تثبيت النبي ﷺ لأصحابه عند لقاء العدو (1/2)
نوفمبر 12, 2024ثورة نوفمبر الجزائر ية
نوفمبر 12, 2024عبد القادر مهدي أبو سنيج
باحث شرعي
أيكون أهل الكفر والملاحدة وأهل الفن والغناء والرياضة أصحاب مواقف من الاحتلال والظلم والعدوان، وفي المقابل يكون أدعياء العلم عوناً للمعتدي الظالم على المظلوم المحاصر؟!
سبحانك ربي هذا بهتان عظيم وإفك مبين لا ينطق عليه إلا وصف النبي r: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ -أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ- كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ».
وعن أَبَي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: “يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَأَنَّ هَذَا مِنْهُمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ مَعَ الْمَسِيحِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ»[1].
وعن عَبْد اللهِ بْن عَمْرٍو قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r وَهُوَ يَقُولُ: “يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا قُطِعَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ، حَتَّى يَخْرُجَ فِي بَقِيَّتِهِمُ الدَّجَّالُ”[2].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ r أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ إلَى زَمَنِ الدَّجَّالِ”.
وسيستمر وجودها إلى آخر الزمان، غير أنها تظهر فترة بعد فترة، وكلما ظهرت طائفة منهم قُطعت، وانتهى أمرها، ثم تظهر طائفة أخرى.. وهكذا، حتى يخرج الدجال في آخرهم.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “وقصدوا -أي الخوارج- بلاد العراق وخراسان، فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم ومسالكهم المختلفة المنتشرة، التي لا تنضبط ولا تنحصر؛ لأنها مفرعة على الجهل، وقوة النفوس، والاعتقاد الفاسد”[3].
لقد حرك عدوان اليهود كل سكان المعمورة بل وصحح نظرة الناس جميعاً تجاه قضية الاحتلال، وعرف الناس حقارة اليهود وبشاعتهم، ولكن زهد هؤلاء المجرمين (المارقين الدعاة على أبواب جهنم) في كل ذلك، وزهدوا في قدسية المكان وشرف الرباط والجهاد، وزهدوا في نصوص القرآن والسنة لما يحملون من قلوب مريضة واعتقادات فاسدة.
ويا ليتهم سكتوا بل زداوا بعد الانسلاخ من الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين أنهم صاروا أبواق زور وفجور هداهم إليه الكذب؛ ففي وقت يعترف فيه قتلة الأنبياء بخسائرهم في العتاد والعدة والجنود وخسائرهم في الاقتصاد وخسائرهم في الدعاية المكذوبة التي أيقظت الناس من بعد غفلة.. تجد هؤلاء الذين يوادّون من حادّ الله ورسوله وينصرونه، يروجون أن أهل الرباط خسروا وأنهم سبب في الدمار والخراب وإزهاق الأرواح! وأن زعماء الرباط يحتمون بالمدنيين ويعيشون عيشة الرغد!
بل ورموا أهل الرباط -الظاهرين على الحق- بأنهم أصحاب عقائد فاسدة ومنهجهم فاسد، ووصل بالبعض من هؤلاء المرضى الحمقى بأن حكموا بردّة من وعدنا الله بنصرتهم وبشرنا رسوله الكريم بأنهم لا يضرهم من خذلهم.
وحديث الطائفة الظاهرة على الحق المتواتر والذي رواه ما يزيد على سبعة عشر صحابياً أشار فيه النبي r إلى أفعال هؤلاء ووصفها مرة بالخذلان، ووصفهم أخرى بالمناوأة، وثالثة بالمعادة، ورابعة بالمخالفة، وهذه الألفاظ تشير إلى أن المخالف والمعادي والخاذل والمناوئ يقع من القريب الذي تُرجَى منه النصرة.
ونحن نثق في وعد الله Y ووعد رسوله r، وأن هؤلاء المرابطين المجاهدين لن يضرهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم ولا من ناوأهم حتى يأتي أمر الله.
استحوذ عليهم الشيطان
يقولون: “التاريخ يعيد نفسه”، فأحداث التاريخ تتكرر وتتشابه إلى حد كبير؛ لأن وراءها سنناً ثابتة تحركها وتكيفها. وأفعال المجرمين والمفسدين والمنافقين تتكرر لأنهم يتغيرون ويتكررون ويهلكون. يكررون تجربة شيطانية واحدة هي تجربة إبليس نفسه الممتدة مع الزمن، وهذا سر الغفلة التي يقع فيها أهل الإجرام.. لا يعتبرون بمن سبقهم لأن معلمهم استحوذ عليهم فأنساهم ذكر الله، حتى أنساهم أنفسهم فكُتبت عليهم الحسرة والذلة والمسكنة، ودائماً هم الخاسرون.
والقرآن الكريم أشار إلى تشابه المواقف والأقوال والأعمال، نتيجة لتشابه الأفكار والتصورات التي تصدر عنها، وفي هذا جاء قوله تعالى: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ لَوۡلَا یُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِینَاۤ ءَایَةࣱۗ كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَیَّنَّا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ١١٨].
وقال تعالى عن مشركي قريش: ﴿كَذَ ٰلِكَ مَاۤ أَتَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا۟ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ * أَتَوَاصَوۡا۟ بِهِۦۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمࣱ طَاغُونَ﴾ [الذاريات: ٥٢-٥٣]. أي: إن هذا الاشتراك والتشابه في الموقف من الرسل، بين الأولين والآخرين، والمسارعة إلى الاتهام بالسحر أو الجنون، لم ينشأ نتيجة تواصٍ بين هؤلاء وأولئك، بل السبب أنهم جميعاً طغاة ظالمون، فلما تشابهوا في السبب، وهو الطغيان، تشابهوا في النتيجة.
ومن عرف التاريخ وسُنن الله فيه، وكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، تعلّم من أخطاء الآخرين، وكان له بهم عظة، فالسعيد من وُعظ بغيره، واقتبس مِمَّا عندهم من خير، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.
ذلك أنه ما من بلاء كان فيما سبق من الزمان إلا وهو موجود اليوم في وضوح تام، فلكل قوم وارث، والقواعد التي ينطلق منها أعداء الإسلام قديماً وحديثاً في الكيد والمكر والتآمر وإثارة الشبهات في القديم تكاد أن تكون هى نفسها شبهات المعاصرين. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَیَّنَّا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ١١٨].
وتاريخ الدعوة الإسلامية يحدثنا عن التشابه ونتائجه المثيرة للتوتر وشق الصف والتشويش على سير أهل الحق من المرابطين والمجاهدين والعلماء الدعاة الناصحين، وأنه مصدر تثبيت وقوة لا مصدر إزعاج وتشتيت وهو دليل على صدق الدعوة واستقامة الطريق.. قال U في تثبيت النبي r: ﴿مَّا یُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِیلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةࣲ وَذُو عِقَابٍ أَلِیمࣲ﴾ [فصلت: 43]. وقال -تعالى-: ﴿كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ﴾ [البقرة: ١١٨]. أي: أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب مَن تقدمهم في الكفر والعناد، وسيكون هذا التشابه لمن يأتي بعدهم.
ومن هذا ما أخبر به الله I عن “الذين لا يعلمون” المعرضين عما جاءت به الرسل المعارضين لهم.. أنهم إذا جاءتهم حسنة أي: خصب وكثرة أموال، وتوفر أولاد وصحة، قالوا: ﴿هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ وأنهم إن أصابتهم سيئة أي: جدب وفقر، ومرض وموت أولاد وأحباب قالوا: ﴿هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ أي: بسبب ما جئتنا به يا محمد، تطيروا برسول الله r كما تطير أمثالهم برسل الله.
كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى: ﴿فَإِذَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُوا۟ لَنَا هَـٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةࣱ یَطَّیَّرُوا۟ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥۤ﴾ [الأعراف: ١٣١]، وقال قوم صالح: ﴿قَالُوا۟ ٱطَّیَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ﴾ [النمل: ٤٧]، وقال قوم ياسين لرسلهم: ﴿قَالُوۤا۟ إِنَّا تَطَیَّرۡنَا بِكُمۡۖ لَىِٕن لَّمۡ تَنتَهُوا۟ لَنَرۡجُمَنَّكُمۡ…﴾ الآية [يس ١٨].
فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم. وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم[4].
قال الرازي: «ولئنَّ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ تَتَشَابَهُ أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ»[5] ثبت الله نبيه ببيان حالهم وحصن الأمة ببيان هذا التثبيت، وقال ابن عاشور: «ويجوز أن تكون «وجُمْلَةُ “تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ” تَقْرِيرٌ لِمَعْنَى “قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ”، أَيْ كَانَتْ عُقُولُهُمْ مُتَشَابِهَةً فِي الْأَفْنِ وَسُوءِ النَّظَرِ فَلِذَا اتَّحَدُوا فِي الْمَقَالَةِ. فَالْقُلُوبُ هُنَا بِمَعْنَى الْعُقُولِ. وَقَوْلُهُ “تَشابَهَتْ” صِيغَةٌ مِنْ صِيَغِ التَّشْبِيهِ وَهِيَ أَقْوَى فِيهِ مِنْ حُرُوفِهِ وَأَقْرَبُ بِالتَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ….وَفِي هَذَا الْكَلَام تَسْلِيَة للنبي r بِأَنَّ مَا لَقِيَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِثْلُ مَا لَاقَاهُ الرُّسُلُ قَبْلَهُ وَلِذَلِكَ أُرْدِفَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ: “إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ”[الْبَقَرَة: 119] الْآيَةَ»[6].
ومن أعظم التثبيت أن تتمايز الصفوف فتعرف عدوك من صديقك وتعرف بها هؤلاء الذين ما كان لهم أن يكونوا جنود نصر ولا أهل عزة وتمكين؛ بل هم قبيل من الأعداء الذين انسلخوا من الدين والشرف وتقلبوا في ظلمات النفاق والكفر فأصبحوا من المغضوب عليهم والضالين؛ لأنهم منهم وتشابهت قلوبهم.. قال تعالى:
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ * فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ * وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ﴾ [المائدة: 51-53].
وختاماً: ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [المَائدة: 81].
[1]) مسند أبي داود الطيالسي» (1/ 359) (2/ 238).
[2]) رواه أحمد (6952) والحاكم (8558)، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
[3] البداية والنهاية.
[4]) تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن (ص188).
[5]) مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (4/ 28).
[6]) التحرير والتنوير (1/ 689) وما بعدها بتصرف.