
كلمة الشيخ أحمد الأسير من داخل محبسه
يناير 25, 2025
عشر وصايا للمصلحين في زمن غربة الدين
يناير 26, 2025د. سفر الحوالي – فك الله أسره
القاعدة السابعة: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَما﴾ [الأعراف: من الآية 168].
“في كيان غريب ومحفوف بالأعداء، ودولة عنصرية لا هوية لها ولا دستور ولا حدود، تكون علاقة الأمن الشخصي بالأمن القومي قوية إلى درجة عالية”.
في الحالات العادية حين يقاتل الإنسان على أرضه عن دينه، أو ماله أو أي قيمة يراها يكون أمنه الشخصي أقل ارتباطاً بالأمن القومي أو الأممي؛ لأن الجذور عميقة والكيان قائم، مهما بلغت التضحيات، وهكذا بقي الوطن في حالات مثل فيتنام واليابان وألمانيا ودول كثيرة مُنيت بخسائر بشرية فادحة. وأعظم من ذلك بقاء المجاهد الجزائري والأفغاني والشيشاني وغيرهم ثابتين متشبثين بتحرير بلادهم من العدو، ورغم كل التضحيات والفوارق في القوة.
أما في الحالة اليهودية فالأمر يختلف جداً، حيث لا وجود في الأصل لكيان باقٍ أو وطن ثابت؛ وذلك أن الكيان نفسه إنما تركّب عضوياً من آحاد المهاجرين الذين تجمّعوا في بيئة غريبة يجهلون عنها كل شيء تقريباً بدوافع عاطفية، وهذا التجمع لا هوية له، فحتى الآن لم يتفقوا على تعريف (اليهودي)، بل إن عدداً غير معلوم -من فقراء الهند والحبشة وروسيا- دسوا أنفسهم بين اليهود المهاجرين رغبة في حياة أفضل.
وكذلك لا دستور له، فإسرائيل ليس لها دستور ولا حدود رسمية حتى الآن! وهؤلاء الغرباء المهاجرون لا يزالون يحملون ذكريات بلادهم الأصلية، ولغتها وملامحها، وبالتالي يستيقظ هاجس العودة إليها كل حين، لا سيما حين الإحباط والذعر -كما في حالة ما بعد الانتفاضة- كما أن جنسيتهم تؤهلهم للعيش في بلاد كثيرة غنية وآمنة.
وهكذا يؤدي تناقص عددهم -بالهجرة خاصة، وبعوامل أخرى كالتكاثر السكاني لخصمهم- إلى أن يتقطَّع الكيان في النهاية، ويتناثر مثلما تتناثر الأشلاء في عملية تفجير قوية، وفي هذا إعادة للشتات الأول، الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَما﴾، بل هو في هذه المرة أولَى؛ فالعمر الزمني للمعركة لا يزال قصيراً جداً، ووسائل العودة متوفرة بما لم يكن يخطر على بال أحد من البشر قديماً، وعوامل التآكل الذاتي قائمة، فكيف والهدم يزداد والضربات تتوالى؟!
ومن هنا يظهر أثر (الردة) كما تقدم، والتأكيد على هذا مهم؛ لأن بعض الناعقين من العرب -ومنهم منتمون إلى السلطة- يفصلون في أحاديثهم وتحليلاتهم بين الأمن القومي والأمن الشخصي، والفكرة أصلاً منقولة من التحليلات الأمريكية عن ضعف أثر الإرهاب على الأمن القومي الأمريكي.
ونحن نقول: هبوا أن الأمر كذلك، لكن القياس خطأ، فأمريكا كيان كبير قائم لا يتأثر بتأثر آحاد قليلة منه، أما في إسرائيل فالفرد الواحد له أهميته، والأسرة الواحدة في المستوطنات لها أهمية استراتيجية.
ولذلك فإن ما يجتاح الكيان اليهودي هو تهديد مباشر لوجود الدولة ذاته وبداية زوالها، وهل هناك دليل أكبر من هجرة ربع سكانها تقريباً، وهي أصلاً كيان استيطاني لا جذور له؟!!
ولإيضاح ذلك نقول:
إن ربع سكان الدولة العبرية تقريباً هم من العرب، والربع الثاني -وهو الأغنى والأرقى تعليماً وخبرة- قد هاجر، فلم يبقَ من اليهود إلا النصف المذعور والأفقر! وهذا النصف إن بقي كله أو بعضه سيصبح أقلية في محيط من العداء المتلاطم والمتزايد يومياً، ولن يستطيع الصمود في حرب الاستنـزاف التي فرضتها عليه الانتفاضة المباركة.
هكذا إذاً يصبح الحديث عن أمن الدولة لا معنى له؛ لأن القضية هي قضية بقاء الكيان أو زواله، وهذا ما عبَّر عنه أكثر من مفكر سياسي يهودي!.
إن موضوع نهاية إسرائيل مطروح الآن على قائمة الاهتمامات الفكرية والوجدانية الصهيونية. انظر على سبيل المثال إلى (يديعوت أحرونوت) (بتاريخ 27/1/2002)، والتي ظهر فيها مقال بعنوان (يشترون شققاً في الخارج تحسباً لليوم الأسود)، واليوم الأسود هو اليوم الذي لا يحب الإسرائيليون أن يفكروا فيه.
ونفس الموضوع يظهر في مقال (ياعيل باز ميلماد) – معاريف 27/12/2001، والذي يبدأ بالعبارة التالية:
“أحاول دائماً أبعد عنّي هذه الفكرة المزعجة، ولكنها تطل في كل مرة وتظهر من جديد: هل يمكن أن تكون نهاية الدولة كنهاية الحركة الكيبوتسية؟ من نقطة الزمن الحالية ما زالت هذه الفكرة مدحوضة، ولكن ثمة الكثير جداً من أوجه الشبه بين المجريات التي مرت على (الكيبوتسات) قبل أن تحتضر أو تموت، وبين ما يجري في الآونة الأخيرة مع الدولة”.
وصدق رسول الله ﷺ حين قال: “ولكنكم تستعجلون”!
القاعدة الثامنة: ﴿وَٱنظُرۡ إِلَىٰۤ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِی ظَلۡتَ عَلَیۡهِ عَاكِفࣰاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِی ٱلۡیَمِّ نَسۡفًا﴾ [طه: 97]
“إن الأمة التي هي أكثر الخلق طمعاً وجشعاً وعبودية للمال، لابد أن تتمزق وتنهار حين ترى صنمها من الذهب يحترق”.
قبل اشتعال الانتفاضة المباركة كانت الدولة اليهودية تعيش عصرها الذهبي، لا سيما في الاقتصاد، فقد أصبحت تطمع لتكون إحدى الدول العشر الأولى في العالم من حيث مستوى دخل الفرد، أما التقنية المتقدمة -لا سيما في مجال الاتصالات- فقد بلغت الذروة، وأصبحت تتهيأ لاقتحام الأسواق العربية الواسعة، بعد أن ألغى العرب برامج المقاطعة، وبدأوا يستسلمون لأغلال العولمة، ومشروع الولايات الشرق أوسطية، بل وصلت الأموال العربية في بورصة تل أبيب إلى عشرة مليارات دولار سنة 1998م وأصبح المهاجر اليهودي من روسيا وغيرها يحترق شوقاً لرؤية معبد العجل الذهبي الجديد، والأرض التي تفيض لبناً وعسلاً.. كما تقول أسفارهم.
أما المستوطنون فقد بلغوا غاية الرفاهية، وكانوا يسمون -قبل الانتفاضة- أصحاب الفاءات الثلاث: أي: (الفيلا والفولفو والفيديو)، فلما قامت الانتفاضة المباركة هبطت بالاقتصاد اليهودي إلى أسوأ حالاته منذ قيام الدولة، وذلك بإجماع الخبراء والمراقبين في إسرائيل، والهيئات الدولية المختصة، ودخلت الدولة الصهيونية في دوامة لا قرار لها في كل المجالات، ومنها المجال السياسي الأعلى في الدولة، فقد رأى العالم كيف أن معركة الميزانية الحالية فككت التحالف الحكومي اليهودي، وباعدت الخلاف بين أطرافه، بحيث يمكن القول: إن الصراع بين الحزبين الكبيرين أدى إلى موت حزب (العمل) دماغياً، وإصابة حزب (الليكود) بجراح خطيرة!
إن ركود الاقتصاد -أو انهياره- مشكلة خطيرة في أي بلد في العالم، لكنه بالنسبة للدولة اليهودية كارثة محققة، وقد عبر أحد المحللين عن هذه الحال قائلاً: “بالنسبة لنا -معشر اليهود- الاقتصاد أهم من الأمن”.
عند البحث في الإعلام اليهودي عن حالة الاقتصاد يجد الباحث إجماعا ثابتاً، وخلافاً شديداً في آن واحد.
أما محل الإجماع فهو أن ما يحدث هو أسوأ ما مرَّ على الدولة اليهودية منذ قيامها! وأما الخلاف فهو في الأرقام الدالة على ذلك.
فالإعلام الرسمي يذكر أرقاماً لا يقره عليها المعلقون في الصحف، ثم إن هؤلاء المعلقين يختلفون فيما بينهم كثيراً، بين المتشائم جداً والأقل تشاؤماً، ولهذا الاختلاف أسباب -مع اعتبار أن الخلاف عادي في هذه الأمور- أهمها الميول الحزبية، كما أن بعض التقديرات تتحدث عن الخسائر المباشرة، والبعض يتحدث عن جملة الخسائر، وهكذا.
وتصديقاً لذلك جاء تقرير (صندوق النقد الدولي)؛ ليؤكد أن العجز سيفوق المخطط له، وأوردت الصحيفة نفسها -بتاريخ (4/2/2003)- ذلك ضمن مقال بعنوان: “رقم قياسي في العجز الحكومي في يناير بلغ 2,66 مليار شيقل”.
واستهلته بالقول: “حكومة إسرائيل تستهل العام بعجز ضخم يفوق ما هو مخطط له بمليار ونيف”!
فإذا كان هذا في أول شهر من السنة، فكيف يكون سائرها؟
وقد أظهرت التقارير الاقتصادية للصحيفة أن السنة الجديدة شهدت تدهوراً في مجالات كثيرة منها:
1 هبوط بنسبة 37% في نسبة دخول السياح في شهر فبراير إلى إسرائيل.
2 انخفاض بنسبة 13% في حركة المسافرين في مطار بن جوريون الدولي.
3 انخفاض نسبة زوار المجمعات التجارية في إسرائيل بنسبة 30-50% في عيد الفصح!
وفي موقع (بي بي سي) في 18/2/2003 يرد إعلان رئيس اتحاد المصانع الإسرائيلية عن إغلاق 60 مصنعاً في إسرائيل سنة 2002، بالإضافة إلى إغلاق 150 مصنعاً للتقنية المتقدمة، وأنذر المجتمعين في مؤتمر الاتحاد بأن عام 2003 قد يشهد إغلاق 90 مصنعاً للأثاث، وكذلك 150 مصنعاً للتقنية، ولأن هذه المعلومات وأمثالها تفوق التوقعات، ولأن الفساد استشرى في زعماء الدولة الصهيونية بشكل فاضح، لم يجد البيت الأبيض مناصاً من رد (شارون) خائباً في زيارته الأخيرة لأمريكا، مع المطالبة بالأرقام التفصيلية للميزانية الإسرائيلية، وهو طلب غير معهود في التعامل السياسي بين الدول، لكن (هآرتس) في (26/2/2003) نقلت عن الوزير الإسرائيلي المسئول أن إجابة الطلب لابد منها، وأن شارون أعطاه الموافقة على ذلك.
لقد انهارت الأسطورة -أسطورة العجل الذهبي- وأحرقته الانتفاضة المباركة، وسوف تنسفه في اليم نسفاً بإذن الله، أما حلم الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً، فقد أفاق منه الصهاينة على أرض تفيض دماً وأشلاء!
ــــــــــــــ
* سفر الحوالي، مقال: الانتفاضة فجر جديد، باختصار، موقع إلكتروني: طريق الإسلام، 2003م.