خطورة التخذيل والإرجاف
أكتوبر 8, 2024أسوء مرَض .. وأسوء مَرضَى
أكتوبر 8, 2024د. حسين عبد العال
عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
كثير ممن كنا نظن فيهم النصرة لغزة في معركتها الفاصلة مع الصهاينة، ونصرتهم من أجل الدين أو حتى العروبة والنخوة والرجولة، أو لأجل موقف غزة ودفاعها عن شرف هذه الأمة، كثير منهم تخاذلوا عن نصرتها، فهل ذلك لأن غزة ورطتهم بغير حق؟ أم لأنهم متخاذلون لا يستحقون شرف الدفاع عن غزة الأبية، أو لأن الله تعالى كره انبعاثهم وكره ادعاءاتهم لنصرة القضية الفلسطينية، ففضحهم على رؤوس الأشهاد؟
قال الله تعالى في حق المنافقين يوم تبوك: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 46- 47]، وقال سبحانه واصفًا إياهم بالخالفين: ﴿فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ [التوبة: 83].
عافانا الله تعالى من ذلك!
غزة ومعركة السابع من أكتوبر
فاجأنا رجال وأبطال غزة يوم السابع من أكتوبر عام ألفين وثلاثة وعشرين، بما لم نكن نحلم به، أو بما كنا نراه ضربًا من الخيال، لكن هؤلاء الرجال بعزيمتهم التي لا تعرف المستحيل، كانوا من زمن بعيد يدبرون ويخططون ويستعدون لهذا اليوم العظيم، ولأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا، فلقد كلل عملهم وتنفيذهم بنجاح منقطع النظير، وجاءت نتائج معركتهم بنصر لم يكونوا هم يتوقعونه، تخيل معي مائتين وخمسين من الصهاينة أسرى في قبضة رجال المقاومة، وأكثر من ألف ومئتين قتلى من الصهاينة في عدة ساعات صباح ذلك اليوم، وكماً هائلاً من الفارين الخائفين المذعورين، وظهوراً مخزياً للجيش الصهيوني الهش الضعيف، واقتحاماً للسور الذي أنفقوا عليه المليارات من الدولارات، والأهم من ذلك عودة المجاهدين لقواعدهم سالمين، إنه والله لنصر مبين للمقاومة الحرة في ذلك اليوم المشهود.
حتى وإن كان العام الذي تلا ذلك اليوم كان فيه ما فيه من الأهوال والفظائع لأهل غزة، وما أصابهم من لأواء وبلاء مما لا يخفى على أحد، وهذا في تقديري يرجع لأسباب ثلاثة:
- خسة ونذالة العدو الذي يجبن عن لقاء الأبطال في الميدان ويصب حممه على الضعفاء والمساكين من عامة الناس، أطفالًا ونساءً ورجالًا لا علاقة لهم بالمعركة.
- الدعم الغربي اللامحدود للكيان الصهيوني، من إمداده بالسلاح والمال والجنود، والوقوف معه ضد أي قرار إدانة له، وهم بذلك شركاء له في كل قطرة دم تراق، وإن زعموا وتشدقوا بغير ذلك، وخاصة أميركا التي تدعي أنها ترعى التفاوضات وهي التي تدير عرقلتها من ناحية أخرى، وما حدث من استقبال (النتن) في الكونجرس ليس منا ببعيد، وكل ذلك لا ولن ينسى لهم بإذن الله تعالى، وسيحاسبون عليه.
- التخاذل العربي والإسلامي في نصرة المجاهدين في غزة، بل والأدهى وقوف حكام دولنا الملاعين -أخزاهم الله تعالى- بجوار الكيان الصهيوني، وإمداده بالغذاء والكساء وباقي مقومات حياته، وما قوافل السيارات من الإمارات عبر السعودية والأردن منا ببعيد، وكذا السفن التجارية التي لا تنقطع من مصر في البحر المتوسط.
غزة والمسجد الأقصى
ترى ما علاقة غزة بقضية المسجد الأقصى؟ وهل قامت معركة الطوفان لأجل المسجد الأقصى؟
لقد كان أهل غزة في حياتهم العادية -رغم طول الحصار عليهم- إلا أنهم في نظر الآخرين كانوا في شيء من الأمن، مدارسهم مفتوحة، ومستشفياتهم تعمل، والمساعدات -وإن قلت- إلا أنها تدخل لهم، وعلى الأقل ينامون في بيوتهم، فيا ترى لم قاموا بما قاموا به؟! رغم علمهم بالعاقبة التي ستحل بهم من الدمار.
الحق يقال إن مجاهدي غزة الأبطال وإن كانوا قاموا لأجل نصرة غزة مما كان قادمًا لها لا محالة من دمار وطرد وتهجير كما هو معلوم، إلا أنهم وفي الأساس قاموا لأجل المسجد الأقصى، لما حدث له من اقتحامات وتدنيس وتجهيز للبقرات الحمر، وتصريحات من الصهاينة بهدمه، فكان لابد له من قومة قوية تهز الأمة هزًا ليهبوا لنصرة مسرى نبيهم ﷺ، فكان طوفان الأقصى الذي هز العالم بأسره، وما زال يفعل حتى يتحقق النصر ويتحرر الأقصى بإذن الله تعالى، ولذا فقد أطلقوا على معركتهم طوفان الأقصى.
تخاذل حكام المسلمين عن نصرة غزة
ما أن قامت معركة الشرف والكرامة -طوفان الأقصى- حتى تعرى حكام المسلمين عامة، وحكام العرب المطبعين على وجه الخصوص، ورأينا التخاذل باديًا من كلماتهم وأفواههم، وما أخفت صدورهم من النفاق أعظم، فسارعوا يقفون صفًا واحدًا ينتظرون أدوارهم في تقبيل أيدي الحاخامات، ويقدمون القرابين للشيطان الأكبر رأس الأفعى، ويتبرؤون من فعل المجاهدين، بل يعطون العهود والمواثيق على القضاء على المخربين (يقصدون المجاهدين من أبناء المقاومة الإسلامية في فلسطين)، وقاموا بالفعل يوجهون كل جنودهم لدحر المقاومة، سواءً إعلاميًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا وبالطبع عسكريًا.
فحاصروا غزة ومنعوا عنها الطعام والشراب والدواء، بل والماء، وكادوا يمنعون الهواء، وما زالوا يفعلون، وفي الوقت نفسه سارعوا يمدون العدو الصهيوني بكل مقومات الحياة، فترى السفن تأتي محملة عبر البحر المتوسط في قافلة عظيمة من مصر لتل أبيب، لا تنقطع ليلًا ولا نهارًا للكيان المحتل الغاصب، ولما تعطلت سفن البحر الأحمر اخترعوا طريق البر في قوافل غير مسبوقة من الشاحنات المحملة بكل شيء عبر الإمارات والسعودية والأردن، يا للخزي والخسة والعار عليكم أيها الملاعين من الحكام!
المتخاذلون ممن يدعون التدين
وما مشايخ العار من الحكام الخونة ببعيد، بل هم أشد جرمًا وأكثر خسة ونذالة من الحكام، فلربما باع الحكام دينهم ونخوتهم وعروبتهم لأجل دنيا يصيبونها، لكن مشايخ العار باعوا ذلك كله بدنيا غيرهم، فلا حافظوا على دينهم ولا كسبوا دنياهم، بل وفضحوا أنفسهم على رؤوس الأشهاد، فترى هؤلاء يمجدون الصهيوني اللعين، ويسبون المسلم المجاهد، في سابقة لم تحدث على مر التاريخ أن يفعل أصحاب اللحى المرخاة حتى الركب هذا الأمر الشائن، ويلبسون على الناس الحق بالباطل، ويكتمون الحق ويدعون أنهم أصحاب كتاب، وصدق الله تعالى حين أخبر عنهم من قبل فقال: ﴿يا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 71]، فنالوا بذلك خزي الدنيا والآخرة، وحملوا من أوزار من أضلوهم ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
من يدافع اليوم عن غزة وأهلها؟
غزة الحرة الأبية لا يدافع عنها اليوم إلا الأحرار، فالعبيد الذين لا يفهمون معنى الحرية ليس لهم من نصيب في الدفاع عن غزة، ولذا أول المدافعين عنها أبطالها وهم من يتحملون حقيقة كل عبء في الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم، كذلك يدافع عنها المؤمنون الصادقون سواء العلماء الربانيون أو أصحاب الإيمان من عامة المسلمين، ثم يأتي الأحرار من بقية العالم -وإن كانوا كفارًا- لأنهم يعرفون معنى الحرية، أولئك الذين حركتهم الدماء والأشلاء، وحركهم الظلم البين من العالم اللا أخلاقي، وحركهم الضمير الحي فيهم، وحركتهم الحرية فالأحرار هم من يعرفون معنى الحرية، وإن فقدوا أرواحهم في سبيل ذلك، فالحرية عندهم أغلى من أرواحهم.
الدفاع عن غزة شرف لا يناله إلا صاحب الشرف
أيها الصامدون المدافعون عن غزة، اعلموا أنكم تقفون في المكان الصحيح دينًا وخلقًا وشرفًا، وما تخاذل المتخاذلون ممن كنا نظنهم أصحاب قضية إلا لانعدام الشرف فيهم، فغزة هي الشرف كله، بأبطالها برجالها ونسائها وأطفالها، وكل من دافع عنها ولو بكلمة يلحق بهم في قافلة الشرفاء، ووالله فضلاً عن الجزاء يوم القيامة وهو أولى ما يتطلع له المؤمنون، إلا أنه سيرفع في الدنيا لواء الشرف لأصحاب الشرف، يراه من كان حيًا منهم، ويعلم به بإذن الله من قضى نحبه، وكما يرفع للخائن والمتخاذل يوم القيامة لواء خيانته، سيرفع أعلى لواء لأهل الشرف من المؤمنين يتباهون به يوم القيامة، فلا يغرنكم تخاذل المخنثين من البشر، المطبعين مع العدو ذلًا وخسة، واصمدوا على طريق الحق والشرف الذي اختاركم الله له.
وأنتم يا أهل الحياد، اعلموا أنه لا حياد اليوم، فمن فارق أهل الشرف وظن أنه محايد سقط في مستنقع المتخاذلين، ومن غض طرفه اليوم صار أعمى، ومن أعرض اليوم صار فارًا من الزحف، فهيا حددوا مواقعكم مع أهل الإيمان والشرف والكرامة.
ماهر الجازي شهيد الكرامة
وذكرتني الكرامة بشهيد الكرامة صاحب الشرف والرفعة والمكانة، إنه الشهيد ماهر الجازي، فما أكرمه على الله تعالى، وما أكرمه من رجل عرف طريق الكرامة، واختار الجنة من أقصر طريق لها، ثار فيه الشرف بعد الإيمان، فسارع لنصرة إخوانه على طريقته، وقدر استطاعته، فطرح من عدوه ثلاثة خنازير، محال أن يجمع الله بينه وبينهم في جهنم، لذا فهو من أهل الجنة والفردوس منها بإذن الله تعالى، وما شهادة أهله -وهم يقسمون على قبره أن رائحة المسك تفوح من قبره- منا ببعيد.
فهنيئًا لأهل الإيمان أهل الشرف من أهل غزة وممن ناصرهم وأيدهم.
وحمى الله غزة وأبطالها والأقصى ومحبيه من كل شر وسوء.
وتبًا ثم تبًا للمتخاذلين ممن ينسبون أنفسهم لهذه الأمة، فلقد كره الله انبعاثهم فثبطهم.