74 طفلاً استشهدوا في غزة خلال أسبوع واحد
يناير 9, 2025سوريا وتحديات التحرير والتعمير
يناير 11, 2025د. حسين عبد العال – عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
بداية نقول: “اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك”، فقد أدهشنا عطاء الله تعالى لأهلنا وإخواننا على أرض سوريا الحبيبة قلب الشام النابض، خاصة وأن هذا العطاء المدهش جاء بعد سنين عجاف مرّت بأهل سوريا، أكلت الأخضر واليابس، واستيأس الناس فيها من النصر وظنوه بعيد المنال، وسبحان الله!
فجأة وبلا مقدمات نسمع عن عملية (ردع العدوان)، تلك العملية التي كان أعظم المشاركين فيها تفاؤلًا يتمنى تحرير بقية ريف إدلب أو قل بعضًا من ريف حلب، وما أن بدأت عملية (ردع العدوان) إلا وكأن ريحًا شديدة هبت على نسيج من بيت العنكبوت فمزقته وشتته مثل رماد في يوم عاصف، وما أن دخل الثوار حلب الشهباء، حتى وجدناهم في حماة المكلومة، ثم في حمص، ثم في دمشق العاصمة في صورة أشبه بالخيال، ولو كانت تمثيلًا لما صدقها الناس!
﴿كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم: 9]
جاء هذا اللفظ في القرآن مع نبي الله زكريا -عليه السلام- لما استغرب مما بشرتْه به الملائكة من أنه سيكون له ولد على الكبر مع كون زوجته عاقرًا، لذلك قال متعجبًا: ﴿رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ ]مريم: 8]، ونفس الأمر مع مريم -عليها السلام- لما بشرها جبريل -عليه السلام- بقوله: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ [مريم: 19]، فإذا بها تستبعد هذا كل البعد إذ ليس من سبب واحد يدعو لهذا؛ فهي شابة عزباء لم تتزوج بعد، وهي تقية ليس للبغاء إليها من سبيل، لذلك ﴿قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ [مريم: 20]، هنا جاءتها الإجابة الشافية الكافية التامة التي لا تحتاج إلى تعقيب، ﴿قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ [مريم: 21].
فيا كل مَن رأى وشهد شيئًا غريبًا لم يتصوره عقله، ولم يستوعبه تفكيره، كمثل ما حدث من نصر عظيم لإخواننا في سوريا، وقبلها بعام ما حدث من نصر في طوفان الأقصى، وقبل ذلك بعامين ما فتح الله به على إخواننا في أفغانستان، فيا كل من كان يستبعد هذا ويراه من ضروب الخيال أو من المستحيلات، أرح نفسك من العناء والتعب ولا تضرب أخماسًا في أسداس، بل قل مؤمنًا بقدرة الله تعالى: ﴿كذلكِ قالَ ربُّكِ﴾.
سوريا مع شدة الألم
لقد عاشت سوريا الحبيبة مع الألم -أو قل مع الآلام والأحزان والأوجاع والآهات- عاشت مع الفقد والخطف والقتل والتعذيب واغتصاب الحرائر، عاشت مع الظلم والجور والفجور والطغيان من حكام نصيريين كفرة لا يرقبون في مسلم إلّاً ولا ذمة، حكام لا يعرفون الحق ولا العدل ولا الرحمة والإنسانية بل ولا حتى البهيمية! إنما هم كالوحوش الضارية في البرية بل الوحوش وربي تستحي من أفعالهم! عاشت سوريا مع كل ذلك دهرًا طويلًا، فهي لم تعرف ذلك منذ الثورة السورية إبان الربيع العربي، لا بل ذلك منذ تولي النصيري الكافر (حافظ القرد) منذ بداية سبعينيات القرن المنصرم، وما أحداث حماة في الثمانينيات من القرن الماضي منا ببعيد، والتي ما زال بعض من سُجنوا فيها داخل زنازينهم إلى يوم انتصار الثوار في معركة (ردع العدوان)! ولولا هذا لما رأوا الشمس مرة أخرى.
فأي ألم كنتِ فيه يا أرض الخلافة الأموية؟ التي أخضعت في زمانها الشرق والغرب والشمال والجنوب لدولة الإسلام، وكان ذلك بالعدل والرحمة.
سوريا مع الأمل الجميل
قد يظن البعض أن سوريا بما حدث فيها من نجاح ثورتها، وانتصارها الساحق على بشار وعصابته المجرمة، يظنون بذلك أن سوريا قد حققت حلمها، والحقيقة أن سوريا إلى الآن ما زالت مع أمل تحقيق الحلم الجميل، فسوريا قد انتقلت من الجهاد الأصغر كما يقولون وهو جهاد السيف ودحر الأعداء، إلى الجهاد الأكبر، وما أدراك ما الجهاد الأكبر، ويقول بعض المتصوفة إن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، وربما اليوم وفقط أوافقهم الرأي، فاليوم مجاهدو سوريا أمام معضلة كبيرة تحتاج لكثير مجاهدة للنفس، وذلك كي يظلوا على قلب رجل واحد، فلو أن حظوظ النفس لعبت بهم أو ببعضهم لتحول حلم سوريا إلى كابوس ثقيل ربما لا تصحو سوريا ثانية بسببه، ولذا فإن سوريا أمام جهاد عظيم هو جهاد النفس وتحتاج لمن يقف معها اليوم مساندًا لها في هذا الجهاد العظيم.
أعداء الثورة
هذا فضلًا عن ميادين الجهاد الأخرى العظيمة والتي لا تقل عن جهاد النفس، ومنها:
- جهاد أعداء سوريا من الداخل (الشبيحة)، وهم أشد خطرًا في نظري من أعداء الخارج، وذلك لأن أعداء الداخل هم من يكشفون العورات ويتصيدون العثرات، ثم إن أعداء الخارج لا يستطيعون تنفيذ شيء إلا بعمالة أعداء الداخل لهم، ومن هنا كان ولابد من الرباط لأعداء الداخل بالمرصاد، وشن حرب ضروس عليهم حتى تنجح الثورة السورية، وأعداء الداخل كثر وهم فرق متعددة، فمنهم بقايا النظام البائد بما في صدورهم من غل وحقد على الثورة الجديدة والدولة الوليدة، فهم من حكموا أكثر من خمسين عامًا بل قل من نهبوا وسرقوا وأجرموا وتمتعوا على حساب آلام الناس أكثر من خمسين عامًا، وهم اليوم يلملمون أوراقهم ويجمعون شعثهم ويحاولون تنظيم أنفسهم بما لديهم من بقايا الدولة العميقة لينقضوا مرة أخرى على الثورة، مستخدمين إثارة الفتن الداخلية وقلة الخدمات التي هم كانوا سببها الأول والأخير، ومستخدمين طيبة الثوار وجنوحهم للعفو والتهدئة فينفذون بذلك أهدافهم الخبيثة.
- ومنهم كذلك أذيال إيران وأذيال حزب الله اللبناني، والذين كانوا يمرحون في الأرض على جثث وأشلاء المسلمين في سوريا، وينهبون من خيراتها لصالح إيران أو لصالح حزب الله في لبنان.
- ومن أشد الأعداء للثورة بالداخل هم الجهال من المسلمين والذين من الممكن شراؤهم بالمال، فهؤلاء ينعقون مع كل ناعق سواء بجهلهم أو بما يدخل جيوبهم، وذلك لوقوفهم في صف المتآمرين على الثورة وتكثير سوادهم، وهؤلاء يحتاجون للفهم أولاً وسرعة الوصول إليهم وتحسين أحوالهم المعيشية ولو بأقل شيء ممكن، مع الوقوف لهم بحزم إذا ما أرادوا الخروج على الثورة.
- ومنها جهاد أعداء الثورة من الخارج، وأعداء الثورة من الخارج كثر لكنهم ليسوا أخطر من أهل الداخل، وهؤلاء لا يعنون الثورة كثيرًا، بل على الثورة أن تداريهم وتصانعهم، ولا تلتفت لهم كثيرًا ولا تعطيهم أكثر من حجمهم، فالثورة فتية قوية ولابد أن تتعامل مع أعداء الخارج باستعلاء وندية، ولا تقدم التنازلات لإرضاء هذا وذاك، فوالله لو صنعت من أصابعها شمعًا وأذابته لإرضاء الغرب ما رضي عنها ولو لحظة واحدة، والتعامل معها من موقف ثقة يبين حجمها ويجعلها هي التي تلهث من خلف الثورة والثوار لنيل رضاهم.
متى تحقق الثورة السورية حلمها؟
على الثورة بذكاء رجالها -لا بكثرة نصائح المخلفين أمثالنا- أن تسارع في عقد الأحلاف والشراكات مع الصادقين من الدول الحليفة، فهم قوة لها وعتاد وعدة، وهم الصادقون في نصحها، والصادقون في دعمها.
وتحقق الثورة حلمها إذا ما استقرت الدولة لها، وشكلت جيشها ونظام الأمن الداخلي لها، وقضت على الثورة المضادة، وشكلت نظام القضاء بها، وقطعت ناحية التنمية شوطًا طيبًا، وشكلت أحلافها بمهارة وذكاء.
هل هناك فرصة للثورة المضادة كمصر مثلًا؟
أرى والله أعلم أن هناك فرقاً كبيراً الآن بين وضع الثورة في مصر والتي نجحت مبدئيًا عام 2012م، وبين الثورة السورية والتي أكرمها الله بالنجاح الآن 2024م، وهذه الفوارق تتمثل في الآتي:
- في مصر كان هناك جيش متآمر على الثورة من يومها الأول، أما في سوريا فقد زال الجيش كله والثورة هي من تشكل الجيش.
- في مصر كانت الداخلية بكل قوتها تعمل ضد الثورة، ولا تنفذ أوامر رئيس الدولة، أما في سوريا فالشرطة الداخلية ملك للثورة.
- في مصر لم يكن للثورة أية قوة ظاهرة، أما في سوريا فلها أكثر من مئة ألف مجاهد يدافعون عنها، فضلًا عن تجنيد مئات الآلاف الأخرى في الوقت القريب.
- في مصر كانت الثورة لا تحظى إلا بتعاطف الشعوب الإسلامية، ولا حكومة ذات فاعلية معها، أما في سوريا فمعها وبجوارها دولة تركيا التي تكاد أن تصبح دولة عظمى بإذن الله تعالى، وهي داعمة للثورة بكل ما تستطيع.
- في مصر ظل الإعلام المغرض يحارب الثورة بكل حرية، أما في سوريا فلا إعلام الآن إلا إعلام الثورة.
- هذا فضلًا عن دراسة الثوار السوريين للتجارب السابقة للثورات في الدول وسبب إجهاضها، وتلاشي أغلب ذلك بإذن الله تعالى.
- كذلك أحسب الشعب السوري الآن أكثر وعيًا من الشعب المصري آنذاك، فلا يتم اللعب عليه كما تم على الشعب المصري، فضلًا عن ثارات الشعب السوري من نظام بشار وزبانيته، ورغبة الشعب في الانتقام من الجزارين السابقين مما يجعلهم أكثر تمسكًا وصبرًا مع الثوار السوريين.
سوريا أعطت الأمل لكل المستضعفين
بعد أن فقد الناس الأمل في ثورات الربيع العربي، وظنوا أنها لا أمل فيها، جاءت انتصارات الثورة السورية -بفضل من الله تعالى- لتعيد الأمل لكل المستضعفين، لنعلم جميعًا أنه لا مستحيل أمام إرادة الله تعالى، وأن البعيد من الممكن أن يصير قريبًا إذا أذن المولى سبحانه، جاءت الثورة السورية بعد طوفان الأقصى، وبعد انتصارات الإمارة الإسلامية في أفغانستان، ليعطي الجميع صورة للعالم أجمع عن طبيعة الإسلام الخلابة، وعن روضة الإسلام الغناء، وعن واحة الإسلام الفسيحة التي تسع الجميع -لا جميع المسلمين- بل جميع الناس على وجه البسيطة، بل وأعطوا للعالم أجمع صورة عظيمة عن عدل الإسلام ورحمته وكيف أنه وحده يعمل على كرامة الإنسان، ويحافظ على حريته وحقه.
وغدًا بإذن الله تعالى تلحق بهم السودان ومصر وكل الدول الإسلامية التي تريد التحرر من طغاتها، اللهم اجعله قريبًا برحمتك، وأتمم على السوريين نعمتك، وامنن على أهل فلسطين بالنصر والتحرر من المحتل الباغي بعزتك وقوتك يا قوي يا متين!