الشيخ عكرمة صبري في حوار خاص لمجلة أنصار النبي ﷺ
فبراير 13, 2024وأزواجه أمهاتهم
فبراير 13, 2024كانت السيدة جويرية بنت الحارث سيد قومه قد نشأت في ظل سيادة أبيها لقومه في عز وسؤدد وتمجد، وللبيوت أعظم الأثر في تنشئة ناشئيها، وتربية بناتها وبنيها، وقد تزوجت جويرية في حداثة سنها قبل أن يغزو النبي ﷺ قومها، وكان زوجها مسافع بن صفوان أحد فتيان خزاعة، جِذم بني المصطلق، وأصل دوحتهم، اقترنت به في حداثة سنها قبل أن تتم العقد الثاني من عمرها، وقد قتل عنها زوجها مسافع مشركًا فيمن قتل من بني المصطلق الذين أسرعوا إلى القتال فجندلتهم السيوف المسلمة.
والسيدة جويرية رضي الله عنها كانت على حداثة سنها حين سبيت قد زينها الله تعالى بعقل رصين، وتفكير حصيف، وخلق كريم، وحسن تأت للأمور، وفصاحة تعرف مواقع الكلام وتأثيره في النفوس الكريمة، وتعزز لا يصبر على الضيم، وسؤدد سما بها عن الرضا بمذلة الرق والتطلع إلى الحرية الكريمة، فرضيت بما كاتبت عليه ثابت بن قيس الأنصاري على بهظه، لأنها كانت نظارة إلى معالي الأمور، تخوض لها لجج المكارم لتجلس على ذروتها.
تصفها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول: “وكانت امرأة حلوة ملّاحة”. أي ذات بهجة وحسن منظر.
وكان من سمو نفسها وطموح آمالها ورفعة تصوراتها؛ أنها بعد أن كاتبت على نفسها بهذا القدر الباهظ من المال أن جاءت إلى سيد المكرمات والمكارم، وأكرم البشر، وأعلمهم بمنازل الناس، وأحقهم أن تمد إليه يد العرفان لانتشاله من وهدة ألقته فيها أعاصير الدبور الجاهلية، فباعدت بينه وبين حياته التي كانت كلها نسائم من الصبا، ورشحات من ندى رغد العيش الرفيف، محمد ﷺ، وهو الذي هزم قومها، وأسر رجالهم، وسبى نساءهم وذراريهم بالأمس القريب، فكانت إحدى سبايا قومها، وهي بنت سيدهم، ووقعت في سهم رجل من كواهل المسلمين وفصحاء الأنصار، ثابت بن قيس بن شمّاس، خطيب رسول اللہ ﷺ في محافل المنافرات.
فلم تصبر على بلاء الرق، فاستعانته على الخروج من سجن حريتها، لتتنفس عبير الكرامة وتستشعر العزة التي كانت تتقلب بين أزاهرها، وطلبت منه ﷺ أن يعينها، وأخبرته بخبرها فقالت: “يا رسول الله إني امرأة مسلمة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه، وكان من أمري ما لا يخفى عليك”، وفي رواية أنها قالت: “قد أصابني من البلاء ما لم يخفَ عليك، ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شمّاس، فكاتبني على ما لا طاقة لي به ولا يدان لي ولا قدرة عليه، وهو تسع أواق من الذهب، وما أكرهني على ذلك إلا أني رجوتك صلى الله عليك، وجئتك أسألك في كتابتي”.
هيه يا أقدار الغيب! ماذا كتبت ألواحك الأزلية لجويرية بنت الحارث المصطلقية؟ هل ستعود إلى حظائر بني المصطلق وتحقق لها آمالها في الحرية، وفي زواجها من أحد فتيانهم؟ هذا أقصى ما كانت تتمناه، أن يخف عنها ثقل كتابتها، وأن تتحرر، وأن تعود إلى خدرها في بني المصطلق، ولكن أقدار الغيب قالت للحياة: لا، ليس هذا مكان هذا النبل المتسامي بمشاعره إلى ذرى الشموخ، بل مكانها أن ترتفع فوق ما تخيلته من عظائم آمالها؛ فاكتبوها على قدر مكانها من عظمة من جاءته لتسأله أن يعينها في كتابتها لتُحرر من العبودية وتعود حرةً كريمة على نفسها وعلى قومها، لا إلى خدور حرائر بني المصطلق لتكون كما كانت قبل سبيها سيدتهن، لأنها بنت سيدهن، ولم يحملها على الرضا بهذه الكتابة الباهظة التي لا تطيقها، ولا يدان لها بها، ولا تقدر عليها إلا رجاوتها في مكارمه ﷺ، لتحقيق هذه العظيمة في نظرها، ولهذا جاءته تسأله في كتابتها، ولكن تساوموا بها فوق هامات آمالها إلى ميزان مکارم من وضعت رحال رجاوتها بين يديه لتكون معه في أعلا عليين، أمًا للمؤمنين، وحليلة سيد الأولين والآخرين.
ذاك أمر أُبرم قبل أن تُخلق دنيا الناس، وقبل أن تأتي جويرية إلى الحياة، بل قبل أن تكون على الأرض حياة، فليأخذ محمد ﷺ بیدها وليطيرها معه إلى ربض الفراديس، وإلى أرفع منزلة في الجنان ليخرجها وهي تضع رجاوتها وآمالها بين يديه من سجن الرق والعبودية لغير الله تعالى إلى آفاق السؤدد والعزة ولتكن زوجًا لأكرم البشر، ولتكن أمًا للمؤمنين، ثابت ابن قيس، ومن فوقه، ومن دونه من سائر أبناء هذه الحياة من المؤمنين والمؤمنات، وسيدة من سيدات نساء العالمين.
ليت للقلم قدرة على تصوير المعالم النفسية التي أفعمت كل ذرة في إحساس السيدة أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق، واستأثرت بمشاعرها لحظة أن قال لها سيد الأولين والآخرين وهي تسأله في كتابتها: “هل لك في خير من ذلك؟”، فقالت: “وما هو يا رسول الله؟”، وهذا سؤال من طوفت به أنوار الغيب فأضاءت له آفاق الحياة ليرى بخياله وأحلامه مكانه الجديد منها، فقال لها: “أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك”.
وافرحة الأبد! أي غيث رويٍّ هذا الذي جادت به سماء الغيب لتسقي بنميره قلبًا كان قبل لحظة يتحرق تطلبًا لأدنى درجات الحرية البشرية، فماذا جرى في صحف المقادير؟ أهذا حلم نائم؟ أم حقيقة يقظان بدلته المقادير حياة بحياة، فرفعته من حضيض العبودية الإنسانية إلى قمة العز والسؤدد، وبوأته ذروة السمو الإنساني؟ وأي سمو أسمى وأجل وأعظم من هذا الذي تسمعه جويرية بنت الحارث المصطلقية من سيد الخلق محمد ﷺ، وقد جاءت إليه تسأله أن يعينها على أداء كتابتها التي لا طاقة لها على أدائها، ولا قدرة لها عليها، وقد رجته لها، وهو الذي يرجى للعظائم “أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك”.
وكانت جويرية حين تكلم رسول اللہ ﷺ، وتسمع كلامه مليئة الفؤاد بالأمل المرجي، تتكلم وتسمع وهي ثابتة الجأش، رابضة القلب، ساكنة الفؤاد، مضيئة الروح، كأنما تقرأ آيات مستقبلها في صحف الغيب بعيني بصيرتها، فأجابت رسول اللہ ﷺ، فلم تتلعثم، ولم تتردد، ولم تتأنَّ، ولم تتريث، ولكنها أسرعت بروحها وقلبها وعقلها ووجدانها ومشاعرها وهي تملي على لسانها: نعم، يا رسول الله، قد فعلت.
بركة جويرية على قومها
أجل، أبرم في الأرض ما كان مبرمًا في السماء، وجفت الصحف ورفعت الأقلام، ودخلت السيدة جويرية إلى خدرها أمًا للمؤمنين، وزوجًا لمحمد ﷺ، وخرج النبأ العظيم همسًا إلى الناس، فتسامعوه بينهم، وتعالموه في محافلهم، وأضاء حديثه الآفاق، كما يضيء لمع البرق في السماء، وقال المسلمون: إن رسول اللہ ﷺ قد تزوج السيدة جويرية بنت الحارث المصطلقية رضي الله عنها، فأرسلوا كلهم ما في أيديهم من السبي وقالوا متعاظمین: هم أصهار رسول الله ﷺ. قالت عائشة رضي الله عنها تصور هذا الموقف النبيل في جميع جوانبه بأوجز وأبرع أسلوب: “فما رأينا امرأة أعظم بركة على قومها منها، فلقد أعتق الله تعالى بها مائة أهل بيت من بني المصطلق”.
هذه هي أشهر الروايات في قصة جويرية وزواج رسول اللہ ﷺ بها، وما كان في هذا الزواج من خير وفضل على قومها في عتقهم من رق العبودية بسببه، وانطلاقهم أحرارًا في حياتهم، لأنهم صاروا أصهار رسول الله ﷺ.
روايات أخرى في قصة زواج رسول الله جويرية
وفي رواية عند الواقدي أن رسول اللہ ﷺ أرسل إلى ثابت بن قيس عندما أخبرته خبر كتابتها، فقال ثابت يجيب رسول اللہ ﷺ: “هي لك يا رسول الله بأبي وأمي”، فأدى ﷺ ما كان من كتابتها، وأعتقها وتزوجها.
وروى البيهقي عن جويرية، قالت: “رأيت قبل قدوم النبي ﷺ بثلاث ليالٍ كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبر أحدًا، فلما سبينا رجوت الرؤيا، فأعتقني وتزوجني”.
وذكر ابن هشام أن النبي ﷺ اشتراها من ثابت بن قيس، وأعتقها وتزوجها، وأصدقها أربعمائة درهم.
وفي رواية ذكرها شارح المواهب أن أباها جاء بفدائها، وكان الفداء قطيعًا من الإبل، ولكنه لما دنا من المدينة غيب عنها بعيرين في شعاب العقيق، كانا قد أعجباه، ثم أتى رسول اللہ ﷺ، فقال له: “يا محمد، هذا فداء ابنتي”، فقال له رسول اللہ ﷺ: “فأين البعيران اللذان غيبتها في العقيق في شعب كذا وكذا؟”. فقال الحارث: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله”، فأسلم الحارث، وأسلم معه ابنان له، وناس من قومه، وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما، ودفع الإبل إلى رسول اللہ ﷺ، ودفع رسول اللہ ﷺ إليه ابنته جويرية فأسلمت معهم وحسن إسلامهم، فخطبها رسول اللہ ﷺ إلى أبيها فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم.
وعند ابن سعد من مرسل أبي قلابة: سبى رسول اللہ ﷺ جويرية وتزوجها، فجاء أبوها فقال لرسول اللہ ﷺ: “إن ابنتي لا يُسبى مثلها فخلِّ سبيلها”، فقال له رسول اللہ ﷺ: “أرأيت إن خيرتها أليس قد أحسنت؟”. قال أبوها: “بلى”، فأتاها أبوها فقال: “إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا”. فقالت: “فإني أختار الله ورسوله”.
نفحات السماء والطريق إلى أعز وأشرف حياة
وهذه نفحة من نفحات الإنعام الإلهي الذي جرت به أقلام المقادير على صحف الغيب، أملى آياتها العقل الحصيف، والرأي الموفق الرصين، وخط حروفها الإيمان الراسخ الرزين، وأوحى بها الفكر المتسامي عن رغائب الأرض في ترف البيت المتسيدة فيه بمواريث الجاهلية التي لا تعرف إلا فرشًا وثيرًا، وطعامًا شهيًا، وشرابًا هنيًا، وذواقًا مريًا بين أتراب ضواحك، ينعمن لكل رغيبة لسيدة الندي، والحياة المعطلة بالترف عن الحركة النفسية أو الفكرية أو البدنية تتصنع بالفراغ الملول لتملأ به جوّ النديّ سمومًا قواتل، تستحليها الضواحك لتقتل بها شبح الفراغ استحلاء النسيم في وجه الصباح الندي بطلّ الربيع.
وإلا فما الذي يحمل امرأة مثل جويرية بنت سيد قومها بني المصطلق على سرعة رضاها وهي في عمر الزهرة التي تطل من برعمها متنفسة أنفاس الحياة مع ندى الصباح في الربيع؟
أجل، لقد وضعتها مقادير الغيب وضعًا ضاقت به نفسها فلم تحتمل إحكام حلقاتها حول عنق حريتها إذ أُخذت سبية بين سبايا قومها، وهي بنت سيدهم، فكوتبت لتفتدي حريتها كتابة تعجز عن أدائها، ولم يحملها على قبول ما لا طاقة لها به إلا أنها ألقت بآمالها ورجاواتها بين يدي أكمل البشر وأكرم الخلق محمد ﷺ، وجاءته تسأله في كتابتها، وهو ﷺ في بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
غيرة عائشة على رسول الله ﷺ هي قمة الحب ورسوخ الإخلاص
قالت عائشة رضي الله عنها تصف جويرية فأنصفتها: “وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه”. والملاحة وصف مبالغة في الملاحة، وهي استواء مواطن الحسن والحلاوة. وهي من قولهم طعام مليح إذا كان فيه من الملح بقدر ما يصلحه، فيطيب طعمه، قال السهيلي في الروض: “ولذلك إذا بالغوا في المدح قالوا مليح قزيح، فمليح من ملحت القدر، وقزيح من قزحتها أي طيبت نكهتها بالأفاوية، وهي الأقزاح”.
ثم قالت عائشة: “فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ﷺ ما رأيت”. وهذا القول من السيدة عائشة رضي الله عنها إنما هو نفثة من نفثات الغيرة على رسول اللہ ﷺ لشدة حبها له ﷺ وغيرتها عليه، وكان لهذه الغيرة عند عائشة رضي الله عنها في حياتها معه ﷺ مظاهر أكثر مما كان عند غيرها من الزوجات الطاهرات، وفي حياتهن معه ﷺ أكثر من دليل على أن عائشة رضي الله عنها كانت تعيش معه ﷺ ذروة هذه الغيرة التي استحوذت على مشاعرها.
ورسول اللہ ﷺ قد أوتي من صفاء الطبيعة البشرية ما لم يؤته أحد من الخلق، فكان ﷺ سوي المزاج، عليمًا بمواقع الذوق الكمالي في خصائص الإنسان.
وبعدُ فهكذا بدأت غزوة بني المصطلق بما بدأت به من أحداث الفتن الجسام التي دبرها النفاق تحت أستار الظلام، وكوارث النوازل العظام، التي أذاقت المسلمين جُرعًا من مرارة أحداث (أُحد)، ولكن الله تعالى بمنه وفضله أخرج منها نبيه محمدًا ﷺ ومجتمعه المسلم، وأهل بيته الأكرمين، وصاحبه وصديقه الأمين كما يخرج الذهب المصفّى، والجوهر المخلّص من مخلّطات المعادن، وألوية النصر تخفق فوق رؤوسهم، وحفاوة الله تعالى تكنفهم من جميع جوانبهم ونعمه السوابغ تحيط بهم من أقطارهم.
وهكذا ختمت بإعراس النبي ﷺ بالسيدة الجليلة جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق التي خلع الله عليها جلابيب السيادة الحقيقية بإعراس النبي ﷺ بها، فكانت أمًا للمؤمنين تعظيمًا وتوقيرًا، وإسعادًا لها بكنف رسول اللہ ﷺ، وإدخالًا للبهجة على رسول اللہ ﷺ بما وهبها الله من كمال إنساني كانت به من صفوة نساء العالمين.
وقد زاد الله عز شأنه أم المؤمنين السيدة جويرية زوج النبي ﷺ رضى الله عنها كمالًا فوق كمالها، فجعلت حصافة عقلها، وزكانة تفكيرها، وصفاء قلبها وإشراق روحها بين يدي رسول الله ﷺ، وهي تلحظه في عبادته الخاصة إذا كان عندها، وتشهده في تقديسه وتسبيحه لخالقه، وتصغي إليه وهي تسمع أحاديثه في أدب الإسلام الاجتماعي، وأحكامه العبادية، وشرائعه النظامية، وتلطفه في عشرته الزوجية، وحكمته في معاملته الداخلية والخارجية، فتعي ذلك كله وعيًا ضابطًا يرويه عنها من أصحابه الذين أخلصوا حياتهم للعلم، يأخذونه عن رسول الله ﷺ مشافهة أو رواية أقرب ما تكون للمشافهة، لأنه إما سماع عن أقرانهم أو شهود لمجالس سماعه، أو تلقيًا لأسراره من أمهات المؤمنين زوجاته، وأخذًا لحقائقه العملية ممن كان أهلًا لحمل هذه الحقائق والأسرار التشريعية والآداب السلوكية في تربية البيت ومن يضمه بين جنباته. وهؤلاء يلقونه إلى من يرويه عنهم صادقًا أفضل ما يكون الصدق مطلوبًا، وضابطًا أصدق ما يكون الضبط منشودًا.
ومن ثم كانت السيدة جويرية أم المؤمنين وزوج سيد العالمين رضي الله عنها عالمة بما تسمع، عاملة بما تعلم، فقيهة عابدة، تقية ورعة، نقية الفؤاد مضيئة العقل، مشرقة الروح، تحب الله ورسوله ﷺ، وتحب الخير للناس أجمعين.
وكانت رضي الله عنها تروي من حديث رسول اللہ ﷺ، ناقلة لحقائق الدين من خزائنها عند من تنزلت عليه ﷺ، يرويه عنها سدنة العلم من علماء الصحابة رضي الله عنهم، لينشروه في المجتمع المسلم علمًا وعملاً، وفي عامة المجتمع الإنساني دعوة وهداية. روى عنها حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنها، وجابر بن عبدالله وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن السباق، والطفيل ابن أخيها وغيرهم من الأجلاء.
وكانت أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات القانتات، الصابرات في مجال مناجاة الله تعالى وتحميده وتقديسه وتسبيحه، أخرج الترمذي بسند صحيح عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن جويرية رضي الله عنها: أن النبي ﷺ مر عليها وهي في مسجدها أول النهار، ثم مر عليها قريبًا من نصف النهار، فقال لها: “ما زلت على حالك؟” قالت: “نعم”، قال ﷺ: “ألا أعلمك كلمات تقوليهن؟ سبحان الله عدد خلقه، ثلاث مرات، سبحان الله رضا نفسه ثلاث مرات، سبحان الله زنة عرشه، ثلاث مرات، سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات”.
وروى مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه عن جويرية رضي الله عنها، قالت: أتى عليّ رسول ﷺ، فقال: “لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه، ومداد كلماته”.
لقد جمعت غزوة بني المصطلق من معالم منهج الرسالة الخالدة الخاتمة تشريعية ووقائع حربية، وحوادث اجتماعية، وأحكامًا فقهية، وآدابًا سياسية، وسياسة قيادية كتمت أنفاس النفاق، وفضحت كيد المنافقين، وكشفت عن دسائسهم، وملأت قلوبهم غيظًا وحقدًا على المجتمع المسلم، وشددت من قوة تماسك هذا المجتمع الذي أشجاهم حتى ماتوا بغيظهم لم ينالوا منه ما أقامته لهم شياطينهم من سيء الطبع والمكر، وأخبث الغدر، وأكذب الفِرى والبهتان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الشيخ محمد الصادق عرجون، كتاب: (محمد رسول الله.. منهج ورسالة)، (ص242-251)، بتصرف (اختصار)، ط2، دار القلم- دمشق، 1415هـ.