
ماذا رَبِحَتْ حَماسُ بَعْدَ غَزْوَةِ طُوفانِ الأَقْصَى؟
مايو 5, 2025
العلم والرّحمة في حياة الحويني
مايو 6, 2025الشيخ حسن الخطيب
عضو رابطة علماء فلسطين
يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗوَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٤]. مَن كان سلوكه وهو في الطريق إلى الله عابداً مجاهداً تائباً.. فذلك فضل الله الذي سبق بتوبته توبةَ عباده فجعلهم من التائبين، ﴿ثُمّ تَابَ عَليْهمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة: ١١٨]، وسبق بحبه عز وجل حب عباده حينما حبب إليهم الجهاد فأحبوه بحسن طاعته وجهادهم: ﴿فسوفَ يأتِ اللهُ بقومٍ يحبُّهمْ ويُحبونه أذلةً على المؤمنينَ أعزةً على الكافرينَ يجاهدونَ في سبيلِ اللهِ ولا يخافونَ لَومةَ لَائِمٍ﴾ [المائدة: ٥٤].
فهؤلاء عَيْنُ الله ترعاهم، ولا يمكن أن تُهِينَهُم شدة الابتلاء، ولا تُغَيِّرَهُم مدلهمات الأمور وعِظَمُ الخطوب وقسوة الكروب وهول العواصف والأيام.. وإن تكالب عليهم كل خصوم أهل الأرض، وخذلهم أهل الملة والعربان.
ونحن في الطريق إلى الله تعالى، لا بد أن نعلم أن ربنا الذي خلقنا من العدم وربانا بالنعم، قادر على أن يُنْهِي دولة الاحتلال يوم السابع من أكتوبر وأن يستمر زحف المقاتلين، حتى يتم إعلان الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة في القدس الشريف، لكن سُنة الله في الخلق وفي هذه الحياة الدنيا هي الابتلاء، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا…﴾ [هود: ٧]، وقال: ﴿الذي خَلَقَ الموتَ والحياةَ لِيَبْلُوَكُم أيُّكم أحسنُ عملًا وهو العزيزُ الغفورُ﴾ [تبارك: ٢]. فسُنة الابتلاء قائمة ماضية، حاربنا أم لم نحارب، فبالجهاد نُبْتَلى وبالقعود والتخلف والخذلان كذلك نُبتلى.
لذلك وعلى مدار أكثر من ثمانية عشر شهراً، كانت الحرب على غزة بعد معركة طوفان الأقصى، امتحاناً كبيراً اختبر الله فيه إيمان المسلمين جميعاً، هذا الامتحان وهذا الابتلاء كشف الله فيه إيمان الناس وحقيقة معادنهم، دون استثناء، فلم يثبت من أهل الإسلام إلا القليل القليل، خاصة مدعو العلم والدين، ويا ليتهم فشلوا وانتكسوا فحسب، بل دافعوا عن أهل الباطل وبرأوا العدوان، وطعنوا في أهل الجهاد والإيمان، لقد سكتوا دهراً، وعندما تكلموا نطقوا كفراً!
فبعد أن أصدر علماء الأمة القليل.. القليل… فتواهم بضرورة واجب النصرة لأهل غزة وبيان حرمة خذلانهم، قام حفنة من أتباع الظلمة والطغاة، ليس ليردوا على فتوى علماء الأمة الناصحين فقط.. بل ليلوموا الضحية ولماذا تحركتْ وهي تُذْبَحْ؟
وشنوا هجومهم القذر على أهل الثغور الثابتين، الذين قال النبي ﷺ فيهم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
لقد قام مدعو العلم من المُخَذِّلِين وأتباع الظالمين، ليطعنوا فيمن أفسدوا على العدو مخططاته الصهيونية وأفشلوا مشروعهم الاستعماري في المنطقة العربية، بعمل لم يشهد التاريخ مثيلاً له، فلم يكن بخيال أحد، ولا في تصوره، أن يحدث ما حدث يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م، وإن جالت في خاطره هذه الخاطرة، لم يخطر بباله نتائج وتبعات هذا اليوم العظيم من أحداث عِظَام وأمور جسام، وكيف قُضي فيها على نظرية الأمن الصهيوني وإلى الأبد، ونظرية الردع التي قامت على أساسها دولة العصابات الصهيونية.
ولم يخطر ببال أحد أيضاً أن يحدث الخذلان العظيم الذي حدث من أمة العرب والمسلمين والعالم أجمع، فقد سقطت جميع الأقنعة والادعاءات والنظريات، فنظرية الديمقراطية التي ادعتها دول الغرب المتطورة تلاشت وتبخرت. وحرية الكلمة والرأي والرأي الآخر ذهبت بلا رجعة، ومدعو الإنسانية والعدالة الاجتماعية تبين كم هم أفَّاكُون وكَذَّابُون. وأهل العلم والتدين والمروءة والقيم والشهامة، لا وجود لهم مطلقاً على أرض الواقع، إلا من رحم الله تعالى.
لقد سقط الجميع في شر أعمالهم ومستنقع مصالحهم الخاصة والفردية والدونية.. لقد انكشف الجميع أمام الأحداث الجسام، أهل غزة يُقْصَفُون ويُقَتَّلُون لثمانية عشر شهر متوالية ومتتالية دون نصير، ولا حتى أي مساعدة! إلا مِن نصرة الله القوي المتين، وتوفيقه للمُقَاوِمِين المجاهدين، حين لم يُرَ غَيْرُهُم بفضل الله ومن وقف في صفهم ممن يحبون الله ورسوله ﷺ في ظهر الغيب، من الغيورين الذين لا تعدمهم الأمة، وكذلك أهل العلم والدين، والذين وقفوا منذ اليوم الأول للحرب بكلمات الإمداد والدعوات والمال، مع غزة وأهلها، ومع ذلك لم يسلموا من سحرة الفراعين وجنودهم، مدعي العلم الأشقياء الذين يستهزؤون بصبر غزة وثباتها.
فكان من المفترض وقت المواجهة الثبات وتعزيز الثبات، وتوجيه الناس إلى الثبات، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: ٤٥]، لكن الذي ظهر للأسف هو موقف النفاق والخذلان من الأمتين العربية والإسلامية، والذي بفضل الله تعالى لم يؤثر في ثبات نساء غزة ورجالها وأطفالها وشيوخها، لأنهم عملوا بما تعلموه من كتاب الله: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ٥١]، وتعلموا أن العمل بالثبات واجب، وليس اختيارياً، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: ٤٥]. كذلك من سنة نبينا ﷺ: “ما أصابَكَ لم يكن ليُخْطِئَكَ، وما أخطأكَ لم يكن ليُصِيبَكَ، ولو مِتَّ على غيرِ هذا لدخَلْتَ النارَ”.
فكان الاعتماد على الله هو الأساس، والرضا بما كتب الله هو المعتمد، لذلك قَاوَم رجال غزة الأبرار بقوة الله كل آلة الحرب الصهيوأمريكية المتطورة، وتحمل أهل غزة قسوة القنابل القاتلة والمدمرة والعدوانية؛ فما كان منهم إلا انتظار فرج الله بالصبر والرضا.
ودخل على خط العدو دعاة على أبواب جهنم أخبر عنهم النبي ﷺ بخروجهم بقوله: “دُعَاةٌ علَى أبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا”. بسبب خذلانهم لأهل الحق ووقوفهم إلى جانب الباطل، رغم ما يرون من آيات العز والفخار، وصبر نساء غزة أيقونة المقاومة وأنهن كُنَّ أهم علامات النصر والشرف، ومثال الصمود والتحدي..
فكيف لهؤلاء الدعاة الاستجابة لدعوى الباطل وفي غزة رجال الحق الزاهرون بدينهم القاهرون لعدوهم، وهم يثخنون في العدو الجراح، رغم انقطاع كل أنواع الدعم البشري لغزة وأهلها؟
لكن الغريب التوافق الواضح بين عرب الخذلان، وعدو الكفر والطغيان، والذي لا يمكن أن يستوعبه بشر إلا من أدرك حقائق القرآن وتدبرها، والتي تقول إن سنة الصراع قائمة بين الحق والباطل، ما بقيت السماوات والأرض، فأهل الحق في كفة، مهما قَلَّ عددهم، وأهل الباطل في كفة مهما كثر عددهم، فإبليس بكبره وغروره الخفي، كان عابداً مع الملائكة، وعندما رفض أمر الله تعالى انكشف أمره وانفضح وبات شيطاناً رجيماً بقوله: ﴿أَنَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِن نارٍ وخلقتَه مِن طينٍ﴾ ليفضح الله فكرة الأنا والاستكبار عنده وعند أمثاله، وظهرت الفكرة بوضوح في قصة ابني آدم، وانكشف تمام أمرها في قصة موسى وفرعون وما زالت، قال الله تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٧٨]..
فالمنافقون بكل ألوانهم وأطيافهم ومذاهبهم ومشاربهم يتبعون الشيطان بولائهم لأعداء الله وخذلانهم لأولياء الله، الذين يدافعون عن بيت المقدس، لذلك الجهاد فضحهم وعرَّاهم، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ﴾ [محمد:٢٠]. فهم الذين يكرهون الجهاد بحبهم للدنيا، فاجتمعت فيهم صفة الغرور والاستكبار، والذلة والهوان، فخذلوا إخوانهم وأهل ملتهم، وانضموا قلباً وقالباً لمن يُشْبِع رغباتهم، فالأقصى لا يعنيهم الذي قال الله فيه: ﴿سُبحانَ الذي أَسرَى بعبدِه ليلًا مِن المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى الذي بارَكْنا حَولَه لِنُرِيَه مِن آياتِنا إنّه هو السميعُ البصيرُ﴾ [الإسراء: ١]. ولا يعنيهم قول النبي ﷺ: “ولنِعْمَ المصلَّى، هوَ أرضُ المَحشرِ والمنشَرِ، وليأتيَنَّ على النَّاسِ زمانٌ ولقَيْدُ سَوطِ (أو قال: قوسِ الرَّجلِ حَيثُ يرى مِنهُ بيتَ المقدسِ) خيرٌ لهُ أو أحبَّ إليه مِنَ الدُّنيا جميعًا”.
لأجل ذلك قام هؤلاء الأشقياء بالطعن في الرجال المرابطين حول بيت المقدس، والذين أثنى النبي ﷺ عليهم وهم يتخذون موضع قدم على أرض فلسطين ينظرون من خلاله إلى بيت المقدس، يريدون تحريرها. فكان من المفترض على هؤلاء بيان قيمة وعِظَمَ أجر المقيم المرابط على أرض فلسطين المباركة، وبيان قوله ﷺ: “موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود”.
ولم يكتفوا بذلك، بل قد طعنوا في أهل الرباط وحقروا أعمالهم، وهم الذين خَصَّهُمُ النبي ﷺ بأفضل الرباط فقال: “أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون مُلكاً ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر؛ فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان”.
وهم الذين دَرَجُوا على تعليم الناس: من ربك؟ من الذي خلقك؟ ومع ذلك لم يتعلموا من ذلك وجوب طاعة الله وامتثال أمره في كل شيء. ألم يأمرنا ربنا أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وألا نتخذ من دونه أولياء؟ فكيف اتخذتم اليهود والنصارى أولياء من دون الله؟
ألم يأمرنا بأن نرد اعتداء من اعتدى علينا؟ فلماذا تركتم أعداء الله يعيثون في أرض المسلمين فساداً؟
ألم يبين الله عز وجل ورسوله ﷺ عِظَم وأهمية الدم المسلم وحرمته، حتى يسفك وينتهك لأكثر من ثمانية عشر شهراً متوالية، دون أن يحرك أحدكم ساكنا؟
ألم يبين لنا الله تعالى ورسوله ﷺ عظم وأهمية المسجد الأقصى؟ فلماذا تركتموه محتلاً من قِبَلَ من قال الله فيهم: ﴿لَتَجِدَنّ أشدَّ الناسِ عداوةً للذينَ آمنوا اليهودَ والذين أشركوا﴾ [المائدة: ٨٢]؟
ولماذا لم تتخذوهم أعداء كما أمر الله؟ ولماذا تركتموه يحتل مسرى نبينا محمد ﷺ؟ ألم تعلموا أن خذلانكم لإخوانكم كان نصرة لـ﴿أشدّ الناسِ عداوةً للذينَ آمنوا﴾، وما كان لهذا العدو أن يبسط سيطرته ويستطيل في عدوانه إلا بخذلانكم، خذلاناً يليق بكم وبما لحق بكم من عار الهوان، جراء ما جحدتم به نعمة ربكم وحولتموها إلى نقم أضاعت وجودكم ومكانتكم وهيبتكم، قال ﷺ: “يُوشِكُ الأممُ أن تَداعَى عليكم، كما تَداعَى الأكَلةُ إلى قصْعتِها”. فقال قائلٌ: ومن قِلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال ﷺ: “بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءُ السَّيلِ، ولينزِعَنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ”. فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ وما الوهْنُ؟ قال ﷺ: “حبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ”.
الهيبة التي زرعها الله في قلوب المؤمنين، نزعها الله من قلوب المتخاذلين حكاماً ومشايخ ومحكومين بسبب تخليهم عن شرف النصرة والإيمان، فنزع منهم الهيبة التي تخلوا عنها بحبهم للدنيا وكراهيتهم للموت، فألبسهم الله الهوان الذي تربع في قلوبهم.
ثم هنيئاً لمن بقي الإيمان في قلبه، مستمسكاً بحبل الله المتين، رغم اشتداد البلاء، وخذلان المنافقين ما فَتَّ في عَضُدِ المجاهدين المرابطين ولا أثَّرَ في رباطة جأشهم، قال الله تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦]. بل عندما ازداد العدوان طغياناً، وعظم الخذلان، كان لسان حالهم يقول: ﴿وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٢].
فمعركة طوفان الأقصى كانت:
﴿لِيجزيَ اللهُ الصادقينَ بصدقِهِم ويعذبَ المنافقينَ إنْ شاءَ﴾..
﴿ولِيعلمَ المؤمنينَ * وليعلمَ الذينَ نافقوا وقيلَ لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نَعلمُ قتالًا لاتّبعناكم هم للكفرِ يومئذٍ أقربُ منهم للإيمانِ يقولون بأفواهِهِم ما ليسَ في قلوبِهم واللهُ أعلمُ بما يكتمونَ * الذين قالوا لإخوانِهِم وقَعَدوا لو أطاعونا ما قُتلوا قُلْ فَادْرَءوا عنْ أنفُسِكِم الموتَ إنْ كُنتمْ صَادِقينَ﴾ [آل عمران: ١٦٦-١٦٨]..
وليعلم الناصر من المتخاذل..
وإن القدس والأقصى يستحقون كل هذه التضحيات، فالأقصى قال الله فيه: ﴿سُبحانَ الذي أَسرَى بعبْدِهِ لَيلًا مِن المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقْصَى الذي باركْنا حَوْلَه لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إنّه هو السميعُ البصيرُ﴾ [الإسراء: ١].
وعلينا أن نذكّر أدعياء العلم أن الاحتلال البريطاني كان المجرم الأول في قضيتنا المركزية، وأنه أنهي انتدابه لأرض فلسطين في ٣٠-١١-١٩٤٧م؛ ليسلمها إلى العصابات والمنظمات الصهيونية، كـ[الهجانا]، و[الإرجون]، أو [الإيتسل]، و[إشتيرن] أو [ليحي]، والتي حَلَّت محله، بإعلان دولتهم الليقطة والمصطنعة، في ١٤-٥- ١٩٤٨م. وأن هذه العصابات بتواطؤ المحتل البريطاني ارتكبت وعلى مدار أكثر من عشرين سنة أبشع المجازر وأفظع المذابح، دون مبرر، قبل نهاية الانتداب، ومع ذلك يتناسى هؤلاء الأدعياء اليوم كل هذا التاريخ، ويلصقون التهم بالمقاومة أنها كانت السبب في أحدث تلك المجازر!
لقد أغلقوا أعينهم عن تطبيع دولهم مع العدو الغادر واللص الجبان، وتناسوا أن هذا التطبيع كان بمثابة اعتراف بالمشروع الصهيوني وبما ارتكب من جرائم وسلب ونهب لأرض أقر الله بإسلاميتها في كتابه، وجعلها الأرض المباركة للعالمين، قال الله تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٧١].
فكان التغافل عن جرائم حكوماتهم، واتهام المقاومة والطعن فيها إنكاراً منهم لحقوق الأمة الإسلامية أولًا كمسلمين، ومن ثم لحقوق إخوانهم أهل فلسطين، ثم كون هذه الأرض التي احتلها العدو هي مسرى النبي محمد ﷺ. فالتغاضي عن جرم دول التطبيع واعترافهم بهذا الكيان، هو اعتراف وإقرار بكل ما يرتكبه العدو من جرائم بحق شعبنا الأعزل.
لقد نسي هؤلاء الأشقياء معظم النصوص التوراتية والتلمودية والتي تنص على استباحة دماء غير اليهود، فلقد سمعنا، وسمع العالم كله قولهم، عندما استباحوا قتل الفلسطيني وسَمَّوْهُم بـ[الحيوانات البشرية]، كما شاهد العالم كله فعل هذه العصابات وكيفية استباحتهم لدماء الفلسطينيين بكل وسائل القتل والدمار والإبادة الجماعية، وعلى أعين الجميع بحصار ظالم اشتركت فيه عموم دول الكفر، وحتى دول الجوار، لتستمر العمليات الإجرامية وتدمير البيوت فوق ساكنيها، ويستمر العدوان وطغيان العدوان، لتشمل عموم الضفة وبنفس الأسلوب الهمجي في العدوان.
إننا وما زلنا نعيش تبعات هذا الاحتلال الظالم من قِبَلِ ﴿أشدّ الناسِ عَداوةً للذينَ آمنوا﴾، وما زال الكثير من الدول العربية والإسلامية تقيم العلاقات، وتقوي شوكة عدونا بالتطبيع، رغم شلال الدم النازف في غزة..
يا مشايخ السلطان إنكم تدعمون حكومات لا تغار على الله.. ولا على دين الله ولا على دماء المسلمين وأوطانهم، وتعززون بذلك مواقفكم الإجرامية ومن توالون سواء بسواء، بموالاة الذين قالوا عن الله: ﴿اللهُ فقيرٌ ونحنُ أغنياء﴾، وقالوا: ﴿يدُ اللهِ مغلولة﴾!
أبعد أكثر من ثمانية عشر شهراً من الحرب والإبادة الجماعية التي يشنها القتلة، أما آن لكم أيها الغافلون أن تستيقظوا وتعودوا إلى رشدكم؟ أما آن لكم أن تعيدوا قراءة التاريخ جيداً؟ أما آن لكم أن تتدبروا كتاب ربكم وتنظروا في مآل كل المتخاذلين والذين ﴿رَضُوا بأنْ يَكُونوا مَعَ الخَوالفِ﴾؟ ألا تنظرون فيما صنع الطغاة، والذين خذلوا شعوبهم؟
أما آن لكم أن تعرفوا مَن عدونا الذي أخبرنا الله تعالى عنه؟ أما آن لكم أن تعلموا أنه لولا فضل الله علينا بالطوفان لضاع تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، وما بقي فينا عرق ينبض بالحياء ولا الحياة، وهذا لا يعني أن ننسى أننا نعيش ظروف حرب قاسية قذرة بكل أبعادها، نرى فيها صنوف الموت بكل ألوانه وأشكاله، ومن بقي منا حياً يشرب، بل ويذوق كأس المُرَّ من قيعانه، وليس والله لنا إلا
أمرين لا ثالث لهما:
الأول: نصرة الحق وأهله والرضا بقضاء الله والصبر على ما نرى من ويلات القتل بكل أبعاده ودمار طال كل شيء إلا نفساً مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره، وامتثال أمره برد عدوان من اعتدى علينا، حتى يأذن الله لنا ويأتي أمره بالفرج، والنصر المبين، كما في الحديث الصحيح.
والثاني: هو دوام التذمر والشكوى وندب حظنا في العالمين، ونتهم بعضنا بعضاً، ونسب ونشتم ونسخط، وقضاء الله فينا نافذ، من الابتلاءات والملمات والرزايا والكروب والويلات والخطوب، وليس لنا إلا السخط، وحينها يصدق فينا قول النبي ﷺ: “إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن اللهَ عز وجل إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ”.
فلنتقِ الله ولنمتثل أمره، فـ﴿إنّه مَن يَتّقِ ويصبر فإنّ اللهَ لا يضيعُ أجرَ المحسنينَ﴾..