هنيئاً لـمَن أجرُه كـ50 صحابياً
نوفمبر 12, 2024تثبيت النبي ﷺ لأصحابه عند لقاء العدو (1/2)
نوفمبر 12, 2024نور رياض عيد
قطاع غزة
لو أن شخصًا جاء بعد مائة سنة ليقرأ ذلك الكم الكبير الذي كتبه علماء الإسلام ودعاته حول تمجيد السِّلم، والدعوة للسلام، ونبذ العنف، والبراءة من امتلاك السلاح، لظنَّ أن المسلمين كانوا في هذه الأيام هم مَن يسيطرون على العالم، ويحتلون بلدانه، ويستضعفون شعوبه، وأن جيوشهم تمتلك الترسانة العسكرية الأقوى التي تقتل بها أعداءها صباح مساء، فاضطر علماء الإسلام لتجميل الصورة، وتقديم التبريرات.
أو للتخفيف من وطأة الظلم الذي يوقعه المسلمون بغيرهم، ولن يخطر في بال ذلك القارئ أن هؤلاء الكُتَّاب كانوا من أبناء أمة مستضعفة، مهيضة الجناح، مستباحة الحدود، مسلوبة الخيرات والمقدرات، يُذَبَّح أبناؤها في مشارق الأرض ومغاربها.
لقد جعل الاستعمار المسلمين مستضعفين يحملون نفوسًا تعيش عقدة أنهم الظالمون، وضحايا بضمائر تؤنبهم وكأنهم المعتدون، فَمَثَل المسلمين اليوم كالدجاجة التي تُذبح لكنها تتألم لأن بعض قطرات دمها جاءت على ثوب الجزار، أو كالشاة التي تعتذر للذئب وهو يُقَطِّعها بأنيابه لأنها لم تأتِ لترمي بنفسها بين أنيابه، بل اضطرته للجري وراءها قبل أن يفترسها.
كان بالإمكان أن يُتَفهم هذا الأمر لو كانت دول العالم قد نبذت القوة، ودمرت سلاحها، لكن العالم اليوم يقدس القوة، ويتفنن في تصنيع الأسلحة الفتاكة، ويتسابق في امتلاك السلاح النووي، ولم يتخلص العالم من فكرة “إن لم تَغزُ تُغْزَ”، بل يبالغ فيها لكنه يغطيها بوسائل إعلامية ماكرة، ولا تتوقف دول الاستكبار عن الكيد، والتآمر، وسرقة ثروات الشعوب الضعيفة، وإذكاء النزاعات،.. إلخ.
أمام كل هذا، يتبرأ المسلمون من سيوفهم الحديدية وأسلحتهم الضعيفة المستوردة من أعدائهم، ويكسرون رماحهم الخشبية، وأصبح الضعفُ في عيون بعضهم فضيلةً، ولم تعد الشهامة والعزة والكرامة من سمات العربي، بل تتفنن أنظمة العرب اليوم في الانقياد للأعداء، والتذلل لهم، وكأن هذه الأمة ما ورد في كتاب ربها: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم..﴾ [الأنفال: 60].
لقد عدّ القرآن الكريم الرضا بالضعف والهوان خطيئةً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ [سورة النساء: 97]، وكان رسول الله ﷺ يستعيذ بالله من الضعف، وأسبابه، وأشكاله، فكان يدعو: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”.
وجاء في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ، أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ، قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ، قَالَ عُقْبَةُ: لَوْلَا كَلَامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَمْ أُعَانِيهِ، قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لِابْنِ شَمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: “مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا” أَوْ “قَدْ عَصَى”.
ولا تقوم للأديان ولا للأمم قائمة دون قوةٍ تحميها، وجندٍ يحرسونها، “فإن قوام الدين بالكتاب الهادي، والحديد النَّاصِرُ” كما يقول ابن تيمية رحمه الله، وأما ادعاء أن الأديان أو الأفكار الإصلاحية يمكن أن تجد لها مساحةً تقوم عليها في الأرض دون قوة عسكرية تحميها، فهي فكرة حالمة، “فَلَيْسَ دِينٌ زَالَ سُلْطَانُهُ إلَّا بُدِّلَتْ أَحْكَامُهُ، وَطُمِسَتْ أَعْلَامُهُ. وَكَانَ لِكُلِّ زَعِيمٍ فِيهِ بِدْعَةٌ، وَلِكُلِّ عَصْرٍ فِيهِ وِهَايَةُ أَثَرٍ”.
إن الأمة اليوم مطالبةٌ أن تتوب إلى الله توبةً نصوحًا من ضعفها، وعجزها، وقلة سلاحها، وعليها أن تربي أبناءها على الشجاعة والعزيمة وامتلاك القوة، وأن تتذكر أن من أهم فروض الكفاية المعاصرة امتلاك كافة وسائل القوة العسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، وأن تعلم أنه لن يحميها من عدوان الأعداء إلا سلاحها، وأن كل مؤسسات النظام الدولي، وكل القوانين والمعاهدات الإنسانية لن تحمي ضعيفًا، ولن تنصر مظلومًا، بل هي الوجه الآخر للقاتل، فامتلاك أمتنا للقوة العسكرية الحقيقية هو طريق عزتها وكرامتها، وما سواه تُرَّهات، وإضاعة أوقات، و”مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إِلَّا عَمَّهُمُ اللهُ بِالْعَذَابِ” كما قال سيدنا رسول الله ﷺ.