
المحاولات الأولى لإسقاط النظام في سوريا
يناير 17, 2025
ناشطون سوريون يرفعون صورة “أبو عبيدة” في حماة، ودمشق تشهد وقفة تضامنية مع غزة
يناير 18, 2025أيمن شربجي – قائد تنظيم (الطليعة المقاتلة) الأسبق
إن تنظيم (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين) في سوريا الذي يتصدى للنظام الطائفي العميل، ويقف بوجه المخططات الغادرة التي يحركها التحالف الصليبي اليهودي ضد الإسلام وأهله المسلمين في سوريا، نقول: إن هذا التنظيم لم يصِل إلى ما هو عليه من بأس وقوة إلا بعد أن اجتاز مراحل خطيرة كادت تودي به وتقضي عليه، لولا لطف الله وعنايته المستمرة، لقد سار هذا التنظيم على نفس الخطوات التي خطها رسول الله ﷺ، فلم يكن هذا التنظيم بدعاً في نشأته وتكوينه ولم يكن بدعاً في مساره وخطاه.
وإن الفضل في إنشائه ليرجع إلى القائد الشهيد الشيخ مروان حديد الذي رفع لواء الجهاد: قولاً وعملاً، منهجًا، وسلوكاً، ضد نظام الإجرام والطغيان الذي تسلط على رقاب الشعب المسلم في سوريا من أجل تحرير الشعب من طائفيته البغيضة.
إن الأفكار الجهادية وإقامة تنظيم إسلامي مسلح يتبنى فكرة الجهاد في سبيل الله ويعمل بمقتضاها، إن هذه الأفكار التي نعتبرها اليوم بديهية لا جدال حولها كانت في زمن مضى من الأفكار التي تثير الغرابة وتدعو إلى العجب، ليس عند عامة الناس فحسب وإنما عند الطبقة الواعية المتنورة الخبيرة بما يحدث للمجتمع المسلم وما يحيط به من مخاطر ومؤامرات، ومن هنا نلحظ الصعوبات التي واجهت فكرة الجهاد المسلح لدى نشأتها، ووعورة الدرب الذي سلكته، وضخامة الجهد الذي بذل لدفعها إلى الأمام.
قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهُ لَكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦].
الأوضاع العامة داخل سوريا
وصل المجرم حافظ أسد إلى كرسي الحكم في سوريا عام ١٩٧٠م، بعد حركة انقلابية قام بها ضد رفاقه في الحزب الحاكم آنذاك، وأعلن إسلامه على يد المفتي مفتي النظام آنذاك الذي تدور حوله شبهات عديدة -أحمد كفتارو- في محاولة للتغطية على نسبه العائد للطائفة النصيرية الباطنية الحاقدة على الإسلام والمسلمين المعروفة بتاريخها الأسود الحافل بالجرائم والاغتيالات ضد قادة المسلمين، والمعروفة أيضًا بممالأة أعداء المسلمين على مر العصور، وقد ادعى في أقواله أنه إنما جاء ليعيد للوطن حريته وللمواطن كرامته، وكذَّب الواقع كافة ادعاءاته، فالأمور تجري على عکس ما يدعي، فالحرية سُلبت، والكرامة أهدرت، والأخلاق دمرت.
لقد كان يعمل ضمن مخططات مرسومة لتدمير الإسلام وإبادة أهله، مستعيناً على ذلك بباطنيته الخبيثة، وكان مما أعدته هذه المخططات إلغاء الدستور القديم واستبداله بآخر غيره، والشيء الذي أثار الانتباه هو حذف عبارة (دين الدولة الإسلام)، واستبدالها -بعد ما حصل من أحداث- بعبارة: (دين رئيس الجمهورية الإسلام).
إن هذا العمل الخبيث قد أجج مشاعر المسلمين في كل أرجاء سوريا، وقام الإخوان المسلمون بتوزيع منشور في كافة المدن السورية، يطالب بإلغاء الدستور العلماني الجديد وإلغاء الحكم العسكري، وبين نوايا المجرم أسد الباطنية، ونبه المسلمين في سوريا إلى حالة الخطر الداهم والمستقبل الرهيب الذي ينتظرهم، وَوُقعَ المنشور باسم نخبة كبيرة من علماء المسلمين في سوريا، وتم توزيعه على خمس دفعات بأوقات الصلوات في معظم مساجد سوريا، وكذلك قام الكثيرون من الخطباء في المساجد بتبيين حقيقة النظام ونواياه الشريرة وكيده للمسلمين، وعم الغليان أنحاء كثيرة من سوريا لا سيما حماة وحمص.
رأي (الإخوان المسلمين)
لم يكن الإخوان المسلمون ولا علماء المسلمين في سوريا غافلين عن نوايا حافظ أسد ونظامه الطائفي الحاقد، ولم تنطلِ عليهم ادعاءاته في الحرية والكرامة والتحرير، فقد كان تاريخ طائفته النصيرية ظاهرًا لهم، وأهدافها الباطنية واضحة أمامهم، فعرفوا أنه يريد تمزيق سوريا وإخضاع أهلها؛ لتصبح فريسة سهلة في متناول اليهود. كانت هذه الحقائق واضحة في أذهان قادة (الإخوان المسلمين)، ووقفت مقابل هذه الحقائق أسئلة استفهام كثيرة منها :
– كيف يمكن درء الخطر الداهم الذي يحيط بالمسلمين؟
– ما هي الخطط المعدة والوسائل المهيأة لمواجهة هذه الأوضاع وتطوراتها؟
إن الأحداث التي جرت تدل على أن (الإخوان المسلمين) لم يهيئوا التنظيم السري الفعال، الذي يتمكن من مواجهة النظام وإفشال خططه، دون أن تتعرض قياداته وعناصره للتصفيات البشعة التي اشتهر بها النظام الطائفي المجرم منذ حصول انقلاب آذار ١٩٦٣م، لذلك قرروا اللجوء إلى الأساليب السلبية التي ترفض تسلط الطائفة النصيرية، وحاولوا توعية الشعب الذي كان يغط في سبات ونوم عميق، والذي رأى لبرهة في حافظ أسد ووعوده المعسولة خلاصًا من تسلط الحكم البعثي القديم، بعد أن عانى في ظله صنوفاً من القهر والإذلال.
لقد كانت عمليات (الإخوان المسلمين) في مواجهة السلطة عبارة عن ردود أفعال لما تقوم به هذه السلطة، لذلك نجد أن السلطة سرعان ما تطوق الأحداث وتنهي أي بادرة ضدها، فبعد الحوادث التي جرت في المدن السورية احتجاجاً على الدستور قامت قوات السلطة وأجهزتها السرية بحملة اعتقالات واسعة للشباب المسلم في سوريا، ولكثير من العلماء المسلمين منهم على سبيل المثال: الشيخ سعيد حوى، والشيخ محمد علي مشعل.
وقامت بنشر الإرهاب بين صفوف الشعب المسلم، وبلغت بها الوقاحة إلى أحط الدرجات حين اعتدت على بيوت الله ومن فيها، فخيم على البلاد جو من الخوف والترقب، ترك آثاره على أبناء شعبنا المسلم الذين ما عادوا يجرؤون على دخول المساجد خوفًا من الاعتقال، فالناس يعرفون ما ينتظرهم من بطش وإرهاب في فروع المخابرات، وقد بدا واضحًا أن المجرم أسد وأعوانه إنما أرادوا من وراء ذلك كبت أي معارضة وإنهاء أي مقاومة باستخدام أخس الوسائل في تعذيب المعتقلين من ضرب بالسياط، إلى كي بالنار، إلى قلع للأظفار، واستخدام الكهرباء في الأماكن الحساسة من الجسم، إلى آخر ما تفتقت عنه عقول المجرمين في القرن العشرين من وسائل التعذيب.
وفي أحيان كثيرة يكون التعذيب الوحشي حتى الموت، مما أسفر عن استشهاد عدد من المعتقلين.
وهكذا نجد أن عمليات (الإخوان المسلمين) ضد السلطة قد انتهت عند هذا الحد، ولم تقدم جهودًا مؤثرة تحد أو تقلل من إرهاب السلطة الطائفية.
نظرة الشيخ مروان حديد
أما الشهيد مروان حديد فقد كانت له نظرة في الأمر، وفكرة واضحة لمواجهة إجرام السلطة وطغيانها، فحين بدأ النظام بشن حملات الاعتقال أخذ يستعد للدفاع عن النفس، ويحرض من حوله على الدفاع عن أنفسهم ومواجهة إجرام النظام، ويحضهم على الثبات، وأخذ ينتقل من مسجد لآخر في مدينة حماة، يقوي العزائم ويبث روح الجهاد في سبيل الله بنفوس الناس، وأشيع في حماة أن المجرم رفعت أسد قد وصل إليها لاعتقال الشيخ مروان مع عدد من علماء المدينة، فما كان من الشيخ مروان إلا التصميم على القتال ومواجهة إجرام السلطة، وكان يردد قائلاً: والله لا أعطيهم الذلة من نفسي؛ لأن رسول الله ﷺ يقول: “من أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس مني”١، كما كان يردد دائماً: الموت في سبيل الله أفضل من سياط الذل في السجون.
أما سلاحه الذي كان يملكه فهو رشاش قديم من نوع: بور سعيد- عيار (۹ ملم)، كما كان يملك عددًا من القنابل اليدوية.
لقد اتخذ الشيخ رحمه الله تعالى قرارًا بالمقاومة حتى الاستشهاد في سبيل الله، ولكن إخوانه وطلابه أقنعوه بأن القتال على تلك الحال خطأ تكتيكي لا ينبغي ارتكابه؛ حتى لا تتكرر مأساة مسجد السلطان التي حدثت عام ١٩٦٤م، هذه المعركة جرت بين الشيخ مروان وطلابه وبين زبانية النظام العميل عام ١٩٦٤م، واستمرت لمدة يومين سقط فيها عدد من الشهداء الأبرار، بينما أخذ الشيخ وبقية الإخوة أسرى بعد أن أصيبوا بجراحات بليغة، ولم تتورع السلطة عن استخدام الدبابات في هذه المعركة، بينما كان سلاح الإخوة عددًا من المسدسات وبعض القنابل اليدوية ورشاشين أو ثلاثة من نوع قديم، بعد اعتقال الشيخ مروان حكم عليه بالإعدام إثر محاكمة هزلية جرت في مدينة حمص ترأسها المجرم مصطفى طلاس، وقد ذهل الحاضرون من شدة بأس الشيخ واستهانته بالموت وجرأته الكبيرة على أزلام النظام المتكبرين، ولم ينفذ هذا الحكم بل اضطرت السلطة إلى إطلاق سراحه تحت ضغط الشعب المسلم بقيادة علمائه وخاصة عالم حماة المجاهد الشيخ محمد الحامد رحمه الله.
لهذا السبب التكتيكي ونزولاً عند رغبة الإخوة في حماة قرر الشيخ مروان حديد رحمه الله الانتقال إلى دمشق.
في نفس الوقت أمر المجرم رفعت أسد عددًا من عناصره المجرمين -يبلغ عددهم (۳۰۰) عنصر- بمداهمة منزل الشيخ مروان وقتله داخل المنزل مباشرة بإطلاق النار عليه، وكم كان ذهولهم كبيرًا حين علموا بأن الشيخ مروان قد غادر مدينة حماة !
وبدأت الملاحقة في كل مكان؛ إذ أن السلطة لم تكن تجهل حقيقة الشيخ مروان وقدرته الكبيرة على استقطاب الشباب في أي موقع يوجد فيه، وهي التي عرفت شدة بأسه وإصراره على تحقيق الهدف مهما عظمت الخطوب. وفي دمشق ظل الشيخ متوارياً عن الأنظار مدة عام كامل تنقل خلاله بين أصحابه ومعارفه بسرية تامة وحذر شديد، فقد وزعت السلطة صوره على مخبريها، إضافة لذلك كان الشيخ رحمه الله مميزاً بجسامته وبطوله البالغ ١٩٠ سم.
كانت السلطة في هذه المرحلة تبذل جهودًا متواصلة في عملية إتمام السيطرة على دوائر الدولة ومؤسساتها السياسية والعسكرية، فقامت بتوسيع سرايا الدفاع التي تنتمي عناصرها إلى الطائفة النصيرية، وعملت على ضم أبنائها إلى الجيش والمؤسسات العسكرية الأخرى، بينما كانت تبطش من جهة أخرى بالعلماء والدعاة، وتعتقل وتعذب المثقفين الذين يشكلون نخبة الشعب الواعية وبدأت تتسع خطورة الوضع الجديد وتتضح معالمه بشكل يوحي بأنه إن لم يتدارك الموقف بتحرك مكافئ لأعمال النظام ونهجه المتبع فإن الأمور ستسوء، وبالتالي سيزداد تسلط النصيريين في الحكم، وسيضعف المسلمون حتى يأتي يوم لن يستطيعوا معه شيئًا لا سمح الله.
إن وضوح الرؤية عند الشيخ مروان حديد وإدراكه لخطورة الوضع الذي وصل إليه المسلمون جعله يتحرك بسرعة أكبر على مستوى القيادات الإسلامية الموجودة على الساحة آنذاك، فاتصل بقادة الإخوان المسلمين وأطلعهم على رأيه حول هذه الأوضاع، وكان رأيه رحمه الله يتلخص بما يلي:
أن يقوم (الإخوان المسلمون) بتعبئة كوادرهم وتشكيلها ضمن تنظيمات عسكرية سرية مسلحة، هذه التنظيمات سوف تستقطب الشعب، وبالتعاون مع الضباط المسلمين في الجيش يتم الإعداد والتنسيق للقيام بثورة عامة يشترك فيها الجيش والشعب لإسقاط النظام العميل. إن أفكار الشيخ مروان حديد وآرائه بصدد مقاومة السلطة بالأسلوب المسلح الذي لا تفهم غيره لم تلقَ الإقبال المناسب أو التجاوب اللازم لدى قيادات (الإخوان المسلمين)، الذين ارتأوا أن الوقت لم يحن بعد لحمل السلاح بوجه النظام الطائفي الظالم، وأنه متى ظهرت ضرورة ذلك فإنهم لن يتوانوا أبداً عن حمل السلاح ومقارعة السلطة، وطالبوا الشيخ مروان بمغادرة سوريا، لكنه رفض هذا الطلب قائلاً: إذا كانت السلطة مجنونة في باطلها فإننا مجانين في حقنا، والله لأقاتلنهم ولو كنت وحدي، ولا أقبل إلا بحكم الإسلام أو أموت شهيدًا في سبيل الله.
واستمر الحوار طويلاً إلى أن وصل إلى درب مسدود، عندها قرر الشيخ إنشاء تنظیم مسلح يحمل على عاتقه راية الجهاد في سبيل الله ضد النظام الطائفي الإجرامي في سوريا، ولأجل هذا الغرض قرر الاتصال بشباب (الإخوان المسلمين) لإنشاء هذا التنظيم.
التنظيم المسلح والأسس التي اعتمدت في بنائه
- شباب مسلم متعطش للجهاد في سبيل الله .
- سلطة طائفية باطنية محاربة للإسلام تبطش بالشعب الأعزل.
- قيادات إسلامية تعارض اللجوء للقوة المسلحة ضد السلطة.
هذا هو الوضع الذي واجهه الشيخ مروان في بداية تشكيل التنظيم المسلح؛ لذلك انتهج في بناء التنظيم الجديد خطة مكونة من عدة مراحل:
- مرحلة التعريف الفكري.
- مرحلة الاستيعاب التنظيمي
- مرحلة الإعداد والتدريب.
- مرحلة الصدام مع النظام.
لقد عرف القائد الشهيد مروان حديد أنه لا بد للنجاح من مناخ خاص وشروط محددة، لذلك وضع أمام عينيه -وهو يعمل في بناء التنظيم الجهادي المسلح- كل مستلزمات النجاح وأسبابه، وأدرك أنه لا بد من أمرين اثنين لنجاح هذه الفكرة:
- تعيين الهدف الأساسي لهذا التنظيم، ألا وهو التخلص من ظلم النظام الباطني وإجرامه، وإقامة حكم إسلامي رشيد، وتحرير الشعب السوري المسلم في سوريا من عبوديته للطغاة.
- تحديد الأسلوب الذي يجب انتهاجه للوصول إلى الهدف المنشود، وكان هذا الأسلوب هو مواجهة القوة بالقوة، والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، وقد اعتبر الشيخ رحمه الله أن العمل المسلح أمر أساسي يجب على المسلمين أن يتمسكوا به، كما اعتبر الأساليب والطرق الأخرى أعمالاً رديفة للعمل المسلح، ولا أدل على ذلك من قوله: ألف قذيفة كلام لا تساوي قذيفة حديد واحدة.
وما كان القائد مروان حديد من الذين يعرضون الأفكار ويلقون الكلام دون أن يكون لكلامهم نصيب من العمل في حياتهم، لقد كانت أفكار القائد الشهيد جزءًا من كيانه ورسماً لشخصيته وبياناً عن حياته، فحين دعا للقتال في سبيل الله كانت قنابله ورشاشه بين يديه، وكان مستعداً لمواجهة كل الاحتمالات المترتبة على ذلك من تعذيب وتشريد وإيذاء وقتل في سبيل الله، وبذلك فقد شق الحركة الجهاد في سوريا طريقها الصحيح، وحدد لها مسارها الصريح.
فالبلاد تحكمها طائفة حاقدة مستبدة ومراكز القوى الفاعلة بين يديها، والمسلمون ليس لهم أمر أو نهي، لذلك فالقوى غير متكافئة، وهذه المواجهة لا يمكن الرجوع عنها مهما كانت العقبات، لهذا فإن أفضل أسلوب لخوض هذه الحرب هو أسلوب حرب العصابات داخل المدن حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
إن شباب (الإخوان المسلمين) الذين انتظموا ضمن صفوف جماعة الشيخ مروان حديد رحمه الله كانوا على استعداد كامل للجهاد في سبيل الله، طبقاً للشعار الذي رفعه الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
إن رفض القيادات الإسلامية للعمل العسكري لم يثنِ الشيخ مروان عن رأيه أو يفتّ في عضده وإنما زاده صلابة، فقام بتحرك واسع دعا فيه القيادات الإسلامية الأقل مسؤولية، ودعا الناس غير القياديين، واحتاج ذلك منه إلى جهد كبير وعمل دؤوب مستمر، وخاصة في بلد مثل سوريا، وقد عانى الشيخ أثناء عمله من مشكلة كبيرة وهي صعوبة تنقله من مكان إلى آخر، لذلك لم يكن ينتقل من بيت إلى آخر إلا وقت الحاجة الملحة.
وهناك مشكلة أخرى لا بد من تبيانها، وهي انقسام جماعة (الإخوان المسلمين) إلى قسمين: قسم يعمل تحت قيادة الأستاذ عدنان سعد الدين والشيخ سعيد حوى، وقسم ثانٍ يعمل تحت قيادة الأستاذ عصام العطار ومركزه دمشق، وللقسمين نشاطات مختلفة في بقية المحافظات، وإضافة لذلك وجدت على الساحة جماعات مستقلة تعمل ضمن خط الإخوان المسلمين الفكري، ولكنها تنتظر وحدة التنظيمين حتى تعطي ولاءها لتنظيم موحد.
وقد بيّن الشيخ مروان حديد في مناقشاته المستمرة مع (الإخوان المسلمين) وعناصرهم أن سبب الانشقاق الحاصل إنما هو البعد عن الجهاد الحقيقي في سبيل الله.
- ثم جاءت المرحلة الثانية، وهي مرحلة استيعاب الشباب ضمن خلايا تنظيمية مسلحة، واعتمد الشيخ مروان في هذا العمل على طلابه القدامى الذين تدربوا في معسكرات الفدائيين الفلسطينيين لعدة سنوات، وكان من أبرزهم ثلاثة:
- القائد الشهيد عبد الستار الزعيم.
- القائد الشهيد موفق عياش.
- القائد الشهيد غالب حداد.
إن هؤلاء القادة وكثيرين غيرهم قد خاضوا العديد من المعارك فوق أرض فلسطين، واكتسبوا خبرة عسكرية واسعة انعكست فوائدها على التنظيم في فترات لاحقة، وقدر الله لي أن ألتقي بالشيخ مروان رحمه الله تعالى سنة ١٩٧٤م، وبعد مناقشات مطولة وشرح للموقف من جوانبه المختلفة تم تنظيمي في أسرة ضمت كلا من الإخوة:
- ظافر بدوي، مواليد دمشق – میدان ١٩٥٥م.
- عدنان أبو جيب، مواليد دمشق – میدان ١٩٥٤م.
- زهير طبوش، مواليد دمشق – میدان ١٩٥٤م.
- والعبد الفقير إلى الله تعالى كاتب هذه السطور.
وتولى إمارة هذه المجموعة القائد الشهيد برهان لحام، مواليد دمشق ١٩٥٥م، الذي تميز بذكائه الوهاج، وإخلاصه في العمل ونشاطه في الدعوة إلى الله.
في المرحلة الأولى التي انتظمنا فيها كنا نتردد على البيوت التي كان يستخدمها الشيخ مروان، حتى توطدت العلاقة بيننا وبينه بشكل جيد.
بعدها دخلنا في المرحلة العملية لهذا التنظيم وهي الإعداد والتدريب، وتوزعت معسكرات التدريب في الجبال الساحلية وفي الغابات، وضم كل معسكر حوالي ٣٠-٤٠ أخاً من دمشق وحماة وحلب، وتسلم قيادة هذه المعسكرات الإخوة: عبد الستار الزعيم غالب حداد، موفق عياش، كما تم جمع التبرعات لشراء السلاح اللازم لخلايا التنظيم.
وبدأ اسم جماعة مروان حديد بالظهور على الساحة، وكان ذلك في أواخر ١٩٧٤م، فقد تشكل عدد كبير من الخلايا المدربة المسلحة المستعدة للقيام بأي عمل يطلب منها.
كان رأي الشيخ مروان رحمه الله أن مرحلة التبليغ لم تنتهِ بعد، ويجب علينا الاستمرار في تبليغ دعوتنا والتنبيه إلى حركتنا وأهدافها حتى نصل إلى مرحلة اليأس من انضمام عناصر جديدة لتنظيمنا، عندها نقرر أساليب المرحلة الصدامية هل ستكون حربًا مفاجئة شاملة، أم حرب عصابات طويلة الأمد.
معركة العدوي
استمرت عملية استيعاب العناصر الجديدة في خلايا تنظيمية مسلحة عام ١٩٧٤ وبداية عام ١٩٧٥م، حيث شعرت السلطة بوجود الشيخ مروان حديد في دمشق، وأحست بنشاطه التنظيمي المسلح، وكان لها عدد كبير من المخبرين في بعض التنظيمات الإسلامية، فعملت على تحريكهم باتجاه جماعة مروان حديد المسلحة، وشاء الله أن يصل المخبر المجرم مصطفى جيرو، مواليد اللاذقية ١٩٥٠م، وهو (رقيب أول)، إلى منزل الشيخ مروان في العدوي، وبذلك عرفت السلطة المكان الذي يقيم فيه الشيخ رحمه الله، وفي صباح يوم الاثنين منتصف عام ١٩٧٥م قامت أعداد كبيرة من قوات السلطة بتطويق منزل الشيخ مروان في منطقة العدوي تمهيدًا لاعتقاله.
كان الشيخ رحمه الله تعالى على عظم قدره وغزارة علمه وشدة بأسه متواضعاً للإخوة بشوشاً لهم يستقبلهم ويودعهم بنفسه، واستغل المجرم (جيرو) هذه الصفة التي تحلى بها الشيخ أبشع استغلال، فحين قام الشيخ ليودعه عند الباب ومدّ يده ليصافحه جذبه المجرم إلى خارج المنزل حيث قامت عناصر المخابرات المدربة بالإطباق على الشيخ والإمساك به، وحاول الشيخ مروان التخلص منهم ولكن دون فائدة، فأخذ يكبر بصوت مرتفع: الله أكبر، الله أكبر. فتنبه الشباب داخل المنزل إلى ما حدث، وابتدأت المعركة العنيفة التي استمرت من الساعة السادسة صباحًا إلى الساعة الرابعة عصراً، استخدم فيها الإخوة القنابل اليدوية والبنادق الروسية، بينما استخدم المجرمون الذين أرسلتهم السلطة الغاشمة الـ(آر – بي- جي). والبنادق الروسية، والرشاشات من عيار (٥٠٠).
نتائج المعركة
أسفرت المعركة عن استشهاد الأخ زكي الصفدي، مواليد دمشق – مزرعة ١٩٥٢م، وهو أخ حافظ لكتاب الله عز وجل، يدرس في كلية التجارة من جامعة دمشق، واعتُقل الأخَوان: مأمون كاخي من حماة، وفريد قداح من بانياس، وهما مثخنان بالجراح، كما اعتُقلت زوجة الشيخ مروان حديد رحمه الله.
ما أن انتهت معركة (العدوي) حتى قامت السلطة بإزالة الآثار التي تركتها المعركة، ونصبت الكمائن في المنزل المداهَم والمنازل التي حوله، وأخفت عناصرها بشكل جيد في المنطقة المحيطة بالمنزل، وبتقدير من الله عز وجل تم اعتقال عدد من الإخوة القادمين إلى المنزل ولما يعلموا بعد بخبر المداهمة التي حصلت، أذكر منهم الأخوين: محمد جوهر مواليد دمشق – شيخ محي الدين ١٩٥٤م. عدنان الرز مواليد دمشق – شيخ محي الدين ١٩٥٤م.
انتشرت أخبار المعركة في دمشق ومن ثم في جميع أنحاء سوريا، وكان الشعب يتلهف لمعرفة هوية هؤلاء الأبطال الذين صمدوا في وجه السلطة عشر ساعات في منزل محاصر، على الرغم من ضعف السلاح وقلة العتاد.
في بداية الأمر حاولت السلطة التعمية على الخبر، وذلك بعدم ذكر أسماء الإخوة وانتمائهم للصف الإسلامي، بل راحت تتهم العراق وحزبه وعملاءه بأنهم يقومون بأعمال تخريبية ضد سورية؛ لإشغالها عن معركتها مع العدو الصهيوني !
لقد أرادت السلطة من وراء ذلك منع أي تعاطف شعبي مع التنظيم الإسلامي المسلح، ولكن هذا الأمر لم يخفَ على الناس كما ظنت السلطة، واتضح الأمر بشكل جلي حين قامت أجهزة السلطة ومخابراتها باعتقال الشباب الإسلامي من مختلف المحافظات، وخاصة دمشق وحماة، واعتقل أمير أسرتنا الأخ برهان لحام، ضمن هذه الحملة من الاعتقالات، كما اعتقل الأخ عدنان أبو جيب، وتمكنت أنا والأخ ظافر بدوي والأخ زهير طبوش من التواري عن الأنظار، ومن ثم عدت أنا والأخ ظافر لمتابعة العمل مع الأخ عرفان المدني فيما بعد.
ــــــــــــــــــ
* أيمن شربجي، على ثرى دمشق، ط1 (لندن: أفق للدراسات والنشر، 2017م)، ص48 وما بعدها.
(۱) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي، وهو متروك.