إصابة قائد لواء إسرائيلي في اشتباكات بمخيم طولكرم
ديسمبر 25, 2024مقتل ضابط إسرائيلي قنصًا والقسام تستهدف دبابة ميركافا في غزة
ديسمبر 26, 2024بقلم: د. عبد الله فيصل الأهدل – فك الله أسره*
فلسطين عنوان وترجمة لقوة الأمة وحالتها وعلاقتها بربها. إنها محصلة لأوضاع يجب أن تصحح، وعقوبة لأوضاع منحرفة وذنوب يجب أن تخرج منها الأمة.
هبة الفلسطينيين في الدفاع عن قضيتهم
ما يزال الشعب الفلسطيني يدهشنا بالرجال البواسل الذين يثأرون للإسلام والمسلمين، وينكأون جراح يهود، ويبثون في نفوسهم الرعب ويزجرونهم عن التمادي في إبداء المسلمين في فلسطين؛ فها هو الشاب خيري علقم -البالغ من العمر ٢١ عاماً والذي نحسبه شهيداً عند الله تعالى- يغضب لدينه وأهله في جنين ويثأر لهم بعد يوم من غارة شنتها القوات اليهودية على مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، ويقتل سبعة من اليهود المغتصبين ويصيب عدداً منهم.
ثم يتبعه الفتى محمد عليوات -الذي يبلغ من العمر ١٣ عاماً- فيصيب اثنين من مسلحي اليهود.. وعملية ثالثة لم تسفر عن شيء كما أعلن في إعلام اليهود.
دين عظيم وأمة معطاءة بشارة من بشائر نصر هذه الأمة
عن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته”١. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره”٢. وعن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتى النبي ﷺ فقال: إني سئمت الخيل وألقيت السلاح، ووضعت الحرب أوزارها، قلت: لا قتال. فقال له النبي ﷺ: “الآن جاء القتال، لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس، يرفع الله قلوب أقوام فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة”٣.
وقوله: “يرفع الله قلوب” في رواية: “يزيغ الله قلوب”. قال السندي: “والمراد يميل الله تعالى لهم، أي: لأجل قتالهم وسعادتهم، قلوبَ أقوام عن الإيمان إلى الكفر؛ ليقاتلوهم، ويأخذوا مالهم”٤.
فلسطين والمسجد الأقصى قضية حية في نفوس المسلمين عامة
وهذه الأحداث -وغيرها مما يدبره اليهود والنصارى- لا ينبغي أن تمر على المسلمين دون تأمل وتدقيق لأبعادها؛ فلابد أن تبقى قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى حية في نفوس المسلمين عامة، وفي نفوس الشباب والأجيال القادمة خصوصاً؛ حتى تعود -هي وغيرها من بلاد الإسلام المحتلة ظاهراً أو باطناً- إلى حوزة الإسلام وأهله كما عادت زمن الصحابة رضي الله عنهم وزمن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى.
الجهاد شريعة ربانية ماضية إلى يوم القيامة
إن المسلمين الآن في مرحلة استضعاف –سببه الأول تخلفهم عن دينهم– لا يستطيعون استرجاع الأراضي المغتصبة وفرض أحكام الإسلام على أراضي فلسطين وغيرها، ولكن ذلك لا يعني إسقاط الجهاد عنهم، كما لا يعني أن الأمر سيستمر هكذا، عن عبد الله بن عمر رضي عنهما قال رسول الله ﷺ: “تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله”٥.
فسيأتي –يقيناً– هذا اليوم الذي نقاتل فيه اليهود، ويمكننا الله تعالى من رقابهم، ونحاسبهم على كل جرائمهم، ونعاقبهم جراء إفسادهم في الأرض وانتهاك حرمات المسلمين وقتلهم وتشريدهم.
والجهاد شريعة ربانية ماضية إلى يوم القيامة –طلباً ودفعاً– لإظهار الحق والدفاع عنه؛ قال تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:٧٤].
وقال النبي ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون”٦.
قال ابن تيمية رحمه الله: “وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه، وبهذه الآية –يريد قوله تعالى: ﴿جَاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾– ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عمر رسول الله ﷺ وعلى عهد خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة؛ لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام، فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”٧.
جهاد اليهود واجب الأمة كلها
وقد يظن بعض المسلمين أن جهاد هؤلاء اليهود واجب على أهل فلسطين وحدهم، وما ذاك إلا لغياب معنى وحدة الأمة الإسلامية والأخوّة الإيمانية بين جميع المسلمين، وفي مقابل ذلك: شيوع المفاهيم الجاهلية الفاسدة كالقومية والوطنية بمعنى الأخوة القومية والوطنية مهما اختلف الدين مع هجر حقوق المسلمين إذا اختلفت أقوامهم وأوطانهم.
والحدود الموجودة الآن بين الدول الإسلامية كلها حدود مصطنعة لا ينبني عليها أية أحكام في الولاء والبراء.
نعم، يجب على من قارب العدو ما لا يجب على غيره؛ لكن هذا عند وجود القدرة على دفع العدو، والحال في فلسطين لا يخفى؛ فالمسلمون هناك لا طاقة لهم بإخراج القتلة اليهود المحتلين المغتصبين، وعليه: فمعاونتهم وإمدادهم بكل وسيلة لدحر العدو واجب على عموم المسلمين في عصرنا هذا.
الهلاك في ترك الجهاد
والمسلمون لا يخفى حالهم في مشارق الأرض ومغاربها من التفكك والغياب عن الواقع، والتخلف عن الواجبات الشرعية انهماكاً في تحصيل المعايش والشهوات، قال ﷺ: “إذا تبايعتم بالعِينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم”٨.
التحريض على الجهاد والغزو
وقد حرض النبي ﷺ عموم المسلمين على الغزو والإعداد له؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: “مَن مات ولم يغزُ ولم يحدّث به نفسه مات على شعبة من نفاق”٩.
قال النووي رحمه الله تعالى: “والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق. وفي هذا الحديث: أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوِها١٠..
وأخبر رسول الله ﷺ عن عظيم أجر من سأل الله الشهادة بصدق وإن مات على فراشه؛ فعن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال: “مَن سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه”١١.
إلا وهم معكم فيه بالنية
ومن الصدق أن يُحدّث نفسه، ويُعد العدة للغزو بحسب الإمكان؛ عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان في غزاة فقال: “إن أقواماً بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا فيه، حَبَسَهُم العذر”١٢.
وفي رواية عند الإسماعيلي: “… إلا وهم معكم فيه بالنية”١٣.
فسبب مشاركتهم للمجاهدين هي: نيتهم للجهاد، ولولا تلك النية لكانوا من المتخلفين عن الجهاد؛ قال الله عز وجل: ﴿إِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [التوبة: ٨٦-٨٨].
قال الطبري رحمه الله تعالى: “يقول تعالى ذكره: رضي هؤلاء المنافقون الذين إذا قيل لهم: آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله، استأذنك أهل الغنى منهم في التخلف عن الغزو والخروج معك لقتال أعداء الله من المشركين أن يكونوا في منازلهم، كالنساء (الْخَوَالِفِ) –جمع خالفة– اللواتي ليس عليهن فرض الجهاد، فهن قعود في منازل وبيوتهن”١٤.
وتأمل حال المؤمنين عندما لا يتمكنون من الجهاد لعذر قهري؛ قال الله تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾ [التوبة:٩١-٩٢].
يقول السعدي: فهؤلاء ليس عليهم حرج، بشرط أن ينصحوا لله ورسوله، بأن يكونوا صادقي الإيمان، وأن يكون من نيتهم وعزمهم أنهم لو قدروا لجاهدوا، وأن يفعلوا ما يقدرون عليه من الحث والترغيب والتشجيع على الجهاد١٥.
من جهز غازياً فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا
ومما له عظيم الأجر، ويدل على صدق الإيمان: رعاية أسر المجاهدين والشهداء والقيام على شؤونهم؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ بعث إلى بني لحيان: “ليخرج من كل رجلين رجل”، ثم قال للقاعد: “أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج”١٦.
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا”١٧.
قال النووي: ”من جهّز غازياً فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا”، أي: حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد وسواء قليله وكثيره ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم وإنفاق عليهم أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلّة ذلك وكثرته، وفي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين أو قام بأمر من مهماتهم”١٨.
وفقنا الله وعموم المسلمين لنصرة الإسلام ودحر اليهود والمعتدين!