
غينيا بيساو تشهد وقفة احتجاجية دعمًا لفلسطين بتنظيم سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
أبريل 27, 2025
البيان الأول لسفراء الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
أبريل 28, 2025الأستاذ حسن جاد
رحمه الله
كل عبادة صحيحة يمتد تأثيرها إلى ما بعد وقتها من سائر الأوقات، وتنعكس آثارها على سلوك صاحبها في كل حين. والعبادة التي ينتهي أثرها بانتهاء وقتها عبادة ناقصة لم تؤدَ على وجهها الصحيح الذي ينبغي أن تؤدَّى عليه.
وشهر شوال يجيء بعد عبادة الصوم في رمضان، وقد راض الصائم نفسه فيه على: الصبر والعزيمة، والعفة والفضيلة، وعوّدها القدرة على كبح جماح شهواتها، وقتل سعار نزواتها، وألزمها أدب الظاهر والباطن، وحسن مراقبة الله في السر والعلن. فإذا صح ذلك منه في رمضان فحريّ به أن ينسحب على شوال وما بعده من الشهور ما تعوده من إخلاص، وما استقام له من خُلق، وما تطبع به من الصبر والعزم، وما غرسه الصوم في نفسه من تقوى ومراقبة، وإحساس بالمحرومين.
فأول ما يوحي به شوال أنه التجربة الأولى التي تواجه الصائم بعد رمضان، والمرآة التي تعكس حقيقة صيامه، وإن صحيحاً أو باطلاً، فمن لم يختلف سلوكه فيه عن رمضان، فهو الصائم الحق الذي أدى الفريضة خير أداء، لأن الصوم هو الشحنة الروحية السنوية التي يتزود بها العبد لسائر شهور العام.
فمن لم يتزود بهذه التعبئة لم يُجدِه صومه، ولا حاجه لله به. فالله الذي يُعبَد في رمضان هو الذي يُعبد في شوال، وخسر أولئك الذين يطلقون العنان لشهواتهم بعد انتهاء رمضان، كأنما نشطوا من عقال! وكأن السلوك المستقيم له زمن معين، فهم يرددون مع الشاعر:
رمضان ولى هاتِها يا ساقي ** مشتاقة تسعى إلى مشتاق
ولأن شهر شوال هو التجربة الأولى التي يواجهها العبد بعد شهر الصيام، كانت غرته عيداً للمسلمين، ينعمون فيه بما أفاء الله عليهم من نعمه السابغة، ورضاه العميم، جزاءً لما أخلصوا له في الصوم، واستجابوا لما فرضه عليهم؛ وهو عيد المخلصين الذين أحسنوا عبادة الصوم، واصطحبوا آثارها في شوال؛ فهم يتصدقون على المحرومين في هذا اليوم، ويتبادلون التهنئات، ويتتناولون الزيارات، ويصِلون الأرحام، ويعطفون على الأيتام، ويتطهرون من أدران البغض والخصام، ويشكرون الله على ما هداهم.
وليست مظاهر العيد بعد ذلك إلا رموزاً لأسمى المعاني، وإشارات لأشرف الأهداف، وتوجيهات لعزة المسلمين؛ فمن وراء تطهير الجسوم من الدنس المادي يجب أن تتطهر النفوس من رجسها المعنوي؛ وقبل أن نجدد الثياب علينا أن نجدد العهد والميثاق، والنوايا والأخلاق.
وحين تنطلق مع أضواء الفجر الأول من شوال أصوات المسلمين في كل بقاع الأرض، مجلجلة بنشيد واحد يهز أركان الدنيا، وتتجاوب به آفاق الوجود، نشيد العزة والقوة والنصر: الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. حين يجتمع المسلمون على هذا النشيد، ويصطفون في صلاة العيد، نرى ما يوجههم إلى وحدة العقيدة والمبدأ، ووحدة الكلمة والوسيلة، ووحدة الغاية والهدف، ووحدة الصف والجماعة، حتى يكونوا قوة على أعدائهم، ويداً على من سواهم، ولتكون كلمتهم هي العليا، ولتكون لهم السيادة في الأرض، والعزة في الوطن، والحرية في الحياة..
والعرب والمسلمون اليوم أحوج ما يكونون إلى هذه المعانى، ليستعيدوا مجدهم، ويستنقذوا أوطانهم، ويستردوا ما تنقصه الأعداء من أطراف أرضهم، وليكونوا جديرين بما وعده الله من النصر لعباده الذين اعتصموا بحبله جميعاً، ولم يتفرقوا.
ومن دلائل استدامة السلوك في رمضان أن التعبد بالصوم لا ينقطع بعده، بل يظل مظهراً من مظاهر الطاعة والاستقامة، فقد شرعت السنة إتْباع رمضان بأيام من شوال، وورد أن الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار.
على أن شهر شوال أول أشهر الحج، وكأنما كان رمضان شهر التهيئة والإعداد لهذه الفريضة، ففيه تخلية للنفوس من شهواتها، وتصفية للأرواح من كثافتها، وتجلية للقلوب من أصداءها، وهجرة من مفاتن الدنيا وملاذها، للهجرة إلى بيت الله وقد استعدت النفوس للتجلية بعد التخلية، وأصبحت قابلة لأن تكون محلاً للتجلي الإلهي والإشراق الرباني، ومشاهدة رب البيت لا البيت نفسه.
وليس العيد في مطلعه إلى جانب ما أشرنا إليه من معانيه، إلا ابتهاجاً بهذا التهيؤ، وفرحاً بهذا الصفاء، واسترواحاً من الحرمان، واستجماماً لاستئناف الرحلة إلى الله، ومتابعة المسير في طريقه.
ولقد كان للجاهليين يومان في كل عام يلعبون فيهما، فقال الرسول ﷺ: “إن الله أبدلكم خيراً منهما، عيد الفطر وعيد الأضحى”؛ والملاحظة أن عيد الفطر بعد فريضة الصوم، وعيد الأضحى بعد فريضة الحج؛ شكراً لله على توفيقه، وابتهاجاً بهذا التوفيق في العبادة.
على أن العيد هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه، كما يقول مصطفى صادق الرافعي: “إنه جمع الأمة في إرادة واحدة على حقيقة عملية.. وإثبات وجودها الروحي في أجلّ معانيه… إنه استرواح القوة من جدها، وإشعار الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام.. إنه يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع.. إنه تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار، وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة… إن الأمة تنشىء لنفسها بالأعياد أياماً تعمل عمل القواد العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر”.
وفي مقام الحديث عن ذكريات شوال نذكر ما قيل من أن العرب كانوا يتطيرون من عقد الزواج فيه، حتى أبطل الرسول ﷺ هذه الطيرة، فتزوج بعائشة رضي الله عنها فيه، قالت: “تزوجني رسول الله ﷺ في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نسائه كان أحظى عنده مني”؟
وفي السنة الثالثة من الهجرة حدثت نكسة المسلمين في (أُحد)، وكان ذلك في شوال، وما كانت هذه الهزيمة إلا درساً لهم، استفادوا به في تصحيح السلوك، وجمع الصفوف، وتلافي الأخطاء؛ ذلك لأنهم كانوا قد خالفوا عن أمر الرسول ﷺ، وخرجوا عن طاعة القائد، وشُغلوا عن الله بعرَض الدنيا، فامتحنهم ليردّهم إليه.
وفى السنة الخامسة، وفي ذلك الشهر نفسه كانت غزوة الخندق، التي صح فيها إخلاص المؤمنين، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، واجتمعت كلمتهم، وخلصت نيتهم، فجابهوا جحافل اليهود والمشركين الذين حاصروهم بالمدينة.
فقد ألب اليهود خارج المدينة قريشاً بمكة والقبائل العربية الأخرى على المسلمين في المدينة، حتى أجلبوا من هؤلاء جميعاً نحو عشرة آلاف؛ فاضطر المسلمون إلى حفر الخندق بينهم وبين المشركين، والتحصن بالمدنية من دونهم؛ ولكن دسائس اليهود خارجها استطاعت أن تصل إلى من بقي منهم داخل المدينة، وهم بنو قريظة، حيث نقضوا عهدهم مع الرسول ﷺ، وأصبحوا يهددون ظهور المسلمين.
وهنا زُلزل المؤمنون زلزالاً شديداً، وتحرج موقفهم تحرجاً كبيراً، فأمامهم الأحزاب وخلفهم بنو قريظة.
ولكن الله الذي لا يخلف وعده بالنصر لعباده المؤمنين الصادقين، ردّ غدر بني قريظة في نحورهم، وسلّط على الأحزاب ريحاً قوّضت خيامهم، وكفأت قدورهم، وفرقت شملهم، وردّتهم على أعقابهم غائبين، وأمدّ رسوله ﷺ والمؤمنين من حوله بجنود من عنده وأيدّهم بنصره، وكفاهم شر القتال؛ ثم أوحى إلى رسوله أن يؤدب بني قريظة على خيانتهم للعهد، ونقضهم للميثاق، فحاصر المسلمون حصونهم، حتى رضوا بحكم الله من فوق سبع سموات، على لسان سعد بن معاذ الذي قضى بقتل رجالهم، وسبي نسائهم.
وهكذا تطهرت المدينة نهائياً من جميع اليهود، فقد كان بنو قريظة آخر من بقي فيها منهم بعد بني النضير وبني قينقاع.
وفي ذلك يقول سبحانه: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَاۤءَتۡكُمۡ جُنُودࣱ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا وَجُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا * إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ * هُنَالِكَ ٱبۡتُلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُوا۟ زِلۡزَالࣰا شَدِیدࣰا﴾ [الأحزاب: 9-11].
ثم يقول جل شأنه: ﴿وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِغَیۡظِهِمۡ لَمۡ یَنَالُوا۟ خَیۡرࣰاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزࣰا * وَأَنزَلَ ٱلَّذِینَ ظَـٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن صَیَاصِیهِمۡ وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِیقࣰا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِیقࣰا * وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِیَـٰرَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُمۡ وَأَرۡضࣰا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣰا﴾ [الأحزاب: 25-27].
فالله أكبر، ولا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.
ـــــــــــــــــــ
- مجلة الأزهر، الجزء الثامن، السنة التاسعة والثلاثون، شوال 1387هـ = يناير 1968م.