
متطرفون هندوس يعتدون بوحشية على طالب مسلم داخل قطار
فبراير 7, 2025
المقاومة تستهدف قوة مشاة إسرائيلية في جنين
فبراير 8, 2025د. أحمد شتيوي – أخصائي طب الأسنان
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمباشرة لا أخفيك قارئي العزيز أني ازدحمت رأسي بالأفكار الهامة منذ تحررت سوريا فجأة! ومن كثرة تلك الأفكار ظللت فترة لا أستطع أن أركز على واحدة منها بالكتابة! وما الغريب؟ فنحن في فترة سريعة الأحداث ولا يكاد المرء يجد وقتاً لا للفيديوهات ولا للمقالات التي يجب أن يتابعها حتى يفقه كل ما يجري فقهاً كافياً، أو يتأمل في قدر الله وفتوحاته التي أجراها على أيدي جنوده، ثم أتى انتصار غزة ليزيد زحمة أفكاري!
وقد صعّب عليّ فترة استخلاص هذه المعاني وقد تداخلت وكثرت حتى صدر العدد من المجلة ولم أدرك أن أكتب فيه شيئاً، إلا أنه ومع مرور الوقت والأحداث.. بدأت ترسو تلك المعاني كل في مرساها الصحيح على ما أحسب، وقد جمعت تلك المعاني تحت عنوان (ثلاثية الأبطال) وهو عنوان أقصد به ثلاث صفات رئيسية مميزة لأبطال الأحداث التي مررنا بها منذ الطوفان إلى يوم كتابة هذا المقال، والثلاثي هو:
- عقيدة التأثير.
- والحساسية العالية.
- وفكر الليل والنهار.
ونبدأ بعقيدة التأثير..
إيمان السنوار الذي أفصح عنه في كلماته!
كنت أتامل في مدى الأثر الذي أحدثه الطوفان في العالم؛ فعلى سبيل المثال -ومن أول الأحداث- بعد أن كانت موجة الشذوذ هي المنتشرة والمسيطرة كقضية عالمية، غابت تلك الموجة عن الصدارة عندما شُغل العالم في هذا الصراع، وقد شغل بهذا الصراع لأنه في قلبه الجغرافي والسياسي، وهذا حال تلك البقعة المباركة في الكرة الأرضية وحال كل ما يجاورها، ولذا كان أغلب الأنبياء وأغلب الملاحم، كانت وستكون، ولذا فإن كل بذل فيها ولها سيكون له أثر أعظم من أي بذل في هذا الكوكب.
ولعل هذا من معاني الآية الكريمة: ﴿وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ﴾ [البقرة: ١٤٣]؛ فأمة وسط تسكن بين القبلتين وحولها في أرض الأنبياء لهي منارة بحار هذا الكوكب.
فعندما آمن السنوار ورفاقه بذلك حدد أهدافه العجيبة وصرح بها حتى! موقناً أن كل ثمن سيدفعه في تلك البؤرة ستكون له أرباح أضعاف ما سيدفع.. وعرف أن الخطوة التي يبذلها هنا تساوي أميال في المستقبل لأناس ومن أناس سيكون قد مهد لهم الطريق، وعرف السنوار أن الثبات ممكن مع فارق القوة الهائل، وهذه ليست بالضرورة عبقرية منه إنما هي استخلاص من الدين ثم من سنن الله في التاريخ؛ فهو استخلاص من قوانين الله ومن حكمة الله.
فيمكن أن نسمي الأفكار التي سيطرت على السنوار أنها (عقيدة التأثير)، فقد كانت ثابتة مثل العقيدة واثقة في جدوى أفعالها، جامحة نحو الهدف جموحاً رأى كل تضحية رخيصة؛ بل وأقول: لقد اقترب من اللا معقول ودفع الشعب الغزي معه ليدفع هذا الثمن الضخم، وقد قالها مرة قاصداً نفسه ومن معه من المجاهدين محذراً من (مجانين غزة).
ويصح أن نقول إن عقيدة التأثير أول أركانها:
1. الإيمان بخطورة المكانة.
2. وثانيها: اليقين بالمدد الإلهي.
وهذا اليقين مأخوذ من العقيدة وآيات الله، هذا اليقين الذي يتضح معناه مقابل معنى هذه الآية: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یُدۡخِلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَفۡعَلُ مَا یُرِیدُ * مَن كَانَ یَظُنُّ أَن لَّن یَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ فَلۡیَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ ثُمَّ لۡیَقۡطَعۡ فَلۡیَنظُرۡ هَلۡ یُذۡهِبَنَّ كَیۡدُهُۥ مَا یَغِیظُ﴾ [الحج: ١٤-١٥]، وصريح معنى الآية الكريمة: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ﴾ [غافر: ٥١].
وهذا اليقين نتيجة الالتصاق بطريق الحق كله، لا بانتقاء أجزاء منه والهروب من غيرها، وهذا الالتصاق ييسير حسم الأمور التي تبدو ظاهرياً كإشكالات، على عكس الآخرين ممن يردد ويبرز دمار غزة وكأنه هلاك عم بها نتيجة لتصرف أخرق وحسابات خاطئة في ميدان المصالح والمفاسد، وهذه النقطة حقيقة لا يحسمها كل الناس، ولا كل أصحاب العلم إنما يحسمها أصحاب البصيرة! ولا تتحقق ثمرتها إلا لأهل العزائم، الذين يفهمون متى توضع الأمور على المحك ومتى لا توضع، وكم مرة في تاريخنا هُدِدَ الحق في لحظات قلة ولم ينقذه إلا هذه القاعدة المطردة من أول تاريخنا من بعد وفاة النبي ﷺ، بما فعله أبو بكر في حروب الردة وقت قلة العدد متكئاً على هذا الفهم الذي يأوي الى ركن شديد.
إنها العقيدة التي يُمتحن فيها كل مؤمن مبتلَى أو مأمور بإزاحة ظلم أو إنجاز أمر كبير ﴿قَالَ لَوۡ أَنَّ لِی بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِیۤ إِلَىٰ رُكۡنࣲ شَدِیدࣲ * قَالُوا۟ یَـٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن یَصِلُوۤا۟ إِلَیۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعࣲ مِّنَ ٱلَّیۡلِ وَلَا یَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِیبُهَا مَاۤ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَیۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِیبࣲ﴾ [هود: 80-81] فصفة كل أصحاب هذه العقيدة أن يقولوا متكئين على عقيدتهم: ﴿أَلَیۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِیبࣲ﴾.
3. أما الركن الثالث في عقيدة التأثير فهو: نظرة للذات بأنها قادرة على الإنجاز وإحداث الأثر.
فهو معنى الاعتداد بالنفس لكن في سبيل الحق، تنافساً إلى المعالي ووضعاً للأقدام بين السابقين! وهذا الحس يفرض على صاحبه يقظة عالية ورفض للإخفاق ومراقبة شديدة للأداء؛ فهو يرى النتيجة فريسة أمامه يطاردها هو وإخوانه لا يرضون بضياعها، يفهمون أن الإخفاق ضعف وتقصير في الإعداد قبل أن يكون تمحيص أو قدر حتمي لطريق البذل.
يفهمون آيات القرآن تمدح الفعل كما تمدح النوايا الحسنة، ﴿یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ یُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَاۤىِٕمࣲۚ ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمٌ * إِنَّمَا وَلِیُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَ ٰكِعُونَ﴾ [المائدة: 54-55] ﴿وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡیُ هُمۡ یَنتَصِرُونَ﴾ [الشورى: 39]، و﴿ٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ﴾ [آل عمران: ١٧٢] و﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَیۡنَـٰهُ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ سَبَبࣰا * فَأَتۡبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: 84-85].
وغيرها من آيات مدح الأفعال، فهذا هو فهمهم ولذا فهم أصحاب أثر.
وهذا هو الإيمان برزق الله في الذات، وهذه واضحة في كتاب الله: ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّی فِیهِ رَبِّی خَیۡرࣱ﴾ [الكهف: ٩٥] و﴿قَالَ ٱجۡعَلۡنِی عَلَىٰ خَزَاۤىِٕنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمࣱ﴾ [يوسف: ٥٥].
وفي قول أبي بكر: “وأنا حي”، وهي -إن تأملنا لوهلة- إحساس لا بد من حدوثه في قلب كل مبادر، الإحساس بالقدرة على الفعل، ودونها لا فعل ولا عدل! وهذه النقطة ماتت عند البعض تحت غطاء “إنكار الذات” أو الخوف من الرياء أو الجندية الكاذبة الخاضعة، أو السمع والطاعة لمن هو ليس على بصيرة ولا ذا سبيل واضح.. يشار إليه.. بحرف الإشارة “هذه” سبيلي.. إلى أن صرنا إلى ما استعاذ منه الفاروق: “جلد الفاجر وعجز الثقة”؛ ففقدت الأمة طاقاتها حيناً من الدهر، هنا.. وهنالك.
إن صاحب هذه الصفة يلقي بنفسه في الصعاب فتنال منه حتى ينال منها الجلد والقوة، ثم في التي تليها والتي تليها، حتى يصل بكل محنة إلى المراد العزيز .. الذي تعلو به الدرجات: ﴿وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَـٰنࣲ﴾ [التوبة: ١٠٠]، ولله در من يعبّدون الطريق لغيرهم!
وما أحوجنا إلى النوعية التي تؤمن أن دفع الله لشر البشر عن البشر يكون بالبشر لا بالسكوت وانتظار الفرج، فهم يعلمون أن الظروف تُغير والمعادلات تفرض ومن لا يزرع لا يحصد، ولا يعلقون البذل على الظروف والأوضاع المحيطة، ولا يغيرون من نهجهم وثوابتهم ليجاروا بها الظروف! لا ينتظرون شيئاً ليتغير من تلقاء نفسه إلا لحظة مناسبة قد أعدوها بأنفسهم أو أعدوا لها ليقتنصوها حين تلوح!
هذا الإيمان بالتدافع الذي هو سُنة لله في كونه بجنوده البشر لا بالأقدار الخارجة عن أيديهم؛ فقد قالها الله سبحانه صريحة: ﴿بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ﴾، في قوله الذي بدأه بـ ﴿وَلَوْلَا﴾ حين تحدث عن فئة قليلة ترجو هزيمة قوة عسكرية كبرى من العماليق! ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا یَشَاۤءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [البقرة: ٢٥١]، أي: أن الله دفع بفئة قليلة فئة كثيرة حتى لا تفسد الأرض! أي قبل أن تسوء الظروف أكثر!
وانظر ماذا آتى الله سبحانه أحد هؤلاء المؤمنين المبادرين الذي انبرى لأصعب مهمة في المعركة، آتاه الملك والحكمة وزاد عليها ﴿وعلمه مما يشاء﴾ فياللفضل! ويالعطاء الله!
وهذا ترقٍ طبيعي لمن تقدم وسبق في الصعاب! فإما ترقية سريعة إلى أعلى درجات الخلد، أو تمكين في الدنيا لعمل مقدس مقبول مبرور.. وشفاء للصدور.
هم قوم يؤمنون أن الله سيفتح بهم أبواب خير فيغنمون ثواب ذلك، وأنهم شفاء لمصائب أمتهم، يعرفون أنهم لها.. مؤمنون بذواتهم، لا ينكرون من ذواتهم إلا الكبر عن الحق وعلى المؤمنين، لا إنكار القدرة واستصعاب البذل واستحضار الظروف!
وانظر إلى نبي الله موسى عليه السلام حين أمره الله أن يقحم نفسه أصعب مقتحم؛ فقال الله ﷻ: ﴿وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱئۡتِ ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [الشعراء: 10] وموسى عليه السلام يعرف جيداً أولئك الظالمين وإلى أي مدى هم فجرة ومتجبرون، إلا أنه لم يعتذر كما هي حال وصفة أغلب قومه وعشيرته، بل طلب المعونة واستعرض ما يراه من حاجات وطلبها من الله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِی صَدۡرِی * وَیَسِّرۡ لِیۤ أَمۡرِی * وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةࣰ مِّن لِّسَانِی * یَفۡقَهُوا۟ قَوۡلِی * وَٱجۡعَل لِّی وَزِیرࣰا مِّنۡ أَهۡلِی * هَـٰرُونَ أَخِی * ٱشۡدُدۡ بِهِۦۤ أَزۡرِی * وَأَشۡرِكۡهُ فِیۤ أَمۡرِی * كَیۡ نُسَبِّحَكَ كَثِیرࣰا * وَنَذۡكُرَكَ كَثِیرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِیرࣰا﴾ [طه: 25-35] فقال الله ﷻ: ﴿قَالَ قَدۡ أُوتِیتَ سُؤۡلَكَ یَـٰمُوسَىٰ﴾ [طه: 36].
وسيظل حال أمتنا هكذا إلى أن يخرج رجال يحبهم الله عز وجل، يؤمنون بالمكانة التي خلقهم الله فيها ويعرفون أن الأمر كله لله.. وأنه بحسب سنة الله لا إصلاح في البشر إلا على أيدي أفاضل البشر.. فيطلبون منه العون ليكونوا منهم فيقال لهم: قد أوتيتم سؤلكم!