
كيف ضاعت فلسطين؟
مارس 22, 2025
ليت الحكام والملوك سقطوا ولم تسقط القدس!
مارس 24, 2025عبدالله التل – رحمه الله*
كانت اتصالات الملك عبد الله باليهود مستمرة، ويعلم بها أهل عمان وخاصة الذين يترددون على قصره. وقد كان جلالته يحضر اليهود إلى القصر عن طريق مطار عمان حيث تنزل بهم الطائرة وكأنها طائرة بريطانية فلا يجرؤ أحد على التعرض لها، ثم ينقل ركابها بسيارة من سيارات الخاصة الملكية إلى القصر الملكى.
وفي كثير من الحالات كان جلالة الملك يسافر بنفسه خفية إلى الحدود الأردنية الفلسطينية حيث يجتمع بأقطابهم في مشروع روتنبرج (مشروع لتوليد الكهرباء يقع على الحدود الأردنية الفلسطينية)، أو بإحدى المزارع القريبة من ذلك المكان. وسوف أذكر على سبيل المثال اجتماعاً واحداً من اجتماعات جلالته على الحدود، واجتماعاً واحداً من اجتماعات جلالته بهم في عمان، وقد استقيت المعلومات عن هذين الاجتماعين من: مدير الخاصة الملكية محمد الضباطي، ومن التشريفاتي عبد الغني الكرمي، وجلالته نفسه لم يُخفِ عن أحد ما جرى بينه وبين اليهود في هذين الاجتماعين .
اجتماع الملك بشرتوك في المشروع بجسر المجامع 12|4|1948
في أوائل نيسان -أبريل 1948 اتصل (أبو يوسف) مدير مشروع روتنبرج بصديقه (الضباطي) الذي كان يزور المشروع كثيراً نظراً لقربه من مزرعته ولصداقته مع يهود المشروع. وأخبره برغبة شرتوك في الاجتماع مع جلالة الملك في المشروع. فنقل الضباطي الرسالة لجلالته، فسر كثيراً وحدد موعد الاجتماع في 12|4|1948 وهو اليوم الذي انتقل فيه جلالته من الشونة إلى عمان.
وفي اليوم المحدد ادعى جلالة الملك أنه يرغب في زيارة مقام الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجراح، وهو قريب من جسر المجامع، وتوجه جلالته وبرفقته قاضي القضاة محمد الشنقيطي ومحمد الضباطي وسيارة واحدة من الحرس الملكي. وحينما وصلوا للغور مروا بالفعل على مقام أبي عبيدة وتفقد جلالته الإصلاحات التي قامت بها دائرة الأوقاف. ثم نزل بعدها إلى مزرعة الضباطي لتناول طعام الغداء. ومن مزرعة الضباطي ضاع أثر جلالته وأخفى حرس المزرعة النبأ، إذ أن جلالته انتقل من بين الأشجار إلى المستعمرة التي بنيت للمشروع في أراض أردنية. وهناك كان شرتوك وأبو يوسف في استقبال جلالة الملك وكان وصوله وقت الغداء فجلسوا إلى المائدة.
وبعد تناول طعام الغداء اختلى جلالته بشرتوك وأبي يوسف وحضر الخلوة الشنقيطي. ولم تدُم الخلوة أكثر من ساعة ظلت الأبحاث التي دارت فيها سراً إلا ما كان يتفوه به جلالته بعد ذلك، بما عرف عنه من صراحة، وكان أهم ما اتفق عليه في ذلك الاجتماع هو قبول الطرفين لمشروع التقسيم والعمل على تنفيذه. وسوف نرى بالفعل كيف نفذ جلالة الملك وعده لشرتوك الذي خان الوعد ولم يرض بالتقسيم وما هو أكثر من التقسيم.
وقد عاد جلالته إلى عمان بعد ظهر ذلك اليوم واستقبل في عمان استقبالاً عظيماً بمناسبة عودته من مشتاه في الشونة إلى العاصمة!
جولدا مايرسون مع جلالته في عمان 11-12|5|1948
بلغت أزمة فلسطين أوج شدتها في أواسط مايس -مايو- وقبيل انتهاء الانتداب ببضعة أيام. وأراد اليهود أن يطمئنوا إلى محافظة الملك عبد الله على وعوده التي قطعها لهم بتأييد مشروع التقسيم وعدم اللجوء للقوة. فجرى الاتصال بواسطة الضباطي ومزرعته في جسر المجامع… وتبودلت الآراء والرغبات لعقد اجتماع بين اليهود وجلالته. واتفق الطرفان على أن يكون المكان عمان. وعلم جلالته أن القادم هذه المرة هي جولدا مايرسون إحدى الشخصيات البارزة في الوكالة اليهودية .
ولما كان موعد الاجتماع قد تقرر في ليلة 11-12|5|1948 فقد أرسل جلالة الملك محمد الضباطي بسيارة (بيك أب) من سيارات الضباطي التي يعتمد على قوتها وصلاحها. أرسله إلى الغور لينقل إلى عمان جولدا مايرسون التي تنتظر في المكان المعين بين الأشجار. وتحرك الضباطي من عمان إلى الغور ووصل إلى المزرعة في التاسعة ليلاً ووجد جولدا في الانتظار مرتدية الكوفية والعقال، فأركبها إلى جانبه وأركب رفيقها المترجم في قفص السيارة الخلفي، وعاد أدراجه دون أن يعلم بهم أحد إلا القلائل من حرس المزرعة المخلصين.
وعاد الضباطى إلى عمان بأقصى سرعته، فقطع المسافة بأقل من ساعتين وجولدا بجانبه لا تتكلم .
في قصر الضباطي
لم يذهب الضباطى إلى رغدان بل توجه إلى قصره الذي يقع على طريق المحطة -عمان. وقد كانت الأوامر قد صدرت بإعداد العشاء في قصر الضباطي حتى لا يطلع الكثيرون من موظفي رغدان على ذلك الاجتماع. وحينما دخل الضباطى إلى الغرفة المعدة للاجتماع، أنبأ جلالة الملك بأن الضيفة قد وصلت بخير، فسر جلالته وأشار بإدخالها، وهو الذي كان ينتظرها منذ اللحظة التي تحركت بها السيارة لإحضارها .
دخلت جولدا، فنهض جلالته وتصافحا ودعاها جلالته ومن معها إلى العشاء وقد قاربت الساعة الحادية عشرة، وعلى المائدة لم يدُر حديث هام ولم تأكل جولدا كثيراً لأنها كانت مضطربة وكأنها مقبلة على معركة .فلاحظ جلالته عليها ذلك وصار يلاطفها ويطمئنها، إلى أن انتهوا من تناول الطعام، وانتقلوا إلى غرفة الاجتماع .
عهد الملك لجولدا مايرسون
وقع جدل طويل بين جلالته وجولدا مايرسون لأنها قدمت طلبات الوكالة اليهودية التي وجدها جلالة الملك ثقيلة ويصعب تنفيذها بالشكل الذي وردت به. وخلاصتها كما رواها من كان حاضراً الاجتماع كما يلى :
- “أن يعلن جلالة الملك الصلح مع اليهود ولا يبعث بجيشه إلى فلسطين بالمرة.
- أن يرسل جلالته والياً ليحكم القسم العربي من فلسطين بحسب قرار التقسيم.
- ومقابل ذلك تقبل الوكالة اليهودية ضم القسم العربي من فلسطين إلى التاج الهاشمي”.
وقد رفض جلالته تنفيذ الشرط الأول لأنه يظهر جلالته بمظهر الخارج على إجماع العرب والدول العربية التي صممت على إرسال جيوشها لإنقاذ فلسطين، إنما تعهد جلالته أن لا يحارب الجيشان الأردني والعراقي اليهود وأن يقف الجيشان في الحدود التي رسمها التقسيم ولا يتعدياها.
وبعد أخذ ورد، وتهديد من جولدا تارة ووعيد من جلالته تارة أخرى، قبلت جولدا رأي جلالة الملك وأخذت عليه عهداً بذلك .
وقد انتهى الاجتماع في الثالثة صباحاً وعاد الضباطي بجولدا ورفيقها إلى المزرعة، فوصلها نحو السادسة صباحاً. ولم تعد رحلة جولدا لعمان سراً فقد شرع جلالته يكشف النقاب عنها ويتندر بخشونة هذه المرأة اليهودية وجبروتها .