
استمرار هدم المنازل واقتحامات واسعة بالضفة الغربية
يوليو 2, 2025
إرث “شهيد” في صفحات “الصمود”
يوليو 2, 2025أول دار إفتاء إلكترونية.. مركز أنصار النبي ﷺ للفتوى والإرشاد
د. محمد الصغير – رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
أهمية الفتوى الشرعية وخطورتها تكمن في تعلقها بعبادات الإنسان وشتى مناحي حياته، ووقوفه من خلالها على باب الحلال والحرام، لذا تولاها الله بذاته تعالى وتقدس، ونسبها إلى رسوله ﷺ ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: 127].
وفي السورة نفسها: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النساء: 176].
وكان رسول الله ﷺ موئل أصحابه ومرجعهم في كل ما يعن لهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت رسول الله ﷺ فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال ﷺ: “أرأيتِ لو كان عليها دَين أكنتِ تقضينه”؟ قالت: نعم، قال: “فدَين الله أحق بالقضاء”.
وعن ابن عباس أيضاً قال: رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟، قَالَ: “نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ”.
وجعل رسول الله ﷺ الفقه في الدِّين مقياس الخيرية لمن اصطفاهم الله لهذه المكانة العلية من عباده، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: “مَن يُرِدِ اللهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وإنَّما أنا قاسِمٌ ويُعْطِي اللهُ، ولَنْ يَزالَ أمْرُ هذِه الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ”، أوْ: “حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهُ”.
وأصبح كل من يتولى مهمة الفتيا هو بمثابة الموقّع عن الله تعالى، كما جعله الإمام ابن القيم كالوزير في التوقيع عن الملك -ولله المثل الأعلى- فقال: “وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمنصب الذي لا يُنكَر فضله، ولا يُجهَل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيّات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟”.
وقال ابن المنكدر: “العالم بين الله وبين خَلْقه، فلينظر كيف يدخل بينهم”.
ومع بدايات الاستحواذ على مؤسسات الحكم، وتقليص مساحات الشورى، أصبحت هذه المكانة التي أوْلتْها الشريعة لعلمائها مبعث قلق لدى الحكام، وكلما زاد معدل الاستبداد زادت نسبة القلق، وعندها يلجأ المستبد إلى تحجيم سلطان الفتوى، وانتقاص مساحتها والجور على حقوق أصحابها، ولعل ما همّ به الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور هو أبرز ما تجلى فيه ذلك في عصور الإسلام الأولى، وإن اختلفت نظرة الباحثين حول بواعثه، وذلك فيما رواه الحافظ الذهبي في (تذكرة الحفاظ) عن مالك بن أنس إمام دار أهل الهجرة حيث قال:
“لما حج أبو جعفر المنصور دعاني، فدخلت عليه فحدثني وسألني فأجبته، فقال: إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها -يعني: الموطأ- فتُنْسَخُ نُسَخًا، ثم أبعث إلى كل مِصْرٍ من أمْصَار المسلمين منها بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها لا يتعدونه إلى غيره، وَيَدَعُوا ما سوى ذلك من هذا العلم المحْدَثِ، فإني رأيت أصْل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم.
قال: فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا، إن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم، وعملوا به، ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم، وإنَّ ردَّهُمْ عَمَّا اعتقدوه تشديد، فَدَعِ الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم.
فقال: لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به”.
وبعد هذا الموقف الذي يليق بالإمام مالك وبالخليفة المنصور، تبدلت الأحوال رويداً رويداً حتى رأينا أحفاد المنصور يفعلون الأفاعيل بالإمام المبجل أحمد بن حنبل، في فتنة المعتزلة حول قولهم بخلق القرآن الكريم!
ولو نظرنا إلى أي حقبة من حقب التاريخ ستجد فيها شرراً يتطاير من قصر الحكم إلى مجلس الإفتاء، أو ناراً تسري تحت الرماد، حتى أصبح من علامات سقوط الأنظمة الحاكمة، وذهاب ريحها، إعلان العداوة الظاهرة لأهل العلم وتأميم الفتوى، وأقرب الأمثلة على ذلك ما فعله طاغية الشام من إلغاء منصب الإفتاء في سوريا، ولكن عناية الله حالت دون سقوط هذه الراية، فأخذها بحقها فضيلة الشيخ أسامة الرافعي “ثائراً” على هذا الجور، حتى دخل بها “فاتحاً” بعد زوال نظام البعث الدموي.
وبما أن الطغاة يقرأون من صفحة واحدة، وينفذون خططاً متشابهة وفق أجندة ثابتة، لذا عمد البرلمان في مصر إلى إصدار قانون تأميم الفتوى، استكمالاً لمشروع التأميم الذي بدأ منذ عام 1954م بتأميم الأوقاف الإسلامية وإلغاء المحاكم الشرعية، والاستحواذ على حق تعيين القيادات الأزهرية.
وخلاصة القانون الذي صُدق عليه وسَرى العمل به، أنه تمنع الفتوى عن كل أهل العلم في مصر بما فيهم أساتذة الفقه وأصوله بالأزهر الشريف، ولا يُصرَّح بالفتوى إلا للجهات التي حددها القانون، وهي هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، ولجان الفتوى التي تشكلها وزارة الأوقاف الحكومية، أي أن الفتوى حُصرت في بضع عشرات، في أمة تعدادها زاد عن المائة مليون، ونَص القانون على عقوبة بالسجن ستة أشهر، وغرامة مائة ألف لمن يخالف القانون، بما في ذلك وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي، وتسري العقوبة نفسها على أي صحفي أو إعلامي حال نشره أو استضافته غير المرخص لهم، وقد سجل الأزهر الشريف اعتراضه على القانون أثناء عرضه على البرلمان، من خلال وكيل الأزهر فضيلة الشيخ محمد الضويني الذي سجل اعتراض المشيخة على القانون ووصفه بالمعيب.
مركز أنصار النبي ﷺ للفتوى والإرشاد
ومن هنا كان لزاماً على علماء الأمة القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحفاظ على مؤسسات المسلمين العلمية، ومنع تغول السلطة على حقوق العلماء والمفتين، وكذلك حق عامة المسلمين في الوصول إلى مَن يستفتونه، ممن يثقون في علمهم وأمانتهم، فأعلنت الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ عن مركز أنصار النبي ﷺ للفتوى والإرشاد، كأول دار إفتاء إلكترونية تربط بين المفتي والمستفتي، من خلال وسائل الاتصال الحديثة، والاستفادة من ثورة الاتصالات التي أزالت الحواجز وجعلت العالم يعيش في قرية واحدة.
وتجاوب مع الفكرة عدد من علماء الأمة من أصحاب الاختصاص من شتى بقاع الأرض، لتكون دار الإفتاء الإلكترونية منارة علمية وفقهية لكافة المسترشدين، وتلبي على مدار الساعة نداءات طلاب المعرفة، ورغبات الباحثين عن الحكم الشرعي في المواضيع المختلفة، تحت شعار “دعوة بلا قيود، وتبليغ بلا عوائق”، لذا فإن مركز الفتوى ليس قاصراً عليها وحدها، بل معه قسم الإرشاد والتوعية، الذي يقدم الاستشارات الأسرية والحلول لإشكاليات الشباب الحياتية، ويحصن المجتمع من غزو الشهوات الشبهات وسهام الإلحاد، وذلك من خلال أهل الاختصاص الذين لهم فضل السبق في هذا المضمار.
وتسعى هيئة أنصار النبي ﷺ من خلال مركز الفتوى إلى الاستفادة من كافة الجهود السابقة، والتنسيق بينها والبناء عليها، حيث ينحصر دورنا في الهيئة على تهيئة الوسائل التي توصل المستفتي وطالب المعرفة إلى المفتي والمرشد في أي مكان كان وبأيسر السبل، كما نعتبر كل عالم في موقعه، وكل مختص في مجاله، هو فرع لدار الإفتاء الإلكترونية في مكانه، كما ستعمل الدار على تأهيل الراغبين، وتطوير من استجمعوا خصائص الفتوى ولم يسبق لهم خوض فضائها الإعلامي، من خلال دورات محددة مع دور الإفتاء القائمة واللجان الإفتائية المتخصصة.
كان من بوادر نجاح الفكرة وتلقي العلماء لها بالقبول، قبول فضيلة الشيخ عبد الحي يوسف لها، والاهتمام بوضع بذرتها وتعهدها، وتولي رئاسة مركز الفتوى، والإشراف العام على دار الإفتاء، وإن الكلمات التي تواكب التأسيس يبقى صداها يتردد في أروقة التاريخ، ومن ذلك ما قاله الشيخ في أول تعليق على الفكرة: “هذا ثغر أرابط فيه، وأتمنى أن ألقى الله عليه”.
ولفضيلة الشيخ عبد الحي أرشيف من الفتاوى المسموعة، وآخر من المدون والمكتوب، وتفسير مرئي للقرآن الكريم في أكثر من ألف حلقة، جمع ذلك كله في تطبيق قلّما فعل مثله لغيره، وذلك من بعض حقه على طلابه النجباء ومريديه الأوفياء، الذين جمعوا هذا العلم النافع وحفظوه للأجيال، وتأتي دار الإفتاء الإلكترونية تتويجاً لعمل الشيخ أبي عمر اليومي الدؤوب في ميدان الفتوى والتعليم.
واللهَ نسأل أن يوفقه وإخوانه في مركز أنصار النبي ﷺ للفتوى والإرشاد، لسد هذه الثغرة وملء هذا الفراغ، إنه ولي ذلك ومولاه، والله من وراء القصد والهادي سواء السبيل.