دعوة الإسلام صالحة ومصلحة في كل زمان ومكان
مايو 18, 2024قراءة حول معركة طوفان الأقصى
مايو 20, 2024هنا في سجون الاحتلال الإسرائيلي كثيراً ما تقتحمنا وحدات مقنعة من العصابات الصهيونية، معها أسلحتها النارية إضافه للغاز والهراوات والعصي الكهربائية، بهدف التخريب والترويع وإثارة الرعب في نفوس الأسرى. ونحن لا نملك مقابلهم سوى إرادتنا المستندة على ثقافة تربوية ثورية تشحننا بالطاقة والقدرة على الثبات في وجوههم بعزة وشموخ.
وبالتالي هم يخربون ويعبثون بمحتوياتنا لكنهم لا يشعرون بأنهم أثروا على نفوسنا بشيء؛ فنحن ننظر إليهم كدُمى تتحرك وتعبث في الأشياء دون أن نخاف أو نرتعب كما هم يأملون؛ بل يفقدون الثقة بأنفسهم ونحن ننظر إليهم باسمين، الأمر الذي يدفعهم للاعتداء علينا مباشرة إما بالشتم أو باستخدام أسلحتهم والضرب.
فإذا وصل الأمر إلى الصدام المباشر على هذا النحو فإن الأسرى الفدائيين يردون الشتم بالشتم والضرب بالضرب، حتى لو كان الفدائي وحده ومقيد المعصمين فإنه سيضرب دون تردد.. لن يفكر مجرد تفكير في ذلك! لن يعطي نفسه ولو ثانية لحسابات النتائج وصوابية قراره بالضرب؛ فلحظة الدفاع عن الكرامة لا تحتاج إلى قرار.
وفي إحدى هذه الصدامات المباشرة كان قد شُج رأسي ونزف الدم غزيراً من الجهة اليمنى فوق الأذن بقليل.. شعرت بالدوران لكني بقيت واقفاً لم أسقط، فتلقيت ضربة أخرى على ذات المكان فشعرت برأسي أثقل من جبل فوق أكتافي لا أقوى على حمله؛ فوقعت ممدداً على ظهري وسكنت.. ساعتها توقفوا عن الضرب أو لربما تخدر جسمي فلم أعد أشعر بالألم، كنت أراهم أشباحاً صوراً غامضة تدور حولي؛ لكني أسمعهم جيداً:
قال أحدهم: أحضروا الحمالة.
بعد برهة من الوقت حملوني خارج السجن الذي كان فيه الأسرى ممددين كالجثث في الغرف إثر ضربة الغاز التي استنشقوها أثناء الصدام.. وضعوني في ساحة خارج السجن وبدأت أشعر ببرودة تسري في جسدي..
سمعت أحدهم يقول: لقد نزف دماً كثيراً.
رد عليه آخر: فليمُتْ!
سمعت ثالثاً قال لهم: لا نريد أن نتحمل مسؤوليته، أحضروا الطبيب يجب أن نعالجه.
ربما يكون هذا الثالث هو ضابطهم، لم أتحقق من ذلك؛ فكلهم مقنعون وبلباس موحد فقط، أعرف أنهم من عصابة تسمى(المتسادا).
مضى وقت قليل وصرت أشعر بالنعاس، حتى جاء الطبيب وسمعته يقول: إنه بحاجة إلى دم يجب نقله للعيادة وترتيب نقله للمستشفى، ومباشرة حملوني وقد ضجت الأجواء من حولي ومشوا بي حتى دخلنا عيادة السجن.
وهناك رفعوني عن الحمالة ليضعوني على سرير؛ فشعرت كأنما رفعوني من بركة ماء، كان ظهري غارقاً في الدم، رأيتهم يفرشون قطعة بلاستيكية سوداء على السرير الذي وضعوني عليه، جاء ممرض وصار يلف رأسي بالشاش، يحاول وقف النزيف وتضميد الجروح، خلع عني القميص وصار ينظف جسدي من الدم، كان الطبيب يجلس وراء مكتبه أمام شاشة الكمبيوتر، تحدث مع إدارة السجن ومع إدارة المستشفى، فهمت أنه يطلب سيارة إسعاف لنقلي.
سمعته يقول: أحضروا وحدة دم من نوع O positive مع سيارة الإسعاف.
وكان أفراد العصابة المقنعة ما زالوا حولي فسمعت أحدهم يقول للآخر: إن دمه مثل دمي O positive.
فردّ عليه مباشرة: لا! ليس مثله.
فأكّد الأول وقال: بلى مثله أنا دمي O positive.
فردّ عليه: أعرف، لكن ليس مثله، هناك فرق.
فسأله: كيف؟ ما الفرق بين O positive وO positive؟!
فأجابه: أنت دمك O positive يهودي، أما هو فدمه O positive عربي.
شعرتُ حينها بالشفقة عليه؛ فهو جاهل ومريض، هو ضحية الثقافة والتربية الصهيونية ذات الأساليب والأهداف العنصرية، كانت الشفقة هي آخر ما شعرت به تجاههم. وكنت مبتسماً وأنا أموت، وظننت نفسي قد مت مبتسماً؛ فلم أدرِ يومها ماذا حدث فيما بعد، لكني لم أمت.. كنت قد غبت عن الوعي ٢٤ ساعة فقط؛ لأصحو بعدها وأجد نفسي في المستشفى ممداً على السرير ومكبلاً بالأصفاد.
كان ذلك قبل عشرة أعوام، لم أمت وعشت حتى الآن لأشعر بذات الشفقة على الإنسان الأمريكي والأوروبي المصاب بمرض الثقافة والتربية الصهيونية التي تجلت أعراضها هذه الأيام بوضوح؛ فرأينا كيف تعنصروا لصالح أوكرانيا ضد روسيا منذ اليوم الأول لبدء الأزمة، متهمين روسيا بممارسة جريمة حرب، ومباشرة ودون تردد فرضوا العقوبات المتنوعة على روسيا.
في حين مضى ٧٠ عاماً وإسرائيل تمارس جرائم حرب ضد الفلسطينيين وهي حتى اللحظة تقتل الأطفال يومياً وتهدم البيوت؛ بل وتفرض على الإنسان أن يهدم بيته بنفسه إمعانا في القهر والإذلال.
وقد سوَّت غزة بالأرض أكثر من مره وتمارس العربدة والاستقواء على مدار الساعة، وقد أثبتت منظمات دولية أن إسرائيل تمارس جرائم حرب وتطبق سياسة عنصرية في فلسطين لكن أمريكا وأوروبا ترفض أن تمارس عقوبة واحدة على إسرائيل.. لماذا؟
تُرى ما الفرق بين الدم الأوكراني والدم العربي الفلسطيني؟
لم يفعل الجيش الروسي بأوكرانيا شيئاً يٌذكَر قياساً بما تفعله العصابات الصهيونية في فلسطين.. تُرى ما بال الإنسان الأمريكي والأوروبي؟! هل صاروا مثل عصابة (المتسادا) التي أشفقتُ عليها؟
إنهم يقولون لنا من خلال حملتهم المسعورة ضد روسيا إن هناك فرقاً بين الدم الأوكراني والدم العربي، رسالتهم لنا واضحة أن دمنا رخيص ليس مهماً ولا يستدعي أن ندين إسرائيل أو نعاقبها لأجله.
أما الدم الأوكراني فنفيسٌ، ويستحق أن نشن حملة ضد روسيا لأجله.. ماذا يعني ذلك؟
سقوط القناع
يعني أن وجه أمريكا وأوروبا قد انكشف، وظهرت على حقيقته، سقط قناع الحرية والعدالة والمساواة عن وجه أوروبا وأمريكا، وظهرت بوجهها المفترس والدموي وتاريخها الأسود المتجاوِز لكل الأخلاق الإنسانية.
وأمام هذه العنصرية والصورة السوداوية لِما وصلت إليه الإنسانية فوق هذا الكوكب الحي.. جئت أقول لشعبي العظيم:
لا تحقدوا على أحد؛ بل اشعروا بالشفقة على أخيكم الإنسان في أمريكا وأوروبا؛ لأنه مريض بالعنصرية، وقد أثر المرض على عقله فصار جاهلاً به..
صورة خارجية أنيقة وراقية، مجرد صورة محكومة بسلوك عنصري، جاهل بالأمر الذي سيؤدي به إلى الهلاك؛ لأن العنصرية هي آفة الشعوب والأمم، أشفقوا عليهم وظلوا كما هي أخلاقنا وثقافتنا الإنسانية، لا تفرقوا بين دم ودم ونفس ونفس؛ فكل نفس هي عزيزة وكل دم هو غال ونفيس، واعلموا أن آمال المستضعفين في الأرض معقودة علينا..
إن آمالهم كبيرة بأننا نحن الشعب الفلسطيني وبرغم كل ما فينا من أوجاع وكل ما نعاني من قتل وهدم وتهجير وظلم واحتلال يمارس علينا أبشع أنواع العنصرية و الـ(ابرتهايد)، برغم كل ذلك نظل نحن القادرين على إنقاذ الإنسانية من براثن العنصرية الصهيونية، التي تفشت في إخوتنا الناس هناك في أمريكا وأوروبا.
فمسؤوليتنا أبعد من فلسطين.. نحن أهلٌ لقيادة ثورة المستضعفين في الأرض نحو إعادة صياغة تربية إنسانية نظيفة من وسخ التربية الصهيونية العنصرية.. تربية إنسانية يكون فيها الإنسان كما يجب أن يكون.. إنسانٌ يحب أخاه الإنسان ويتعاون معه أينما كان، بصرف النظر عن لونه ودينه وعرقه.
ــــــــــــــــ
* عبد العظيم عبد الحق، أسير في السجون الإسرائيلية، مقال بتاريخ: 11-3-2022م، كَتبه في سجن ريمون. المصدر: موقع إلكتروني (فيسبوك): الأسير عبد العظيم عبد الحق.