زيارة سفراء هيئة أنصار النبي ﷺ إلى مقر الهيئة في إسطنبول
ديسمبر 16, 2024إغلاق معابر غزة لليوم الـ225 يعمق الأزمة الإنسانية
ديسمبر 17, 2024بقلم: خالد خضر بيضون – بيروت
خامساً: التذكير بوعد الله للمؤمنين الشهداء بالجنة
أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ أُفْرِدَ يَومَ أُحُدٍ في سَبْعَةٍ مِنَ الأنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ، قالَ: “مَن يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الجَنَّةُ”، أَوْ “هو رَفِيقِي في الجَنَّةِ؟” فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَاتَلَ حتَّى قُتِلَ، ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا، فَقالَ: “مَن يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الجَنَّةُ”، أَوْ “هو رَفِيقِي في الجَنَّةِ؟” فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَاتَلَ حتَّى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذلكَ حتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ لِصَاحِبَيْهِ: “ما أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا”1.
وقَعَت غَزوةُ أُحدٍ بيْنَ المُسلِمين وقُريشٍ في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجرةِ، وقدْ قدَّمَ بعضُ الصَّحابةِ في ذلك اليومِ أفضَلَ النَّماذجِ وأرْوعَها؛ فصَبَروا مع النَّبيِّ ﷺ، وقاتَلوا حتَّى استُشهِدَ منهم عددٌ كثيرٌ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنَسُ بنُ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه: “أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ أُفرِدَ يومَ أُحُدٍ” أي: استطاعَ جَيشُ المشْرِكين أنْ يَعزِلوا رَسولَ اللهِ ﷺ عن باقي الجَيشِ في “سَبعةٍ مِن الأنصارِ ورَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ” أي: مِن المهاجِرين، والأنصارُ، فلمَّا قَرُب مِنه المشرِكون وأحاطُوا به لِيَنالوا منه ويَقتُلوه، فقال رسولَ اللهِ ﷺ لمَن معه: “مَن يَرُدُّهم عنَّا” أي: مَن يَقدِرُ على صَدِّهم وقَتلِهم ويكونُ أجْرُه في الآخرةِ الجنَّةَ، أو هو رَفِيقِي في الجنَّةِ؟ فتَقدَّم رجُلٌ مِن الأنصارِ مِن السَّبعةِ إلى جِهةِ العدوِّ، فقاتَل حتَّى قُتل، ثُمَّ رَهِقُوه أيضًا وأحاطُوا به كما رَهِقوه أوَّلًا، فقال ﷺ: مَن يَرُدُّهم عنَّا وله الجنَّةُ، أو هو رَفِيقِي في الجنَّةِ؟ فتَقدَّم رجلٌ آخَرُ مِن الأنصارِ الَّذين حَوْلَ النَّبيِّ ﷺ، فقاتَل حتَّى قُتل، ولم يَزَلِ النَّبيُّ ﷺ يقولُ ذلك حتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ.
والحكمةُ فيما جَرى بأُحدٍ: أنَّ اللهَ تَعالَى أجْرى سُنَّتَه في رُسلِه وأتباعِهِم بأنْ يُدالُوا مرَّةً، ويُدالُ عليهم أُخرى، لكنْ تكونُ لهم العاقبةُ، فإنَّهم لو انْتَصَروا دائمًا دَخَل معهم المؤمِنون وغيرُهم، ولم يَتميَّزِ الصَّادقُ مِن غيرِه، ولو انتُصِرَ عليهم دائمًا، لم يَحصُلِ المقصودُ مِن البَعثةِ والرِّسالةِ، فاقتَضَتْ حِكمةُ اللهِ تَعالَى أنْ جَمَع لهم بيْنَ الأمرينِ؛ ليَتميَّزَ مَن يَتْبَعُهم ويُطِيعُهم للحقِّ وما جاؤوا به، ممَّن يَتْبَعُهم على الظُّهورِ والغَلَبةِ خاصَّةً.
وفي الحديثِ: بَيانُ ما أصابَ النَّبيَّ ﷺ في سَبيلِ اللهِ تَعالَى2.
سادساً: الثبات عند غدر العدو
وفي غزوة حنين حين كمن العدو للمسلمين، ورماهم بالنبال، فولى أكثر المسلمين مدبرين؛ ثبت النبي ﷺ في ثلة من أصحابه رضي الله عنهم وثبتهم فارتجز قائلاً: “أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ، اللهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ”، قَالَ البراء بن عازب رضي الله عنه: “كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ”3. وقال لعمه العباس رضي الله عنه “أَيْ عَبَّاسُ، نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، فَقَالَ عَبَّاسٌ: وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَالَ: فَوَاللهِ، لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ، قَالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ… فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى، قَالَ: فَوَاللهِ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا”4.
كان الخط العام في لقاء المسلمين مع أعدائهم، أن يكون عدد المسلمين هو الأقل، ويكون عدوهم أكثر عدداً وعدة.. إلا ما كان في غزوة حنين بعد فتح مكة فقد كان عدد جيش المسلمين على الضِّعف من عدد عدوهم، وكانوا كاملي العدة.. ولكنهم انهزموا في أول اللقاء ثم جمع رسول الله ﷺ بواسطة نداء عمه العباس بعض أصحاب الشجرة فقاتل بهم فانتصر.
إنه درس في القيمة العددية والاعتماد عليها. وقد سجل القرآن هذا الدرس في آياته الخالدة فقال: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذلِكَ جزاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 25-26[.
كان هذا الدرس ضرورياً لاستكمال التربية الجهادية من جميع جوانبها في ميدان المعركة. حتى تظل القواعد ثابتة في الاعتماد على الله والتوكل عليه، وإعداد العدة تنفيذاً لأوامره سبحانه وتعالى5.
ختاماً، إن مواجهة أعداء المسلمين هي من أحوال الدنيا المتقلبة التي قدّرها الله عز وجل، فالمسلم لا يجزع ولا يخاف من ذلك، وخير من يقتدي به المسلم في هذه الأحوال هو النبي صلوات ربي وسلامه عليه بالتشبه بحاله في هذه الأحداث من: الاستبشار واليقين والتوكل والذكر والدعاء، فليس الطريق سوى طريق محمدٍ فهي الصراط المستقيم لمن سلك. نسأل الله تعالى نصراً مؤزّراً عزيزاً من عنده، ونسأله الثبات على الحق حتى نلقاه وهو راضٍ عنا.
وصلى الله وسلم وبارك على سيّدنا محمّد إمام المجاهدين وحبيب رب العالمين، وعلى آله وأصحابه الصديقين والشهداء المظفّرين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1 صحيح مسلم
2 موقع الدرر السنية، بتصرف.
3 رواه مسلم.
4 رواه مسلم.
5 صالح أحمد الشامي، السيرة النبوية تربية أمة وبناء دولة.