لماذا تزوج الرسول ﷺ بأكثر من زوجة؟
فبراير 12, 2024الشيخ عكرمة صبري في حوار خاص لمجلة أنصار النبي ﷺ
فبراير 13, 2024في يوم من الأيام كان عليه الصلاة والسلام في بيت عائشة، فلما حان وقت النوم وضع ﷺ رداءه، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع. وبقي ﷺ هنيهة مضطجعاً فلما ظن أن عائشة قد نامت أخذ رداءه، وانتعل، وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويداً.
فلما رأت عائشة رضي الله عنها ذلك لم تطِق صبراً، ووقع في نفسها أنه يقصد بيت إحدى زوجاته! فتقنعت واختمرت وانطلقت في أثره، فإذا هو قد سار إلى البقيع فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، وأخذ يدعو لهم ويقول: «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون».
فلما فرغ النبي ﷺ انحرف لينصرف، فانحرفت عائشة، ثم أسرع فأسرعت، ثم هرول فهرولت، ثم أحضر – وهو ضرب من السير السريع ـ فأحضرت، فدخلت البيت قبيل دخوله، فما هو إلا أن استلقت على فراشها حتى دخل النبي ﷺ، فنظر إليها فإذا هيتلهث من التعب، فقال ﷺ: «ما لك يا عائش حَشْيا رابِية؟» أي: لماذا صدرك يتحرك هكذا؟ فقالت: لا شيء يا رسول الله، فقال: «لتخبريني او ليخبرني اللطيف الخبير»، فقالت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي.
ثم أخبرتْه رضي الله عنها وأرضاها خبرها وما ظنته، فقال ﷺ: «فأنتِ السواد الذي رأيتُ أمامي؟»، قالت: نعم، فلهدها ـ أي : ضربها ـ في صدرها لهدة أوجعتها، وقال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟»، فقالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله.
ثم إن النبي ﷺ بين لها علة خروجه بقوله: «فإن جبريل أتاني حين رأيتِ، فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدتِ، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فقال: “إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم”(۱).
هذه الحكاية من حكايات البيت النبوي فيها الكثير من العبر والدروس.
العبرة الأولى: هي ما يتعلق بزيارة المقابر.
فقد كان ﷺ حريصاً على زيارتها، بل كان يأمر بذلك ويؤمر بذلك، وقد رأينا كيف نزل عليه جبريل -عليه السلام- ليأمره بزيارة البقيع والدعاء لأهله -رضي الله عنهم-.
وكان ﷺ يأخذ الصحابة للمقابر ويعظهم عندها مستغلاً رقة قلوبهم برؤية الأموات، وقد قال عليه الصلاة والسلام مرة لأصحابه وهو يشير إلى قبر: «ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم» (۲).
إنها موعظة عملية مؤثرة، إن هاتين الركعتين اللتين قد لا تلقون لهما بالاً هما عند الميت خير من الدنيا وما فيها، فما لكم تفرطون؟ وهذه الموعظة النبوية رسالة إلى كل مسلم تعلمه أن هذه الحياة الدنيا هي زمن العمل، وبناء عليه يتفاوت الناس في منازلهم في الآخرة: وَلِكُلٍّۢ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [الأنعام: ١٣٢]، فهناك فرق بين الإنسان الذي يكثر من طاعة الله سبحانه وتعالى وبين الإنسان الذي يغفل وينسى الله جل جلاله.
فلا تستحقر ـ أخي ـ العمل الصالح، إذا استيقظت في الليل فقُم وتوضأ وصلِّ لله سبحانه وتعالى، وتذكر حديث عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- عندما وصف له النبي ﷺ الوضوء ثم قال: «فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه» (3).
فماذا يريد الإنسان أكثر من ذلك؟! يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ثم إنه بالركعتين الخفيفتين ترفع درجاته عند الله، كما قال ﷺ: «إنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة» (4).
وفي قصة ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه، لما قال للنبي ﷺ: أريد “مرافقتك في الجنة”. قال له ﷺ: “فأعني على نفسك بكثرة السجود”(5).
وهكذا تتابع الأحاديث على ضرورة تحقيق العبادة والطاعة، فكيف يرضى مسلم لنفسه ألا يصلي الفريضة؟ وأن تذهب عليه صلاة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر؟ نجد البعض أحياناً لا يصلي أياماً، أو يخرج وقت الصلاة وهو لا يصلي هل هذا هو المسلم الحقيقي الذي يريد أن يدخل الجنة ويريد أن يرافق النبي عليه الصلاة والسلام؟!
ألا يخشى أمثال هؤلاء أن يشملهم الحديث العظيم، حديث الذي يُرَدون عن الحوض، فإذا سأل عنهم النبي ﷺ قيل: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (6).
العبرة الثانية :
هي في التعامل مع المرأة وما ركب فيها من طباع، لقد حملت الغيرة عائشة -رضي الله عنها- على أن تسيء الظن برسول الله ﷺ! وتحسبه ذاهباً إلى غيرها من زوجاته في ليلتها، ولم تكتفِ بسوء الظن بل تبعته ﷺ وراقبته!
ماذا لو فعلت زوجة أحدنا هذا؟!
لا أستبعد أن تكون ردة الفعل عنيفة، شتماً أو ضرباً أو طلاقاً! ولكن النبي ﷺ بحكمته لم يزِد على أن ضرب على صدرها وقال: “أتخافين أن يحيف عليك الله ورسوله؟”. ثم شرح لها بعد ذلك ما حصل تطييباً لخاطرها.
إن هذا الوعي والفقه لطبيعة المرأة، وآليات التعامل معها هو من أهم دروس هذه القصة. المشكلة أننا نفهم الأمور أحياناً على غير وجهها، يقرأ بعضنا قوله ﷺ: “إن المرأة خُلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته”. فلا يفهم من هذا إلا أن المرأة ناقصة عوجاء لا أمل في إصلاحها! وربما تبرع بشتم زوجته بمثل هذه المعاني كلما وقع خلاف!
وفاعل هذا غفل عن القصة التي سقناها أول الحديث، إن الذي وصف المرأة بأنها خلقت من ضلع أعوج هو الذي تفهم موقف عائشة وأحسن التعامل معها، وهو أيضاً الذي قال بعد وصف المرأة بأنها خلقت من ضلع أعوج: «فاستوصوا بالنساء خيراً» (7).
إذن لم يكن النبي ﷺ يريد أن يعيب المرأة، بل أراد أن يبين الصفة التي خلقها الله عليها ليتمكن الزوج من التواؤم معها والتعامل بمقتضاها. ولذلك جاء في الرواية الأخرى للحديث قوله ﷺ: «فدارها تعيش بها»(8).
لاحظوا ثلاث كلمات: «فدارها تعش بها»، إن أردت أن تعيش مع الزوجة فدارها ولاطفها وأعطها بعض الهدايا، إذا أخطأت يوماً ما فتجاوز واصفح ولا تشدد عليها.
وفي موقف النبي مع عائشة وما يوحي بأنه لا بأس للزوج أن يسمح للزوجة بالتحقق من بعض ما يوجب لها شكاً، نعم لا نجيز لها أن تفتح الجوال كل مرة وأن تفتش الأدراج والملابس، ولكن من حكمة الزوج أن يسمح لها بالاطلاع على ما يزيل شكها من فترة لأخرى.
ومما يُلحظ كذلك أن عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين خرجت من البيت لتتأكد من بعض الأوضاع وترى بعض الأمور، فلم يمنعها النبي ﷺ، ولم يقل لها: لماذا خرجت من بيتك؟! بل تركها النبي عليه الصلاة والسلام وشأنها.
العبرة الثالثة
مفادها أن الذي يطوي صدره على خطيئة يظهر ذلك في ملامحه اضطراباً وقلقاً! فعائشة ما كانت حشيا رابية، صدرها يتحرك وجسمها يتحرك بسبب القلق.
ومثل ذلك وقع للصحابي الجليل المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- لما شرب كوب لبن النبي عليه الصلاة والسلام بغير إذنه، حيث لم يستطع أن ينام إذ نام صاحباه(9).
فالذي يقع في الأخطاء وفي التجاوزات تقلّ إعانة وتوفيق الله سبحانه وتعالى له، كما يُلحظ هذا على فلتات لسانه أو على قسمات وجهه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* علي حمزة العمري، أيام في المدينة، (ص136-141)، ط1، مؤسسة طريق الأمة
)١) رواه مسلم من حديث عائشة (966).
(٢) السلسلة الصحيحة (۱۳۸۸).
(3) رواه مسلم في صلاة المسافرين (٨٣٤).
(4) رواه مسلم في كتاب الصلاة (٤٩٠).
(5) رواه مسلم (490).
(6) رواه البخاري (6161) ومسلم (2860). من حديث ابن عباس.
(7) رواه البخاري (٤٨٩٠)، ومسلم (1468) من حديث أبي هريرة.
(8) رواه أحمد (5/8).
(9) رواه مسلم (2055).