
الأرض المقدسة محور الصراع (1)
مايو 11, 2025
بعد استشهاد أبي بكر سيسيه .. المسلمون في فرنسا ينتفضون ضد الإسلاموفوبيا
مايو 12, 2025لجنة الفتوى بالجامع الأزهر
رحمهم الله*
- مَن يعاون الصهاينة بأي نوع من المعاونة مرتد عن الإسلام
- أعظم الجرائم مقتاً عند الله موالاة الصهاينة
- على المسلمين مقاطعة المطبّعين مع اليهود
بسم الله الرحمن الرحيم.. جاء إلى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر الاستفتاء الآتي :
لقد شاع واستفاض بين الناس، عامتهم وخاصتهم خبر غزو اليهود الصهيونيين للبلاد المقدسة فلسطين، التي تضم أُولى القبلتين وثالث الحرمين وغير ذلك من المقدسات الأخرى، وعزمهم المصمم على تحويلها إلى مملكة يهودية، والاستيلاء على أراضيها ومقدساتها وإخراج أهلها العرب منها.
وأعظم وسيلة يتذرع بها اليهود لبلوغ مآربهم شراء الأرض من العرب وإخراجها من حيازتهم، وجعلها ملكاً للأمة اليهودية والاستيلاء على اقتصادياتها بقصد إفقار أهلها المؤدي إلى نزوحهم عنها.
والمرجو بيان الحكم الشرعي فى كل شخص يبيع أرضه لليهود، أو يعمل سمساراً لترويج ذلك البيع، أو يعينهم على الوصول إلى مآربهم من امتلاك البلاد وجعلها يهودية بأي نوع من أنواع الإعانة والتعاون، فهل يرتد بذلك عن دينه ويعامل معاملة المرتدين؟ من الحكم بطلاق زوجته، واحتقاره ونبذه، وعدم الصلاة عليه، وعدم دفنه في مقابر المسلمين، مع العلم بأن بيع الأرض لليهود ومساعدتهم تجارياً واقتصادياً وشراء بضائعهم ومنتوجاتهم، كل ذلك قد أصبح معلوماً لدى أهل فلسطين خاصة، والمسلمين عامة بأنه أهم الوسائل المؤدية إلى وصول اليهود لمطامعهم المذكورة.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: أما بعد:
فتفيد اللجنة بأن من أعظم الجرائم إثماً وأشد المنكرات مقتاً عند الله، أن يتخذ المسلم له أولياء من أعداء دينه المناوئين له المعتدين على أهله، أو يمكّن لهم بفعله من إيذاء المسلمين في دينهم، والاحتيال على سلب أموالهم، وتجريدهم من أرضهم وديارهم، واتخاذ ذلك وسيلة إلى إضعاف أمرهم، وكسر شوكتهم وإزالة دولتهم وإقامة دولة غير إسلامية تتسلط عليهم بالحيلة أو العهد، وتنشر سلطانها عليهم بالأمر والنهي.
وقد شدد الله النكير على من يتولون أعداء الدين أو يتخدون لهم بطانة من غير المؤمنين، قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ عَدُوِّی وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ تُلۡقُونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُوا۟ بِمَا جَاۤءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ یُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِیَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَـٰدࣰا فِی سَبِیلِی وَٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِیۚ تُسِرُّونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَاۤ أَخۡفَیۡتُمۡ وَمَاۤ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن یَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ * إِن یَثۡقَفُوكُمۡ یَكُونُوا۟ لَكُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ وَیَبۡسُطُوۤا۟ إِلَیۡكُمۡ أَیۡدِیَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّوا۟ لَوۡ تَكۡفُرُونَ * لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُمۡۚ﴾ [الممتحنة: 1-3].
وقال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةࣰ مِّن دُونِكُمۡ لَا یَأۡلُونَكُمۡ خَبَالࣰا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَاۤءُ مِنۡ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِی صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَیَّنَّا لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ [آل عمران: 118].
لم يكتفِ القرآن بالنهي عن موالاة المعتدين من غير المؤمنين، وتحريم موادتهم، بل جعل ذلك منافياً للإيمان ونفى صاحبه من سجل أهل الإسلام .اقرأ قوله تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ﴾ [المجادلة: 22]، وقوله عز وجل: ﴿لَّا یَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَلَیۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِی شَیۡءٍ﴾ [آل عمران: 28].
ولا شك أن من يعملون على إيذاء المسلمين في دينهم، ويتخذون مختلف الوسائل للتسلط عليهم بالقوة أو الحيلة بإغراء الضعفاء بالمال وغيره من عرض الدنيا، وتجريدهم من أرضهم ودورهم توصلاً إلى إذلالهم وإخضاعهم لسلطان غير سلطان دينهم هم من شر من يحادون الله ورسوله.
كما لا شك أن بذل المعونة لهؤلاء، وتيسير الوسائل التي تساعدهم على تحقيق غايتهم التي فيها إذلال المسلمين، وتبديد شملهم ومحو دولتهم، أعظم إثماً وأكبر ضرراً من مجرد موالاتهم وموادتهم التي حكم الله بمنافاتها لخالص الإيمان.
فالرجل الذى يحسب نفسه من جماعة المسلمين، إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المنكرة، وساعد عليها -مباشرة أو بواسطةـ لا يُعد من أهل الإيمان، ولا ينتظم في سلكهم، بل هو -بصنيعه- حرب عليهم، منخلع من دينهم، وهو -بفعله الآثم- أشد عداوةً من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين.
فعلى المسلمين أن يتبينوا أمرهم، ويأخذوا حذرهم، ويثوبوا إلى رشدهم، فيصلحوا من شأنهم، ويتبعوا هدى القرآن في حفظ كيانهم، وتقوية دولتهم. وأن تكون شئون دينهم وأوطانهم أحب إليهم من كل شيء، حتى لا يدخلوا في أهل الوعيد الشديد الذي جاء في قوله تعالى: ﴿قُلۡ إِن كَانَ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ وَإِخۡوَ ٰنُكُمۡ وَأَزۡوَ ٰجُكُمۡ وَعَشِیرَتُكُمۡ وَأَمۡوَ ٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةࣱ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَاۤ أَحَبَّ إِلَیۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادࣲ فِی سَبِیلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ ﴾ [التوبة: 24].
عليهم أن يقتفوا في ذلك سيرة نبيهم ﷺ ويسيروا على ما رسم لهم من خطط صالحة، فيوالوا المؤمنين، ويبروا المسالمين من غير المسلمين، ويعادوا من عادى الله أو مكر بأهل دينه وسعى في إيذائهم والتضييق عليهم في أوطانهم، وعمل على تفريق وحدتهم وتمزيق جماعتهم .
وعلى المسلمين أن يعادوا هؤلاء وينبذوهم ويقاطعوهم في متاجرهم ومصانعهم ومساكنهم ومجتمعاتهم، وأن يصنعوا هذا الصنيع مع كل من يوالي هؤلاء الأعداء أو يعينهم على مآربهم ويمهد لهم السبيل التي يصلون منها إلى أغراضهم.
وقد قاطع رسول الله ﷺ والمؤمنون نفراً من الصحابة تخلفوا عن غزوة تبوك ونبذوهم، فكانوا لا يخالطونهم في اجتماع ولا يشاركونهم فى شأن، تجنبوا مؤاكلتهم، ومجالسهم، والسير معهم، والسلام عليهم .
إن هؤلاء المتخلفين لم يعينوا على المسلمين عدواً، ولم يمهدوا لأعداء الدين طريق الكيد والمكر لأهل الدين، ولم يبيعوهم ما يتقوّون به عليهم ويشتد به سلطانهم، ولم يأتوا بأي عمل إيجابي يعد معاونة للأعداء، ثم إنهم كانوا قلة ضئيلة لم يستوجب تخلفهم خذلان جيش المسلمين أو انتقاض أمره. وكل ما كان منهم أن تخلفوا عن الغزو مع قدرتهم عليه، ومع ذلك نبذهم النبي ﷺ وأصحابه، وقاطعوهم مقاطعة مكثوا خمسين يوماً يتحرقون بآلامها وتتلظى قلوبهم بالندم والحسرة من أجلها، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب الله عليهم وعفا عنهم.
هذا شأن الله فيمن لم يكن منه إلا مجرد التخلف عن جهاد لم يُغِر الأعداء فيه بالفعل على بلاد المسلمين فما بالنا بمن يتصدى لمعاونة الأعداء، ويمكّنهم من تثبيت أقدامهم في بلاد الإسلام والمسلمين؟
لا يشك مسلم في أن من عاون هؤلاء الأعداء بأي ضرب من ضروب المعاونة ببيع شيء من أرضه، أو التوسط في هذا البيع أو بمعاملتهم تجارياً واقتصادياً، أو بخروجه عن جماعة المدافعين عن بلادهم، يكون أعظم جرماً وأكبر إثماً ممن ترك الجهاد وهو قادر عليه.
ولا يشك مسلم أيضاً أن من يفعل شيئاً من ذلك، فليس من الله ولا رسوله ﷺ ولا المسلمين في شيء، والإسلام والمسلمون براء منه وهو بفعله قد دلّ على أن قلبه لم يمسه شيء من الإيمان، ولا محبة الأوطان، والذى يستبيح شيئاً من هذا بعد أن استبان له حكم الله فيه، يكون مرتداً عن دين الإسلام فيفرَّق بينه وبين زوجه، ويحرم عليها الاتصال به، ولا يُصلَّى عليه ولا يُدفَن في مقابر المسلمين.
وعلى المسلمين أن يقاطعوه: فلا يسلموا عليه، ولا يعودوه إذا مرض، ولا يشيعوا جنازته إذا مات، حتى يفيء إلى أمر الله ويتوب توبة يظهر أثرها في نفسه وأحواله، وأقواله وأفعاله.
هذا فإذا كان من بين المسلمين أو إخوانهم المواطنين لهم من هو يحتاج إلى بيع شيء من أرضه وجب على جماعة المسلمين أن يدفعوا حاجته بشراء ذلك منه، أو بمساعدته بما يغنيه عن البيع، كما يجب عليهم أن يبذلوا جهودهم، ويتعاونوا بكل قواهم على دفع خطر هؤلاء الأعداء الظالمين.
والله أعلم.
رئيس لجنة الفتوى
عبد المجيد سليم
14 شعبان سنة 1366
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- المصدر: فتاوي الأزهر في وجوب الجهاد وتحريم التعامل مع الكيان الصهيوني، إعداد: جواد رياض، ط: مركز يافا/القاهرة، ص43-48.