العدد السادس عشر : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
سبتمبر 1, 2023العدد الثامن عشر : طوفان الأقصى (1)
نوفمبر 1, 2023ما أرسل الله من رسول إلا أيدة بمعجزة تدل على صدقه وتؤيد دعواه، وتدعو أصحاب العقول الصحيحة للإيمان به، وعبر رسول الله ﷺ عن طبيعة معجزته فقال: “مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْياً أَوْحَى الله إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ”١.
فكانت معجزته وحياً وعلماً ﴿وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن یُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصۡدِیقَ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَتَفۡصِیلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا رَیۡبَ فِیهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [يونس: ٣٧].
والمتأمل لأول ما نزل من القرآن الكريم يدرك أن معجزة النبي الأكرم ﷺ، كانت معجزة بيانية بلاغية، أساسها العلم وترتكز على التعليم، فكانت البداية مع سورة العلق:
﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ * خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ * ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ * ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ﴾ [العلق: ١-٥].
فقد علم رسول الله ﷺ أصحابه كيف يفتحون بلاد العالم باسم الله، وتدين لهم المدائن على سنة رسوله ومصطفاه، وأصبحت جيوشهم على تخوم بلاد الروم، وفرسانهم يفتحون بلاد فارس، وكان أحدهم قبل الإسلام يصنع إلهه من عجوة، فإن جاع أكله!
ولو أُخذت عينة من جيل الصحابة، لعمل دراسة من ناحية كونهم من المعجزات التربوية لرسول الله ﷺ من خلال مقاييس التعليم والتغيير، وأثره فيهم، لقبل ذلك المنصفون وأقروا به.
وهذا كله نتاج اعتماد رسول الله ﷺ مبكراً على نظام التدريس والتعليم من خلال “مدرسة محمد” التي كانت في دار الأرقم بن أبي الأرقم، ذاك الفتى المخزومي الذي لم ترهبه عدواة قريش للمؤمنين، ولا جلد قومه في معادة النبي الكريم.
واستمرت هذه المدرسة في مكة ثلاثة عشرة سنة، تربى فيها الجيل الأول من صحابة النبي الأكرم ﷺ، وعليهم قام بنيان الإسلام وفتحت البلدان، ومنهم كانت طلائع الهجرة، حيث انتقل الإسلام من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة، وأثمرت تربية الثلاثة عشر سنة حُكماً دام ثلاثة عشر قرناً، حتى سقطت الخلافة العثمانية 1923 أي قبل مئة سنة من الآن، وهي مرحلة الاستثناء والجملة المعترضة في تاريخ الأمة.