التسامي والأمة في دعوة الرسول ﷺ
فبراير 20, 2024فضل النبي على النبات
فبراير 21, 2024إن النبي ﷺ هو والأنبياء مَن قبله، هم رحمة الله عز وجل للناس، فلما أراد الله عز وجل أن يرحم الناس أرسل إليهم الرسل، ولما أراد أن يرحمهم إلى يوم الدين، أرسل محمداً ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين.
عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: “أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ”(1). أي كل رزق رزقته لعبدي فهو حلال، أي أن الله عز وجل كتب أرزاق العباد حلال، وإن هم استعجلوا أرزاقهم بالحرام مُنع عنهم الحلال وإن كُتب، فلو سرق شخص مليون جنيه، هذا المليون كان مكتوباً له في الأصل.
“وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ”. فقد خلق الله عز وجل عباده كلهم حنفاء، والحنيف: هو المائل عن الباطل إلى الاستقامة فهو مستقيم، أي أن الله خلق كل العباد على الفطرة والتوحيد، ثم اجتالتهم الشياطين، فالشياطين هي التي أدخلت على الناس الشرك، والوثنية، وإنكار وجود الله عز وجل، والإلحاد… إلخ
“وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا”. وهذا فعل الشياطين مع بني آدم.
“وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ”. فإن الله عز وجل قبل بعثة النبي ﷺ وبعد بعثة عيسى عليه السلام، أي ستمائة سنة، كان كل الناس على الأرض، العرب والعجم، كانوا على الشرك والوثنية، إلا بقايا من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، كانوا على دين، أي كانوا على الإسلام، وما من نبي إلا أرسله الله عز وجل بالإسلام، والإسلام أن يسلم الإنسان نفسه لله عز وجل بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، لو بُعث فيه، فالإنسان يؤمن بالنبي الذي بُعث فيه وأن يأخذ على نفسه عهداً أن يؤمن بمحمد لو رآه، وهذا شرط. كالمسلمين، فنحن نؤمن بالنبي ﷺ، ولا ننكر أي نبي من أنبياء الله الذين بعثهم إلى الناس، من آدم عليه السلام إلى محمد ﷺ، على أنهم أنبياء وخير البشر.
“وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ”. إما وثني أو هندوسي، مَن يعبد وثناً أو يعبد ملكاً أو كوكباً وهكذا، فكل الناس على باطل، فنظر الله عز وجل إليهم فمقتهم، والمقت: هو أشد البغض.
“إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ”. الذين مازالوا على الديانة الصحيحة، قليل من اليهود، وقليل من النصارى الذين هم على الإسلام الحق، أما الذي خالف كتابه وحرّف فيه فهو ليس من الإسلام في شيء، أما النصراني مثلاً الذي على الحق فهو من أهل الإسلام، كقصة سلمان الفارسي، حيث كان سلمان على المجوسية يعبد النار، ورأى أناساً من النصرانية كانوا على الإسلام، أي من أتباع عيسى عليه السلام ولكن على الدين الحق، فهم يرون أن عيسى عليه السلام بشر ونبيٌ مرسل وليس إلهاً أو ابن الإله، حاش لله.
“وقال إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ. وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا”. أي أهلكهم، أي أهلك كفارهم. “فَقُلْتُ رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً”. أي لو قاتلتهم سيضربونني ويشجون رأسي ويدعونه خبزاً، أي كالخبز لو شقه الإنسان نصفين. سيشقون رأس النبي ﷺ لو قاتلهم وقد فعلوا. “قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ”.
خير قلب
إن الله عز وجل إذا رأى عباده ضلوا يرسل إليهم الرسل حتى يعيدوهم إلى الجادة والتوحيد، فهذه وظيفة الرسل، والنبي ﷺ ليس بدعاً من الرسل، فهو نبي كإخوانه من الأنبياء، ولكنه يمتاز عن بقية الخلق بشيء. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ(2).
وكأن الله عز وجل لما نظر إلى قلوب العباد، اصطفى خير قلوب العباد وهو قلب محمد ﷺ، ولذلك عندما نتكلم عن النبي ﷺ فنحن نتكلم عن خير قلب نظر الله عز وجل إليه في قلوب عباده، أي أن الله عز وجل اختار هذا القلب، وقال هذا خير قلوب عبادي، واختار خير القلوب بعد محمد ﷺ فجعلهم أصحابه.
وعن عبد الله عباس رضي الله عنهما عند تفسير قوله تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ قال: “هم محمد ﷺ وأصحابه”.
فعندما نتحدث عن سيرة النبي ﷺ، فنحن نتكلم عن رسول من الرسل، هو رحمة الله إلى الناس، ليرحمهم مما هم فيه من الشرك والبُعد عن طريق الله عز وجل الحق، كما نرى من عادات الجاهلية والوثنيات والشرك وكذا، أراد أن يرحمهم فبعث إليهم الرسل، ولما أراد أن يرحم الناس إلى يوم الدين، أرسل إليهم خير قلوب عباده إليه، وهو محمد ﷺ.
ففضل التعرف على النبي ﷺ هو:
1- التعرف على خير قلب في قلوب العباد.
2- أنك إن تعرفت عليه أحببتَه، ولو أحببته أنجاك حب النبي ﷺ، وإن لم تعمل بعمله؛ فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا، قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ، فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ”(3).
3- أن كل شيء يمس النبي ﷺ جسمانياً أو سمعياً أو حتى في السيرة فهو مطهر قلباً وقالباً.
كان النبي ﷺ يخرج إلى الناس يمشي في الأسواق، كما وصفه الله عز وجل في القرآن، ليس ملكاً بل رجلاً من الناس، يمشي في الأسواق ويتزوج النساء، فليس سلوك ملك بل سلوك نبي، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ [مجموعة أطفال صغار] فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا [أي كل طفل يأتي إليه يمسح النبي ﷺ خده الأيسر والأيمن] قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي [أي مسح خداً واحداً] قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ”(4).
أي لما استشعر يد النبي ﷺ وجد لها برداً وريحاً، يقول: كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ، شيء مثل السلة يضع الناس فيها العطر، فكأن النبي ﷺ غمس يده في جؤنة عطار مملوءة مسكاً وأخرجها، فكان الخد الذي مسحه النبي ﷺ أحسن من الخد الآخر، أي بعد ذلك طول حياته كان الخد الذي مسه النبي ﷺ أفضل من الخد الآخر.
وسمع النبي ﷺ النابغة الجعدي ينشد:
وَلا خيرَ فِي حِلمٍ إِذَا لَم تَكُن لَهُ بَوَادِرُ تَحمي صَفوَهُ أَن يُكَدَّرا
فَفِي الحِلمِ خَيرٌ مِن أُمورٍ كَثيرةٍ وفِي الجَهلِ أَحياناً إِذا ما تَعَذَّرا
فقال له النبى ﷺ: لا فضّ الله فاك”، ومعنى لا فضّ الله فاك: أن الإنسان إذا كبر في السن تسقط أسنانه فهذا فض الفم، فظل الرجل بأسنانه حتى بلغ المائة من عمره أصابته دعوة النبي ﷺ، وهذا مشهور متواتر من خصائصه ﷺ الجسمانية، وكذا الخصائص القلبية، فمن تعلق قلبه بالنبي ﷺ والتزم هديه وسار معه= دخل الجنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقال مقتبس من المحاضرة الأولى بسلسلة السيرة النبوية للمهندس أيمن عبد الرحيم، موقع يوتيوب، رابط إلكتروني shorturl.at/biuV7 .
رواه مسلم.
رواه الإمام أحمد وحسنه الأرناؤوط.
رواه البخاري.
رواه مسلم.