
وفاء الشهيد
يناير 17, 2025
الجذور الأولى للثورة الإسلامية في سوريا – الشيخ مروان حديد
يناير 17, 2025أبو مصعب السوري – رحمه الله*
يعود تأسيس التجربة الجهادية في سوريا إلى الشيخ مروان حديد رحمه الله. والذي كان قد تربى في (الإخوان المسلمين)، وأثناء دراسته للهندسة الزراعية في مصر، تأثر بأفكار سيد قطب رحمه الله. وعاد إلى سوريا ممتلئاً حماساً، فيما كان حزب (البعث) العلماني القومي الاشتراكي قد استولى على السلطة.. فنشط عبر المساجد في مدينة حماة بالخطابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة لتحكيم الشريعة، واعتقل مراراً.
وفي سنة (١٩٦٥) داهمت قوات الحكومة عليهم أحد المساجد واشتبك مع عدد من تلامذته في صدام مسلح مع السلطة، فاستشهد عدد منهم، واعتُقل الشيخ وآخرون وحكم عليهم بالإعدام. ثم اضطر رئيس الدولة آنذاك -الرئيس أمين الحافظ- إلى الإفراج عنهم تحت ضغط العلماء في سوريا، وعلى رأسهم الشيخ محمد الحامد رحمه الله.
كان الشيخ مروان قد تنبه إلى أن مواجهة كبرى مع النظام البعثي لا بد آتية.. وأنذر مبكراً من مشروع طائفي نُصيري قادم. ولما لم يستطِع إقناع (الإخوان المسلمين) بالإعداد للمواجهة، توجه بنفسه وتلاميذه للإعداد.. من خلال العمل المسلح مع منظمة (التحرير) الفلسطينية، من خلال الفصيل الإسلامي فيها. وتمكن من إعداد النخبة الجهادية الأولى لتنظيمه الجهادي.
سنة (۱۹۷۰) انقلب حافظ الأسد والمجموعة النصيرية العلوية في الجيش وحزب البعث انقلاباً أبيضَ، دُعي بـ(الحركة التصحيحية).. وهكذا قفزت الطائفة النصيرية من غلاة الشيعة الباطنية للمواجهة؛ لتتولى السلطة جهاراً نهاراً وتحكم المسلمين في سوريا، تماماً كما كان قد حذر منه الشيخ مروان رحمه الله..
وعاد الشيخ مروان حديد رحمه الله للتحرك للمواجهة من جديد، وسعى مع قيادة شطري تنظيم (الإخوان المسلمين) في سوريا -الذين كانوا قد انقسموا خلال تلك المدة- من أجل السعي في توحيدهم على مشروع مواجهة النظام. ولكن كلا الجناحين، التابع للتنظيم الدولي برئاسة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله ونائبه عدنان سعيد الدين، وكذلك الجناح الآخر بزعامة عصام العطار -اتفقا رغم اختلافهما الكبير على رفض مشروع الإعداد للمواجهة، وآثرا الاستمرار في منهجهما الدعوي السلمي.
ولما اقتنع الشيخ مروان حديد رحمه الله، بعدم إمكانية إقناع (الإخوان المسلمين) بالمواجهة، شكّل تنظيمه الخاص الذي أسماه (الطليعة المقاتلة لحزب الله). وكوّن له ثلاث نويات رئيسية في مدينته (حماة) مسقط رأسه وميدان حركته الرئيسي. وفي (حلب) ثاني أهم مدن سوريا. وفي العاصمة (دمشق)؛ حيث انتقل إليها مختفياً من أجل الإعداد للمواجهة مع النصيرية.
طرد (الإخوان المسلمون) مروان من تنظيمهم مع مجموعة ممن تأثروا بأفكاره الثورية الجهادية، وحاولوا كبح جماحه، ولكنه تابع تجنيد أنصار له معظمهم من شباب (الإخوان)، وقال قولته الشهيرة: “لإن أخرجني الإخوان من الباب، لأدخلنّ عليهم من الشباك، ولأجرنّهم للجهاد”.
وهذا ما حصل فعلاً!
اعتُقل الشيخ مروان حديد سنة (۱۹۷۰)، بعد اشتباك مسلح مع المخابرات في مخبئه في دمشق، ومكث في السجن إلى سنة (۱۹۷۵ ) حيث فقد نصف وزنه تحت التعذيب. ثم أُعدم بحقنة سامة في السجن كما رُوي آنذاك. ودُفن رحمه الله، وغُيب قبره ولم يسمح لأهله أن يعلنوا له جنازة.
آلت قيادة تنظيم الطليعة المقاتلة إلى تلامذته، وتسلم الإمارة من بعده الشهيد عبد الستار الزعيم رحمه الله، واتخذت الطليعة خطة سرية للمواجهة عبر الاغتيالات النوعية لرؤوس الدولة من كبار النصيرية. ونفذوا ذلك خلال الأعوام (۱۹۷۵ – ۱۹۷۹)، ولم تستطع الدولة أن تتعرف على هويتهم إلا في آخر تلك المدة بالتعاون مع المخابرات الأردنية.
أعلنت الطليعة الجهاد على النظام في سوريا صيف (۱۹۷۹) في شهر شعبان (۱۳۹۹)، وأعلنت عن نفسها باسمها الجديد (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين)، وابتدأت حرب عصابات مدن على مستوى القطر السوري بكامله.
أعلن الإخوان المسلمون (الجناح الرئيسي المرتبط بالتنظيم الدولي) ابتداءً براءته من تلك المواجهة، وطالب بلجان تحقيق تثبت عدم علاقتهم بالأحداث، في حين تبنى عصام العطار المواجهة ونسبها إليه، ونشر أرقام حساباته البنكية لجمع التبرعات.. للجهاد طبعاً.. من ألمانيا!
اضطرب نظام (حافظ أسد) تحت وقع الضربات العسكرية للمجاهدين من الطليعة، وقرر مواجهة وتصفية كافة فصائل الإخوان المسلمين، ومن ثم طور المواجهة لتشمل كافة طيف الصحوة الإسلامية. بل وكافة الشريحة المتدينة في البلد.. واتخذت المواجهة شكل حرب بين أهل السنة وهم جمهور المسلمين في سوريا، وبين الأقلية النصيرية التي تُدعى بالطائفة (العلوية)؛ كما سماهم الفرنسيون أيام الاحتلال، ليلبسوا أمرهم على الناس.
نتيجة انتصارات المجاهدين من جهة، والطمع في قطف ثمرة حملة حافظ أسد عليهم من جهة أخرى.. أعلن الإخوان المسلمون دخولهم الحرب ضد النظام أواخر (۱۹۷۹)، بعد عدة أشهر من اندلاعها! وتبنوا المواجهة وراحوا يعملون على الاستيلاء على قيادتها والاستحواذ عليها من الطليعة. ولعبت سياستهم تلك الدور الرئيسي -وإن لم يكن الوحيد – في إجهاض الجهاد المسلح ضد النظام في سوريا.
نتيجة أسباب داخلية ونتيجة سياسة (الإخوان)، ونتيجة الضربات الأمنية للحكومة التي نجحت باستعادة زمام المبادرة.. تقهقرت (الطليعة المقاتلة)، وُصفي معظم كوادرها قتلاً وسجناً… واضطر مَن تبقى منها للخروج إلى دول الجوار؛ حيث فتحت حكومتا العراق والأردن، المناوئتين للنظام السوري آنذاك، الأبواب للمعارضين السوريين من كل مكونات الطيف السياسي.
استطاع الإخوان المسلمون بقيادة عدنان سعيد الدين الاستحواذ على قيادة الثورة الجهادية في سوريا، وجرّ مَن تبقى مِن الطليعة وكذلك تنظيم عصام العطار، بالإضافة إلى شريحة كبيرة من جماعات العلماء في سوريا إلى الانضواء تحت قيادتهم منذ ۱۹۸۰.
قاد الإخوان المسلمون مسيرة الفشل السياسي والعسكري الشامل للثورة الجهادية في سوريا، إلى أن أُجهضت في مواجهات حماة (۱۹۸۲) الدامية.. حيث قُضي على الأجهزة العسكرية لكافة الفرقاء، وتكبد المسلمون خسائر تجاوزت 50 ألف قتيل، في أشهر عمليات إبادة جماعية ارتكبتها حكومة عربية في القرن العشرين!
وهكذا انتهت التجربة الجهادية السورية، التي تمثل أهم وأطوال تجربة مواجهة للتيار الجهادي المسلح ضد حكومات الردّة في العالم العربي والإسلامي.
وقد يسر الله للعبد الفقير كاتب هذا الكتاب أن يؤرخ لتلك المرحلة الهامة، خلال فترة (١٩٧٥-١٩٨٥).. وذلك في الكتاب الذي كان بعنوان (الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا آلام آمال)، وقد كتبته خلال (۱۹۸۵- ۱۹۸۷)، ونشر في (بيشاور) أواخر (۱۹۹۰). ويحتوي تسجيلاً وافياً لتلك التجربة.
وقد يسر الله لي مواكبة تلك المرحلة حيث كنت قد التحقت بتنظيم الطليعة المقاتلة مطلع سنة ١٩٨٠، ثم وبعد خروجي من سوريا آخر ذلك العام، التحقت بتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا والذي استقر في الأردن وعملت في الجهاز العسكري للتنظيم، وكنت خلال أحداث انتفاضة حماة ۱۹۸۲ واحداً من أعضاء القيادة العسكرية لتنظيم الإخوان المسلمين الذي تشكل في بغداد، من كوادر الجهاز العسكري -الذين كنت واحداً منهم- ومن القيادة السياسية العليا للإخوان السوريين. مما مكنني من الإطلاع على خفايا سير تلك الأحداث وأسباب هزيمتنا فيها، وهو ما سجلت تاريخه وخلاصة دروسه في كتابي آنف الذكر.
ـــــــــــــــــــــــــــ
* من كتابه: دعوة المقاومة العالمية، نسخة إلكترونية، ص741-744. [عنوان المقال بواسطة التحرير].
وأبو مصعب السوري، أو: عمر عبد الحكيم، واسمه الحقيقي: مصطفى عبد القادر ست مريم، مجاهد سوري من حلب، انضم للإخوان المسلمين وكان عضو المجلس العسكري في إبان ثورة الثمانينات، ثم تركهم وانضم إلى القاعدة، وعرف بمنظر التيار الجهادي أو مهندس النظرية الجهادية، وقد اعتقل على يد السلطات الباكستانية بعد أحداث 11 سبتمبر ثم سلم إلى سوريا، واختفت الأخبار عنه.. ولما تحررت دمشق ولم يعثر له على أثر صحت الأخبار بأنه قد قُتِل في السجون السورية، يقال: قتل في 2013م.
ولأبي مصعب مؤلفات مهمة في التجارب الجهادية المعاصرة منها كتابه عن التجربة السورية والتجربة الجزائرية، ولخص تاريخ التيار الجهادي والنظرية التي يعتنقها في كتابه الكبير: “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية”