
المقاومة بين يسوع المسيح* ومحمد ﷺ
يوليو 5, 2025
معركتنا مع الصهيوصليبية
يوليو 6, 2025الشيخ حسن الخطيب
عضو رابطة علماء فلسطين
بعد أكثر من ستمائة وعشرين يوماً من الخذلان والتثبيط والتحبيط ومشاركة العدو في الطغيان والعدوان؛ يسأل المرء نفسه: لماذا خذلنا العرب والمسلمون؟
لماذا لم يتحركوا حتى إعلامياً لينصرونا؟ قد يفهم المرء أو يتفهم، فنقول: لعلهم ضعفاء؛ لا حول لهم ولا قوة! لكن لماذا كان هذا الطغيان في الخذلان؟
إن عدم قدرتهم على النصرة والتأييد! لا يعطيهم الحق مطلقاً على خذلان إخوانهم المسلمين وأهليهم.. أقل ما يمكن عمله هو نصرتهم بالكلمة أو بالدعاء. والذي لا يمكن أن نفهمه أو نتفهمه، كل هذا الخذلان وهذا الطعن وهذا التثبيط.. وهذا السعي على معظم القنوات العربية والإعلامية لبث سموم الوهن وأراجيف الضعف وصرخات التضجر والملل؟ الأراجيف التي تتمركز على عدم قدرة المقاومة على مواجهة هذا (الكيان المصطنع) ويُتْبِعُون ذلك ببث روح الضعف والهوان؛ فإنه (أي: هذا الكيان) متغول بكافة أسلحته؛ مدعوم من كل قوى (الشر في العالم).
كما أن أراجيفهم تنصب حول عدم صلاحية وصوابية وقدرة المقاومة، (حسب زعمهم) على هذه المواجهة؛ لأسباب واهية وأن خسائرنا كلها كانت بسبب تهور المقاومة كما يدعون!
في حين لو أن كل عربي مسلم قام بواجبه ونخوته، ودافع عن قضية فلسطين دفاعه عن نفسه ووطنه وقضيته، واستجمع فقط إرادته وواجبه الديني لكفى.. وما تجبر علينا العدو وما طغى.. لكنه منطق المنافقين منذ زمن الدعوة الأول هو نفسه لا يتغير؛ قال الله تعالى:
﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤٩].
وقوله تعالى:﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * ٱلَّذِينَ قَالُواْ لِإِخْوَٰنِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْ ۗ قُلْ فَٱدْرَءُواْ عَنْ أَنفُسِكُمُ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٧- ١٦٨].
وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٥٦].
هم لم ينصروا أهل غزة وحسب؛ بل خذلوهم أشد الخذلان، والأشد من ذلك أن عدداً كبيراً من المتخاذلين وقفوا في صف: ﴿أشدَّ النَّاسِ عَدَاوةً لِلَّذِينَ آمَنُوا…﴾ [المائدة: ٨٢]؛ ومنهم من أرسل جنوده للعدو ليحاربوا ضدنا!
وقبل أن نخوض في أسباب الخذلان وحقيقته لا بد أن نضع بعض الحقائق والأسس الإيمانية في مواجهة المجرمين من المعتدين والمتخاذلين، حتى لا يضرنا خذلان من خذلنا، ولا عدوان من خالفنا.
بعض الحقائق الإيمانية في مواجهة الخذلان والعدوان
أولاً: الصبر على اللأواء والرضا بالمصاب
لا بد أن نكون من المؤمنين الصادقين الذين يؤمنون بالله ورسوله؛ فإذا ما أصابنا شيء لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا؛ قال الله تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ٥١].
وقال النبي ﷺ: “واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف”.
ثانياً: الموت قدر الله في المخلوق لا يتقدم ولا يتأخر
قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥].
وأن الموت أجل محتوم ومكانه معلوم، ولا يمنعنا عنه شيء أو أي أحد؛ لأنه بيد الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨].
ويقول الشاعر:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ** ولو رام أسباب السماء بسلم
ثالثاً: سُنة الله ماضية
إن قدر الله مكتوب علينا؛ رضينا أم أبينا، سُنة الله في كل الخلق، كنا على حذر أو غفلة، في سِلم أو حرب؛ على سرير النوم أو الموت؛ سنرى ما كتب الله لنا؛ وكما قيل: “لا يمنع حذر من قدر”.
رابعاً: الرضا بقدر الله والإيمان بخيره وشره
من هنا لا بد أن تكون قلوب المؤمنين راضية مطمئنة بأقدار الله الجارية؛ ومن المعلوم بالدين بالضرورة أن الإيمان بالقدر خيره وشره من أركان الإيمان؛ كما أخبر ﷺ من حديث عمر رضي الله عنه بقوله: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ ﷺ: “أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ والْيَومِ الآخِرِ وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ”، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسانِ، قالَ: “أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ”.
كما أن الإيمان بالقدر خيره وشره يميز المؤمن عن المنافق؛ فالرضا والإيمان.. يميزنا عن أصحاب (اللولوة) (واللكننة)؛ قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين﴾ [آل عمران: ١٦٨].
خامساً: طمأنينة المؤمن بقدر الله دون شك أو ريب
قلوب المؤمنين دائماً مطمئنة راضية بأقدار الله الجارية؛ دون أن يتشكك أو يشكك بمن قاموا بواجبهم الجهادي والإيماني، فمن أهم صفات المؤمنين: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥]؛ حتى لا نسوغ لأنفسنا ولغيرنا أي نوع من التردد أو الشك ينتابنا؛ ولا العجز أو التقاعس والتخاذل يخالطنا أمام جهد المجاهدين وثباتهم وصمودهم وتحديهم.
سادساً: المؤمن الصادق دائماً في صف المجاهدين
قال الله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾ [التوبة: ٩٢]، وقول النبي ﷺ: “إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ”. وَفِي روايَةِ: إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر”.
سابعاً: شهادة الله بالإيمان لمن صُبَّتْ عليهم عداوة اليهود صباً
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوةً لِلّذِينَ آمَنوا الْيَهودَ وَالَّذينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة: ٨٢]؛ فهذه شهادة من الله تعالى بالإيمان لمن ظهرت عليهم عداوةَ اليهود.. وكفى بها من شهادة؛ فليطمئن أهل الابتلاءات والمصائب وليصبروا على عداوة اليهود وكل الحاقدين من المتخاذلين؛ حتى يتحقق وعد الله.
ثامناً: وعد الله بنصرة المؤمنين
طالما التزم المؤمنون بمستلزمات الإيمان وشروطه وأركانه؛ فلا بد أن يتحقق وعد الله بالنصر والتمكين والاستخلاف لعباده المؤمنين؛ قال الله تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: ٥٥].
﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ هذا هو المطلوب الأساس من العبد المؤمن الملتزم بالرضا والصبر والثبات والصمود والثقة بنصر الله ووعده المبين لعباده المؤمنين: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة:٢١].
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلينَ * إِنّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧١- ١٧٣]
فبفضل الله تعالى أن جعل الغلبة له سبحانه وتعالى ولرسله ولعباده المؤمنين؛ فغلبة الله قائمة، ونصره أمر مكتوب ومقدر.. كتب ذلك لنفسه ولرسله عليهم السلام ولعباده المؤمنين، وكذلك التمكين والاستخلاف.
تاسعاً: أهل الإيمان لا يضرهم خذلان المتخاذلين
بذلك يتحقق لأهل الإيمان عدم ضرر المخالفين ولا خذلان المتخاذلين، كما وعدنا الله ورسوله؛ وبالتالي لا بد أن نعلم أن الخذلان الذي حدث لأهل الصدق والإيمان في غزة في الحقيقة إنما هو من أشد الابتلاءات التي يمحص الله بها عباده المؤمنين الصابرين.
حقيقة الخذلان وأسبابه
إن حقيقة الخذلان وأساسه من خلال تتبع الأحداث العربية المعاصرة والسابقة، خاصة فترة الاحتلال الأوروبي للوطن العربي، واستعماره وسلب خيراته واستغلال ثرواته..
ثم ارتأوا تقسيمه بين أهم مُسْتَعْمِرَيْنِ؛ ألا وهما بريطانيا وفرنسا؛ بصفتهما المستعمرَيْن الأساسيين للوطن العربي؛ لذلك انتدبا اثنين من أهم السياسيين والعسكريين لبلديهما وهما:
السير مارك سايكس بريطاني الجنسية. وفرانسوا جورج بيكو فرنسي الجنسية.
وبما أنهما ممثلان لحكومتيهما؛ وقعا اتفاقية ما عرف فيما بعد (اتفاقية سايكس بيكو) سنة ١٩١٦م. وقد صادق على هذه الاتفاقية كل من إيطاليا وروسيا، ليتقاسموا ما تبقى من ميراث الدولة العثمانية المسلمة؛ وقد كان.
فنشأت ولأول مرة دويلات صغيرة تقاسمتها دول الاستعمار الأوروبي؛ بعد أن كنا أمة واحدة ودولة إسلامية يجمعنا دين واحد وكتاب واحد ودستور واحد، دون النظر إلى الأعراق والقوميات المتعددة، والمذاهب المتباينة؛ والديانات المختلفة والتي لم يؤثر هذا كله في وحدة الأمة وقوتها. هذه الدويلات الصغيرة تقاسمها المستعمر البغيض؛ والتي نشأت إثر سقوط الدولة العثمانية بتآمر الدول الاستعمارية واحتلالها؛ حيث كانت الخطوة الأولى في محاولة القضاء على الإسلام والمسلمين إن استطاعوا.
وذلك بالتخلص من دولة الخلافة؛ ليكون تفكيك أمة الإسلام إلى دويلات صغيرة متناحرة؛ بحجة الاستقلال الوطني؛ لتتحقق الأهداف الاستراتيجية لكل دويلة تنشأ فيما بعد؛ حتى لا تعود الأمة الإسلامية العظيمة موحدة كما كانت؛ ولتصبح أمماً صغيرة بلا مقدرات ولا إمكانات، ولتنشغل كل دويلة بقوميتها الجديدة، دون الاهتمام بالدين والخلافة والوحدة الإيمانية.
ليصبح كل شعب من هذه الشعوب الصغيرة، لا يهتم إلا بأمر نفسه دون الاهتمام ببقية إخوانه والشعوب الأخرى من أمته؛ من هنا بدأ الخذلان وظهرت حقيقته؛ ليكون ذلك أول وأهم أسباب الخذلان.
أهم أسباب الخذلان
أولاً: اختفاء الدولة الإسلامية
إن أول وأهم أسباب الخذلان اختفاء الدولة الأم ودولة الخلافة والتي نشأت على أساس من الدين والأخوة الإيمانية والتكافؤ والنصرة؛ لقوله ﷺ: “المسلمونَ تتَكافأُ دماؤُهم يسعَى بذمَّتِهم أدناهُم ويُجيرُ عليهِم أقصاهُم وَهم يدٌ علَى مَن سِواهُم”.
ثانياً: اختفاء الولاء الإيماني؛ وظهور التبعية للغرب
فمن الملاحظ أن معظم الذين قادوا حركة التحرر الوطني ونالوا استقلالهم: إما مجموعة مرتبطة بالمستعمر من قبل إعلان الاستقلال وبقيت مرتبطة به بعد الاستقلال.
والقسم الثاني: رجال قادوا حركة التحرر الوطني ليسوا مرتبطين بمنهج دينهم هذا الارتباط؛ وكان لديهم في الغالب ارتباط بالدول الاستعمارية بصورة أو بأخرى.
حتى وبعد قيام الكثير من الثورات الداخلية؛ فمعظم الذين اعتلوا سدة الحكم رسخوا مبدأ استقلالية الدويلة التي تحررت من براثن الاستعمار، مما يعزز فكرة البعد والانفصال عن الأمة الإسلامية؛ وبالتالي تكون معظم تبعيات الدويلات المستقلة حديثاً إما للغرب أو الشرق بعيداً كل البعد عن قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: ٥٢].
ثالثاً: التقزم والإحساس بالدونية وكثرة المشاكل
معظم الدول التي استقلت فقدت الكثير من مقومات الدولة القوية؛ من حيث عدد السكان وقلة الموارد وكثرة المشاكل؛ فاستضعفوا أنفسهم؛ فتقزموا وتقوقعوا على أنفسهم، وبدأ كل حاكم جديد يبحث لنفسه عن مكان تحت شمس الاستقلال الحقيقي ولم يتحقق؛ فأسسوا لذلك بشيء من التحالف مع القوى الكبرى؛ بعيداً كل البعد عن المنهج الإسلامي؛ وبحثاً عن حضارة؛ وتأسيساً لتاريخ جديد من بين قصاصات ورق مبعثرة في رمال صحراء متناثرة.. ليمجدوا قِيَمًا يُلْبـسُونَهَا ثوب مجد من خلال ولاءات وانتماءات جديدة بعيداً عن انتمائهم الإسلامي.
لندرك حينها أن الخذلان العربي والإسلامي لغزة لم يكن وليد اللحظة؛ بل كان أساسه يوم انفصالهم بدويلات جديدة؛ عن الدولة الإسلامية بعدما ضَعُفَتْ؛ لتعمل كل دويلة على شاكلتها؛ كلٌ حسب اهتماماتها وإمكانياتها؛ وما تحمل من موروث ثقافي أو إيماني أو أخلاقي أو قَبَلِي؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٤].
جاء في تفسير هذه الآية: أن كل امرأ أو جماعة يعمل على أساس تربيته؛ أو تكوينه، وناحيته، أو جانبه، أو بما يليق به؛ كل حسب مبدأه وقِيَمِهِ وأخلاقه..
وبعد أن عرفنا من هم جيراننا من العرب والمسلمين؛ ندرك كيف حدث ولماذا حدث الخذلان العربي والإسلامي للقضية الأساس، القضية الأم؛ لشعب مجاهد في مواجهة أشد الناس عداوة للذين آمنوا؛ وندرك أيضاً حقيقة وأساس الخذلان.
ونحن بانتظار وعد الله بنصره؛ ولا بد أن تطمئن قلوبنا بذكر الله وأول سورة الروم؛ قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ ٱللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ١- ٦].
إن هذه الآيات وغيرها من الآيات، التي وعد الله بها عباده المؤمنين بنصره، فكلما تلونا هذه السورة تحديداً.. تدخل على النفس السكينة والاطمئنان بأن مسار الموحدين سليم وطريقهم صحيح؛ من خلال إيمان في القلب وقر؛ مهما ازداد الضر والأذى فالقلب يطمئن بذكر الله وقوله ووعده؛ قال الله تعالى: ﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّآ أَذًى وَإِن يُقَٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ﴾ [آل عمران: ١١١].
حتى وإن كان أصحاب الضر والأذى كثير عددهم وعدتهم؛ ﴿لا يُنصَرون﴾، وبالتالي فإن الفئة القليلة المستضعفة هي المنتصرة بأمر الله.
وإن كثر المخالفون، واشتد خذلان المتخاذلين؛ سننتصر بأمر الله كما أخبر ﷺ وبشر بالطائفة المنصورة؛ فقال: “لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ لعدوِّهم قاهرين لا يضرُّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأْواءَ، فهُم كالإناءِ بين الأَكَلةِ حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلك”. قالوا: يا رسولَ الله وأين هم؟ قال: ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ”.
فمهما ادلهمت الخطوب وكثر المخالفون والمتخاذلون والخصوم؛ سنبقى ظاهرين بأمر الله قاهرين لعدونا، حتى يأتي وعد الله بدوام الظهور؛ وتحقيق مشروعنا الوطني والحضاري الذي لا ولن ينكسر؛ فوعد الله حق لا ولن يتأخر موعده لحظة.
“إن مشروع المقاومة على أرض فلسطين في مواجهة المشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية، لن ينكسر.. لن يتردد.. ولن يضعف.. وسيستمر حتى تحقيق أهدافه واسترداد حقوقه المشروعة”.
الشهيد القائد إسماعيل هنية