
بيان الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ حول العدوان الهندي على باكستان – باللغة الأوردية
مايو 8, 2025
بيان للناس من كبار علماء الأزهر
مايو 8, 2025هل سمعتم عن شيماء محمد، الملقبة بشامة الخط: البنت الرقيقة الهشة، والقوية الثابتة، والمغالِبة المرابطة، والثابتة على خط المواجهة، والتي هُدم بيتها، وحَيُّها، ومدينتها، وقطاعها كله، ونزحت وعادت، ونزحت، وعاشت في بيت مهدم، وفي خيمة لا تصد البرد والريح، ولا تُكن من المطر المستبيح؟ وافتقدت طاولتها، ومقعدها، وأحبارها، وأوراقها، وأقلامها؛ غير مرة!
والتي صنعت طاولة مضيئة من صحن بايركس، ومن رف زجاجي من ثلاجة خربانة، وصقلت ورقها بأهون الخامات، وأقلها جودة، حتى تتمكن من الكتابة عليها!
هي المقاتلة بخطها الرقعي المميز، رغم حداثة عهدها، وغياب أساتذتها المباشرين، واعتمادها في
الكتابة على نفسها؛ فهي في الحقيقة عصامية تماماً في تعلمها، وإن شجعها بعضهم بكلمة، أو بثناء، أو بملحوظة فنية، من بعيد!
عاهدتها بعد وقت قصير من 7 أكتوبر 2023 أن تكتب كل يوم لوحة، تترجم بها للواقع المر، وتثبِّت بها قلوب من حولها، وتشد بها عزيمة نفسها، وتواصل تأصيل موهبتها، فوفت بوعدها؛ ولم تتخلف تقريباً إلا عند اشتداد القصف، وكلَب العدو، وسيطرة الرعب، وانطفاء النور، وفقد الأدوات!
كانت تعمل في إحدى المؤسسات التطريز الفلاحي الفلسطيني التي تهتم بإقامة الدورات المتنوعة للسيدات فشاركت في عدة منها، وتعلمت التطريز والتصوير والتصميم ومبادئ المونتاج البسيط. وكان أن أعلنت المؤسسة عن إطلاق دورة للخط العربي فتحمست، وتمنت من قلبها أن تُشركها المؤسسة في الدورة بالمجان؛ ودون أية رسوم (مهما بدت بسيطة) بسبب ظروفها الصعبة وفعلا شاركت. تقول:
“بدأت بالدورة مع زميلاتي وكنت أنتظر الدرس يوماً بيوم، وكنت إذا غاب الأستاذ تصيبني غصة في قلبي من شدة حماسي! كانت الدورة قصيرة؛ مدتها شهر واحد! لا تكفي لتعلم حرف؛ ولا أخفيك أني كنت كل مرة أكتب مع الأستاذ الدرس، ثم أهرع للمنزل لأكتب عبارة، وأوثقها بتوقيعي، وأنشرها بكل ثقة، لشدة ولعي بما أنا فيه!
كانت هذه الدورة بداية انطلاقي الحقيقي! فبدأت ألتقط معلومة من هنا ومعلومة من هناك عن قواعد الرقعة، وأصول الكتابة، والأدوات، وعن البارعين في هذا الفن، من عوام، ظننتهم خبراء بالخط؛ إلى أن تعرفت على الأستاذ هيثم الأسطل الذي من خلاله بدأت أضبط زاوية رؤيتي، وألملم شتات معلوماتي وأدائي، وقد وقف معي وقفة جادة، أفدت منها كثيراً، ولا يزال.
وذات مناسبة أصر أستاذي على أن أشارك في معرض للخط في غزة، ففرحت فرحة عارمة؛ فقد كنت آنذاك خطاطة مبتدئة لكنني غامرت وشاركت. وكانت أسعد فرصة في حياتي؛ إذ تعرفت من خلالها على الخط بشكل كبير ودقيق، واقتربت من ثلة مميزة من خطاطي غزة وفلسطين، ومنهم الأساتذة: إيهاب ثابت، وناصر المجايدة، وعبد الرحمن عسلية، ومحمد ميقاتي وهيثم الأسطل، والدكتور محمود عبد اللطيف، والحبيبة الشهيدة سحر عاطف الحصري التي اغتالتها صواريخ المحتل في الثامن من رمضان/ الثامن عشر من مارس عام 2024، رحمها الله تعالى ورحمنا والمسلمين!
واستمر المعرض يومين وفي الثالث وزعت الشهادات على الخطاطين، وعندما ذكروا اسمي رقص قلبي فرحاً وطرباً وخجلاً وخوفاً وتوتراً، فتقدمت لاستلامها وأنا أسمع ثناءهم عليّ بشكل كبير، وكأني خطاطة قديمة متمرسة، لا مبتدئة حديثة العهد بالخط!”.
**
انتهى المعرض ولم ينتهِ طموح شيماء؛ التي طلب منها بعض الأساتذة أن تواصل الاهتمام بخط الرقعة، ولا تشتت نفسها في التدرب على أكثر من خط؛ حتى تضمن الإتقان، وبعدها تنتقل بهدوء لخط جديد.
**
“وفي هذه الأثناء تعرفت على الخطاط السوري، الأستاذ أحمد الأغا والأستاذ المصري أحمد عادل، ليوجهاني إلى الطريقة الصحيحة!
كما استفدت من توجيهات الأب العزيز الدكتور عبد السلام البسيوني الذي تعرفت عليه من خلال مشاركتي وانضمامي لعضوية قسم الفنون التشكيلية بالرابطة العالمية للفنون، التي يرأسها المنشد العملاق أبو راتب و(كانت قدم السعد والهنا عليّ). فشاركت أكثر من مرة برنامج ليالي إنشادية رمضانية، بموهبتي في الخط، بكتابة (بوستر) البرنامج، وأسماء المنشدين والضيوف. كنا لا تمر بنا سنتان إلا ونبتلى بحرب مباغتة، نفقد فيها الحبيب والصديق والقريب والجار؛ إلى جانب الدمار الكبير في المنازل!
وأذكر ذات رمضان، أثناء عرض برنامج ليالٍ إنشادية أن طلب مني د. فريد سرسك كتابة (البوستر) وبعض الأسماء و(الكباشن)، وكان القصف شديدًا؛ ومع هذا فلم أعتذر عن الكتابة بسبب القصف؛ وشاركت رغم خوفي الكبير من أصوات الانفجارات والصواريخ والقذائف والزنانات التي كان تحيط بنا!
وفي هذه الأجواء العصيبة الحافلة بالرعب والصراخ والدماء والقصف والخوف حصلت على عدة شهادات في خط الرقعة، من أكثر من مكان من دورات (الأون لاين).
على غير ارتقاب باغتتنا الحرب اللعينة على غزة في أكتوبر 2024، وهي حرب شرسة حرب طاحنة لم يسبق لها مثيل في قسوتها.
بدأت الحرب وبدأنا نعيش على مدار الثانية خوفاً مختلفاً عما مر بنا؛ فكانت الساعة تمر بنا كأنها عام: تشتتنا من خلالها بالنزوح والتشرد هنا وهناك؛ إذ لم نكن نعرف حجم الخوف في كل مكان ننزح إليه حتى أيقنا أنه في ظل هذا الاحتلال الهمجي لا مكان آمنًا إلا في الجنة!
وكانت مرحلة النزوح المرة تلو المرة جداً جداً صعبة علينا؛ وأرهقتنا أيما إرهاق؛ فلقد نزحنا لأكثر من مكان. وكنا تتحرك إلى المجهول والعدم! فلا ماء ولا كهرباء ولا مرافق، ولا سقوف تظلنا، ولا جدران تصد عنا البرد والمطر والريح والوجع!
في هذه الفترة انقطعت عن الكتابة رغمًا عني؛ لأننا في كل حركة نزوح لم نكن نحمل معنا كل ما نريد؛ بل ما نطيق من الأشياء الضرورية! فكنت أمضي تاركة خلفي مكتبي وأحباري وأوراقي وأدواتي، وعالمي الذي لم أرَ أجمل منه، وأحب لقلبي!
وبعد هذا النزوح المشتت لنا ولأهلنا جميعاً في القطاع صدر أمر عام بإخلاء أكبر منطقة في المدينة، وشمل هذا الإخلاء بيتنا وكل الحي والأحياء المجاورة، واضطررنا مباشرة إلى أن نجهز ما استطعنا من أهم أشيائنا من مأكل ومشرب وملبس وأدوات ضرورية جداً، ليس منها بالتأكيد أدوات الخط!
نزحنا إلى المواصي في الخيام، حيث أدركت أنه لا بد أن أرجع للكتابة، وألا أضيع وقتاً أكثر!
وبصعوبة شديدة استخدمت قلماً عادياً، وورق دفتر تصعب الكتابة عليه، لأكتب بلا إمكانيات؛ لكوني بعيدة عن أدواتي وعالمي!
المهم أنى رجعت للتمارين وفق ما تتيحه نفسيتي ومزاجي المتقلب. ومرت الأيام الصعبة ونحن في الخيام، ولما تسلل إخوتي لبيتنا لجلب أغراضي معها أدوات الخط فوجئوا أن المحتل الحقير عاث في البيت تخريباً وإفساداً، وكسر الأشياء، وفقدت معظم الأوراق والأحبار؛ غير أدوات بسيطة.
عاودت ممارسة هوايتي بنفسية محطمة؛ لكني أصررت على الكتابة التي كانت تخرجني من الكآبة والإحباط، وتحسن المزاج قليلاً بفضل الله! وأكملنا شهرين ونصفًا ونحن نازحون بخيمة مقابل شاطئ البحر تماماً!
⦁ رغم كل الظروف والخوف الكبير من الزوارق التي كانت تقصف المكان كل لحظة إلا أن الجلوس أمام البحر كان يمدني بطاقة إيجابية، فتابعت التمارين كل يوم، وظللت أكتب وأصور أمام الشاطئ، وأخزن الصور بهاتفي، إلى حين تسمح الفرصة للبحث على النت لأتابع ما يدور حولنا وأشارك ما كتبت من معاناتنا مع العالم البائس.
كانت المعاناة شديدة جداً؛ إذ قُطعت الكهرباء تماما عن غزة مع بداية الحرب وكان شحن الهواتف أمرا صعبًا! وكم (أذلنا) بعض الناس الذي يملكون ألواح طاقة شمسية لنشحن عندهم هواتفنا، فاضطررت للشحن (بفلوس) زمنا غير قصير؛ إلى أن أكرمنا الله بشخص كريم تبرع لنا بخلية شمسية، أشحن منها وأهلي والجيران؛ وأنا بحكم كوني خطاطة وتواصلي الخارجي أكبر من غيري كنت أعاني أشد المعاناة وأسير مسافات طويلة جدا علي قدمي؛ حتى أعثر على شبكة نت لأشحن، وأُطمئن كل من يسأل عني وعن أهلي وغزة عامة، بينما أخفى الكثير من المعاناة الخوف والقلق والرعب من القصف واحتمال التشرد والدمار والجوع الكبير.
انقطع النت بغزة نحو ثلاثة أسابيع فعشت كل لحظة طوالها بخوف مضاعف؛ ليس على نفسي بل على كل من يسأل عن أخباري، ولا يجد سبيلاً للاطمئنان! لهذا كنت أعد الدقائق انتظارا لعودة النت، ولجأت للذهاب لرفح لأن الحال فيها كان آنئذ أفضل وفيها معظم النازحين من الشمال. ذهبت إليها متلعفة، وشريت بطاقة نت لأجد سيلاً من الرسائل تنتظرني ومعظمها من مقربين جداً مني، ورأيت حجم الخوف والقلق عليّ، ما جعلني أحس فعلاً (أن الدنيا لسا بخير وف ناس لسا عندها نخوة) ومستعدة تسأل عنّي دون كلل، ونحن في حالة الحرب هذه.
وفي المنطقة التي نزحنا إليها شبكوا نت في كافيه للعائلات على شاطئ بحر غزة، فكان الناس يومياً يذهبون إليه للتواصل والاطمئنان وسماع الأخبار، فكنت أذهب لأجلس أمام البحر على طاولة بعينها بعد أذان العصر! ثم بدأت بجلب أدواتي معي، وبدأت أكتب وأتمرن، وأتصفح الأخبار، وعيني على البحر إلى حين غروب الشمس؛ لأعود بعدها لخيمتي. وبقيت هناك حتى قرر الأهل العودة لمنزلنا بعد أن اشتد حر الصيف علينا.
وكان الاحتلال وقتها قد انسحب من المنطقة التي كان يحتلها من المدينة فأخذ الناس يعودون متخوفين من الغدر والقصف، وبدهي أن الخوف كان وارداً، لكننا توكلنا على الله وقررنا -رغم كل الظروف والتحديات- العودة للبيت المدمر جزئياً!
وعدنا للبيت وبدأنا لملمة شتاته، وترتيبه قدر جهدنا، وعشنا فيه في ظل خوف متواصل مضاعف عن خوفنا في الخيام؛ لكننا تأقلمنا وعشنا!
⦁ نواجه الآن قصفا مختلفًا مخيفًا ومرعبًا؛ لأن معظم بيوت الحي مجرفة، لذا فإن صوت القصف يحدث صدًى مخيفًا مرعباً!
⦁ المهم أننا عشنا ومرت الأيام، وعن نفسي بدأت بلملمة شتات همتي، وحاولت جاهدة أن أرجع مكتبي كما كان؛ حتى أعود لعالمي وأكتب من جديد، ولعلي نجحت بعض الشيء بيقيني أن من رحم المعاناة يولد الأمل! وقد ساندني في ذلك بعض الزملاء الكرام، الذين كانوا سندًا لي بنصائحهم الثمينة؛ وحفزهم إياي لأكتب وأتابع، وأوصل صوتي رغم كل الظروف!
⦁ أخذت في البحث عن ورق لأتابع الكتابة والتمارين؛ فلا ورق عندي، والمعابر مغلقة، ولا مكان بغزة يبيع أغراض الخط لأتمكن من الشراء بعد قصفها كلها!
وبعد معاناة بحث طويل عن ورق عادي لا يصلح للكتابة عليه، لا ورق خط، وقد كانت في ذهني طريقة بسيطة لتجهيزه للكتابة! المهم أنني وجدت مكتبة تبيع ورق الطباعة العادي A4 فاشتريت كمية قلية منه بسعر مضاعف جنوني للأسف، بسبب احتكار التجار!
كانت عندي من قبل الحرب علبة غراء أبيض أستخدمه لنفس الغرض، والحمد لله أنه نجا من القصف ليعينني قليلاً في تهيئة الأوراق للكتابة، كانت الكمية قليلة، ولا تكفي لكن استطعت تهيئة نحو ٤٠ ورقة؛ فكسرت الغراء بالماء بعض الشيء، وأخذت أدهن به الورق ورقة ورقة وأنشفه تماماً، ثم صقلته ونعَّمته وحففته بكاسة زجاجية؛ حتى يصلح للكتابة، وبحثت عن بودرة أطفال لأمسح بها الورقة لينساب عليها الحبر، وعدت من جديد لعالمي المتواضع بعد معاناة وصرت كل يوم أنجز تمرينًا وأجهزة بالصورة والتصميم، وأنزله على صفحاتي في مواقع التواصل: فيس وانستا والواتس!
ولما أنعم الله علينا بالهدنة خمسين يوماً، بدأ الهدوء يعود للقلب شيئاً فشيئاً؛ رغم الغصة الكبيرة
التي تملؤه وجعاً؛ بسبب فقد الكثير من الأحبة الذين غادرونا ورحلوا إلى جنات عرضها السماوات والأرض!
⦁ ذات يوم سمعت عن معرض للخط العربي، في العقبة بالأردن فطرحت فكرة مشاركتي على مسؤول المعرض أ. ياسر جرابعة فرد بالقبول السريع، وأضافني لقروب خاص بالواتس آب، به جميع الخطاطين المشاركين؛ لأتعرف على ثلة مميزة من الخطاطين الأردنيين المبدعين، وبشرني أستاذ ياسر بأن مشاركتي سيكون لها صدى واسع؛ لأنني مشاركة من تحت القصف، مع أن المعرض كان للأردنيين فحسب.
وتفضلاً منهم قبلوا لوحتي (أونلاين)؛ رغم شرطهم بأن اللوحات ترسل بأصلها إليهم؛ فأرسلت لهم لوحة (بي دي إف) كنت قد كتبتها في الحرب بعد عودتنا للمنزل، فطبعوها وعرضوها مع لوحات كبار الخطاطين. لتلقى صدى واسعًا؛ حسبما وصلني من صور وفيديوهات، وأثنى عليها الضيوف والحاضرون لجمالها وإتقان حروفها! كيف لا وهي التي كتبت تحت القصف!
⦁ كُرمت مع الخطاطين المشاركين، ثم شرفني بتسلم اللوحة عني الأستاذ الكبير والخطاط رئيس مؤسسة آرمات عمان الأستاذ غازي خطاب، وزادني تكريماً فاشترى لوحتي ليضعها مع شهادة التكريم في ديوانية الخط العربي في الأردن!
⦁ في (قروب) معرض أمواج للخط العربي في العقبة/ الأردن تعرفت على معلمي أستاذ النسخ إيهاب ثابت فطلبت أن أتتلمذ على يديه، ورغم إعجابه الكبير بي؛ فقد خوفني قائلاً: يا عمي يا شيماء: أنا أستاذ شديد جداً في المعاملة، وممكن ما تقدري على تعليماتي الصارمة!
ومع إصراري الشديد قبِل بي طالبة عنده، ومن خلال تعليمه ومعاملته لاحظت أنه أستاذ راقٍ،
يمتلك قلباً طيباً، ولا يبخل علينا بأية معلومة، ويعلمنا بدقة شديدة لعله يخرج منا طلابُا يستحقون التتلمذ على يده.
⦁ من طرائف ما وجهني أنني سألت الأستاذ الغزاوي الأردني علي الدبش: كيف أحصل على طاولة ضوئية تساعدني على التمارين في النسخ والشفّ (نسخ ورقة من ورقة بمساعدة الضوء) حتى وصلت لفكرة بسيطة جداً، هي وضع ضوءLED (الذي ينتج ضوءًا أكثر كفاءة بنسبة تصل إلى 90% من المصابيح المتوهجة) على المكتب، وإلصاقه بصحن زجاج (بايركس) لتساعدني الإضاءة على الكتابة والنسخ!
كانت الطريقة بسيطة لكنها ناجحة، ونالت استحسان الأستاذ إيهاب، ومن شدة إعجابه كتب بوست عن هذه الفكرة ونسبها لي، ما أسعدني كثيراً!
واستمررت على هذا فترة بسيطة إلى أن هُدينا لفكرة أفضل، بالبحث عن لوح زجاجي، لا يمكن أن يكون موجوداً في غزة بعد دمارها، فأشار عليَّ الأستاذ علي الدبش بالبحث عن رف زجاجي من إحدى الثلاجات المعطوبة بسبب الحرب، فتذكرت واحدة في بيت عمي، وفعلاً استعنت برف ألصقته بالمكتب بشكل مائل وثابت! فسهّل عليَّ الكتابة بأريحية بفضل الله تعالى، والحاجة كما قالوا أم الاختراع!
⦁ في ليلة الثامن عشر من مارس وبشكل مباغت قامت القيامة في غزة بقصف مزلزل ومجنون على القطاع بأكمله، وذهلنا من شدة الضرب. ومن تلك الساعة لليوم ونحن نعيش بغزة في جحيم قصفٍ عنيف متواصل يسقط بسببه شهداء؛ عدا ما نعانيه هذه الأيام من وضع صعب وفقد ومجاعة وحرمان من كل شيء ممكن يخطر، حتى إننا لنعده أصعب بكثير من السنة والنصف التي مرت بنا أول الحرب!
وبديهي أنه يصعب عليّ جداً الاقتراب من مكتبي لأعمق الموهبة التي أحب؛ حتى إنني طوال نحو أربعة أسابيع لم أستطع إنجاز سوى ثلاثة أو أربعة تمارين فقط، وكل ليلة ننطق الشهادتين ونحاول أن ننام، وقلوبنا مشحونة بالرهبة والدعاء من شدة القصف والتدمير، والحمد لله على
كل حال.
⦁ أقصى أمانيّ الآن، أن ينتهي هذا الاحتلال البغيض، وأحيا، وأتقن وأجوِّد، حتى تكون لي بصمة تميزني بين الخطاطين، وأن أواصل تعلم النسخ بكل تفاصيله وأسراره مع الأستاذ إيهاب وأكتب الحلية الشريفة والقرآن الكريم، وأن يكون لي مكتب صغير فيه ما يكفيني من أدوات الخط العربي لأتمكن من المشاركة في المسابقات الدولية!”.