
مظاهرات ضد الإسلاموفوبيا في عدة مدن فرنسية اليوم الأحد 11 مايو
مايو 11, 2025
تحريم بيع أرض فلسطين ووجوب مقاطعة اليهود
مايو 11, 2025عبد القادر مهدي أبو سنيج
باحث شرعي
الحمد لله سبحانه أحمده على فضله وإحسانه، والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه محمد ﷺ وبعد:
فإن من أشهر الشبهات انتشاراً شبهة انتشار الإسلام (بحدّ السيف)، وهي شبهة متكررة وتكرر معها الرد، ولعل صلة هذه الشبهة بموضوعنا التلازم بينها وبين الجهاد عبر التاريخ.
وفي كل الردود نجد الاستدلال بأن كليم الله سيدنا موسى بعدما نجاه الله من الغرق وأهلك عدوه فرعون، أنزلت عليه التوراة وأمره الله بقتال من كفر وعاند، فإن “الأمم والأنبياء من قبل موسى لم يشرع لهم القتال والجهاد، فإذا كفرت أمة وأشركت بادرها الله بالعقوبة في الدنيا بأمر منه، فحين عصى قوم نوح نوحاً أفاض الله عليهم الماء فأغرقهم، وأهلك عاداً بما أهلكهم به من الصيحة والفزع، وأهلك قوم صالح كذلك، وأهلك قوم لوط بأن جعل عالي الأرض سافلها، وأهلك قوم فرعون بالغرق والضياع، ثم لما جاء موسى شرع القتال والحرب، فلم تبق الفتنة ولا العذاب ولا القضاء شاملاً عاماً لكل الأمة ممن كفر بالله وأشرك به، ولكن الله تعالى شرع للمؤمنين أن يقاتلوا الكافرين؛ ليذلوا ويسحقوا ويؤدبوا على يدهم، ومنذ موسى رفع الخسف والصعق والغرق والبلاء على الأمم عامة، إلا ما كان من القتال والجهاد، يكرم الله به المؤمنين، وهم يبذلون أرواحهم وأموالهم وأولادهم رخيصة لإعلاء كلمة الله”.
بداية تشريع الجهاد
قال ابن كثير: “وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى﴾ الآية، أي: وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إيّاكم بهم إلا بشرى ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي: بدون ذلك؛ ولهذا قال: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [محمد: 4-6]. وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 140-141].
فهذه حِكم شرع الله جهاد الكفار بأيدي المؤمنين لأجلها، وقد كان تعالى إنما يعاقب الأمم السالفة المكذِّبة للأنبياء بالقوارع التي تعم تلك الأمم المكذبة كما أهلك قوم نوح بالطُّوفان، وعادًا الأولى بالدبور، وثمود بالصيّحة، وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجِّيل، وقوم شعيب بيوم الظُلة، فلما بعث الله تعالى موسى وأهلك عدوه فرعون وقومه بالغرق في اليمِّ. ثم أنزل على موسى التوراة شرع فيها قتال الكفار واستمر الحكم في بقية الشرائع بعده على ذلك كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ﴾ [القصص: 43].
وقتْل المؤمنين للكافرين، أشدُّ إهانة للكافرين، وأشفى لصدور المؤمنين، كما قال تعالى للمؤمنين من هذه الأمة ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِين﴾ [التوبة: 14]. ولهذا كان قتل صناديد قريش بأيدي أعدائهم الذين ينظرون إليهم بأعين ازدرائهم أنكى لهم، وأشفى لصدور حزب الإيمان، فقتل أبي جهل في معركة القتال وحومة الوغى أشدُّ إهانةً له من موته على فراشه بقارعة أو صاعقة أو نحو ذلك، كما مات أبو لهب لعنه الله بالعدسة بحيث لم يقربه أحد من أقاربه، إنما غسلوه بالماء قذفًا من بعيد، ورجموه حتى دفنوه، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ أي: له العزة ولرسوله وللمؤمنين بهما في الدنيا والآخرة؛ كقوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر :51] ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته .
ويؤكد هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: 43]. يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، من إنزال التوراة عليه بعد ما أهلك فرعون وملأه.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ يعني: أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين، كما قال تعالى: ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً ﴾ [الحاقة]؛ “فدلّ على أن كل أمة أهلكت بعامة قبل موسى “.
وهذا يدل على أن القتال مما لا ينفك عنه الاجتماع البشري، فهو سُنة من السنن التي شاء الله تعالى وجودها في خلقه، لتنازع الناس البقاء، ورغبتهم في توسيع الملك، والسلطة والنفوذ، فجعل مقاومة الظالمين إلى عباده المؤمنين، تكريماً لهم، ورفعاً لشأنهم عنده، وليكون ذلك برهاناً على محبتهم له، واسترخاص أغلى ما عندهم طلباً لمرضاته، يفعلون ذلك لإعلاء كلمته، وإزالة الفتنة عن الناس، حتى يكونوا أحراراً لا سلطان لأحد على عقائدهم، وإنما شرع لهم ذلك منذ رسالة موسى عليه الصلاة والسلام، وقبلها كان ربنا ينتقم من الظالمين بآفات عذابه، وغواشي نقمته، يرسلها عليهم، يشير إلى ذلك قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: 43].
وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ ، قال: ما أَهْلَك اللهُ قومًا بعذابٍ مِن السماءِ ولا مِن الأرضِ بعدَ ما أُنزِلت التوراةُ على وجهِ الأرضِ غير القريةِ التي مُسِخوا قردةً، ألم تَرَ أن الله يقولُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: 43].
ومن الآيات الدالة على شرع القتال زمن سيدنا موسى قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 246]. “وَإِنَّمَا كَانَ قِوَامُ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْمُلُوكِ وَطَاعَةِ الْمُلُوكِ لِأَنْبِيَائِهِمْ، فَكَانَ الْمَلِكُ هُوَ الَّذِي يَسِيرُ بِالْجُمُوعِ، وَالنَّبِيُّ يُقِيمُ لَهُ أَمْرَهُ وَيُشِيرُ عَلَيْهِ بِرُشْدِهِ وَيَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ مِنْ رَبِّهِ”.
والغالب أن ذكر إيتاء سيدنا موسى الكتاب فيه إشارة إلى شرع الجهاد والمدافعة بالقتال، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾ [الإسراء: 2].
وهذه الآية في سورة الإسراء أو سورة بني إسرائيل تدل على أن: “الدِّينُ الْحَقُّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ الْهَادِي وَالسَّيْفِ النَّاصِرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 25]”.
“مِنْ أَسْبَابِ ظُهُورِ الْإِيْمَانِ الَّذِي وَعَدَ بِظُهُورِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بِالْبَيَانِ وَالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ ثُمَّ بِالسَّيْفِ وَالْيَدِ وَالسِّنَانِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَويٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: 25].
وَذَلِكَ بِمَا يُقِيمُهُ اللَّهُ تبارك وتعالى مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْخَالِيَ مِنَ الْعَاطِلِ، وَالْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَالصِّدْقَ مِنَ الْمُحَالِ، وَالْغَيَّ مِنَ الرَّشَادِ، وَالصَّلَاحَ مِنَ الْفَسَادِ، وَالْخَطَأَ مِنَ السَّدَادِ، وَهَذَا كَالْمِحْنَةِ لِلرِّجَالِ الَّتِي تُمَيِّزُ بَيْنَ الْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: 179]؛ “فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ وَأَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ لِأَجْلِ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ؛ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ وَلِهَذَا كَانَ قِوَامُ الدِّينِ بِكِتَابِ يَهْدِي وَسَيْفٍ يَنْصُرُ وَكَفَى بِرَبِّك هَادِيًا وَنَصِيرًا”.
فجاء ذكر نزول الحديد كضرورة من ضرورات الدعوة مع نزول الكتاب والميزان: “ودين الإسلام: السيف تابع للكتاب، فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة، وكان السيف تابعاً لذلك كان أمر الإسلام قائماً.. وأما إذا كان العلم بالكتاب فيه تقصير، وكان السيف تارة يوافق الكتاب، وتارة يخالفه، كان دين من هو كذلك بحسب ذلك”.
وللحديث بقية..