
بيان حول المواقف المشرفة للمالديف وبنغلاديش في نصرة فلسطين
أبريل 17, 2025
الزموا ثغوركم في إسناد غزة
أبريل 19, 2025الشيخ المختار بن العربي مؤمن – عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
رمضان محطة من محطات الإيمان الربانية في ثنايا الحياة البشرية، هو أسمى المنارات المُلوِّحة للتّائهين للعبور إلى ساحل النّجاة، فالإنسان المسلم يتاجر فيه مع ربّه ابتغاء كسب المغفرة السّرمدية، والحياة الخالدة الأبدية، ولذلك ينبغي على السائر إلى ربه معرفة الهدف الذي يعيش من أجله، ويستجلي لبّ مايصبوا إليه، فالمرء قد يكون من أهل القيام والصّيام ولكن لم ينفعه صيامه ولاقيامه لأنّه خال من حقيقة التّقوى التي فرضت من أجل تحصيلها العبادات، فقد صحّ عن النّبيّ ﷺ أنه قال: “رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلا الجوعُ، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلا السَّهرُ”.
فحبس النفس عن الملذات الفانية والشهوات الزائلة ليس هو المقصد الأسنى من الصيام، وإنما هو أن يتغير مفهوم الصيام عند المسلم ليصبح أداة لزيادة التقوى والتطلع إلى العتق من النار والمغفرة، وهكذا القيام ليس نصبا وتعبا في رصِّ الأقدام ومكابدة.
ففي صحيح ابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني أن رسول الله ﷺ صعد المنبر فقال: “آمين، آمين، آمين”، فقال الصحابة: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين! فقال: “إن جبريل عليه السلام أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، قلت: آمين”.
كان قتادة رحمه الله يقول: كان يقال: من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له.
إنَّ الوظائف التّعبديّة مدعاة للتّأثير في النّفس وتحويلها من حياة الضَّياع والتّفلت إلى الانضباط واتباع الصراط المستقيم.
قال ابن رجب: وما في هذه المواسم الفاضلة موسمٌ إلّا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يعود بفضله ورحمته عليه، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات. اهـ
الحسنات تدل على أخواتها:
رمضان سوق الحسنات والمبرات من سعِد فيه بالتحصيل، أكرم فيه بالتغيير، ومن تغيّرت حاله محيت سيئاته وبدلت إلى حسنات و كان أهلا للمغفرة والثبات، إن توالي الطاعات ومواسمها فرصة للتخفيف من الآثام والذنوب، وتطهير القلوب من تراكم السيئات، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: “تحترقون تحترقون، فإذا صلَّيْتم الصبح غسلتها، ثمّ تحترقون تحترقون، فإذا صلّيتم الظّهر غسلتها، ثمّ تحترقون تحترقون، فإذا صلّيتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صلّيتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صلّيتم العشاء غسلتها، ثمّ تنامون فلا يكتب عليكم حتّى تستيقظوا”.
قيل لبِشْر الحافي: إنَّ قومًا يتعبَّدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضان تركوا، قال: “بئس القوم، لا يعرفون الله إلا في رمضان”.
وقال الحسن البصري: “لا يكون لعمل المؤمن أجل، دون الموت، ثمّ قرأ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]
هل ينتهي رمضان، فتنتهي معه الخشية والإنابة لربِّ رمضان؟! مَن كان يعبد رمضان فإنّ رمضان سينتهي، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت.
إن المنتكس عن العبادات والطاعات بعد أن وجد لذّتها في شهر الصّبر والتّقوى، مثلُه كمثل المرأة الحمقاء التي كانت تغزل صوفها ثم تنكثه مرة أخرى،
وقد ضرَبَ اللهُ مثلًا بها في القرآن الكريم فقد كانت في مكان بين مكة والطائف،كانت تغزلُ الصوفَ، وكان معها فِرَقُ عملٍ من النّساء والفَتَيَات، كُنَّ يَغْزِلْنَ معَها، وكانتْ تصنعُ شيئًا من الصّوف عجيبًا وجميلًا، كانت تغزلُ حتى إذا انتصفَ النهار فكَّتْ ما غَزَلته، ونقضتْ ما صنعتْه، أعادتْه كما كان، وكأنَّ شيئًا لم يكنْ ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [النحل: 92].
غَدًا تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَتْ وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا
إِنْ أَحْسَنُوا أَحْسَنُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَإِنْ أَسَاؤُوا فَبِئْسَ مَا صَنَعُوا
وقد وصف الله عباده المؤمنين بقوله جل ذكره: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 60، 61].
فلا بد من الثبات على الطاعة، ولا سِيَّما النوافل، فهي سببٌ لمحبة الله: يقول تعالى كما في الحديث القدسي، الذي أخرجه البخاريُّ من حديث أبي هريرة: “وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه”، فالمداومة على النَّوافل من العبادات سببٌ لمحبة الله للعبد.
والثبات على الطاعة هو سُنَّة الحبيب محمد ﷺ، وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ كان إذا عمل عملاً أثبته، وفي الصَّحيحين من حديثها أيضًا أنَّها قالت: “ما كان رسول الله يَزِيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة”.
وعند مسلمٍ عن عائشةَ زوجِ النبيِّ ﷺ أنها كانت تقولُ: قال رسول الله ﷺ: “سَدِّدوا وقارِبُوا وأبشِروا، فإنَّه لن يُدخِل الجنَّةَ أحدًا عملُه”. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: “ولا أنا، إلا أنْ يتغمَّدني الله منه برحمةٍ، واعلموا أنَّ أحبَّ العمل إلى الله أدومُه وإنْ قلَّ”.
وأخرج البخاريُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ قال: “إنَّ الدِّين يسرٌ، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدوا، وقارِبوا، وأبشِروا، واستَعِينوا بالغدوة والروحة وشيءٍ من الدلجة”.
قال ابن حجر: “قوله: (فسددوا) أي: الزَمُوا السدادَ؛ وهو الصواب بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ، قال أهل اللغة: السداد التوسُّط في العمل، قوله: (وقاربوا)؛ أي: إنْ لم تستطيعوا الأخْذ بالأكمل فاعمَلُوا بما يقربُ منه، قوله: (وأبشروا)؛ أي: بالثواب على العمل الدائم وإنْ قلَّ، وأبهمَ المبشَّر به تعظيمًا له”.
ونقل ابنُ حجرٍ عن النوويِّ قوله: “بدوامِ القليل تستمرُّ الطاعة بالذِّكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله، بخِلاف الكثير الشاقِّ، حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيدُ على الكثير المنقطِعِ أضعافًا كثيرة”.
وقال ابن الجوزي: “إنما أحبُّ الدائم لمعنيَيْن:
أحدهما: أنَّ التارك للعمل بعد الدُّخول فيه كالمُعرِض بعد الوصل، فهو مُتعرِّض للذَّمِّ؛ ولهذا ورَدَ الوعيد في حقِّ مَن حفظ آيةً ثم نسيها، وإنْ كان قبلَ حفظِها لايتعيَّنُ عليه.
ثانيهما: أنَّ مُداوم الخير مُلازمٌ للخدمة، فليس من لازمِ الباب في كلِّ يوم وقتًا ما؛ كمَن لازَمَ يومًا كاملاً ثم انقطع”.
وقال ابن حجر: “وقولها: “الدائم”؛ أي: المواظبة العرفيَّة”.
وقال أيضًا: “والمداومة على العبادة وإنْ قلَّت أَوْلَى من جهد النفس في كثرتها، فالقليلُ الدائم أفضلُ من الكثيرِ المنقطع غالبًا”.
وقال النووي: “قولها: “الدائم” فيه الحثُّ على القصد في العبادة، وأنَّه ينبغي للإنسان ألا يحتمل من العبادة إلا ما يطيقُ الدوام عليه، ثم يحافظ عليه”.
وقال النوويُّ: باب فضيلة العمل الدائم من قِيام الليل وغيره: قوله ﷺ: “عليكم من الأعمال ما تطيقون”؛ أي: تُطِيقون الدَّوام عليه بلا ضررٍ، وفيه دليلٌ على الحثِّ على الاقتصاد في العبادة، واجتناب التعمُّق، وليس الحديث مختصًّا بالصلاة بل هو عامٌّ في جميع أعمال البر.
وقال ابن حجر: قوله: “واستعينوا بالغدوة”؛ أي: استَعِينوا على مُداوَمة العبادةِ بإيقاعها في الأوقات المنشطة، والغدوة بالفتح سير أوَّلِ النَّهارِ، وقال الجوهري: ما بين صلاة الغداة وطُلوع الشمس. والروحة بالفتح السير بعد الزَّوال، والدلجة بضمِّ أوَّله وفتحه وإسكان اللام سير آخِر الليل، وقيل: سير الليل كله؛ ولهذا عبَّر فيه بالتبعيض، ولأنَّ عمل الليل أشقُّ من عمل النهار، وهذه الأوقات أطيبُ أوقاتِ المسافر، وكأنَّه ﷺ خاطَبَ مُسافرًا إلى مقصد، فنبَّهَه على أوقاتِ نشاطه؛ لأنَّ المسافر إذا سافَر الليلَ والنهارَ جميعًا عجز وانقطع، وإذا تحرَّى السيرَ في هذه الأوقات المنشطة أمكنَتْه المداومة من غير مشقَّةٍ، وحسَّن هذه الاستعارة أنَّ الدنيا في الحقيقة دارُ نقلةٍ إلى الآخِرة، وأنَّ هذه الأوقات بخصوصها أروَحُ ما يكونُ فيها البدن للعبادة.
الثبات على الطاعة سببٌ لِحُسن الخاتمة
فإذا داومَ العبد على الطَّاعات، كان من أعظم الأسباب لتحقيق حُسْن الخاتمة، وقد جرَتْ سُنَّة الله في خلقه أنَّ من داوم على شيءٍ مات عليه، ومن مات على شيءٍ بُعِث عليه، وكما في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ من حديث جابر رضي الله عنه: “يُبعث كلُّ عبد على مات عليه”.
فهذا شأن المؤمن عمل ووجل، استمرار ورجاء، ثبات ونبات، فمن ثبت نبت، وهكذا كان سلفنا الكرام؛ قال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله أحد الأئمة العُباد: “أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمّ، أيقبل منهم أم لا؟”.
فهذا حالهم رضوان الله عليهم، فهل حالنا كحالهم، وعملنا كعملهم؟ أصلح الله أحوالنا!
ولا تزال أيها الحبيب متشبّثا بحبل الدّعاء من ربّ الأرض والسّماء ليثبت قلبك، ويبلغك أملك في مرضاته؛ فذلك دأب النّبيّ الحبيب ﷺ وأن تسأل الرّحمن الثبات على ذلك حتى الممات، فقد قيل لأمّ سلمة رضي الله عنها: “ما كان أكثر دعاء رسول الله ﷺ إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟ قال: يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ”.
قال تعالى ملهماً عبده ما يدعوه به: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].
بخلاف الذي أسرف بعد رمضان على نفسه، وترك طاعة ربه، فأتبع الحسنة بالسيّئات، ووقع بعده بالغفلة، وفرط بالمعصية، ولم يبادر إلى التوبة من تقصيره، والرجوع من تفريطه، فـ”عملٌ كالسَّراب، وقلب من التّقوى خراب، وذنوب بعدد الرّمل والتّراب، ثمّ تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك! ما أجلَّك لو بادرت أجَلَك! ما أقواك لو خالفت هواك!”؛ كما قال يحيى بن معاذ رحمه الله.
وفي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: “ومن سرّته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن”.