان الكفر، أو الإلحاد دينًا للبشرية، محل دين الله تعالى!
- واتجه العالم كله لتفكيك الأسرة؛ بإحلال أشكالٍ للحياة شيطانية شاذة لعينة، وباستحداث أنظمة تُسمَّى أسرة، لا علاقة لها بالدين ولا الفطرة ولا الأخلاق، واجتهدوا في فرض ذلك على الدنيا كلها: ابتداء من مناهج الصفوف الابتدائية الأولى، وصولًا للإعلام، والأفلام، والقوانين الجبرية، التي تُفرض على الناس، ولا يجرؤون على مخالفتها!
- وتواطأت النظم على أن مجردَ لمزِ الصهيونية وعمل قوم لوط تابوهين لا يجوز المساس بهما؛ وإلا امتدت أيدي المجتمع الدولي، والقانون الدولي، والبنك الدولي، والبلطجة الدولية لخنق من يعترض!
- واجتهدوا في شيطنة الإسلام شيطنةً ضارة ومتسارعة، وأعلنوا رغبتهم في مواجهته واقتلاعه، وجاهرت بذلك الأحزاب اليمينية التي تحكم أمريكا وأوربا الغربية والهند وغيرها، وقبلها المنافِقة الشرقأوسطية!
- وناصَر العالم كله التيارات المعادية للإسلام، وتبناها علنًا؛ خصوصًا الروافض الذين يتمددون في العالم الإسلامي؛ بل في العالم كله، كشجرة الزقوم!
- كما جهر الغرب جهراً صريحاً فجاً لا دبلوماسية فيه بعنصريته المتطرفة في مناسبات كثيرة، ومنها إعلانه السافر دون أي برقع، أن الأوكرانيين ليسوا كغيرهم ممن يدافعون عن حقوقهم؛ لمجرد كونهم بيضًا ملوني العيون!
- وقال السفلة الصهاينة؛ مدعومين من أميركا والغرب والدنيا: إن الفلسطينيين والعرب مجرد حيوانات، ودواب للركوب والتسخير، وأن أرواحهم بلا كرامة، ووجودهم بلا حقوق، وأن استئصالهم وانتهابهم وإذلالهم حق مشروع، وقضية لا نقاش فيها!
- ثم اتجه العالم العربي (المسلم) الذيل الذلول الذليل، اتجاهاً صادماً وسريعًا إلى التطبيع، والارتماء تحت قدم عدو الله وعدوهم!
- وكان الفلسطينيون أشتاتًا، يكيد لهم عباس (وزُلمه) من المتصهينين كذابي أوسلو، يُرصِدون لنقطة الشرف الوحيدة في الجبين العربي (حماس)، ويجتهدون في الإيقاع برجالها، ويكسبون المال من الكيد لها، ويثبِّتون أنفسهم على الكرسي بالتآمر عليها!
- وقبل ذلك كان برنارد لويس عليه من الله ما يستحق، قد رسم خارطة تقسيم ما سماه الشرق الأوسط الجديد، التي قطّع فيها المقطع، وقسّم الدولة الواحدة من دول العرب النشامى الميامين قطعًا، ثلاثًا وأربعًا وخمسًا، على أساس عرقي، أو طائفي، أو ديني! وبدأ التقسيم بالسودان، وأُعدّت السيناريوهات لتقسيم العراق وسوريا ومصر والسعودية وغيرها، وصار هذا شبه مستقر في نفوس مَن يعرفون البواطن!
- وتمادى التبجح الصهيوني بالتمدد من منابع النيل والقرن الأفريقي لخنق مصر، وقتلها عطشًا، ثم الاستعداد لهدم الأقصى، وإعلان ما يسمى بإسرائيل الكبرى، التي التهمت في خارطتها: العراق وسوريا والأردن وفلسطين ومصر حتى غربي النيل، والسعودية حتى الطائف، وجهر بذلك نتنياهو، وأعلنها في مؤتمراته، محددًا حدود إسرائيل الكبرى بقلمه الأزرق العريض أمام العالم، وراغ على حراس الحظائر ضربًا باليمين، وهم صم بكم لا ينطقون، فأقبلوا إليه يزفون، قال: وقّعوا وأنتم ساكتون!
- ولا أنسى هنا ما ورد في تصريح حماس الأخير؛ من أن: “الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين يتعاملون مع إسرائيل منذ إنشائها كـدولة فوق القانون، ويوفّرون الغطاء اللازم لاستمرار احتلالها وقمعها للشعب الفلسطيني، ومصادرة المزيد من أرضه ومقدساته وتهويدها، وفرض ظروف معيشية قاسية وبيئات طاردة! فضلًا عن محاولاتهم المستمرة لتهجير أهل البلاد، وإجبارهم على الرَّحيل عن أرض الوطن. وبالرغم من أنَّ الأمم المتحدة ومؤسساتها أصدرت أكثر من 900 قرار خلال الـ 75 عامًا الماضية لصالح الشعب الفلسطيني؛ إلا أنَّ إسرائيل رفضت تنفيذ أيٍّ منها، وكان الفيتو الأمريكي الغربي دائمًا بالمرصاد ضدّ أيّ محاولة لإلزام دولة الكيان بتنفيذ القرارات، أو إدانة سلوكها. ولذلك فإنَّ هذه الدول متواطئة ومتورطة، وشريك كامل للاحتلال في جرائمه التي لا تتوقف، وفي استمرار معاناة الشعب الفلسطيني”!
- – وكانت فلسطين، هي العقبة، وحماس هي الشوكة في حلوق ألف عدو وعدو!
لكن عميان البصائر لا يفهمون أن لله تعالى أقدارًا، وأنه تعالى غالب على أمره! وأنه ما شاء سبحانه كان، وما لم يشأ لم يكن!
كما أنهم لا يعقلون أن من خصائص أقدار الله أنها واقعة لا محالة؛ فلا تُرد عن القوم المجرمين، وأنها إذا نزلت في موعدٍ فلا تستأخر عنه أو تستقدم، وأنها تأتي بغتة، وأنها لا تُبدّل، وأنها تنهي آمال مَن تجري عليهم من الظالمين، وأن الرضا بها أو التسخط عليها لا يؤثر في وقوعها شيئًا؛ لكنّ “من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”، و”إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان؛ حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك”1. وأن الأقدار إما إنعام، أو ابتلاء، أو انتقام!
وكان في أقدار الله تعالى الماضية أن تأتي (غزوة غزة) قضاء ربانيًّا، غير محتسَب، لـ(تفرمل) كل ما سبق، وتُنسي العالم ما سواها، حتى إن الناس نسوا تمامًا موضوع أوكرانيا، والشذوذ، والتخنيث، والتكفير، والتنصير!
ثم لتنكشف الوجوه القبيحة: وجوه الصليبيين الإنجيليين، ووجوه المطبعين والمتصهينين، ووجوه المتواطئين والمعاونين، ووجوه العنصريين العرقيين، ووجوه المثبطين المخذلين، ووجه الشعوب الرافضة للذلة، وللتآمر العالمي ضد بيت المقدس!
وكان في قضاء الله تعالى وتقديره أن تقوم (موقعة غزة)، في وجه هذا كله، وتنجح في عرقلته؛ وإنْ بثمن كبير، لعل الله تعالى يتقبله، ويُعقبهم النصر، والحسنى وزيادة!
وإننا إذا عرضنا (غزوة غزة) أو طوفان الأقصى على أمر الله تعالى: (وأعدّوا) لاندهشنا لأن العرب النشامى الغُر الميامين -بخيلهم ورجلهم، وعدتهم وعتادهم، وجيوشهم ومخابراتهم- لم يهزموا الصهاينة في معركة، ولم يُنزلوا بهم نازلة! منذ مؤتمر بال في سويسرا 1897 حتى 2023، أي طوال قرن وربع! فلا غرو أن تنبهر الدنيا بعظمة هذه الفئة القليلة من المؤمنين -نحسبهم والله حسيبنا وحسيبهم- خصوصًا في دقة الإعداد، واختيار التوقيت، والرجال ذوي الصلابة واليقين! والنفس الطويل! وإن حرب الساعات الست والأيام الستة شاهد، بينما هؤلاء لا يزالون يقاتلون وينكون ويوجعون وينتصرون!
- لقد تمت تعبئة وإعداد المقاتلة الغزاويين، عبر الكتائب القرآنية، وعمّار المساجد، ورواد صلاة الفجر، وذوي اليقين المعمق لحد الإدهاش، ليخرج لنا نموذج كتيسير أبو طعيمة، تقبله الله في الشهداء، الذي دمر ميركافات عديدة، وأنكى في أعداء الله تعالى، ثم ركض كالغزال بعد نجاحه؛ لتطارده مسيَّرة، وتصيبه في مقتل، فيأبى إلا أن يستعلي بإيمانه، ويريهم ثباته، ويحرق قلوبهم، فيرفع أصبعه يشهد بالوحدانية مرات، ثم يتحامل، ليسقط ساجدًا، ويكون بثهم لهذا الفيديو أعظم تكريم له، وليثبت ذلك أن المقاتل المسلم الواحد عند الاضطرار أقوى من عشرة من أعداء الله تعالى مجتمعين! تقبله الله في الصالحين!
- ولقد تمت تهيئة عامة الغزاويين لكل النتائج المتوقعة، والثمن الكبير الذي سيدفعونه؛ مهما كان صادمًا، فرضوا بالبيع، وناصروا الغزوة، واطمأنوا بها، حتى رأينا مَن تفخر باستشهاد أبنائها أجمعين، والذي فقد ابنه وهو يثبِّت الآخرين: “ما تعيطش يا زلمة.. احنا كلنا مشاريع شهادة”، وهذا الذي يقاتل بكاميرته، ويفقد ابنه وأهله، ويصاب في بدنه ويواصل التغطية، وهو يقول “معلهش”، والنماذج أكثر من أن تُحصى، وكلها تذكرنا بثبات السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين!
- ولقد تم الإعداد المخابراتي الذكي، خصوصًا السيبراني، فاخترقوا أقوى أرشيفات الصهاينة، واستولوا على الخطط، وعرفوا أسماء العملاء، والمتعاونين، وتفاصيل الجيش، حتى بات العدو لهم مكشوفًا، مفضوحًا!
- ولقد تم الإعداد الإعلامي الذكي، وتصوير وتغطية حملاتهم المظفرة، وسبْق عدوهم دائمًا بخطوة، حتى كسبوا تعاطف عشرات الملايين ممن كانوا يَعتبرون الفلسطينيين مصاصي دماء، وحتى أقبل على القرآن ألوف، وعلى الإسلام ألوف! وحتى دفعوا مئات من الأسماء الإعلامية اللامعة عالميًّا، للدفاع عن فلسطين، ومواجهة الانحياز الصليبي المتصهين!
- ولقد تم إعداد السلاح الذي يمكن أن يقاتلوا به شهورًا، وهو -وإن لا يكافئ سلاح العدو كثرة وتطورًا- يُنكي، ويوجع، ويثير جنون نتنياهو ومجلس حربه، ويؤلب عليه جيشه، ومعارضته، وشعبه كله! كما رتب الأبطال أنفسهم لحرب طويلة؛ لا ست ساعات أو ستة أيام! والأهم أنهم صنعوا أسلحتهم، لأنهم يعلمون أن الدنيا كلها ضدهم، بمن فيها أبناء عمومتهم من نسل قابيل!
- ولقد تم إعداد المؤن، قدر الجهد في بلد محاصر، وسجن واسع!
لقد انتصرت حماس بشهداة الخبراء في الدنيا؛ فلم تُوقِع إسرائيل بقادتها ولا أفرادها، ولم تخترقها، ولم تستعد أسراها، وأسفر الكيان عن نازيته البغيضة!
وأبطلت أكذوبة أن فلسطين أرض بلا شعب، بل هي موطن الأبطال العماليق!
وأكدت أن أعداء الله تعالى: ﴿لَا یَرۡقُبُونَ فِی مُؤۡمِنٍ إِلࣰّا وَلَا ذِمَّةࣰۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ﴾ [التوبة: ١٠].
وأكدت البربرية التلمودية والروح الاستئصالية التي يتقربون بها لإلههم الشرير: “وحرَّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف! وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها”! (يش 6: 21، 24)، “ودخلوا المدينة وأخذوها وأسرعوا وأحرقوا المدينة بالنار؛ فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء اثني عشر ألفًا جميع أهل عاي، ويشوع لم يرد يده بالمزراق حتى حرَّم جميع سكان عاي! وأحرق يشوع عاي وجعلها تلًّا أبديًّا خرابًا إلى هذا اليوم”! (يش 8: 19-28)، “الضرب بحد السيف، وتحريم كل نفس؛ حتى لم يبقَ شارد؛ وذلك في اقتحام مقيدة، ولبنة، ولخيش، وعجلون، وحبرون، ودبير، وكل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح” (يش 10: 28، 30، 32، 35، 37، 38، 39، 40، “ضربوا كل نفس بحد السيف، حرَّموهم ولم تبقَ نسمة، وأُحرق حاصور بالنار! فأخذ يشوع كل مدن أولئك الملوك وجميع ملوكها وضربهم بحد السيف! حرَّمهم كما أمر موسى عبد الرب” (يش 11: 11، 12)2.
وأظنهم يخططون –بتواطئ عالمي وعربي- لتصفية غزة نهائيًّا، بسلبها قوتها، وتدمير بنيتها، واستئصال صغارها، وإنهاك نسائها، وشيوخها، وتدمير صحة أهلها، ونشر العاهات والأمراض فيما بين سكانها، ثم تشريد من بقي، وتفريقهم أيادي سبأ!
لكنني أعود وأقول ما قلته قبل: إن عميان البصائر لا يفهمون أن لله تعالى أقدارًا، وإنه تعالى غالب على أمره! وإنه ناصر عباده، وإنه ما شاء سبحانه كان، وما لم يشأ لم يكن!
والخلاصة أنه –مهما كانت النتائج، لن يكون العالم قبل طوفان الأقصى هو العالم بعده! فاللهم ثبت أقدامهم، وأمدهم بمددك، وتوج جهادهم بنصرهم الذي وعدت عبادك! يا رب العالمين!
ـــــــــــــــــ
1 أبو داود: 4699.
2 st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/910.html