
تحطيم الأصنام أولى طرق التحرر
فبراير 27, 2025
بيان الاتحاد العالمي لمنظمات تركستان الشرقية، حول ترحيل الحكومة التايلاندية للأتراك الأويغور إلى الصين
فبراير 28, 2025علي جاد المولى – كاتب سوري
الثورة السورية ليست مجرد صراع مسلح لإسقاط نظام مستبد، بل هي معركة لاستعادة الهوية الإسلامية وبناء نموذج حضاري يعبر عن روح الأمة. وسط كل هذا، نجد أنفسنا محاصرين في نقاشات حول شكل الحكومة القادمة: هل تكون إسلامية أم علمانية؟ هذا الجدل يعكس تأثيرًا عميقًا للهيمنة الفكرية الغربية التي زرعت في عقولنا ثنائية زائفة Dichotomyبين “الثيوقراطية” و”العلمانية”، وهي ثنائية تنبع من سياق أوروبي خاص لا يمت بصلة إلى الإسلام وتاريخه.
الإسلام والفكر الغربي: فك الاشتباك
إن النقاش حول شكل الحكومة الجديدة في سوريا يكشف عن مدى تغلغل المفاهيم الغربية في ثقافتنا. هذه المفاهيم، مثل Theocracy “الثيوقراطية” و Secularism”العلمانية”، نشأت نتيجة صراع طويل بين الكنيسة الأوروبية وأفكار الحرية والحداثة. في هذا الصراع، فرضت الكنيسة قوانين مقدسة لا علاقة لها بالمسيحية الأصلية، مما أدى إلى ثورة الناس ضدها. لكن هذا السياق يخص التاريخ الأوروبي وحده، ولا يمت بصلة إلى تاريخنا كمسلمين.
الإسلام، على العكس من ذلك، يستمد تشريعاته من الوحي الإلهي، وهو نظام شامل لا يفرق بين الدين والحياة. ومن هنا، فإن إصرارنا على استخدام مصطلحاتهم ومفاهيمهم في نقاشاتنا لا يخدم إلا تعزيز الهيمنة الفكرية الغربية على عقولنا. قال الله تعالى: ﴿إِنۡ هِیَ إِلَّاۤ أَسۡمَاۤءࣱ سَمَّیۡتُمُوهَاۤ أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُم مَّاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَـٰنٍۚ﴾ [النجم: ٢٣].
فهم الواقع الإسلامي
الفرق بين المفاهيم الغربية والإسلامية يتجلى حتى في اللغة نفسها..
كلمة “Reality” في الإنجليزية مشتقة من “Res“، وتعني الأشياء المادية، مما يعكس رؤية مادية بحتة. أما Reality في اللغة العربية فتُترجم إلى “الواقع” أو “الحقيقة“، والحقيقة مشتقة من “الحق“، والحق هو اسم من أسماء الله عز وجل، مما يعكس رؤية إسلامية ترى الحقيقة متصلة بخالق هذا الكون والمتفرد بحكمه.
هذا التباين يوضح لماذا لا يمكننا استيراد نماذجهم كما هي، لأن واقعنا الإسلامي قائم على تصور مختلف للكون والحياة. الإسلام ليس مجرد نظام حكم، بل هو طريقة حياة تُبنى على تحقيق العدل، وحفظ الكرامة الإنسانية، وربط الإنسان بخالقه في كل عمل يقوم به.
سوريا: تجاوز الثنائية الزائفة
إن النقاش حول شكل الحكومة في سوريا يجب أن ينطلق من مبادئ الإسلام لا من صراعات الغرب. الإسلام لا يفرض نموذجًا واحدًا للحكم على كل زمان ومكان، بل يترك مساحة للاجتهاد. قال الله تعالى ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩]. هذا العُرف يختلف من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر، مما يجعل الإسلام دينًا مرنًا قادرًا على التكيف مع اختلاف الظروف.
النموذج الإسلامي لا يعتمد على شكل محدد للحكم، بل على تحقيق أهدافه: العدل، والشورى، ورعاية مصالح الناس. فالاختلاف بين المسلم العربي والمسلم التركي أو الآسيوي في تفاصيل العادات لا يلغي الوحدة داخل الإطار الإسلامي الواسع.
الفهم الخاطئ والتحديات
محاولة فرض النظم الغربية على مجتمعاتنا تؤدي إلى مشاكل أكبر من التي نحاول حلها. الغرب نفسه لم يتخلص من هيمنة الكنيسة إلا ليستبدلها بهيمنة قوانين وضعية وضعها البشر أنفسهم. هذه القوانين قد تختلف في مصدرها، لكنها تظل بشرية ومحدودة. في المقابل، نحن كمسلمين نستمد قوانيننا من الوحي، وهي متصلة بالمطلق الذي لا يعتريه نقص.
إن التمسك بالعلمانية كنموذج عالمي، كما لو كانت الحل الوحيد، هو في الحقيقة صنم جديد. الغرب قد استبدل الكنيسة بالبرلمانات، لكن الجوهر لم يتغير: بشر يضعون القوانين وفقًا لأهوائهم. فلماذا نرى هذا النموذج وكأنه نهاية التاريخ؟ ولماذا نحاول تقليدهم في حين أن لدينا نموذجًا أكثر عدالة وشمولية؟
الحل: اجتهاد إسلامي معاصر
الحل لا يكمن في اختيار بين “الثيوقراطية” أو “العلمانية”، بل في بناء نموذج ينبع من مبادئ الإسلام ويتكيف مع احتياجات العصر. الإسلام يترك مساحة واسعة للاجتهاد، وفقه الواقع والأولويات يجب أن يكون جزءًا من هذا النقاش. لا يمكننا فرض نموذج واحد على كل المجتمعات الإسلامية، بل يجب أن يكون هناك تنوع يتناسب مع اختلاف الشعوب وظروفهم.
في سوريا، يجب أن يكون النقاش حول الحكومة الجديدة نقاشًا إسلاميًا خالصًا، بعيدًا عن مفاهيم الغرب. المهم ليس الاسم أو الشكل، بل المضمون: هل يحقق النظام العدل؟ هل يحفظ كرامة الناس؟ هل يتوافق مع مبادئ الشريعة؟
الختام
لقد حان الوقت لتحرير عقولنا من هيمنة المفاهيم الغربية، والعودة إلى أصولنا الإسلامية التي تتيح لنا بناء نظم سياسية واقتصادية واجتماعية تعبر عن هويتنا. الإسلام دين واسع، يضع حدودًا واضحة لكنه يترك مساحة للإبداع والاجتهاد.
سوريا اليوم أمام فرصة تاريخية لتقديم نموذج حضاري جديد يعكس قيم الإسلام وروحه. فلنتجاوز صراعات المسميات، ولنركز على بناء واقع إسلامي يعيد للأمة مكانتها ويحقق العدل الذي تنشده البشرية جمعاء.